رواية أصبحت أسيرته البارت الثالث والعشرون 23 - روايات سماح نجيب ( سمسم)

     نقدم اليوم احداث رواية اصبحت اسيرته البارت 23 من روايات سماح نجيب . والتى تندرج تحت تصنيف روايات رومانسية ، تعد الرواية  واحدة من اجمل الروايات رومانسية  والتى نالت اعجاب القراء على الموقع ، لـ قراءة احداث رواية اصبحت اسيرته كاملة بقلم سماح نجيب من خلال اللينك السابق ، أو تنزيل رواية اصبحت اسيرته pdf كاملة  من خلال موقعنا .


رواية أصبحت أسيرته البارت 23 - روايات سماح نجيب ( سمسم)



أصبحت اسيرته الفصل الثالث والعشرون


* أصبحت أسيرته *
٢٣– " طلب مفاجئ وقبول "

منذ متى ويداه معلقة هكذا فى الهواء بقدح القهوة ؟ الذى لم يقرب شفتاه ،منذ سماع ذلك التصريح المدوى ، الذى ألقته والداته ، على مسمع ومرآى من الجالسين
تلك الرجفة الخفيفة التى سرت بجسده ، بعد أن شعر أن أعضاءه جميعها توقفت عن تأدية وظائفها ، هى من جعلته يعيد القدح لمكانه على الطاولة يصدر صوت قرقعة خفيفة

أول عينان تقابلت بعيناه ، كانت عينى زوجته ، التى لم تخفى صدمتها هى الاخرى مما سمعته

ولكنها حركت رأسها بعنف تنفى عنها ذلك الشك الذى علمت أنه ربما يفكر به ، فهى ما زالت حافظة ذلك الوعد بأنها لن تبوح بسره

لم تشأ كريمة أن ترى حيرة ولدها تدوم أكثر من ذلك ، فمدت يدها تربت على يده قائلة بحنان:
– أنا عارفة أنت بتفكر فى إيه دلوقتى يا جواد ، بس عايزة أقولك أن انا مش عارفة بالموضوع ده من يوم ولا اتنين لاء أنا عارفة من يوم موت باباك

عودة لوقت سابق
بفراش وثير بإحدى غرف منزل " حسنى النصراوى " ، كان رجل أشيب نال منه المرض ، وأخذ منه كل مأخذ ، لم يفلح الأطباء فى معالجته ، تجلس بجانبه زوجته الحبيبة ممسكة بيده وعيناها تذرف الدموع خوفاً على فقدان زوجها وحبيبها ووالد أبنها الوحيد

خرج صوته خافتاً يلتقط أنفاسه بصعوبة:
– كريمة هو فين جواد عايزه دلوقتى ضرورى عايز أشوفه

أومأت برأسها مراراً قائلة:
– حاضر يا حسنى هطلبه حالا

سارعت بتنفيذ رغبته ، فلم يتوانى جواد عن تلبية أمر والده برؤيته ، فهو كان بالشركة يتولى زمام الأمور بعد تقاعد والده المريض

ولج جواد الغرفة يسرع الخطى لرؤية والده ،فجلس بجانبه على الفراش ،فأخذ إحدى يديه بين كفيه يقبلها وعيناه دامعة ، فما يراه أنبأه أن والده يشعر بدنو الأجل لذلك ألح بطلبه لرؤيته

رمق حسنى كريمة بنظرة عطوفة وهو يقول:
– كريمة سبينى مع جواد شوية

أومأت برأسها وأتجهت صوب الباب ، ولكن خوفها وحزنها على زوجها لم يجعلها تبتعد كثيراً ، فوقفت بجوار الباب وكان بإمكانها سماعهما جيداً

كلما سمعت صوت زوجها المتعب ، زاد بكاءها وهى ترى أن النهاية المحتومة قريبة منه ، فظلت ساكنة تستمع لصوته ،خشية أن يكون ذلك أخر ما ستستمع إليه منه

ولكن ذلك الحديث الذى بدأ به زوجها ، جعلها مشدوهة ،تكمم فمها بيدها من صدمة تلك الكلمات التى سمعتها منه ببداية حديثه مع جواد ،وأنه يمتلك زوجة أخرى ألمانية وكان لدية إبنة منها أيضًا ،لتأتى الحقيقة الثالثة تصفعها شأنها شأن ما سبق ، وهو أنه لديه حفيدة تعيش بألمانيا برفقة جدتها بعد وفاة والدايها

لا تعلم حتى الآن كيف حافظت على هدوءها؟ وهى تستمع لتلك الحقائق التي شعرت بالبداية كأنها طعنات تلقتها من زوجها
ولكن قسم زوجها على كتاب الله ،أنه لم يفعل كل هذا بملأ إرادته ،وأن ما حدث نتاج خداع إمرأة له ، وأنه لم يحب ويعشق غيرها ، ولم يمس زوجته الأخرى سوى تلك الليلة التى كان مغيباً بها ونتج عنها حملها بإبنته
هذا ما جعلها تحافظ على رابطة جأشها ، فليس رجل على فراش الموت يقترب أجله ، سيقدم على الكذب والافتراء وهو يقسم بالله ، ولم يكن لديها الوقت الكافى للتفكير إذ سمعت صوت صياح جواد وهو ينادى والده ويبكى بعد أن صعدت روحه لباريها

عودة للوقت الحالى
بعد أن أنتهت كريمة من إخبارهم بكيفية معرفتها ، كانت الصدمة تلك المرة من نصيب ديما ، التى يكاد يصل فكها السفلى للأرض وهى تستمع لما قالته زوجة عمها

فقالت بصوت مصدوم وبلاهة:
– يعنى عمو الله يرحمو هيلينا تبقى حفيدته ، يعنى اللى سمعته ده صح ، يعنى أنت يا جواد تبقى خال عروسة نائل إبن خالتى طب أنا أبقى مين

تلك الجملة الاخيرة التى قالتها ديما ببلاهة كعادتها ، هى من جعلت جواد يبتسم ويعى على ما يحدث ، ويخرج من حالة الغرابة والاندهاش التى أصابته منذ قليل

فحدق بوجه والدته قائلاً:
– طب ليه يا أمى مقولتليش أنك عارفة وريحتينى من خوفى لتعرفى وتزعلى

زفرت كريمة قائلة :
– صدقنى يا جواد بالرغم من ان عرفت ان باباك ملوش ذنب فى اللى حصل بس برضه كنت بحاول اوهم نفسى أن اللى سمعته منه كان تهيؤات لأن أنت عارف باباك كان ايه بالنسبالى وكتر التفكير فى الموضوع ده هو اللى كان بيتعبنى ، لأن مكنتش هقدر اقولك عايزة أشوف مين اللى كانت مرات باباك دى أو أن اشوف ليه حفيدة مكنش انا جدتها كان الموضوع صعب عليا صعب

ندت عنها زفرة مرتجفة وهى تعاود حديثها:
– هات هيلينا يا جواد هاتها هنا علشان لما عريسها ييجى ياخدها يبقى واخدها من بيت جدها وخصوصاً لما عرفت انكم قولتوا انها بقت وحيدة وجدتها ماتت فهاتها هى ملهاش ذنب واللى حصل حصل وخلاص مبقاش فى العمر أكتر من اللى راح ، تيجى علشان نحضر لفرحها وتحس أنها بين أهلها حتى لو كانت المدة اللى هتقعدها معانا قبل ما تروح بيت جوزها مش طويلة

أخذ جواد يديها بين كفيه يقبلها بحنان بالغ ، فهو يعى ما تقول ،ويتفهم كونها إمرأة شأن النساء جميعاً ، كانت لاتريد أن تعرف بشأن جانب أخر من حياة زوجها خاصة إذا كان هذا الجانب سيألمها بوجود إمرأة أخرى غيرها ، ولكن كان حنانها المعهود هو الغالب حتى وهى تطالب الآن بمجئ هيلينا لتقام مراس عُرسها هنا بمنزل جدها ولتكن لها عوناً هى الأخرى كمان كان جواد دائماً عوناً لكل المحيطين به
_____________
فتح قاسم باب ذلك المنزل ، الذى هجر إياه ، منذ مقتل والده وشقيقته ، دمعت عيناه وهو يتذكر تلك الفتاة التى كانت دائماً ما تركض على الدرج فاتحة ذراعيها لتعانقه عندما يعود ، ومكان والده المفضل وهو يجلس يقرأ الجريدة

ذكريات عصفت به كرياح مشتدة ، كل شئ كساه الغبار وخيوط العنكبوت ، فهو صرف العاملين بالمنزل قبل رحيله من هنا بيوم واحد ، فهو من أقسم على ألا يعود هنا إلا بعد أن ينال طلعت جزاءه وعقابه

وهاهو يعود الآن برفقة زوجته ، التى لم تخفى ريبتها من ذلك المكان الذى أصر عليها بأن ترافقه إليه

فجالت ببصرها تقول بصوت مرتجف خائف:
– قاسم أنت جبتنا هنا ليه البيت شكله مهجور ويخوف

تبسم قاسم وربت على يدها المحتضنة ذراعه بخوف :
– متخافيش يا جومانا دا بيت أهلى وهنرجع نعيش فيه هنا علشان تولدى البيبى هنا فى البيت ده ،وعلشان كمان هرجع أفتح المصنع بتاع والدى وأرجع تانى قاسم سعد الدين الوزان

تبسمت جومانا بوجهه وتركت خوفها جانباً ،عندما شعرت بنبرة صوته الحماسية :
– بس البيت محتاج تنضيف جامد يا قاسم

أقترب قاسم من صورة شقيقته المعلقة على الجدار قائلاً بحنين:
– من بكرة الشغاليين هيرجعوا ينضفوا البيت شايفة أختى كانت جميلة إزاى يا جومانا نفسى لو ربنا رزقنا ببنت تطلع شبهها وأسميها على إسمها ياسمين

فإستدار برأسه إليها وهو يقول فجأة:
– جومانا ما تيجى نعمل فرح ونروح تقضى شهر العسل أنا عايز الناس كلها تعرف انك بقيتى مراتى

ضحكت جومانا على إقتراحه وهى تشير لبطنها :
– عايزنا نعمل فرح وأنا حامل يا قاسم

أخذ يدها بين يديه قائلاً بإبتسامة:
– وإيه يعنى أنتى لسه بطنك مبقتش كبيرة أوى وهنختار فستان فرح يكون واسع وميبينش بطنك أوى حتى لو بانت محدش له حاجة عندنا عايز نبدأ كل حاجة من جديد ونبدأها صح

ألح عليها بمطلبه ، فلم تشأ أن تعارضه فوافقت على كل ما أخبرها به ، لاتنكر سعادتها بأنها ستتذوق حلاوة إرتداءها لثوب الزفاف الأبيض ، وأن يعلم الجميع أنها زوجته ، ومستقبلاً أماً لأطفاله

فأمأت برأسها دليلاً على إقتناعها بما قاله وموافقتها أيضاً ، فهى سعيدة الآن بتحسن أمورها ،وخاصة أنها أبتعدت عن شقيقتها ولن تستطيع إيذاءها أو إيذاء زوجها ، فلم تعد تملك ما ترهبها به ، والآن ستحرص على أن تطوى تلك الصفحة القديمة بكل ما تحمله من خير وشر ، وتبدأ تخط بيدها وبيد زوجها بصفحة جديدة بيضاء كتلك الأيام السعيدة التى تحلم بها مع زوجها وستكون هنا بمنزله ، وبإستعادة ذاته التى تغرب عنها مكرهاً
_____________
تعلقت يدها بيد جواد ،وهى تشعر بالقلق من تلك المواجهة المحتومة التى ستحدث بينها وبين زوجة جدها الأولى ،فعندما جاءها جواد يخبرها بشأن علم والدته بوجودها ،ورغبتها بالمجئ للمنزل ، وهى مازالت تشعر بصدمة خفيفة لم تستطيع التأثير على سعادتها بكونها ستذهب لمنزل جدها ،بناء على رغبة سيدة المنزل الأولى

شد جواد على يدها ليطمأنها:
– متقلقيش يا هيلينا أنتى لو عرفتى أمى بجد هتحبيها أوى دى طيبة جدا

اطمئنت هيلينا لقوله ، فهو لم يكذبها القول يوماً ، صاحت تالين مقتربة منها تقبلها على وجنتيها:
– نورتى البيت يا هيلينا مالك يا بنتى خايفة ليه كده دا طنط كريمة بلسم وقمر كفاية أنها خلفت خالك المز ده دى تاخد عليها لوحدها وسام

ربما بمزاحها تجعلها تتخلى عن تصلبها بوقفتها ، وشعورها بالخوف والرهبة ، فحاول جواد مجاراتها بالمزاح

فحمحم قائلا بزهو مصطنع :
– طبعاً هو أنتى كنتى هتلاقى واحد زى حلو ومز كده وكاريزما والستات دايبة فى دباديبه اللى نفسى اعرف معناها إيه اصلاً إيه دباديب دى اللى هى اللعبة ولا ايه

جذاب أنت أيها الوسيم ،عندما تمازحنى ، عندما تجعل قلبى يخفق لرؤية إبتسامتك ، وعيناك التى تشبه نهر من العسل الصافى بلونه البراق و أتمنى غرقى به ولا أريد عوناً ولا مساعدة
سبحت بأحلامها وتأملها له ،كمراهقة تنظر لنجمها المفضل ، ولم تفيق من ذلك إلا على سماع صوت كريمة تهبط الدرج برفقة ديما :
– أهلا يا حبيبتى نورتى بيت جدك

أنتهت الدرجات الفاصلة بين هيلينا وبين زوجة جدها ، التى لم تكن تعلم أنها سترحب بمجيئها بتلك الحرارة والود

فهى الآن تطوقها بذراعيها تقبلها على وجنتيها ، وبعد أن أنتهت ربتت على وجنتها بحنان
تبخر خوفها ووجلها من تلك المقابلة التى أعدت لها تخيلات من التأنيب والتقريع من زوجة جدها، ولم تكن ستلومها على هذا فجدتها هى من أخطأت من البداية بأن تطمع برجل يخص إمرأة أخرى

جلست كريمة على الأريكة الوثيرة ،جاعلة هيلينا تقترب منها لتجلس بجانبها ، فأطاعتها على الفور تبدى سعادتها بإستقبالها الحسن لها
– أنا متشكرة جدا أنك سمحتيلى أجى هنا ودلوقتى صدقت كلام جواد وجدو الله يرحمه عنك ،كان بيكلمنى عنك كتير وانك الست الوحيدة اللى قدرت تاخد قلبه كان يقولى انك مش بس مراته وبنت عمه لاء أنتى بنت قلبه مكنتش اعرف معنى الكلمة دى لأن كنت صغيرة بس كنت بحب اسمع حكاياته عنك وعن جواد

بنت قلبه .. ذلك اللقب المحبب الذى كانت تسمعه منه دائماً عندما يغازلها بصباها ، فدمعت عيناها بتذكرها تلك الذكريات الحلوة

رحبت ديما بقدومها أيضاً ، وبدأت هيلينا تشعر بالانسجام برفقتهم رويداً رويداً ،حتى طالت ساعات السمر ،ودقت الساعة معلنة عن حلول منتصف الليل ، ولابد أن يأوى كل منهم لفراشه
فغادر كل منهم لغرفته ، وولجت هيلينا تلك الغرفة التى خصتها بها كريمة لإقامتها بالمنزل ، على أمل وسعادة بأن غداً سيحمل مزيداً من البهجة بتواجدها بين عائلتها
______________
منذ إنتهاء أيام عزاء عمه ، وهو يسعى ومحاميه الخاص ،بحصر كافة ممتلكات عمه الراحل ، فهو سيكون له النصيب الأكبر بالميراث وذلك لكونه إبن شقيقه الوحيد ، حتى وإن كان سيرث معه آخرون ، فهو له الأولوية بإستلام الميراث

أشار بيده للمحامى ليجلس ويطلعه على كافة المعلومات التى حصل عليها ، لبدء تقسيم الميراث

جلس المحامى متملماً بجلسته ، فقطب هادى حاجبيه بغرابة من القلق البادى على وجهه ، ولا يعرف له سبباً

فهتف به متسائلاً:
– ها إيه الاخبار يا متر جهزت كل حاجة وعملت حصر لكل ممتلكات عمى طلعت الله يرحمه ولا عملت إيه

إزدردت المحامى لعابه قائلاً:
– هو الصراحة يا دكتور هادى كل حاجة هتقف ومفيش حاجة هتتقسم وإحتمال كمان أنت مش هتورث من عمك

صاح هادى بصوت حهورى وهو يترك مقعده:
– نننعم ليه بقى إن شاء الله هو مش انا ابقى ابن اخوه الوحيد والاحق بأن أورث فيه إزاى بقى تقولى مش هورث دى فهمنى

أجابه المحامى وهو يحاول أن يجعله يهدأ:
– إهدى بس يا دكتور هادى الحكاية أن لما جيت اخلص إجراءات الميراث مرات عمك جوليا هانم قالت أنها حامل دلوقتى وإحنا منقدرش نقسم حاجة إلا لما تولد هى وعلى حسب نوع الطفل اللى هتولده هيتقسم الميراث يعنى لو كان المولود بنت هتورث معاهم أما لو كان المولود ذكر فهيورث هو وأمه كل حاجة وأنت مش هتورث معاهم

كأن أحدهم ضرب رأسه بمطرقة ، فما الذى يهذى به هذا الرجل ، كيف حدث كل ذلك ؟

فتبسم هادى إبتسامة مصدومة بعض الشئ:
– جوليا مرات عمى حامل، حامل إزاى يعنى يا متر

رد المحامى قائلاً بحرج:
– هو إيه اللى حامل إزاى يا دكتور هادى أنت حتى دكتور يعنى وعارف حامل من جوزها اللى هو عمك الله يرحمه

تحولت صدمته مما سمعه لضحكة صاخبة ،حتى بات المحامى يشك أن ربما أصابه الجنون أو انه معتوه ، ليثير موضوعاً كهذا الضحك بالنسبة له

رآى المحامى أن ينصرف أفضل من أن يصدر عن هادى فعل غير متوقع ،كضحكته التى يعلم أنها ليست بوقتها الآن

أرتمى هادى على مقعده ،وصوت ضحكته يخبو شيئاً فشيئاً ، فحل الوجوم محل الابتسام ، وهو يفكر فيما سمعه

لم يمهل نفسه دقيقة أخرى للتفكير فخرج من منزله يستقل سيارته ،يقودها بسرعة قصوى ،ليصل لمنزل عمه ،لمعرفة ما يدور بالتحديد
_____________
عاد جواد للمنزل بعد يوم مرهق بعمله ، فسمع صوت نائل عالياً وهو يجلس برفقة أمه وهيلينا ، ولا يعلم متى جاء ؟ ولما يصيح هكذا بصوته العالى ؟

فأقترب منهم قائلاً بغرابة :
– فى إيه وبتزعق كده له يا نائل ومعلى صوتك مقولتليش انك جاى يعنى ايه هى سايبة

لم يكن نائل بوضع يخوله مجادلته ،فهب من مكانه واقفاً يشير لهيلينا بتذمر:
– تعال شوف بنت اختك بتقولى نأجل الفرح وأنا خلاص رتبت كل حاجة وانا أساساً مش عارف هى عايزة تأجل الفرح ليه هى رمت الكلمتين فى وشى وسكتت

هتفت به كريمة قائلة بصوت رزين :
– ما تقعد يا أبنى وأفهم الكلام للأخر وشوفها قالتلك ليه كده هو انت بتزعق وخلاص

أرتمى على المقعد بغيظ قائلاً من بين أسنانه:
– أدينى قعدت أتفضلى يا هيلينا قولى عايزة تأجلى الفرح ليه ها أهو سامعك

أتخذ جواد مكانه بجوارها فمسد على رأسها قائلاً بحنان:
– فى إيه يا حبيبتى عايزة تأجلى الفرح ليه

زاغت عيناها وهى تقول :
– الصراحة أنا حبيت القعدة هنا معاكم ومش عايزة اسيبكم دلوقتى وأتجوز

أنفجر جواد ضاحكاً بعد سماع عذر هيلينا ، فهو يتذكر باليومين الفائتين عندما كان يعود من عمله يجد زوجته وهيلينا وديما وأمه جالسات بغرفتها يتسامرن بأحاديث نسائية تروى لهم والدته عن أيام صباها وعشقها لوالده

إغتاظ نائل من ضحكة جواد الذى رأها أنها ليست بوقتها ، فهو يرغى ويزبد من الغضب ، ليأتى هو ويضحك على ما تفوهت به تلك الفتاة التى كان يعد الدقائق لمرور الأيام المتبقية على حفل زفافهما لتصبح ملكه وببيته

فهتف نائل بصوت مستاء:
– هو أنت بتضحك على إيه دلوقتى وأنتى يا هيلينا مش احنا متفقين على كل حاجة جاية دلوقتى وتقولى نأجل

رمقته هيلينا بإستجداء ورجاء:
– أرجوك يا نائل توافق وخلينى هنا شوية وديما خلاص هتتجوز بعد كام شهر مش كتير ،وهنعمل فرحنا مع بعض حتى أكون خلصت إمتحانات الكلية بدل ما كنا هنتجوز ولسه السنة الدراسية مخلصتش وكنت هبقى مشغولة عنك لكن لو عملنا الفرح مع فرح ديما هكون فى الأجازة ونسافر براحتنا نقضى شهر العسل اللى كنا هنأجله كده كده علشان الدراسة

ناشدته بعينيها قبل لسانها ،أن يوافق على ما أبدته من إقتراح ، ربما أثار أمتعاضه لكونه سينتظر مرور تلك المدة الزمنية التى أشارت إليها ، ولكن لا يستطيع ردها خائبة الرجاء به ، فلعل ذلك خير لهما ، فكل شئ بميعاد

– ماشى يا هيلينا أنا موافق وأمرى لله
قالها نائل من بين أسنانه ، فلن يستطيع أن يشعر بالبهجة مثل تلك التى تشعر بها الآن ،وهى تقفز فرحة تصفق بيدها بحماس ،كأنها حصلت على أمنية كانت تظن أنها مستعصية الإجابة

حاولت هى أن تلطف من غضبه ، وتصرف عنه إستياءه ، حتى حان ميعاد إنصرافه ، فهب واقفاً بإبتسامة خلاف صوته الذى كان يصيح به منذ قليل ، فأنصرف نائل وعادت هى لتحتضن كريمة التى طوقتها بذراعيها تربت عليها

صعد هو إلى غرفته ، فأين فاتنته ؟ فهو لم يراها بالأسفل عند مجيئه ، فولج للغرفة يناديها :
– تالين تالين أنتى فين يا حبيبتى

قبل أن يعاود نداءه لها ، شعر بتلك الذراعان الناعمتان التى أمتدت لتلتف حوله جسده ، يشعر بإلتصاقها به من الخلف

فغمغمت بصوت دافئ:
– أنا أهو يا قلب تالين هو ايه الصوت اللى كان تحت ده مش صوت نائل ده

سحب إحدى ذراعيها ،يجعلها تدور حوله حتى وقفت أمامه ، فهتف قائلاً هو يداعب وجنتها:
– أه هو التور الهايج اللى إسمه نائل ، كان بيزعق علشان هيلينا كانت عايزة تأجل الفرح وعايزة تقعد معاكم هنا وقت أطول علشان شكلها حبيت البيت والقاعدة فيه وخصوصاً أمى

ضحكتها الخافتة على نعته لنائل ، جعل التفكير عليه بعناقها أمراً مُلحاً ، لم تكن هى تضيع تلك الفرصة من بين يديها سُدى، ولكن ذلك الأمر الذى أنتظرت طوال نهارها حتى مجيئه لتخبره به ،هو من جعلها تنأى بوجهها عنه قليلاً ،حتى تخبره إياه ، فجذبت رابطة عنقه حتى أنحنى برأسه قليلاً، فأقتربت من أذنه
قائلة بصوت هامس :
– جواد أنا حامل

ظلت وقفتهما الصامتة على حالها ، حتى ظنت أنه لم يسمعها ، أو أنها قالت شئ خاطئ ، خشيت أن تبتعد بوجهها عنه وترى بعيناه شئ يصدمها بسبب ذلك الصمت الذى حل عليه

ولكن بادر هو بالابتعاد حتى يرى وجهها بوضوح ، ليتأكد من أن ما سمعه حقيقة ، فأحتضن وجهها بين يديه قائلاً بسعادة :
– تالين أنتى حامل بجد يعنى إن شاء الله ربنا هيرزقنا بطفل هكون أب تانى هيكون عندى أطفال وتكونى أنتى أمهم

حركت رأسها بتأكيد ،لترسخ بعقله تلك الحقيقة التى أخبرته إياها ، فهى لم تشأ أن يعرف أحد بهذا الأمر قبل أن تخبره هو أولاً ، فحتى تلك الأعراض التى كانت تنتابها بالأيام الفائتة ، كانت حريصة على إخفاءها عنه ،حتى تتأكد من ذلك الأمر ، فكانت تخشى أن تعلقه بأمل زائف ويتضح بعد ذلك أنها لم تكن حاملً بالأساس
ولكن عندما تأكدت اليوم من صحة ظنونها ،وإجراءها إختبار الحمل ، لم تكن الدنيا تسعها من شدة سعادتها بأنها ستنجب منه طفلاً يحمل دماءه ، وأن ثمرة عشقهما بدأت تنبت بأحشاءها

عناقاً واحداً لن يكون كافياً ، فلو عانقها ألف مرة ، لن يستطيع التعبير عن تلك السعادة التى ملأت قلبه بسماع ذلك النبأ السار منها

فخرج صوته مبتهجاً وهو يثنى على الله بالدعاء ، بأنه سيمن عليهما بالذرية التى يأمل أن تكون ذرية صالحة نافعة
فما أجمل أن يرى صغيراً ،يركض هنا وهناك بالمنزل ، يصيح بضحكاته ، يملأ قلبه سعادة مثلما كان يفعل صغيره أدم
____________
الخادمة التى فتحت له الباب ،كان نصيبها منه أنه أزاحها بيده من طريقه تكاد تترنح بوقفتها ، يلج كالطوفان صارخاً:
– جولييييا

خرجت جوليا من غرفتها على صوت صياحه ، تضم ردائها بذراعيها تجيبه بفظاظة شأنها شأن فظاظته بالمجئ:
– إيه قلة الذوق بتاعتك دى يا دكتور هادى فى حد يدخل بيت حد بالهمجية بتاعتك دى وكمان دا بيت عمك لازم تحترم نفسك شوية

إبتسامة هازئة هى ما حصلت عليها منه بالمقابل ، فرفع يده يشير للخادمة التى مازالت واقفة بجوار الباب :
– سيبينا لوحدنا شوية روحى إعمليلى فنجان قهوة واعملى لمرات عمى عصير يروق دمها لأن القعدة هتطول

بإشارة من إصبعها هى ،إنصرفت الخادمة ، جلست على المقعد واضعة ساق على الأخرى ،تهدر الدماء بعروقها ،من هجوم ذلك الرجل الذى لم يكن بينهما وفاق يوماً ،منذ زواجها من عمه

تصنعت الهدوء وهى تقول:
– خير يا دكتور هادى فى إيه لده كله

جلس هادى على مقعد مقابل لها كأنهما إثنان على وشك البدء بلعبة الحياة ، فأنحنى قليلاً للأمام قائلاً:
– المحامى قالى أنك حامل وأن إجراءات الورث هتوقف لحد ما تولدى

تبسم ثغرها بإبتسامة ملتوية ، وهى تتذكر ذلك اليوم الذى أعلنت به حملها عند مجئ المحامى لها لإعلامها بشأن تقسيم الميراث ، فإن حتى لن تحصل على الطفل من شقيقتها ، ستحصل عليه بوسيلة أخرى ، فهى لن تدع أقارب زوجها يتقاسمون معها الميراث ، لذلك عملت على شأن تدبير مولود ذكر يحمل إسم طلعت الزينى وتستطيع بذلك أن تحصل على الميراث بأكمله

عادت من شرودها على معاودته سؤالها :
– فعايز أعرف الكلام ده بجد ولا إيه الحكاية بالظبط

زفرت بدلال وهى تمسد على بطنها قائلة بإبتسامة عريضة:
– يعنى بدل ما تيجى وتقولى مبروك وأن الطفل ده هيمد فى إسم عمك جاى تزعق يا دكتور هادى

ظنت صمته دليلاً على إقتناعه بما قالت ، ولكن إلتواء ثغره بتلك الابتسامة الماكرة ، جعلها تفطن أنه ربما لا يصدقها

وهذا ما حدث فهى سمعته يقول ببرود:
– بس إزاى حامل يا جوليا وأنتى أصلا مبتخلفيش وشايلة الرحم إيه شايلة البيبى فى الفريزر على ما ييجى معاد الولادة

كأن دلو من الماء البارد سقط على رأسها ،جعلها ترتجف بمكانها ، تشعر بالبرودة تزحف إليها ببطئ ، حتى شعرت أن حواسها أصابها الشلل

كيف ومتى عرف هو بكل هذا ؟

لم يشأ أن تدوم حيرتها طويلاً ، فعاد معقباً بهدوء مزعج:
– أكيد طبعاً بتفكرى دلوقتى أنا عرفت إزاى أنك عاملة عملية شايلة فيها الرحم قبل ما تتجوزى عمى بمدة قصيرة، فأنا هقولك ، الدكتور اللى عملك العملية يبقى صاحبى وزمايل دفعة واحدة، ولما شافك مع عمى طلعت وعرف أنك بقيتى مرات عمى قالى أنه يعرفك وأنك جالك ورم فى الرحم فأضطريتى تستأصلى الرحم كله ،وأنك عملتى العملية دى قبل ما تتجوزى عمى ، فأنا الصراحة مهتمتش بالموضوع لأن كده كده كان رامز لسه عايش وهو اللى كان مفروض يورث عمى بس لما الظروف اتغيرت ورامز وعمى ماتوا ،ومفروض انا أورث معاكى ويمكن أكتر منك كمان فده خلالى استغربت انك بتقولى انك حامل وانت أساساً متقدريش تخلفى
فأنتى ليكى عندى عرض أظن هيعجبك

هكذا وبكل بساطة وسهولة ، كان كاشفاً لخدعتها التى كانت تأمل أن تكتمل للنهاية ، ولكن جاء هادى هادماً لحلمها بما يحمله معه من معلومات وسر ظنت أن لا أحد سيعلمه ، مثلما لم يعلمه زوجها الراحل

شعر هادى بالسعادة ،كونه إستطاع إخراسها ، وعلمه بأنها جشعة محبة للمال ، وتفعل أى شئ من أجله ، حتى وإن كانت ستفعل شئ أثم ، بإثبات نسب طفل لزوجها من أجل أن تحصل على إرثها الوفير

– عرض إيه ده يا دكتور هادى
قالتها بهدوء عكس تلك النيران التى تتأكل قلبها ، من إفساد ذلك الوغد لمخططها

تلامست أطراف أنامله ببعضها البعض ،ينقرهما نقراً خفيفاً ، فدامت فعلته لما يقرب الدقيقتين ، مما أثار أعصابها وتود لو تقوم من مكانها تكسر يديه

حمحم يجلى صوته كأنه سيلقى خطاباً هاماً :
– أنتى طبعا عارفة أن مش أنا وأنتى بس اللى هنورث فى عمى وأن فى ناس تانية هتورث فيه زى ولاد عمه وقرايبه اللى أنتى عرفاهم فأنا هعمل معاكى إتفاق أن هخليكى تكملى فى لعبتك بتاعه الحمل ولما تجيبى الطفل اللى هتورثى بيه عمى وتاخدى كل حاجة هتبقى التركة كلها رسمى للطفل ده وهتكونى أنتى كمان الواصية عليه بحكم انك أمه ، فأنا وأنتى هنتجوز بعد ما تخلص شهور العدة بتاعتك وطبعاً من غير ماحد يعرف إن إحنا أتجوزنا انا بس عايز الجواز ضمان علشان متلعبيش بديلك من ورايا يا جوليا وعلشان أبقى ضامن حقى وأنك متعرفيش تخلصى منى بسهولة زى ما أكيد بتفكرى فى ده دلوقتى ولما ناخد الورث هنقسمه بالنص شوفتى أنا حقانى إزاى وبالنسبة للطفل عادى ممكن نتخلص منه ونقول أنه مات بس بعد ما نكون اخدنا كل حاجة وكده تكون اتحلت المشكلة ولو حبيتى نطلق براحتك ولو حبيتى نكمل مع بعض برضه معنديش مانع

ربما تعجب إبليس من تفكير ذلك اللعين ، الذى وضع مخطط لم يخطر على بال أحد ، ولقى هوى بنفس جوليا ، فأثار إهتمامها بما قاله ، فهو يملك الآن أن يجعلها لا تنال سوى القليل ،ولكن بتلك الخطة التى وضعها ستحصل على أكثر مما تتمناه ، فلا ضرر من الموافقة ، وتخيلها بأن تصبح زوجته ، لقى إستحسان لديها ، فهو مازال شاباً ووسيماً ، فدائما كانت تشعر بالغرابة من عدم إقدامه على الزواج وهو تخطى الثالثة والثلاثين من عمره

فشملته بنظراتها ترمقه بتقييم قبل أن تقول بهدوء:
– وأنا موافقة
__________
يتبع....!!!



موعد البارت الجديد الساعة ( 4 م ) يوميا ان شاء الله 

هنا تنتهى احداث رواية أصبحت اسيرته البارت 23 ، يمكنكم اكمال باقى احداث رواية اصبحت اسيرته البارت 24  أوقراءة المزيد من الروايات المكتملة فى قسم روايات كاملة .

نأمل أن تكونوا قد استمتعتم بـ رواية أصبحت أسيرته ، والى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله ، لمزيد من الروايات يمكنكم متابعتنا على الموقع أو فيس بوك ، كما يمكنكم طلب رواياتكم المفضلة وسنقوم بوضعها كاملة على الموقع .
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-