رواية المعلم الفصل الخامس حلقات خاصة من روايات تسنيم المرشدي

  نقدم اليوم احداث رواية المعلم حلقات خاصة الفصل الخامس بقلم تسنيم المرشدي . والتى تندرج تحت تصنيف روايات رومانسية ، تعد الرواية  واحدة من اجمل الروايات رومانسية  والتى نالت اعجاب القراء على الموقع ، لـ قراءة احداث رواية احببت ملتحي كاملة بقلم ام فاطمة من خلال اللينك السابق ، أو تنزيل رواية عرف صعيدى pdf كاملة  من خلال موقعنا .


رواية المعلم الفصل الخامس حلقات خاصة من روايات تسنيم المرشدي



المعلم حلقات خاصة الفصل الخامس




حلقة خاصة
المعلِم
( ٥ )
( الأخيرة )

***
"ربنا يخليك ليا يا ريان، مش عارف أقولك ايه على كل اللي عملته"
بلُطف وامتنان كبيران شكر هاني شقيقه وهو يربت على كتفه بينما حاول ريان محي الحرج بينهما بقوله:
متقولش حاجة المهم إنك مبسوط ودا اللي يهمني، ربنا يسعدك يارب ويعوضك كل خير

"آمين"
آمن هاني على دعائه ثم انسحب بعروسه إلى جناحهم بعدما ودعا عائلتهم، كذلك يحيى لم ينتظر كثيراً فهو مُتعب وبحاجة إلى الإسترخاء فلم يحظى بنوم هنيئ منذ عدة أشهر منذ بداية تجهيزاته في شقته.

عاد بها إلى الغرفة وساعدها على الدخول ثم ألقى بنفسه على الفراش فور رؤيته وردد مطالباً بأخذ قسطاً من الراحة لبدنه:
ياااه مكنتش متخيل إني هوصلك!!

_ ضحكت هالة على تصرفه وانتظرته ينهض لكنه لم يفعل، مرت عدة دقائق تلاها دقائق أخرى والحال كما هو عليه، اتسعت حدقتاها بذهول حين وقع على مسامعها صوت شخيره، اقتربت منه ولكزته بقدمها على ساقه فكانت أقرب ما وصلت إليه فنهض مذعوراً من فِعلتها.

_ وضعت هالة كلتى يديها على خِصرها وطالعته بنظرات مشتعلة فهتف هو متسائلاً بعدم استيعاب لما يحدث:
في ايه حصل ايه؟

بتزمجر شديد صاحت به:
حضرتك نمت!!

فرك يحيى عينيه كما طقطق عنقه ليعود إلى رشده وعاتبها بكلماته:
ودي فيها إيه دي تعبان ومحتاج أرتاح ؛ ما صدقت أشوف السرير واترمى عليه

"والله! أشبع بالسرير يا يحيى"
ألقتهم في وجهه بغضب واضح ثم أمسكت بفستانها لكي يسهُل عليها التنقل في الغرفة وأولاته ظهرها فلحق هو بها وضحكاته تتردد في الأرجاء، وقف مقبالها وأرغمها على التوقف والنظر إليه فأوضح لها سوء الفهم الحادث:
بهزر والله، ينفع برده أنام وأسيب القمر؟

لم يبذل يحيى جهداً كبيراً فظهرت إبتسامة خجولة على محيا هالة تدل على رضاها عنه، فتلك هي فِطرة الفتيات أقل جُهداً يرضيهن حتى وإن كان بالكلمات دون غيرها وهنيئاً لمن نجح في التعامل معهن كما ينبغي فـسيكون له من السعادة نصيباً من كل شيئ.

اقترب منها يريد التودد مع شفتيها لكنه أراد أن يتأكد من شيئ قبل حدوثه، رفع سبابته وتحسس به شفاها العُليا فلم يظهر لون فيه كما ظن، تابع ما كان يفعله بإطمئنان عن ذي قبل لكنه سرعان ما تراجع للخلف ظاهراً مدى تقززه على تقاسيمه، طالعها بملامح مشدودة وقال:
روحي امسحي البتاع دا يا هالة أحسن

_ انفجرت هالة ضاحكة وأردفت:
ممكن تساعدني أغير الفستان الأول؟

بثقة في حديثه حسم أمره:
دا كدا كدا أصلاً، دي أهم لحظة في الليلة، أفكلك حبل الفستان فـ هوبا يقع وهوبا يـ...

اسرعت هالة في مقاطعته:
بس يا يحيى متكملش

رمقها بتهكم وأراد المزاح معها فقال:
أعلقه على الدولاب عشان ميتكرمش فهمتي إيه؟

_ لوهلة شعرت هالة بمدى سذاجة عقلها الذي ينتج توقعات وقحة، حمحمت قبل تضيف كلماتها بحرج:
فكرتك هتـ....

لم تُكمل جُملتها فقد منعها حيائها، فوجئت هي به حين أردف:
ما دا كدا كدا اللي هيحصل يعني

مال عليها وبخبث ماكر وتابع جملته:
بس بعد ما نفك الفستان

غمز إليها يحيى بعينه اليُمني مع رسمه لإبتسامة ساحرة دق قلبها إثرها، أخفضت رأسها ثم تخطته بخُطاها إلى المرحاض، تبعها يحيى وهو يعد الثواني لمرور تلك الدقائق التي تفصل بينه وبين حدوث تجربة فريدة من نوعها تلك الليلة.

أغلق الباب بقدمه ليُنهي تلك السخافات سريعاً حتى يصل إلى مراده في النهاية.

______________________________________

خرجت من المرحاض على استحياء شديد، رفضت ارتداء تلك الثياب المُحررة فهي لم تعتاده بعد كما أن الأحداث الأخيرة جاءت سريعة قبل أن يستوعبها عقلها وإلى الأن لم تصدق زواجها منه.

_ اكتفت برداء طويل غير ملفت حتى تعتاده أولاً ومن ثم يأتي المترتب عليه بعدها، لم يلحظ هاني ثوبها الغير ملائم لعروس لأنه يهتم لشيئ واحد فقط وهو عينيها يبدوا أنه وقع في غرامِهما!

اقترب منها وأمسك بيدها لمرته الأولى فرجف جسدها لحظتها، نكست رأسها بحياء فانسدلت خصلاتها الناعمة على وجهها أخفت معالمه، رفع هو يده وأعاد وضع خصلاتها على ظهرها لتظهر ملامحها الخجولة أمام مرآى عينيه مرة أخرى.

_ رفع رأسها بسبابته وهمس لها بنبرة مُتيمة محاولاً امتصاص خجلها:
عارف إن كل حاجة جيت بسرعة وأنتِ ليكي تتكسفي، عموماً سبيلي انا الكسوف دا هقدر أمحيه بس اللي كنت حابب أقول حاجة، ياريت نبدأ حياتنا وإحنا بنحترم بعض، منخبيش حاجة على بعض مهما كانت الأسباب، أي تغير في مشاعرك نحيتي عرفيني بيه بلاش تخبيه وينتج عنه حاجات تانية، عمري ما هرفض لك طلب بس مقابل دا تتقي ربنا فيا وفي أهلي وأي كلام أو تصرف يحصل بينا ياريت ميخرجش أبدا لحد حتى لو كانت والدتك، حبي اخواتي ومرتاتهم خليكم صحاب وبلاش مشاكل أنا عايز أعيش الباقي من عمري من غير صراع ومشاكل أفضل أناهد فيها، لو سمحتِ يا دعاء خلينا زوجين متفاهمين وسكن لبعض، ابقي ليا بيتي وقت زعلي وتعبي وأنا أكون لك كتف تتسندي عليه وقت ما تميلي وتزهقي مش عايز أكرر غلطات تاني، ساعديني ابني اللي جاي أحسن

_ تأثرت دعاء بكلماته كثيراً، على ما يبدوا أنه مازال يتعافى من علاقته السابقة، تنهدت بصوت مسموع وأخبرته أنه أصاب في مطالبه:
صدقني لو قولتلك دا نفسه اللي أنا أتمنى أعيش فيه، انا شوفت زيك ويمكن أكتر شوية لاني ست مشاعري بتتأثر بأقل حاجة غيرك فأنا عانيت ونفسي ربنا يعوضني عن اللي عيشته، أنا موافقة نبني حياتنا من جديد حياة كلها حب وود واحترام، بس ليا عندك طلب..

أجبر هاني أذنيه على الإصغاء جيداً كما أرسل لها إشارة من رأسه توحي إليها بمواصلة ما تريده دون خجل فتابعت هي موضحة:
بنتي مش هقدر أسيبها لازم تكون معايا

أسرع هاني في تأكيد الأمر:
دا أكيد لازم تبقي جنبك ومش جنبك لوحدك وجنبي أنا كمان أنا محتاجها في حياتي جداً متعرفيش أنا كنت بتمنى يبقى ليا خلفة إزاي

أخفض رأسه بحزن جلى، أخرج زفيراً عميق ولم يستسلم لحزنه بسهولة، عاد إلى صوابه لكي لا يفيد رونقة اليوم، ابتسم في وجهها وبهدوء شديد فعل مالم تتوقعه، أخذ عناقاً قوياً يقوي من مناعته التي ضعفت في الأعوام الماضية.

شعر بهدوء اضطراباته الداخلية حتى كاد أن يجزم بأنها لم تكن هناك من الأساس، شاركته عناقه الثمين فلم تحظى به منذ فترة لكنه مختلف الآن تماماً عن سابق مراته، كانت تلك المرة أهدى لا يوجد خوف، لا يوجد جدال أو حتى مشاحنات، فقط عناق دافئ أطمئن قلبها إثره.

لم يحب هاني بدء ليلتهم قبل أن يبخر خجلها الواضح في تصرفاتها، قام بصُنع كوبان من الشاي الساخن ووضع بعضاً من المقرمشات وآخر من الحلويات ودعاها إلى سهره صباحية داخل الشرفة.

قبلت دعوته على الرحب والسعة، كانت تختلس النظر إليه من آن لآخر ممتنة له فكم كان لطيفاً في حديثه كما أنها استشفت من خلف مواضيعه التي يتقضاها معها أنه يساعدها على التأقلم عليه سريعاً.

مر الوقت ولم يشعر كليهما به، شاهدوا روعة منظر شروق الشمس، أضاف لهم الهواء البارد الممزوج بحرارة الشمس شعوراً آخر مليئ بالراحة والدفئ.

_ وقفوا إلى جانب بعضهما البعض مستندين على سور الشرفة يشاهدان الشروق في سكون حل للحظات، تجرأ هاني على فعلها وحاوط خِصرها بذراعه فمالت هي برأسها تلقائياً على كتفه مستمتعة بتلك اللحظة الفريدة من نوعها.

_ رفع هاني رأسها إليه وهمس أمام شفتيها بنبرة رخيمة:
بحبك

قُبِضِ قلبها فجاءة ثم تحولت دقاته إلى سيمفونية تعزف على أوتار تصريحه، أخذت شهيقاً عميق وأخرجته بتمهل وقالت بنبرة تكاد تُسمع:
وأنا كمان بحبك

تقوس ثغره بإبتسامة عريضة سعيداً بوجودها أمامه وعليه أخذ خطوة ما يثبت لها بأنه يحبها حباً جما، انحنى علي ثغرها وحظى بمذاقه للمرة الأولى، تحرك بخطاه للأمام فأجبرها على التراجع لتكون على نفس خطاه، ركل باب الشرفة بقدمه وتابع سيره حتى وصل بها إلى مراده وغاص معها في بحور حبهم الأولى.

______________________________________

استيقظ باكراً عن ميعاد عمله لكي يخبرهم بقراره الذي حسم الأمر فيه، يجيب الردهة ذهاباً وجيئا في انتظار ظهور زوجاته، مرت ثوانِ قليلة وقد ظهرن خلف بعضهن.

_ تعجبن من أمر تلك الدعوة المفاجئة، ارتفعت نبرة دينا متسائلة في فضول:
في ايه يا ريان من بدري كدا؟

تنهد ووزع أنظاره بينهن ثم بدأ حديثه دون تفكير كثير:
أنا قررت يكون لكل واحدة فيكم بيت لوحدها

_ ظهرت ابتسامة عريضة على شفتي عنود، دقت أسارير السعادة قلبها، فكم تمنت حدوث ذلك لكنها دوماً تتراجع خشية أن تُحزِن ريان أو تفسد عليه روتين يومه.

حاول ريان إخفاء ضحكته التي تشكلت فور رؤيته لسعادة عنود الظاهرة لكنه لم ينجح، شعور ما قد تغلغل داخله وهو أنه أصاب في قراره تلك المرة، وجه بصره إلى دينا فلم يرى سوى جمودٍ في ملامحها فأسرع في سؤالها باهتمام:
إيه رأيك يا دينا؟

نهضت من مقعدها وبنبرة مرهقة أردفت:
أعمل اللي أنت عايزه يا ريان

_ لحق بها متسائلاً فلم يفهم تذمرها الواضح ذاك على ماذا تحديداً:
ممكن أفهم أنتِ مضايقة ليه الوقتي؟

هربت بعينيها بعيداً عنه وبلهجة حادة تريد إنهاء النقاش:
ما أنا مضايقة طول الوقت!!

كاد ريان أن يسألها عن سبب ضيقها التي أخبرته عنه للتو لكن ترجل بناته قد أرغمه على الصمت، تنهد وأردف بنبرة لطيفة فهو لا يريد خلق مشادة كلامية أمام الصغار:
تعالوا نفطر مع بعض النهاردة بما إن كلنا موجودين

رحبت الفتيات باقتراحه بينما أبدت دينا اعتراضها:
مليش نفس كلوا انتوا

إرتخت ملامح الفتيات بحزن تشكل على تعابيرهم، استشف ريان حزنهن فلم يوافق على تريده وبنبرة أكثر خشونة هدر:
لا هنفطر مع بعض

_ أشار إليها بعينيها على بناته فامتثلت دينا أمره على مضضٍ، جلس الجميع حول الطاولة بينما ترأسها ريان، شرعوا في تناول الطعام في صمت قطعه ريان حين أراد إخبارهم بما يجهلوه:
هيجي لنا ضيف جديد

انتبهت له جنى وسألته بعدم استيعاب:
مين يا بابي اللي جاي؟

قابلها ريان بإبتسامة عفوية لعدم استيعابها وأوضح قصده:
ضيف جديد يعني أخ جديد، عنود هتجيب لينا بيبي ولد

_ توقف الطعام في حلقوم دينا من هول المفاجأة، كادت أن تشرق لكنها تماسكت أمامهم وبهدوء حذِر سحبت كوب المياه بيدها وارتشفت القليل من الماء بينما صاحت جنى مُهللة في سعادة لذلك الخبر السار:
Amazing news ( خبر مذهل )

اعترضت جويرية بنبرة هادئة للغاية:
بس أنا مش عايزة ولد يا بابي أنا بحب الـ girls

نهرتها شقيقتها الكُبرى بتذمر:
لا كدا هنكون متساووين، بعد كدا مامي تجيب بنوتة كمان وطنط عنود تجيب ولد ونبقى كتير

_ قطبت عنود جبينها وتدخلت قائلة:
وليه أجيب ولد تالت مش يمكن أجيب بنوتة حلوة كدا زيك

بعفوية هدرت جنى:
مش أنتِ اللي بتجيبي الـ boy's ومامي بتجيب بتجيب الـ girls

لم تتحمل دينا سماع المزيد من سخافتهم، انتفضت من مكانها وأهانت إبنتها بعصبية شديدة:
كفاية كدا يا جنى اطلعي أوضتك

_ شعرت الفتاة بالحرج من الجميع فلم تجرأ على رفع بصرها عليهم، انسحبت من مكانها بهدوء دون أن تضيف شيئ وصعدت إلى غرفتها بينما وجه ريان بصره على تلك الغاضبة وقبل أن يُعقِب على ما حدث وجهت هي حديثها له:
انا هروح لماما

_اختفت من أمامه في أقل من الثانية فور إخباره بذهابها، كز ريان أسنانه بعصبية ولم يرى أنه هناك داعي لإكمال طعامه، نهض دون إضافة المزيد وتوجه مباشرةً نحو مكتبه لربما يشاركه همومه التي لا تفارقه مطلقاً.

دلفت خلفه عنود فلن تتركه وحيداً على تلك الحالة، ربما بانضمامها إليه يخفف من على عاتقه ولو قليلاً، أوصدت الباب خلفها لكي تمنع أي دخيل يمكنه قطع خلوتهم، تنهدت وتوجهت نحوه فكان جالس علي كرسيه شارداً لا يعطي اهتمام لشيئ.

وقفت خلفه ثم بهدوء وضعت أناملها على عقنه فانتفض هو بذعر، حاولت طمأنته بنبرتها الحنونة:
إهدى يا حبيبي دي أنا

عاد ريان لوضعه فتابعت هي ما عزمت على فعله، بدأت تُملِس على عنقه بحركات دائرية ناعمة شعر ريان بالإسترخاء إثر لمساتها، بعد عدة دقائق مرت شعر بتبدل أحواله وكأنها امتصت عصبيته فلم يكن هناك سوى الراحة.

_ التفت بكرسيه إليها وبنبرة ممتنة شكرها:
شكراً إنك موجودة في حياتي

إلتوى ثغرها بإبتسامة عذبة رقيقة، انحنت عليه واستندت بيدها على جانبي المقعد وردت على ما قاله:
انا بحبك أوي

مال ريان للأمام قليلاً وطبع قُبلة على طرف شفتيها وصرح بمدى حبه لها:
مش أكتر مني

تذكرت عنود شيئ ما فعادت إلى الخلف بحماس شديد قد ظهر على تصرفاتها ناهيك عن نبرتها الملهوفة وهي تسير في الغرفة:
عارف وقت ما قولت إن كل واحدة يكون ليها بيت افتكرت بيتنا!

توقفت عن السير وطالعته بنظرات يشع منهما الافتقاد والشوق:
فاكره؟

نهض عن مقعده وتوجه نحوها ثم أجابها بتهكم لسؤالها:
مش فاكر غيره دا كل حاجة حلوة بدأت فيه، يتنسى إزاي؟

خمن ريان سبب ذِكرها لمنزلهم السابق وسألها وهو يعيد خصلاتها خلف أذنها:
واحشك؟ عايزة ترجعيله؟

عضت على شفاها وهي تومئ له برأسها كالأطفال، مال على جبينها وهمس لها:
روحي جهزي شنطك

_ عادت برأسها للخلف تتأكد مما فهمته فأسرع هو مؤكداً:
مش عايزة ترجعي هناك يلا جهزي حاجتكم على لما ابعت واحدة تنضف البيت

_ دقت طبول السعادة قلب عنود وقفزت في الهواء بحماس وسعادة شديدان، أوقفها ريان معاتباً إياها:
لا مش للدرجة دي اهدي شوية

_ بسعادة واضحة هتفت:
بحبك أوي أوي أوي

هرولت من أمامه بخُطى سريعة فهدر بها ريان لقلة وعيها:
براحة يا بنتي

عادت إليه بسعادة كالطفل الذي أخبره والده للتو أنهم ذاهبان لنزهة وقبلته من وجنته ثم انطلقت إلى غرفتها تجهز ما ستحتاجه أثناء انتقالها إلى منزلها الحبيب الذي شهد أولى قصة حبها مع غاليها.

في الخارج بعدما استقلت دينا السيارة برفقة بناتها أمرت السائق قائلة:
هنودي البنات الأول عند والدتي وبعد كدا نروح للدكتورة

_ بعملية رد عليها:
أمرك يا هانم

______________________________________

_ "يا دينا أنا قولتلك إن الحمل حالياً ضعيف جداً وممكن ميحصلش"
انتبهت دينا لكلمات طبيبتها، تأففت بضجر بائن وهدرت بها شزراً:
بقالنا أربع شهور كل مرة ضعيف، أنا نزلت الجيم ومشيت على أكل صحي وبتابع كل تعليماتك عشان في الآخر تقوليلي الحمل ضعيف!!

حاولت الطبيبة توضيح حجم حالتها التي على الأغلب تجهله وإلا لن تقول ذلك:
تكسيات المبيض لسه زي ماهي بس إن شاء الله مع الرياضة المستمرة والعلاج يحصل حمل

_ طالعت دينا ماهو أمامها بحزن شديد ورددت بنبرة مرهقة:
الحمل حصل وخلاص!!

لم تستوعب الطبيبة تمتمتها وأردفت متسائلة باهتمام:
حضرتك قولتي حاجة؟

أومأت دينا نافية ثم استأذنت منها وغادرت، شعرت بأن الأرض لا تسعها في تلك الأثناء، تشعر بالإختناق كما تشعر أن الأكسجين ينسحب من رئتيها رويداً رويداً وكأن الدنيا جميعها تطبق على صدرها.

عادت إلى السيارة وأمرت السائق بالعودة إلى منزل والدتها لربما يُحسن ذلك من مزاجها قليلاً، طرقت باب شقتهم بعد وصولها فاستقبلتها والدتها بحفاوة، لاحظت أن هناك ثمة أمراً بها من خلف تعابيرها الجامدة.

دعتها إلى غرفتها السابقة لتسألها عن حالها بعيداً عن آذان الصِغار:
مالك يا بنتي شكلك مضايقة من حاجة

أجهشت دينا باكية فور انتهاء والدتها من السؤال عليها، تملك القلق قلب السيدة فاطمة حين رأت بكائها الغزير الذي لا يتوقف، ملست على ذراعها بحنو وقالت:
مالك يا حبيبتي ايه اللي حصل طمنيني؟

صاحت الأخرى من بين بكائها المرير بتلعثم:
تعبت يا ماما تعبت، كل السنين دي مقدرتش أتعود فيها على وجود واحدة تانية في حياته، ريان بقا واحد تاني حد أهدى ومعاملته بقت مختلفة لدرجة إني لو طلعت كل ضيقتي عليه مش بيقابلني بالأسلوب اللي المفروض يعاملني بيه، بيعدي لي كتير ودايما مهتم بأقل التفاصيل أنا نفسي مش باخد بالي منها، بس كل دا مش راضيني، عارفة أن كل دا هي اللي السبب فيه، هي اللي غيرته وأنا في المقابل مش عايزاها معانا، مش راضية بيها في حياتي، مش عايز أقسم نص كل حاجة معاها حتى هو!!
حتى بناتي بيحبوها أكتر مني، معرفش شايفين فيها ايه زيادة، بنت عادية يعني...

أخفضت دينا من نبرتها وواصلت حديثها بنبرة هادئة معانقة للإزدراء:
بس قدرت تعمل اللي فشلت أنا فيه..

رسمت إبتسامة مستاءة على محياها واسترسلت متابعة:
انا حتى محاولتش أعمله، كنت غبية إزاي مختش بالي منه إزاي مشوفتش أن رنا بتحوم عليه، إزاي كان بيحتاج لي وكنت برفضه، محاولتش أسمعه أو حتى أهون عليه، أنا واحدة فاشلة بتحاول تكمل نقصها من أذية اللي حواليها!!

وضعت كلتى يديها أمام وجهها خافية عبراتها التي تتساقط لكنهم تدفقا من بين أناملها من شدة بكائها، حاولت والدتها التخفيف من عليها بحكمة:
أنتِ بتعيدي في الماضي ليه بس يا بنتي، ليه بتنكشي في اللي بيضايقك ما كل دا راح وخلص وحياتك الحمدلله ماشية كويس وزعلك الوقتي بقا من زعله ايه اللي خلاكي تقولي الكلام دا؟

كل حاجة مزعلاني، كل حاجة مبتجيش في صالحي بقالى شهور عايزة أحمل وهي جت في ثانية حملت وكمان هتجيب له ولد تاني!
هتجيب له الولد اللي كنت نفسي أجيبه أنا ولحد الوقتي مش عارفة!!

_ هتفت بهم دينا متحسرة على حالها بينما عاتبتها والدتها على عدم رضاها:
والبنت والولد ايه يا بنتي ماهما واحد في الآخر طلاما من بطن واحدة ميفرقش النوع الغلاوة بتكون واحدة

_ صاحت دينا عالياً بعدم اقتناع:
تفرق كتير أوي أنتِ بس اللي مش شايفة

لم تعقب والدتها على كلماتها بل اكتفت بمطالعتها بذهول معانق للصدمة فلم تكن يوماً هكذا، ما تلك الحالة التي عليها وما هذا الأسلوب؟
لقد شعرت بالنفور منها من خلف بُغضِها البائن للآخرين، متى تحولت إلى شخصيتها الحقودة التي هي عليها؟
أين ذهبت رحمة قلبها ورزانة عقلها؟
لقد جُنت تماماً!

_ تعجبت دينا من عدم إبداء رأيها كما تفعل بعد أن تُنهي هي جملتها، رمقتها بنظراتها لعلها تستشف ما وراء تلك النظرات المبهمة فلم تأتي بإجابة صريحة لما باتت عليه، تنهدت وسألتها مستفسرة:
سكتي وبتبصيلي كدا ليه؟

ضربت فاطمة على فخذها بعدما أخرجت زفيراً مسموع ثم أجابتها قائلة:
حاسة إني مش عارفاكي يا دينا، أنتِ مش بنتي اللي ربيتها وكبرتها أبدا، عمري ما علمتك تحقدي على حد بالشكل دا، جبتي عدم الرضا دا منين؟ دا انا معوداكي على شُكر ربنا على أقل نعمه، أنتِ بقيتي كدا ازاي يا بنتي؟

شعرت دينا باالخذي والخجل من خلف كلمات والدتها المُعاتبة، نكست رأسها بحزن فتابعت والدتها ما لم تنهيه لعلها تنجح في إعادتها لرشدها:
لو كانوا هما السبب يا بنتي في اللي حصلك دا اطلقي أحسن عندي ١٠٠مرة إني أشوف بنتي على الحال دا

وجهت دينا بصرها على والدتها بذهول فور ذِكرها لتلك الكلمة التي بعيدة كل البُعد عن مخيلتها، لم يستوعبها عقلها ورددت بعدم رضاء عنها:
طلاق ايه اللي بتكلمي عنه!

اقتربت منها فاطمة وربتت على ظهرها وبحنو أمومي حدثتها:
كل أم هتقول لبنتها حافظي على بيتك وجوزك بس أنا مش هقدر أقولك وأنا شيفاكي بتإذي نفسك قبل منهم، أنتِ بتستسلمي لشيطانك واحدة واحدة والله أعلم أخرتها إيه، عليكي من دا ايه يا بنتي أنتِ مش راضية عن وضع عايشة ومتأكدة أنه مش هيتغير يبقى أنتِ اللي تتنازلي عشانك مش عشان حد تاني، وعشان بناتك بردوا أنتِ لسه قايلة بيحبوها أكتر منك دا لأنك مركزة مع أبوهم وبس، عايزة تاخديه ومش مهم أي حاجة تانية حتى البنات ودا غلط يا حبيبتي، معملتيش حساب تغيرك اللي حصل دا بس تغيرك وحش يا دينا آخرته وحشة يا حبيبتي، عيدي حساباتك وشوفي هتقدري ترجعي دينا بنتي اللي أعرفها واتربت علي إيدي ولا لأ ولو لأ يبقى متفكريش كتير وإنهي الوضع اللي كان السبب في وصولك للحالة دي

لم تُعقِب دينا علي حديث والدتها فلقد تخبطت بين أفكارها المضادة لبعضهما، فضلت فاطمة ترك لها مساحة كافية بمفردها تعيد فيها ترتيب أمورها جيداً قبل أخذ قرار قد يقلب حياتها رأساً على عقب.

نهضت من مقعدها وانسحبت إلى الخارج تاركة إياها منهمرة بين حديثها الذي يؤيده العقل ومن ناحية أخرى يهاجمه القلب ويرفضه البتة، تراجعت للخلف واستلقت على الفراش، طالعت السقف بحيرة من أمرها وظلت تتأرجح بين عقلها وقلبها تريد حسم الأمر سريعاً، إما أن تجبر نفسها على التأقلم ومجراة الحياة وإما أن تنهي تلك الحياة بإنفصالها عن ريان.

______________________________________

حل ليل ذاك اليوم بعد ساعاتِ طويلة مرت على دينا بصعوبة وثِقل في مرورهما، عادت إلى الفيلا بعدما حسمت أمرها، كان ريان في انتظارها لكي يخبرها بذهاب عنود من الفيلا.

خرج من غرفته حين استمع لصوت حكة إطارات السيارة، وقف أمام السُلم فتفاجئ بها عائدة بمفردها، قطب جبينه بغرابة وسألها مستفسراً:
البنات فين متقوليش هيباتوا هناك مش بحبهم يباتوا برا البيت

_ بملامح جامدة لا تعبر عما خلفها أجابته بنبرة هادئة للغاية:
مكنش ينفع أجيبهم معايا

كلماتها لم تضيف له سوى القلق فأعاد سؤالها مرة أخرى:
يعني إيه مش فاهم؟

تابعت سيرها للأمام وهي تقول:
لو سمحت ممكن نتكلم في الأوضة

لم يرفض ريان طلبها فهو متعجب من أمرها وخصيصاً من ذلك الهدوء الذي تتلبس ثوبه، تبعها إلى الغرفة ثم أغلق الباب ولم ينتظر جلوسه وسألها بإهتمام مصحوب بالقلق الذي تبدد داخله:
في ايه يا دينا أنا قلقت هو حصل حاجة؟

_ جلست على طرف فراشها وأماءت له نافية فأردف هو:
أومال في ايه؟

ابتلعت ريقها وحاولت ارتداء ثوب الشجاعة، رفعت عينيها عليه وأرغمت بصرها على مطالعته وعدم الهروب بعيداً ثم هتفت:
عايزة أطلق يا ريان!!

صعقة تلقاها ريان لم يستوعبها بسهولة، مال برأسه للجانب كما ضاق بسودتاه عليها فطلبها ذاك كان من المستحيلات من مدة ليست ببعيدة، ما هذا الآن؟ حتماً أنه هذيان ليس إلا.

ضرب كفه على الآخر وهو يحرك رأسه يمينا ويساراً مستنكراً ذاك الطلب الذي يتردد كثيراً في الآونة الأخيرة، اقترب منها وهو يقلل من شأن طلبها السخيف:
انتوا كل ما تزهقوا تيجوا تتسلوا عليا؟

جمعت دينا شجاعتها التي على وشك الإنهيار ووقفت قبالته وبثقة لم تتحلى بها من قبل عدلت على حديثه:
بس أنا مش بتسلى أنا مكنتش جد زي دلوقتي، أنا بجد عايزة أطلق!!

_ ظل يطالعها بعدم استيعاب لسخافة الطلب الذي ازداد عن كده، حتماً تمازحه فلن يكون سوى مزاح وهو غير مقبول بالمرة، رفع إحدى حاجبيه وببرود قاسٍ مختلط بالتهكم هتف:
على أساس إنك متقدريش تستغني عني؟!

حمحمت قبل أن تُصرِح له بالحقيقة المريرة:
أنا هستغني عنك مقابل نفسي، عايزة نفسي تاني، عايزة أرجع روحي لمطرحها، عايزة قلبي يحس براحة بدل الغيرة، عايزة عقلي ينام كل يوم وهو مش مشغول بيك، أنا عايزة أرجع لنفسي عشان بناتي، عشان أقدر أربيهم تربية سوية ميكنش فيها حقد لحد ودا مش هيحصل إلا لما أمهم نفسها تكون سوية ومش بتحقد على حد، طلقني يا ريان لو كنت بتحبني زي ما بتقول سيبني أهرب من كل الأصوات اللي في دماغي وأعيش بصوت واحد بس صوت الرضا اللي معتش أعرف عنه حاجة.

كان مندهشاً مما يصغي إليه، فلأول مرة يشعر بفداحة ما اقترفه في حق زوجاته، فالأولى كانت عنود التي بكت بين أضلعه مطالبة بانفصالها عنها لعدم قُدرتها على المواصلة والآن حان دور دينا والسبب نفسه لا تستطيع المثابرة!

على ما يبدوا أن الخطأ به هو وليس فيهم، فهو لديه من كل شيئ زوجان حتى في النساء يملك إمرأتان، لا يشعر بالنقص الداخلي فهذا ما يُصعِب عليه الشعور بكلتاهن.

أوصد عينيه يحاول التماسك قدر المستطاع أمامها، أعاد فتح عينيه وتوجه نحو الفراش، جلس أعلاه وأشار لها بيده فجائته هي وجلست حيث أشار، سحب نفساً عميق وحاول انتقاء الكلمات لعلها تتفهمه وتتراجع عن طلبها:
أنا يمكن مش حاسس باللي أنتوا حاسين بيه طول الوقت، بس أنتِ كبيرة كفاية وقادرة تفهمي يعني إيه طلاق، طلاق يعني خراب، بيت يتخرب!،
عيال لا منهم طايلين أبوهم ولا منهم طايلين أمهم، حياتهم مشتتة ودا بيربي لهم عقدة نفسية، انا مش عارف أعمل إيه عشان تحسي إنك راضية معايا أنا كل حاجة عملتها وبرده مفيش فايدة قوليلي على حاجة وأنا مستعد أعملها لو مكنش عشاني عشان البنات اللي بينا حرام يعيشوا حياة مش كاملة بسبب طلاق أبوهم وأمهم فكري فيهم الأول

_ كانت تطالعه ولا تعلم كيف تماسكت ولم تبكي، شعرت لمرتها الأولى بإرادتها في الحديث دون ضيق أو تعقيدات، وكأنه كان الوقت المناسب لأن تشرح له مدى خطورة مواصلة تلك العلاقة:
أنا طلبت الطلاق عشانهم، صدقني فكرت كتير إني أحاول أتقبل الوضع بس مقدرتش، مش هقدر أضحك على نفسي تاني، أنا ضحكت عليها زمان إني أقدر أتقبل الوضع وعشت ٦ سنين خلقوا فيا غيرو وحقد وعدم رضا، انا لو كملت يبقى بظلم بناتي، هكون شخصية مش سوية محبش أنهم يتعاملوا معاها ويطلعوا زيها، أنا محتاجة أكون أهدى من كدا، محتاجة شخصية دينا الطيبة السوية ترجع تاني ودا هيحصل لما أبعد عن الصارعات اللي عايشاها مع عقلي طول الوقت

نهضت عن مقعدها وبثبات أردفت:
أنا مُصرة على الطلاق يا ريان حتى لو مش موافق بس أنا مش هتراجع عنه، لو سمحت أعطيني حريتي عشان أحاول أتعافى من نفسي يمكن أنجح وأرجع له تاني

ذهول دون غيره متملك منه، لا يقدر على فعلها، فهذا بمثابة تخليه الكامل عن بناته لطالما حاول مراراً أن ينجح تلك العلاقة فقط من أجلهم، نهض من مكانه وتوجه نحو الباب ولم يعطها إجابة واضحة فلحقت به وحاوطت ذراعه بأناملها متوسلة إياه:
عشان خاطري يا ريان قولها وريحني

_ التفت برأسه إليها وطالعها بعيناه التي تتدفقت بهما الدماء وبعدم رغبة في استكمال الحديث معها ردد:
أنتِ بتقولي إيه يا دينا؟

بهدوءٍ أجابته:
قولها يا ريان

سكون حل للحظات كانت تحثه مراراً على قولها بإشارات من عينيها التى تجمدت حين هتف:
أنتِ طالق!!

طالعها للمرة الأخيرة قبل خروجه من تلك الغرفة التي لن تحل له بعد ذلك، أرخت هي من قبضتها على ذراعه فهرول ريان منسحباً من الغرفة وهو لا يرى أمامه، لا يصدق أنه بالفعل قد نطقها، لكن على ما يبدوا أنه عليه التضحية بشخص لكي يعيش بقية الأطراف في سلام حتى وإن لم يرضى ذلك..

فرت دمعة من عيني دينا تلاها شلال من العبرات فور اختفائه من أمامها، شعرت بوخزة قوية في قلبها، لما البكاء ألم يكن هذا طلبها؟ ألم تصر عليه من أجلها وأجل بناتها؟ إذا ما معني بكائها ذاك؟

سقطت على الأرض وأجهشت في البكاء بقهرة كبيرة، ارتفعت وتيرة أنفاسها كما ارتفع نحيبها فتردد صوته في الغرفة، خرجت عنود من غرفتها راكضة إثره، لمحت طيفها الجالس أرضاً فلم تفكر كثيراً وهرولت بخُطاها إليها وقلبها ينبض رعباً.

جست على ركبتيها أمامها وتسائلت بتوجس شديد:
في ايه حصل حاجة لحد؟

لم تجيبها دينا بل اكتفت بإيماءة من رأسها نافية حدوث مكروه لأحدهم، فتابعت عنود أسئلتها:
طيب مالك بتعيطي كدا ليه، ريان زعلك؟

ازدادت دينا في البكاء فلاحظت عنود ذلك وخمنت أنه حدث مشادة كلامية بينهما، لم تريد التدخل في الأمر ربما لا يعينها لكنها لن تستطيع تركها على تلك الحالة، فلم تراها بتلك الهشاشة من قبل، ترددت كثيراً في فعل ما يحتم عليها عقلها فعله خشية أن تصدها، بالتأكيد لن تصدها فهي في حالة لا يرثى لها، بهدوءٍ اقتربت منها وحاوطتها بذراعيها مرددة بحنان:
طلعي كل اللي جواكي عشان تهدي

_ وكأنها كانت في انتظار السماح لها بالإنهيار فهتفت عالياً بنبرة موجوعة:
اااااه

تلك "الأه" التي صاحت بها آلمت عنود كثيراً وشعرت بتهتك قلبها، لم يكن في مقدرتها سوى مرافقتها وعدم تركها قبل أن تتحسن حالتها ولو قليلاً.

______________________________________

عاد ريان بعد بزوغ الفجر إلى الفيلا، فكان بحاجة إلي الانفراد بذاته بعض الوقت، انتبهت عنود لدخوله أثناء خروجها من غرفة دينا أن اطمئنت عليها وتأكدت أنها غفت.

لم تستطيع التحدث حين رأت تعابيره الجامدة وتبدل أحواله بعد أن كانت متوعدة له كما أنها حضرت الكثير من الكلمات لكي تعاتبه بها بعد أن رأت حالة دينا، لكنه لم يكن أقل منها سوءاً، فكان في حالة مذرية أجبرت عنود على عدم إيلامه.

ولجت خلفه لغرفتهما ثم جلست بجواره على الأريكة التي استلقى عليها وطالع سقف الغرفة في صمت، حمحمت وترددت كثيراً في سؤاله خشية أن تزيد الوضع سوءاً، لكنه فجائها حين أردف دون سابق إنذار:
طلقت دينا

شعرت وكأن دلو مليئ بالماء البارد الذي انسكب عليها فجاءة، خرجت من صدمتها على توسله:
مش عايز كلام في الموضوع دا ولوم وعتاب لو سمحتي!

طالعته لوقتٍ وإلى الآن لا يستوعب عقلها ما أخبرها به، حاولت التخفيف عنه بقولها رغم عدم تقبلها للأمر:
أكيد مش هقولك حاجة متقلقش، أنت بتفكر في الحاجة قبل ما تعملها كويس يعني قرار زي دا أكيد في خير ليكم

_ التفت برأسه نحوها وردد متسائلاً:
تفتكري خير فعلاً؟

لأول مرة لا تدري ما عليها قوله لكنها فقط ستجيبه بما تقتنع به لربما يقتنع به هو الآخر:
كل حاجة بتحصل لنا خير أكيد، يمكن مش بيظهر في الوقت الحالي بس بعدين بنعرف فين الخير من اللي حصل

_ عاد ريان ينظر إلي السقف كما عاد إلى صمته، شعرت عنود بغصة مريرة في حلقها لا تعلم ما سببها لكنها تشعر بالذنب تجاهه، اقتربت منه ورفعت رأسه بيدها وسمحت لنفسها بالجلوس ثم أعادت وضع رأسه إلى قدميها.

تخللت خصلاته بأناملها ثم بدأت تتلوا بعضً من آيات الله تساعده علي استرجاع ذاته سريعاً، شعر ريان بسكون مريب داخله بعد قرائتها للآيات ولم يشعر بالنعاس الذي تغلب عليه بعدما شعر بخلوا جوفه من أي صراعات.

______________________________________

في الصباح، استيقظ ريان وتفاجئ بغوفه على قدمي عنود، أعدل من وضعيته ليراها فإذا بها مستندة على ذراع الأريكة وغارفة في نومها، لام نفسه على عدم انتباهه لها ثم اقترب منها وانحنى عليها وقام بحملها بين ذراعيه برفق لكي لا يزعجها.

وضعها علي الفراش فأخذت هي وضعية أكثر راحة لها بينما قام هو بدسر الغطاء أعلاها ثم انسحب إلى الخارج بعدم رغبة في أي شيئ.

أنتبه لخروج دينا من غرفتها تجر حقائبها خلفها، أصدر صوتاً لتنتبه هي له ثم توجه نحوها لكنه حافظ على مسافة كافية بينهما وحدثها دون أن ينظر إليها:
خليكي أنتِ هنا كدا كدا كنا هنمشي إمبارح، الفيلا بقت بتاعتك من هنا ورايح، هبعت السواق يجيب البنات ويوم بعد يوم هاجي أشوفهم

_ أنهى جملته ثم أولاها ظهره وهبط الأدراج لكي يأمر السائق بالذهاب لإعادة الفتيات إلى الفيلا، ثم حضر سيارته وقام بوضع كل ما أحضروه بالأمس إستعداداً لذهابهم فور استيقاظ عنود.

______________________________________

ودع بناته بحرارة، لا يعرف كيف استطاع التماسك أمامهم ولم يبكي فلقد تأثر كثيراً بفكرة فراقهم وعزم على توطيد العلاقة بينهن أكثر لكي لا يؤثر انفصاله عن والدتهن.

عاد إلى منطقته برفقة عنود وصغيره، أمر الحارس بنقل جميع ما معهم إلى الأعلى فامتثل الآخر لأمره ثم استأذن وعاد لعمله بعدما تأكد من عدم حاجة ريان له.

وقفت عنود أمام الباب وطالعت المنزل بشوق كبير، لقد فاق اشتياقها الكون، أُعيد عقلها شريط ذكرياتها منذ أول خطوة قد خطتها داخله إلى آخر مرة ودعته بقلب يعتصر حزناً فلم ترضى يوماً الإبتعاد عنه وها هي تعود إليه من جديد.

_ استنشقت رائحة عبقه التي تسللت داخل أنفها ثم خطت أولى خطواتها وهي تسمي الله، عادت إلى وطنها وسكنها لطالما افتقدتهم في حياتها السابقة، تشكلت علي محياها إبتسامة سعيدة لتلك العودة المحببة إليها لوهلة شعرت بأن المنزل يرحب بها من فرط سعادتها.

توجهت نحو تميم وحملته أعلى كتفها وأخذته في جولة سريعة في المنزل حتى يعتاده، عادت إلى الردهة فرأت غاليها جالس منهمراً بين أفكاره أو ربما همومه لا تدري، توجهت إليه ثم جلست على قدمه وتشبثت في عنقه جاذبة انتباهه بقولها:
تعرف عايزة أعمل ايه؟

حرك رأسه لعدم معرفته لما تريد وسألها باهتمام:
ايه؟

غمزت إليه ثم هتفت بحماس:
بليل هتعرف

_ حل الليل التي انتظرت عنود حلوله بفروغ صبر، نبه ريان على الجميع عدم إخبار هاني ويحيى بخبر انفصاله فلا يريد لهم الحزن في تلك الأوقات.

أعدت عنود القهوة ثم دعته إلى سطح البناية بعدما ساعدت تميم على النوم، وصلا إلى مرادها المقصود فأشارت له بعينيها على مكانِ ما تريد تجربتة أخرى.

ابتسم لها ريان وردد متسائلاً:
ياااه لسه فاكرة؟

مالت برأسها للجانب وبنبرة رقيقة مُتيمة أجابته:
ودي حاجة تتنسي؟

سحب ريان نفساً ثم بحث بعينه على الدرج الخشبي لكي يصعدا عليه، أحكم من وقوفه جيداً ثم صعدت أولاً وجلس في أعلى نقطة في عُش الحمام، مد يده لها وساعدها على الصعود، لن تنكر أنها تهاب ذلك المرتفع لكن ذِكرتها معه هنا تجعلها تتغاضى عن خوفها والاستمتاع بتلك التجربة المختلفة.

سكبت لهما فنجانين من القهوة وشرع في ارتشافها، لمح ريان تلك النجمة من جديد فابتسم وهتف:
أنتِ اهو

_ قطبت جبتيها بغرابة من كلماته المبهمة ووجهت بصرها عليه فرأته ينظر إلى جهة ما، صوبت بصرها علي نفس وجهته فتفاجئت بالنجمة التي سبق وشبهها بها قبل أعوام كثيرة، شاركته الإبتسام ثم مالت برأسها علي كتفه فحاوطها هو بذراعه وشعور السكينة قد تمكن منه وسكن السلام روحه كما أجتاحت الراحة قلبه بوجودها معه في جميع الأزمات.

حمحم وسألها بلهفة سماع إجابتها:
هنسمي الواد ايه؟

قهقهت على تلقيبه للجنين وحاولت التفكير بصوت عالٍ:
ممم مش عارفة مفكرتش الموضوع جه فجاءة تفتكر أنت نسميه إيه؟

لم يطيل ريان التفكير فقد حسم أمر ذاك الإسم وأخبرها به:
سيف الدين

_ طالعته عنود بأعين جاحظة حين نطق إسم والدها، بإمتنان شديد عانقته ثم تراجعت لتنظر في عينيه وهتفت بحب ظاهر:
مش بقولك أنت جميل

بادلها ريان إبتسامة ثم أعادها إلى حضنه مرة أخرى، شكر الله على وجودها وتمنى عدم زوالها فلا يستطيع بدونها، هي دوماً تقوي نفسه حين تضعف، وتسانده حين يسقط، وتعيد إليه روحه حين تلحق بعيداً عن موطنها، حمداً لله على وجودها معه فمهما شكر الله على نعمته لن يشعر بالكفاية
....


تسنيم المرشدي
دمتم بخير.. 



موعد البارت الجديد الساعة ( 4 م ) يوميا ان شاء الله 

هنا تنتهى احداث رواية المعلم حلقات خاصة الفصل الخامس ، يمكنكم اكمال باقى احداث رواية اولاد الجبالي الفصل الاول  أوقراءة المزيد من الروايات المكتملة فى قسم روايات كاملة .

نأمل أن تكونوا قد استمتعتم بـ رواية المعلم ، والى اللقاء فى حلقة قادمة بإذن الله ، لمزيد من الروايات يمكنكم متابعتنا على الموقع أو فيس بوك ، كما يمكنكم طلب رواياتكم المفضلة وسنقوم بوضعها كاملة على الموقع .
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-