رواية عرف صعيدي الفصل الثاني 2 - روايات تسنيم المرشدي

 نقدم اليوم احداث رواية عرف صعيدي الفصل الثاني من روايات تسنيم المرشدي . والتى تندرج تحت تصنيف روايات رومانسية ، تعد الرواية  واحدة من اجمل الروايات رومانسية  والتى نالت اعجاب القراء على الموقع ، لـ قراءة احداث رواية احببت ملتحي كاملة بقلم ام فاطمة من خلال اللينك السابق ، أو تنزيل رواية عرف صعيدى pdf كاملة  من خلال موقعنا .


رواية عرف صعيدي الفصل 2 - روايات تسنيم المرشدي



عرف صعيدي الفصل الثاني 


عُرف صعيدي
الفصل الثاني
( الصدمة )

***

_ هرول الجميع إلى الخارج إثر صوت إطلاق النيران لكن وصول عسران ورجاله كان أسرع، وقف جميع الرجال حول حمدان وهلال، صدح صوت عسران في المكان متسائلاً:-
مين اللي ضرب نار إهنه

_ أجابه حمدان وهو يطالع هلال بإبتسامة سمجة يتوعد له من خلف نظراته:-
بوجب مع ناسيبي

_ إرتخت ملامح الجميع براحة، أقترب "حمدان" من هلال وربت على ظهره متصنع الود وهمس في أذنه من بين أسنانه المتلاحمة:-
چرب تعيد اللي جولته ديه تاني وأني مش هتردد أطخك عيارين واحد في جلبك والتاني في مخك الزنخ اللي مهيفهمش الحديت صوح

_ أبتعد عنه "حمدان" مشكلاً بسمة زائفة على محياه، أستدار وطالع أهل بيته قائلاً:-
يلا بينا يا چماعة ملوش لزوم جعادنا إهنه طلاما إطمنا علي العرسان

_ إنسحبت ثريا خلف زوجها وكذلك تبعتهم سنية بينما انتظرت "صباح" خروج والديها وسارت بإتجاه مصطفي مرددة بإبتسامة خجولة:-
عجبال ما نفرحوا بيك يا سي مصطفى

_ طالعها "مصطفى" متعجباً من حديثها معه وردد مختصراً الحوار معها:-
تسلمي، إلحجي بوك أصل يهملك لحالك إهنه

_ تركها بمفردها وغادر دون زيادة في الحديث، أقتربت منها "نادرة" حينما رأت حوارها مع مصطفى، أيعقل أن تلك الفتاة هي من أوقعت بشباك عقل الحجر ولدها؟ إبتسمت وأردفت وهي تطالعها بتفحص فهي متحررة الثياب عكس ورد تماماً لا تشبهها من بعيد ولا من قريب:-
عجبال ما يزروكي أكده في بيت العدل إن شالله يارب

_ تشكلت بسمة عريضة على محياها مرددة بسعادة:-
يارب يا ست نادرة تسلميلي

_ رددت الأخري بحماس وهي تمعن النظر بها جيداً:-
جُريب يابتي هنفرحوا بيكي

_ دقت طبول السعادة قلب صباح وهللت عالياً بنبرة حماسية:-
يسمع من بوجك ربنا، عن إذنك هحلج بوي جبل ما يحس إني مش معاهم العوافي عليكم

''الله يعافيكي''
_ قالتها "نادرة" وهي تلوح بيدها مودعة إياها ثم ولجت داخل السرايا بعدما تأكدت من مغادرة صباح، لم تنتظر أكثر وصعدت إلى الأعلى حيث غرفة مصطفي، طرقت على الباب بخفة ثم ولجت إلى الداخل قبل أن يسمح لها

_ تعجب مصطفى من دخول والدته بتلك الطريقة وعلم أن هناك ثمة أمراً ما ستتحدث به وتمني بألا يكون الأمر ذاته، جلست أمامه على الفراش وداعبت الغطاء بأناملها لبرهة تفكر فيما ستخبره به

_ أماء "مصطفي" برأسه لأنه على علم بما يدور في عقلها ، تنهد وأردف هو بنفاذ صبر:-
الله لا يسيئك ياما لو الموضوع نفسه بلاها حديت فيه أني مناجصش خوتة

_ رفعت حاجبيها مستنكرة رفضه للحديث وهاجمته بحدة ربما تعلم ما خلف ذلك الرفض:-
هو الجواز بجا خوتة؟ الجواز عزوة منفسكش في عيل يجولك يا بوي ويجننك بعمايله؟

_ أعتدل في جلسته وردد وهو يطالعها بأعين يتجلي فيهما الرفض:-
أني مهتجوزشي بالطريجة بتاعتكم ديي واصل، مش بطيخة هي ونصيبي يطلع كيف ما يطلع إما حمرة وإما جارعة وأني المفروض أرضي، جفلي على السيرة اللي تفور الدم ديي

_ حاولت "نادرة" التحلي بالصبر قدر الإمكان لعلها تصل إلى بر معه في ذلك الحوار، تحدثت مباشرةً دون داعي لتلفيق الكلمات لكي تصل إلى مرداها من الحديث:-
عُرفنا يا ولدي أكده عُرف عيلة الجبلاوي إن مفيش راجل في العيلة يشوف مرته غير يوم دخلته عليها عشان ميتلعبش ببنات الناس يا ولدي

_ صمت كليهما لبرهة فقطعت ذاك الصمت "نادرة" مضيفة:-
بس أنت لو شاورت لي على واحدة تكون عجباك صدجني هعملوا المستحيل وأجوزهالك بس أنت شاور

_ أغمض "مصطفي" عينيه غير متقبل حديثها، حسناً لا مفر منه قبل أن ينهيه هو على طريقته الخاصة، فتح عينيه ورمقها بسودتاه وأردف بنبرة هادئة لا تشبهه قط:-
وجت ما تعجبني واحدة هاجي أجولك جوزهالي يا نادرة، تمام إكده؟

_ ضحكت الأخري ببلاهة ورددت برضاء كامل:-
تمام يا جلب أمك تمام

_ نهضت وتوجهت نحو الباب لكنها توقفت وإستدارت إليه مرة أخري وأردفت أخر ما تبقي في جوفها:-
يعني منكلموش حمدان ونطلبوا يد صباح؟

_ إتسعت مقلتي مصطفى على آخرهم بدهشة، لم يستطيع التحدث دون أن يقف قبالتها لكي يفرغ صدمته في هرائها:-
صباح!! صباح ديي لو أخر بنتة البلد لايمكن أبصلها واصل مش اتجوزها! إوعي من وشي ياما فورتيلي دمي

_ مر بجوارها وهو لا يري أمامه بعدما نجحت في إخراجه عن هدوئه لطالما تحلى به منذ ولوجها، فر هارباً إلى عمله لعله يفرغ شحنته في الأرض، كان مخطئ عندما صغى لوالده وأخذ إجازة اليوم ..

_ حركت "نادرة" رأسها عفوياً معه إلى أن غادر السرايا بأكلمها، نفخت بضجر واضح وتمتمت بحنق:-
أباي منك مش بعرف ألين دماغك واصل ولا جدك أبو بوك في زمانه

_ أنهت جُملتها وهبطت إلى الأسفل لكي تضع قائمة طعام لليوم لخادمتها ومساعدتيها ..

***

_ دخل الغرفة بذهن شارد منهمراً بين أفكاره التي لا تصل إلى حل قط، لاحظت "ورد" غياب عقله وسألته بفضول:-
ها اتحدت مع عمي؟

_ صوب "هلال" بصره عليها وهو لا يدري بما سيخبرها، هل يخبرها بمحاولته التي بائت بالفشل أم يخبرها بتهديد حمدان له وجنون فعلته التي مازال لم يخرج من صدمتها بعد، بأي حديث يخبرها أولاً؟

_ الحقيقة أنه لن يخبرها بكلي الأمرين ، سحب نفساً عميقاً وأجابها ببسمة يحاول إخفاء خوفه بها:-
وافج ..

_ إنتفضت من مكانها بفرحة لم تسع قلبها ولم يصدقها عقلها، وقفت أمامه تتأكد من حديثه متسائلة:-
احلف، جول والله

_ أكتفي بإيماءة خفيفة من رأسه مؤكداً ما قاله ناهيك عن تلك الإبتسامة التى غزت شفتاه حينما رأي حماسها وسعادتها أمامه، مد يده وتحسس وجنتها وردد باهتمام:-
لساتك موجوعة؟

_ تراجعت ورد للخلف حتى تمنع لمساته في الإستمرار، تعجب "هلال" من إبتعادها عنه وسألها بنفاذ صبر:-
لساتك بتمنعي نفسك عني ليه عاد مش ده اللي ريداه يوحصل؟

_ حركت رأسها نافية حديثه وأخبرته حقيقة مرادها:-
أني جولت ترجع لي حجي واللي أنت جولته ديه لساته حديت ، لما ورج الأرض يبجي في يدي وجتها تعمل اللي على كيفك

_ أوصد هلال عينيه لبرهة ثم أعاد محاولته معاها لعله ينجح في تبخر عنادها:-
أنتِ تعرفي إنه حرام تتملعني عليا وتتمنعي لما أطلبك، ديه حجي يا ورد وطلاما مفيش أسباب عذرية يبجي حرام اللي عتعمليه ديه!

_ عقدت ورد ذراعيها بعدم رضاء للرضوخ إليه فنفخ هلال بتزمجر شديد وهو يطالع زرقاوتاها بغضب يحاول كبحه، أولاها ظهره وتمتم بضيق:-
أباه عليكي والله ما جعدلك فيها

_ انسحب للخارج ودفع الباب خلفه بكل قوته، يريد الوصول إليها مهما كلف الأمر، تشبهه كثيراً تلك المقولة ' الممنوع مرغوب '، كلما إمتنعت عنه كلما زاد تمسكه بالوصول إلى ما تشتهيه نفسه

_ لم يكن أمامه سوي الهروب من تلك السرايا، إذا مكث بها أكثر من ذلك سيفتك بتلك الفتاة حتماً ولا ينظر إلى رفضها المستمر الذي يسبب جنونه، بينما عادت ورد للإستلقاء على الفراش ترسم إسمها على أوراق الأرض الخاصة بوالدها، ظهرت إبتسامة عريضة على ثغرها الوردي هاتفة بسعادة:-
هانت جوي وأجلعها من عنيك يا حمدان أنت ومرتك

_ إبتعد هلال عن السرايا ليجمع شتات نفسه ثم يعود عندما يشعر بالتحسن القليل ..

_ في منزل حمدان وبالتحديد غرفة الضيافة، يصرخ على والده بعدم قبول لتلك الزيارة التي قاموا بها:-
إرتحت لما روحت شوفتها سعيدة مع جوزها! ضايجت ولدك وإرتحت يا بوي؟ يا تري جابلتكم ويدها بيده ولا نزلكم حاضنها؟ عارفه أني الواد المايع ديه

_ حرك "حمدان" رأسه مستنكراً حديث ولده الآبله وأجابه بفتور:-
ملكش صالح عاد جابلتنا كيف، البت اتجوزت وأنت لساك عايش علي الأحلام تندبوا كيف الحريم، إسترجل يواد

_ إحتدت تقاسيمه بحزن عميق وهو يطالع والده الذي لا يشعر ولو بمقدار ذرة به، لم ينتهي الحديث إلى هنا، هناك المزيد بداخله لن يرحل قبل إلقائه في وجه والده:-
أنت كيف جاسي إكده، جولتلك أني عحب بت عمي ورايدها في الحلال توهتني عن مرادي سنين وسنين وأول ما ابن العمدة اتجدم وافجت من غير تفكير حتي وأنت عارف ان ولدك عيحبها!!

_ شهيق وزفير فعل "حمدان" ثم جلس على أقرب أريكة أمامه وهتف بحنق:-
ما انت مخك زنخ ومبتفكِرش غير في روحك وبس، بت عمك لو جوزها مات تعرف هتورثوا كام؟ متعرِفش معلوم ما أنت تفكيرك كله في المرجعة والحب والحديت الفارغ ديه

_ إلتوي ثغر "حمدان" للجانب مشكلاً إبتسامة عريضة وأضاف بحماس:-
هيطولنا ياما يواد يا طاهر من ورا الجوازة ديي

_ إتسعت مقلتي "طاهر" بصدمة كبيرة لم يستوعبها عقله ، فتح فاهه ببلاهة لا يصدق ما سمعه لتوه وردد دون وعي:-
هي شروة يا بوي ؟ بيعتها ومستني تمنها؟ وأني المفروض أستني لما الجدر يلعب لعبته وياخد اللي ما يتسمي هلال ديه عشان ورد تعاودلي؟

_ نهره "حمدان'" بصوت مرتفع:-
بكفياك عاد كلامك الماسخ ديه، هي لا كانت ولا هتكون ليك من صغرها أبوها جافل عليها ولا كنت عمرك بتتحدثت معاها ولا تلاجيك فاكرها من أساسه بس انت كيف بوك بتحب تسيطر على كل اللي حواليك

_ شكل حمدان بسمة سمجة في نهاية حديثه أجبر بها طاهر على النفور من أمامه حتى لا يحدث مالا يحمد عُقباه، هرول بعيداً عن دارهم وهو يردد كلمات والده في عقله، كيف له أن ينساها ؟ أينسي زرقاوتاها التي تأسره أسراً كلما تذكرها أم وجنتيها الوردية؟ أم شفتاها التي كانت تجبره على إطالة النظر والتمعن بها بإعجاب شديد، كيف له أن ينسي نبرتها المبحوحة دوماً التي تزيده رغبة فيها!! هي أول من دق القلب لها، من نادي الفؤاد بحروف إسمها، من حُفر شكلها في أعماق عقله، لا ولن يتراجع عن استرداد حقوقه مهما كلف الثمن ..

_ داخل المنزل ، كانت تتابع ما يحدث في صمت وعندما رأت ولدها يفر من المنزل اقتربت من حمدان متمتمة برضاء:-
إكده تعجبني يا حمدان كبرت في نظري جوي، هكلم لك أبوي يديلك حتة الأرض اللي أنت هتموت عليها حلاوة سماعك للحديت، أنت تستاهل فدان مش أرض عشان بعدت بنت صابر ديي عن ولدي

_ فغر "حمدان" فاهه ببلاهة مردداً بعدم تصديق بعد:-
بتتكلمي جاد؟

_ أردفت وهي توليه ظهرها ناهية الحوار:-
أني مبهزروش يا حمدان

_ أوقفها "حمدان" بحديثه:-
الواد صعبان عليا وهو هيتشحتف على البت إكده

_ حركت رأسها نحوه ونظرت إليه قائلة باختصار:-
بكرة يفوتها وينساها..

''كان أبوه جدر ينسي حب عمره اللي مطالش منيها غير حديثت بعد ٢٢ سنة!!''
_ أخرج حمدان تنهيدة حارة بعدما تمتم بهم وهو يتابع خروج ثريا من الغرفة، نادي بصوته الخشن عالياً:-
بت يا صباح..

_ جائته صباح مهرولة فأمرها قائلاً:-
روحي نادي على مرت عمك وجوليلها مفيش جعاد في الدار وحديها

_ أماءت له صباح بقبول ومن ثم خرجت لكي تنادي زوجة عمها كما أمرها والدها، جائته "ثريا" راكضة بعدما سمعت أمر حمدان وصاحت به مندفعة:-
أنت بتجيب الولية ديي في بيتي ليه؟
ما تهملها تجعدوا مطرح ما تجعد ليه عايز تبتليني بيها من كتر حبي فيها مثلاً! أني معيزهاش في داري وأنت ودن من طين وودن من عجين كاني مش بتحدت عاد

_ رمقها "حمدان" بنظراته الثاقبة، أقترب منها بخطي ثابتة بثت فيها الرعب، وقف قبالتها وردد من بين أسنانه بغضب شديد:-
جولنا مية مرة جبل إكده أنهم أمانه أخوي إيه اللي مهتفهمهوش بعجلك الزنخ دييه في حديتي؟

_ قهقهت "ثريا" عالياً وأردفت ساخرة:-
أمانة إيوة إيوة، حتي بالأمارة انت أخد أرض خوك ومش راضي ترجع لهم حجهم ونعمة الأمانة يا حمدان يا منشاوي

_ صمتت حينما عادت صباح برفقة السيدة سنية، رمقتها ثريا بنظرات مشتعلة تدل على الكُره والبغض الذي تكنه لها ومن ثم توجهت إلى غرفتها لكي لا تنشب مشاجرة بينهم إذا أطالت النظر إليها

_ رسم "حمدان" بسمة على ثغره مرحباً بها بحفاوة:-
يا أهلا يا ست سنية الدار نورت

_ عبس بوجهه وعاتبها مضيفاً :-
مش جولنا هتجعدي إهنه معانا بدل الجاعدة لوحديكي اللي مش هطولي من وراها غير الكأبة، مهتسمعيش الحديت ليه؟

_ نكست "سنية" رأسها وأجابته بنبرة يملئها الحزن:-
أني مرتاحة يا حمدان في داري هملني اجعدوا فيه إبراحتي

_ أقترب بعض الخطوات منها معاتباً إياها على تراهها:-
وااه، وديه بردك دارك تجعدي فيه على راحة راحتك تشاوري بس وطلباتك كلها تتنفذ جوام

_ لا يوجد مفر أمامها تهرب إليه، أماءت برأسها بقبول عكس النفور الشديد الذي يتأجج داخلها وأردفت بقلة حيلة:-
اللي تشوفه يا حمدان

_ إلتوي ثغره بإبتسامة عريضة ووجه نظره إلى صباح أمراً:-
خدي مرت عمك على أوضتها ياصباح وأي طلب تطلبه تنفذيه طوالي

_ أماءت له بالقبول ثم قالت موجهه حديثها للسيدة سنية:-
همي بينا يا مرت عمي

_ غادرت كلتاهما من أمام حمدان الذي أخرج تنيهدة حارة على قلبه المحترق وهو يري ذكرياته تعود إليه من جديد كأن القدر يبتسم له مرة أخري ..

***

_ رفع طرف جلبابه ووضعه في فمه، أمسك بالفأس وظل يحرث الأرض بقوته التي يمتلكها، هرول نحوه أحد الفلاحين قائلاً:-
سيبه من يدك يا باشمهندز إحنا نحرثوا الحتة ديي

_ مسح "مصطفي" حبات العرق التي تجمعت علي جبينه ثم أجابه وهو يُكمل عمله بأنفاس لاهثة:-
عاود لشغلك يا مناع أني اللي هحرث الحتة ديي

_ أعترض "مناع" بإصرار:-
أرتاح أنت يا باشمهندسز وإحنا..

_ قاطعه "مصطفي" بتجهم وصاح به هدراً:-
جولتلك عاود لشغلك هملني لحالي

_ إنسحب مناع من أمامه بهدوء بعد أن تلقي عاصفة غضبه، بصق مصطفي أرضاً ومسح فمه بأصابعه ثم عاد لعمله مرة أخري

_ انتهي من حرث الأرض بعد عدة ساعات دون أن يكل فهذا عمله الذي إعتاده، ألقي بالفأس أرضاً وتوجه نحو الشجرة التي تبعده مسافة بسيطة، جلس أسفل ظلها لينعم ببعض الراحة ..

_ أسند رأسه علي جزع الشجرة وأوصد عينيه بتعب شعر به في ثائر بدنه عندما إرتخت عضلاته، شعر بظل حائل لضوء الشمس وقف أمامه فجاءة، فتح نصف عين وإذا به عامله ..

_ نظر إليه متسائلاً بنبرة مبحوحة بسبب جفاف حلقه:-
محتاچ حاجة يا مناع؟

_ مد له "مناع" يده بالقارورة الفخارية هاتفاً:-
بِل ريجك بشوية ميه أكيد عايز ترتوي

_ أماء له مؤكداً حديثه وأجابه ممتناً:-
متشكر جوي يا مناع أني فعلاً كنت عطشان

_ بادله مناع إبتسامة ودودة ثم انسحب من أمامه دون زيادة في الحديث، لحق به "مصطفي" قبل أن يهم بالمغادرة وأردف بنبرة نادمة:-
متزعلش مني إكمني إتعصبت عليك بس كنت مخنوج شوية

_ قابله "مناع" ببسمة لم يستطيع مصطفي تفسيرها وأجابه دون تكليف :-
يا باشمهندز أنت كيف أخوي الصغير مزعلش منيك واصل

_ نهض مصطفي من مكانه وربت على كتفه ممتناً له، صوب مصطفي بصره على عديمة الشرف التي تقف تتمايل بجسدها ناهيك عن أصوات ضحكاتها التي تعلوا في المكان، كز أسنانه بغضب وعزم بألا يصمت تلك المرة هي الجانية على روحها ..

***
هرول بخطى سريعة نحوهم إلى أن وصل إليهم، لم ينتظر لحظة حتى إنفجر بها بعصبية:-
أنتِ جاية تعملي إيه إهنه يابت إنتِ؟، أني ساكت كرامة للنسب اللي بينا لكن الموضوع زاد عن حده جوي وإن شوفتك إهنه تاني لنادي بوكي يجي يشوف بته اللي ماشيه على حل شعرها

_ إتسعت مقلتيها بصدمة كبيرة وأردفت متوسلة إليه:-
لاه لاه بوي لاه أني مهاجيش إهنه واصل، بالإذن

_ ركضت مبتعدة عن كليهما بينما ردد مصطفي بتذمجر:-
إذنك معاكي يختي، الله يحرجك ما طرح ماتروحي

''بجا توجف حالي اكده مكنش العشم يا صاحبي''
_ هتف بهم صديق مصطفي ساخراً بينما أدار "مصطفي" بصره نحوه وملامحه لا تبشر بالخير واندفع فيه:-
المسخرة ديي متتكررش تاني إهنه يا ضيف، راعي يا أخي إن ليك أخوات بنات، ترضي حد يتسلي بيهم كيف ما بتعمل إكده

_ إحتدت ملامح "ضيف" بضيق شديد حينما رفض عقله فكرة أن يتلاعب أحدهم بشقيقتيه وهاجم مصطفي بحديثه:-
كنت جتلته وشربت من دمه

_ ضيق "مصطفي" عينيه عليه مضيفاً لحديثه:-
شوفت متجبلتش الفكرة كيف، شوف بجا لو طاهر أخو البت ديي عرف! يبجي حلال أنه يجتلك ويشرب من دمك

_ قاطعه "ضيف" بعدم تقبل لتلك المقارنة الوضيعة:-
بتقارن مين بمين عاد إيش جاب صباح بت حمدان لأخواتي!!

_ حرك "مصطفي" رأسه مستنكراً حديثه وأردف بنفاذ صبر:-
بجولك ايه اني معاود للسرايا مش فايج لك

_ لحق به "ضيف" قبل أن يبتعد عنه مشكلاً إبتسامة على محياه وردد:-
ما تيجي أجوزك أختي، هلاجي أحسن منيك فين تبجي من نصيبه؟

_ قهقه "مصطفي" عالياً وأردف من بين ضحكاته:-
بدلل على اختك يخربيت عجلك الزنخ ديه، شوف يا ضيف أني جولتها لأمي وهجولهالك يمكن تحلوا عني إتنيناتكم، أني مش هتجوز واحدة أتعرف عليها يوم الدخلة كيف عُرف الجبلاوية وعُرف معظم أهالي البلد هي مش بطيخة يا صاحبي إما تطلعوا حمرا وإما جارعة وأني المفروض أرضي وأجول نصيبي

_ رفع "ضيف" حاجبيه للأعلي متعجباً من حديثه وردد بعدم إستيعاب:-
علي إكده مش هتتجوز واصل يا صاحبي

_ أماء له "مصطفي" بتأكيد قائلاً:-
لما يبجوا يطبجوا شرع الله ويسمحوا بالرؤية الشرعية وجتها تقدر تبارك لي والوقتي أني همشي عشان هلكان من صباحية ربنا وأني شغال

_ لوح له "ضيف" بيده ساخراً من تشبياته الغريبة:-
مع السلامة يا بتاع البطيخ

_ ظهرت شبه إبتسامة على ثغر مصطفي لم تتعدى شفاه بسبب سخرية ضيف المستمرة التي تزيده تمسك فيما يريد ..

***

"هلال" جوم يا هلال الباب عيخبط
_ أردفت بهم ورد بنبرة هادئة، فتح الآخر عينيه وتفاجئ بزرقاوتاها ترمقه، تقوس ثغره بإبتسامة عفوية لم يقصدها ..

_ تعجبت "ورد" من إبتسامته وتابعت حديثها مندفعة:-
هتجعد تبحلج فيا وتسيب اللي عيخبط دييه واجف برا كاتير

_ أعتدل هلال من نومه ثم نهض متوجهاً نحو الباب، فتحه وإذا بها والدته التي عاتبته لتأخيره:-
كل ديه علي لما تفتحتوا الباب، الخلج كلاتها مستنظراكم تحت

_ عقد "هلال" ما بين حاجبيه وسألها مستفسراً:-
ناس مين اللي مستنظرانا؟

_ أجابته "نادرة" موضحه ذلك العُرف السائد لديهم:-
جرايبنا جايين يباركوا ويهنوا

_ إرتخت ملامح "هلال" بتهكم وقال بفتورٍ:-
مش باركوا وهنوا إمبارح في الفرح ولا هما خلج فاضية وموراهمش غيرنا عاد

_ نهرته السيدة "نادرة" بإنفعال شديد:-
ديه عُرف وتجليد معروف وكل أهل البلد إبيعملوه بعد الفرح بيوم

_ أزفر أنفاسه بضجر بائن ثم أماء برأسه مردداً بنبرة تريد الخلاص:-
حاضر ياما هنجهزوا وننزلوا وراكي

_ شكلت "نادرة" إبتسامة على ثغرها وأولاته ظهرها لكنها عاودت النظر إليه مرة أخري وقالت:-
جول لورد تتزين وتتعطر وتلبسوا أحلي عباية عنديها عشان هتجعد وسطيهم من غير وشاحها

_ أماء لها بالقبول ثم أغلق الباب بعد أن إختفت والدته من أمامه، بحث عن ذات الزرقاوتين لكي يخبرها بما قالته والدته لكنه لم يراها ، أين اختفت فجاءة، لم يكن أمامه سوي منادتها بصوته الرخيم:-
ورد روحتي فين، أمي عتجول في ناس عايزين يباركولنا وبتجولك اتزيني و..

_ صمت حينما رآي طيفها يظهر من خلف باب المرحاض، خفق قلبه بشدة لذاك الجمال الرباني، لقد حررت خصلاتها الناعمة الطويلة ذات اللون الأسود الداكن التي يليق مع بشرتها الحليبية، ناهيك عن وضعها لأحمر الشفاه مع مورد الوجنتين، كحلت عينيها فاندمجت مع أهدابها الكثيفة منتجين أجمل عيون فسبحان الذي خلق وأبدع

_ إبتلع هلال لعابه الذي سال على فمه وهو ينظر إليها بتفحص شديد، أخفض بصره على تلك العباءة ذهبية اللون المطرزة من جميع جوانبها، لم يكف قلبه عن النبض بصورة مضطربة، رغبته في التقرب منها وجعلها إمرأته تزداد بداخله، كم تمني أن ترأف بمشاعره التي فاضت به ..

_ ردد متسائلاً وعينيه لم تُرفع عنها:-
لحجتي تعملي كل ديه ميتي؟

_ إقتربت منه "ورد" بثبات وأجابته قائلة:-
أني شوفت الحريم وهما عيدخلوا السرايا وعرفت أنهم جاين يباركوا لنا وچهزت حاچتي عشان منتأخروش عليهم وتبجي عيبة في حجنا

_ أغمض الآخر عينيه وردد بعدم تصديق:-
بالله عليكي بتفكري فيهم ومعتفكريش فيا!!

_ لم تكترث لحديثه كأنه لم يردده من الأساس، أخذت وشاحها من خزانتها ثم إرتدته سريعاً ونظرت حيث يقف هلال:-
هتفضل تبحلج فيا كاتير هِم بينا ننزلوا

_ خرج هلال من شروده بها وإرتدي جلبابه ورافقها إلى الأسفل، تعالت الزغاريد في السرايا حينما رآهم الجميع، جلسوا جميعاً في غرفة الضيافة حتى تكون ورد على راحتها أكثر من دون وشاحها ..

_ تلقوا المباركات والتهنيئات من الجميع، صغى هلال لأحاديث كثيرة من الحاضرين وكانوا حافزاً له بأن يأخذ أولي خطواته إتجاها مثل:-
' صبرت ونولت يا هلال '
' عروستك كيف الجمر '
' أم عيون زرقا خطفت إبننا مننا '
' أني لو مكانك مههملهاش واصل '

_ كلماتهم كانت تحمسه وتشعره بالفخر لكون زوجته جميلة إلى هذا الحد وهو فقط من يتمتع بهذا الجمال، لكن يا حسرتاه هو إلى الأن يتمني فقط لا يفعل شئ سوي التمني، لكن بالتأكيد لن يصبر على تلك السخافات التي وضعتها ورد وسينهيها هو تلك الليلة ..

_ في الخارج، ولج مصطفي داخل السرايا وتعجب من تلك الضجة التي تملأ المكان من حوله، بحث بعينه علي أحد ربما يعلم منه ما الذي يحدث إلى أن وقع بصره على صفية التي تخرج من المطبخ حاملة صنية عليها كل ما لذ وطاب

_ عقد ما بين حاجبيه متسائلاً بفضول:-
وااه كل ديه لمين يا صفية وإيه الدوشة اللي چوا ديي

_ أجابته صفية بنبرة سريع لثقل الصنية:-
جرابيكم يا باشمهندسطز جاين يباركوا للعرسان

_ حرك رأسه بتفهم ثم أردف قبل أن تدلف إليهم:-
حضريلي الوكل يا صفية على ما ادوش

_ ردت عليه بطاعة:-
حاضر يا سي مصطفى

_ صعد هو الأدراج سريعاً وولج لغرفته، خلع جلبابه ووضعها في الصندوق الخاص بالثياب المتسخة داخل المرحاض ثم وقف في منتصف المغطس الرخامي وفتح صنبوري المياه الساخنة مع الباردة لكي يتمتع بذلك المزيج الرائع وينعش جسده ..

***

_ إنتهت المقابلة بسلام، عادت ورد إلى غرفتها سريعاً دون أن تنتظر هلال الذي عاد إليها بسرعة البرق، أغلق الباب ونظر إليها برغبة شديدة، إرتعبت هي من نظراتها وهتفت محذرة إياه:-
بتبصلي إكده ليه
؟ إوعاك تفكر تجرب مني، كمل إتفاجك لاول وبعدها أني تحت أمرك

_ لم يهتم كثيراً لهرائاتها التي بدت سخيفة بالنسبة له، إقترب منها وهو عازم على فعل ما تخبره به غريزته الذكورية، تراجعت "ورد" للخلف محاوله منعه من الإقتراب أكثر:-
هلال إوعاك يا هلال والله أصوت وألم عليك السرايا كلاتها

_ بادلها إبتسامة متهكمة وقال:-
صرخي بعلو حسك عشان أجولهم إني باخد حجي الشرعي اللي انتي مش راضية تديهولي، يلا صرخي سكتي ليه؟

_ لمعت عينيها بالدموع وهي تعلم أن تلك اللحظة لن تمر مرار الكرام وبعد ذلك لن تستطيع أخذ حقوقها من عمها، دفعها هلال بقوة على الفراش فأنت هي بألم بسبب جرحها الذي تأثر بدفعته

_ أوصدت عينيها تودع أحلامها لطالما تمنت تحقيقها، لعنت سذاجة تفكيرها التي وثقت به وأجبرها على الوثوق بذلك الرجل الذي لا يريد سوي التمكن منها والوصول إلى رغبته فقط..

_ إنتظرت الكثير لتشعر بقربه لكن لم يحدث! أين ذهب ذاك؟ لما لم يكمل ما نوي فعله، فتحت عينيها لتظهر زرقاوتاها التي تتلألأ فيهم الدموع، تفاجئت به يطالعها بملامح جامدة لم تستطع تفسيرها

_ أولاها ظهره دون حرف زائد ودلف خارج الغرفة دافع الباب خلفه بقوة، لم تصدق ورد ما حدث الأن أحقاً غادر ولم يفعل ما خشيته؟ إعتدلت في جلستها وإبتسمت بسعادة معاتبة أفكارها التي ندمت على الوثوق به، كَنت له الإحترام بعد تصرفه الذي لاق مع شخصيته المرسومة في عقلها ..

_ نهضت لتبدل ثيابها بشعور مختلف كلياً قبل دقائق، شعور الأمان لطالما إفتقدته منذ وفاة والدها وتدخل عمها في كل ثغره في حياتها، تنهدت براحة كبيرة ومن ثم وقفت تطالع نفسها في المرآة بإعجاب شديد لملامحها الجميلة التي وهبها الله لها ..

***

لم يطيق هلال الجلوس في أي مكان يوجد به أشخاص يعرفهم، لم يكن أمامه سوي الهروب إلى ذلك المقهي في أخر البلدة لعله ينفرد بذاته قليلاً ويعيد ترتيب أفكاره التي تشتت فجاءة.

_ لما لم يفعلها وفضل رمقها بنظراته بدلاً من إكماله ما كان في نوياه، أنها حقوقه وليس حرام إن اخذها بالقوة، لكنه لا يريد تلك القوة، إن لم يكن بكامل رضاها فلا يعنيه الأمر

_ إذاً لما يشعر بالاختناق وكأن أحدهم يطبق على صدره، أنتبه هلال لدخان الأرجيلة التي ترتطم في وجهه، إذاً ضيق صدره من خلف تلك الأدخنة السامة

_ وجه بصره تلقائياً على صاحب الأرجيلة وتفاجئ به، إنه طاهر إبن عم ورد، وقف "هلال" وهتف بنبرة محتقنة:-
نفث دخانك إبعيد عني يا طاهر مناجصش خنجة

_ رفع "طاهر" عينيه عليه بتهكم وردد بجمود:-
لا هنفثوا في الحتة اللي تريحني

_ أوصد "هلال" عينيه لبرهة وهو يحاول كبح غضبه داخله قدر المستطاع وحدثه بهدوء:-
يا أخي هتخسر إيه؟ دخانك مضايجني لف نفسك وطلعوا بعيد عني

_ حرك طاهر رأسه برفض تام، هو يكرهه ويحقد عليه لأنه سارق، لقد سرق حلم حياته لطالما تمني أن تكون زوجته هو وليست زوجة ذلك البغيض، وها قد جائت الكرة في ملعبه الأن عليه أن يركلها جيداً ويجلس يستمتع بمضايقته ..

_ أخذ نفساً عميق من أرجيلته ثم رفع رأسه ونفث دخانها بالكامل في وجه هلال، تفاجئ الآخر من فعلته التي سببت له سعال شديد، لم يشعر بنفسه سوي وهو يركل الأرجيلة بقدمه حتى حطمها إلى أشلاء تناثرت بقاياها في زوايا مختلفة..

_ إنتفض طاهر من مكانه وطالعه بنظرات احتقاريه مشتعلة، لقد جنى هذا الهلال على نفسه، إنقض عليه وأمسكه من تلابيب جلبابه مندفعاً به:-
أنت مين عشان تتجرأ وتعمل إكده معايا أني، والله لأجتلك وأشرب من دمك

_ أمسك هلال يدي طاهر يحاول أن يبعده عنه وعندما فشل لكمه بكل ما أوتي من قوة على وجهه فسالت الدماء من فمه

_ إجتمع كل من في المقهي حولهم محاولين فض الإشتباك بينهم لكن قوتهم لم ينجح أحد قبالتها، خرج عامل المقهي بعيداً عن تلك الضجة وهاتف مصطفي لكي يخبره بما يحدث..

_ أجابه "مصطفي" بعد عدة دقائق بنبرته الرخيمة:-
أيوة يا مدحت فيه حاجة؟

_ رد عليه بنبرة سريعة يخبره بما يحدث:-
خوك بيتعارك مع طاهر وِلد حمدان المنشاوي واتنياتهم غرجانين في دمهم ومحدش عارف يفض بيناتهم واصل

_ إنتفض "مصطفي" من مكانه وردد بنبرة قلقة:-
أني جاي حالاً وحاول تفض بيناتهم على لما أوصل

_ رد عليه "مدحت" مختصراً:-
ماشي

_ هرول مصطفي إلى الخارج وهبط الأدراج في درجة واحدة مما أثار قلق خليل ونادرة، فسأله "خليل" بقلق قد تغلغل إلى قلبه:-
هتركض إكده ليه يا مصطفي فيه مصيبة حوصلت ولايه؟

_ أماء له مصطفي مؤكداً سؤاله وأخبره مكالمة مدحت له، هرول خليل خلف ولده وأمر شيخ الغفر ورجاله أن يسبقوه إلى ذلك المقهي، وقفت السيدة نادرة على باب السرايا تضرب رأسها بيدها تارة وعلى صدرها تارة أخري متمتمة بتوجس شديد:-
جيب العواجب سليمة يارب، محلتيش غيرهم متخسرنيش فيهم واصل

_ لم تستطيع الدخول قبل أن تطمئن برؤية هلال بخير أمامها وفضلت المكوث على عتبة الباب، رافقتها صفية لعلها تنجح في تهدئة روعها ولو قليلاً..

***

_ ترجل مصطفي من السيارة وتبعه خليل مهرولين داخل المقهي، تفاجئوا بالدماء التي تسيل من كلياهما، إقترب منهم مصطفى وشكل حاجز بينهم لكي يفض تلك المشاجرة ويمنعهم من الوصول إلى بعضهم مرة أخري، ساعده بنيان جسده الضخم على فض الإشتباك بينهم وإبعادهم عن بعض

_ هنا جاء دور "خليل" وهو يعاتبهم بصوته الجهوري:-
ولا العيال الصِغيرة اللي ماسكين في خناج بعض، أومال لو مكنش بيناتكم نسب كنتوا جتلتوا بعض على أكده؟

_ أخذ "خليل" نفساً عميقاً وتابع حديثه متسائلاً:-
فهموني إيه اللي حوصل عشان متزعلوش مني إتنيناتكم

_ مسح "هلال" الدماء التي تسيل من فمه وأنفه ونظر إلى طاهر بغيظ عارم وردد بغضب شديد:-
جليل الرباية بصحيح

_ نهره والده معاتباً:-
إتحشم يا هلال وجولي إيه اللي حوصل بدل الحديت الفارغ اللي ممنوش فايدة ديه

_ بصق "هلال" أرضاً ليخرج الدماء المتبقية في فمه ثم مسح بأنامله على فمه وقصى لوالده ما حدث:-
جولتله ينفث دخانه بعيد عني وهو جل أدبه معايا ونفثه في وشي وعينه في عيني كانه بيجول شكل للبيع وأني نولتله مراده

_ صغي "خليل" من ولده وجاء دوره في إستمتاعه لطاهر، صوب نظره عليه وسأله باستفسار:-
الكلام ديه صوح يا طاهر ولا فيه حديت هلال مخبرنيش بيه

_ وزع "طاهر" أنظاره بين الجميع وأجاب خليل وهو منكس الرأس بخذي:-
صوح يا عمدة

_ شعر خليل براحة داخله حينما علم أن ولده من لم يبدأ بالمشاجرة، تنهد وأردف بنبرة صارمة:-
كنت هطلبوا منك يا طاهر تعتذر منيه بس اللي شايفه جدامي واللي عملتوه في بعض هجبركم تعتذروا إتنيناتكم لبعض

_ إعترض "هلال" قرار والده:-
بس يا بوي هو اللي غلطان

_ تدخل "مصطفى" بنبرته الآمرة:-
إسمع حديت بوك يا هلال ومتلاوعش

_ كز "هلال" على أسنانه بغضب ثم نظر بعيد عن الجميع وردد بعدم قبول لأمرهم:-
أني أسف

_ وجه "خليل" نظره إلى طاهر وأمره هو الآخر بنبرة حادة:-
وأنت يا طاهر اعتذر

_ نظر طاهر إلى هلال ببغض شديد، يتمني الموت بدلاً من ذلك الإعتذار الذي سيقدمه لذلك البغيض، فتح فاهه وأخرج إعتذاره على مضضٍ:-
أسف

_ ما أن أنهي جملته حتى غادر المقهي سريعاً، لا يريد أن يري أحد في تلك الأثناء، نظر "خليل" إلى مدحت بندم وهتف بشموخ:-
حساب الحاجات اللي اتكسرت ديي عندي

_ رد عليه "مدحت" ممتناً:-
ربنا يخليك يا عمدة

_ إنسحب خليل وتبعه مصطفي و"هلال" الذي رفض أن يركب معاهم السيارة موضحاً:-
هعاود السرايا مشي رايد أكون لحالي هبابة

_ أنهي حديثه وأولاهم ظهره قبل أن يستمع لرفض أحدهم، لعن تلك الزيجة التي كانت السبب لما وصل إليه والأدهي إعتذاره من ذلك السخيف..

_ مر بجوار منزل حمدان، توقفت قدماه أمام البوابة تلقائياً، يريد محادثته مرة أخري لعله يقنعه تلك المرة، لكن ماذا عن تحذيره وتهديده له في الصباح؟!

_ حتماً أنه تهديد ليس إلا، لا يمكنه قتله بتلك السهولة التي تحدث بها، أخذ شهيقاً وأخرجه بتمهل ثم عزم أن يحادثه كما أنه لن يخرج من ذلك المنزل إلا مجبور بإستعادة حقوق ورد أو جثة هامدة!

_ قرع الجرس وإنتظر قليلاً حتى ظهر حمدان بنفسه، إبتسم له بتهكم مرحباً بحفاوة زائفة:-
يا مرحب يا مرحب شوفتك ولا الجمر يا هلال إتفضل

_ ولج هلال خلفه فاستقبله "حمدان" في غرفة الضيافة متسائلاً:-
تحب تشرب حاجة؟

_ حرك هلال رأسه رافضاً وبدأ حديثه مباشرةً:-
أني مش جاي أضايف أني جاي أرجع حج مرتي منيك يا حمدان

_ رفع "حمدان" حاجبيه للأعلي لتلك الجرأة التي يتحلي بها وردد مبدي إعجابه به:-
واه واه جرأتك مجوية جلبك يا ولد العمدة

_ سار نحوه إلى أن إلتصق به ونبرته الهادئة تحولت تدريجياً إلى نبرة حادة عنيفة:-
شكل تهديدي مفرجش معاك وفكرت إني بهزروا ، بس أني جلبي طيب لو مخرجتش من إهنه في اللحظة اللي هخلص فيها حديتي صدجني هنفذ تهديدي

_ لم تهتز خصلة لهلال تظهر تأثره بحديثه، إنحنى بقرب أذنه وهمس له بنبرة حادة رغم هدوئها:-
أني مهمشيش من إهنه غير وورج الأرض معايا

_ إعتدل هلال في وقفته ووضع كِلتى يديه خلف ظهره في إنتظار تنفيذ طلبه، إرتفعت أصوات ضحكات حمدان على شخصية هلال التي أعجب بها كثيراً وخصوصاً تلك الثقة التي يحادثه بها ..

_ إبتعد عنه وفتح خزانته التي تتوسط الغرفة وسحب سلاحه المرخص وصوبه نحو هلال قائلاً:-
أني حذرتك...

***

_ بعد منتصف الليل، كانت تقف نادرة في شرفة غرفتها كنت يقف على جمر متقد تنتظر عودة هلال بفروغ صبر، يعتصر قلبها قلقاً بسبب تأخيره الذي لم تعتاده من قبل، لم تعد تستطيع الإنتظار بعد فلقد فاض الكيل بها

_ عادت إلى غرفتها وأقتربت من زوجها النائم وحاولت إيقاظه بهدوء رغم نبرته القلقة:-
يا خليل جوم أني معتش جادرة أتحمل صبري نفد جوم شوف ولدك معادوش السرايا ليه؟

_ قلق "خليل" بسبب ثرثرتها ونظرا إليها بضيق وتمتم:-
ولدك لساته عيل صغير عشان تجلجي عليه عاد، ولدك بجي راجل وجت ما الساعة تدق إتناشر هتلاجيه عاود هو مهيتأخرش عن إكده؟

_ رمقته "نادرة" بإمتعاض وصاحت به مندفعة:-
الساعة داخلة على أربعة يا خليل إتناشر إيه عاد

_ تفاجئ "خليل" من حديثها وعدل وضعيه جسده والقلق قد تملك منه وأردف بذهول وهو يطالع المنبه الموضوع أعلى الكومود:-
أباه أربعة الفجر ولساته معادوش ديه عمره ما عملها

_ ردت "نادرة" بنبرة ملهوفة حينما لاحظت تفهمه للأمور:-
مهو ديه اللي جلجني أومال صحيتك ليه

_ سحب خليل هاتفه محاولاً مهاتفته، جلست "نادرة" بتعب على الفراش وهتفت مستاءة:-
أني موجفتش رن عليه من وجت ما رجعت أنت ومصطفى ومبيردش عليا

_ حدثها ولازال يحاول مهاتفته على أملاٍ أن يجيبه:-
يمكن يرد عليا أني

_ نهض "خليل" وهو متأكد أن هناك مصيبة قد حلت على رأس ولده وتمتم بتوجس مختلط بالقلق:-
لا أكده كاتير جوي أني هنزل أخلي الغفر يدوروا عليه، روحي صحي مصطفى يروح وياهم أكيد عارف خبايا خوه

_ لم تنتظر نادرة لحظة وهرولت مسرعة نحو غرفة مصطفى، ولجت للداخل بطريقة غير حضارية، مالت عليه لكي لا تسبب في ذعره وأردفت هامسة:-
مصطفى جوم يا ولدي خوك معاودش السرايا وبوك باعت الغفر يدوروا عليه، جوم روح وياهم أكيد عارف هو بيجعد فين

_ أدار مصطفى رأسه على المنبه ليعلم كم الساعة، إنتفض من مكانه حينما رآها الرابعة وخمس دقائق لم يفعلها هلال من قبل وتأخر إلى هذا الحد

_ إرتدي جلبابه سريعاً وهبط إلى الأسفل وتفاجئ برجال والده قد ملئوا السرايا، وقبل أن يهموا بالمغاردة أنتبه جميعم الى صوت يتردد صداه في الخارج هاتفاً:-
أبا الحاج خليل، إلحج يا أبا الحاج

_ هرول خليل إلى الخارج ومعه مصطفى، ظهرت ملامحه عن قُرب إنه واحد من الفلاحين العاملين بالأرض، نهره "خليل" لذلك النداء التي أوقع قلبه خشية أن يسمع مكروه من خلف نبرته التي لا تبشر بالخير:-
في أيه يواد يا إبراهيم عتصرخ أكده ليه؟

_ وقف "ابراهيم" وأجابه من بين أنفاسه اللاهثة:-
هلال... لجوه متصاب في الأرض الغربية نواحي عيلة الشرجاوي

_ صدمة! حلت على وجوه الجميع بعدما وقع هذا الخبر على مسامعهم، سكون حل للحظات لم يتجرأ أحدهم على التحدث فالمصيبة ليست هينة لتستوعبها عقولهم.

______________________________________

نكمل بكرة باذن الله



موعد البارت الجديد الساعة ( 4 م ) يوميا ان شاء الله 

هنا تنتهى احداث رواية عرف صعيدي الفصل الثاني ، يمكنكم اكمال باقى احداث رواية عرف صعيدي الفصل الثالث  أوقراءة المزيد من الروايات المكتملة فى قسم روايات كاملة .

نأمل أن تكونوا قد استمتعتم بـ رواية عرف صعيدى ، والى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله ، لمزيد من الروايات يمكنكم متابعتنا على الموقع أو فيس بوك ، كما يمكنكم طلب رواياتكم المفضلة وسنقوم بوضعها كاملة على الموقع .
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-