نستمتع اليوم بقراءة رواية من نبض الوجع عشت غرامي كاملة من روايات فاطيما يوسف والتى نالت اعجاباً شديداً لدي القراء.
من نبض الوجع عشت غرامي كاملة
من_نبض_الوجع_عشت_غرامي
#بقلمي_فاطيما_يوسفعشِقتُ أَميراً في الحُسْنِ جانْ وفي الجَاهِ ابنِ سلطانْ واسمُه عمرانْ ،
ذو طلَّةٍ رجوليةٍ وجمالُه آية يُحكَى عنْهُ في جميعِ الأزمانْ ،
خطفنِى عشقْهُ وأسرنِي صوتُه وصارتْ عيناي تبحثُ عنْه في كل مكانْ ،
أَخبِروا ذاك العُمْران أنِّي في انْتظَارِه ليخطَفُنِى على مهرتهِ ونعيشُ في أمانْ ،
فأنا أُعِدُّ لهُ رحلةً في العشقِ والغرامِ كي يشربَ منها ويسكرُ من نهرِي الريَّانْ
#خاطرة_سكون_الجندي
#بطلة_روايتي_التانية
#من_نبض_الوجع_عشت_غرامي
في منزل عصري ذو أثاث منمق في إحدي قرى الصعيد تدلف ماجدة غرفة بناتها وهي تفتح النوافذ مرددة :
_ قومي يابت منك ليها انتوا كل يوم والتاني عاد تزهقوني علشان تقوموا من النوم وكل واحدة فيكم وراها هم مايتلم ،
واسترسلت نهرها لهم وهي تنزع الغطاء من عليهم:
_ وه كاني بكلم نفسي عاد ! قوموا يالا حضرت لكم الفطور قبل مايُبرد .
تأففت كلا منهن فردت مكة الصغيرة وهي تداري وجهها كي لايصل إليه النور وتفيق:
_ وه يا أمي عاد كل يوم تدخلي تفوقينا من أحلاها نومة ، أنا زهقت وهطفش من البيت ده واصل .
أما سكون قامت من نومها بابتسامتها المعهودة وهي تردد الصباح بإشراقة:
_ صباح الخير ياأمي ، أنا هه قمت خلاص وسمعت الكلام ، الدور والباقي على المسخوطة اللصغيرة دي ، كل يوم والتاني تغلبك وتطلع روحك على ماتقوم .
ردت ماجدة الصباح عليها بابتسامتها المعتادة وأردفت وهي توجه حديثها لصغيرتها:
_ الله الوكيل يامكة لو ماهميتي وقمتي من السرير لاهقندل عيشتك النهاردة ،
قومي يابت وجعتيلي قلبي زي كل يوم .
قامت مكة من مكانها بغضب وهي تحمل معطفها كي تذهب الى الحمام هاتفة بسخط:
_ كل يوم كلية وشغل ، كان مالى ومال الحوارات المتعبة دي !
ماله الجواز والسترة للبنت مفيش أحسن من إكده عاد !
ضحكت كلتاهن على تأففها المعتاد كل صباح وصارت كل منهن إلي وجهتها ،
أما سكون أخذت حمامها وارتدت ملابسها وخرجت تنتظر قدوم والدتها وأختها كي يتناولا وجبة الإفطار في جماعة ، أمسكت هاتفها كالمعتاد وذهبت إلي صفحته الشخصية كي تتابع آخر منشوراته ، وكأنها بذلك تشفي قلبها العاشق له سرا ومن وراء حجاب دون أن يدري بها ،
وفي أثناء تصفحها وقفت عند صورته التى تأثرها ودقات قلبها تتسارع داخلها وتخفق عشقاً ، وهي تردد مع حالها:
_ ميته هتحس بقلبي وبحبي ياعمران !
عاشقاك ورايداك وانت مش شايفني ولا دريان بيا ولا تعرف حاجة خالص عن محبتي ليك !
ياه اتوحشتك قوووي من آخر مرة جيت فيها المستشفي لصاحبك ، وكل يوم وطول ماني موجودة في المستشفى عيني تطَّلع لشوفتك علشان أملي قلبي وأهديه ،
وتابعت حديثها وداخلها حزين :
_ تعبت من حبك وانت ولا أنت دريان ومش عايزة غيرك راجل يملى حياتي.
فاقت من شرودها على صوت والدتها تردد وهي تشير بيدها أمام وجهها:
_ فينك يابتي ، اللي واخد عقلك يتهنى به، لوين سرحانه قوي إكده ومش سامعانى وأني بتحدت وياكي .
حمحمت بإحراج من والدتها وهتفت بتلعثم:
_ لااا وحاجة يا امي أنا كنت بفكر بس في حالة مريضة عِندي وماخدتش بالي ، حقك عليا.
ربتت ماجدة على ظهرها بحنو :
_ ولا يهمك ياداكتورة يارافعة راسي وسط الخلق ، همى عاد ومدي يدك وقولي بسم الله علشان تلحقي شغلك .
أما مكة خرجت وهي تعدل من نقابها وتنظر علي هيئتها في المرآه وتردد بانزعاج:
_ أيوة عاد ياست ماجدة مفيش بس غير سكون هانم هى اللي رافعة راسك وسط الخلق واني راس كرنبة اهنه!
وتابعت حديثها وهي تشير على حالها بفخر :
_ خلي بالك كويس ياست ماجدة اني بقولهالك بكل ثقة اني هبقي الإعلامية الشهيرة صاحبة القلم والكلمة الرنانة مكة جمال الجندي على سن ورمح، وبكرة تتمنوا بس تقعدوا معاي ومهتلقونيش بسبب انكم دايما جايبين لي إحباط ، ومش شايفة عاد غير الداكتورة "سكون" ، بس يكون في معلومك إن إكده ظلم وتفرقة عنصرية.
ابتسمت كلتاهما على مشاغبتها الصباحية المعتادة وأردفت ماجدة وهي تلوي فمها بسخط:
_ اكتمى يابت إنتي وتعالي يالا افطُري مش ناقصين صداعك والفشخرة الكدابة بحالك كل يوم والتانى وإنتي ولا حد يعرفك اصلا.
ضمت حاجبيها باستنكار وأردفت بنبرة معترضة:
_ إكده ياماي بتحطمي أمالى وتزعزعي عزيمتي ، طيب ياست الناس الأيام بيننا وبكرة تقولي مكة صدقت في الحديت.
أنهت كلماتها وجلست على السفره كي تتناول معهم طعام الافطار وهي ترفع نقابها اعلى وجهها كي تأكل براحة فتحدثت والدتها باعتراض:
_مش فاهمه ايه سر اصرارك على النقاب ده يا بتي انا مش موافقة عليه نهائي وإنتي مصممة تلبسيه غصب عني .
مطت شفتيها بامتعاض وأردفت بزهق:
_ وه ياماجدة كل يوم والتاني نتحدتوا في نفس الموضوع عاد وأقول لك نقابي أنا عمرى ماهتخلي عنيه واصل واني مرتاحة فيه وبحبه ، وعمرى ماهفكر أقلعه أبدآ مهما حوصل فمتحاوليش معاي وتتعبي أعصابك.
هنا قامت سكون من مكانها وهي تحمل حقيبتها مردده لاختها باستعجال:
_طب يلا كفايه وكل وقومي علشان ألحِق أوصِلك في طريقي بدل ماهمشي وهسيبك تتبهدلي في المواصلات عاد .
بأعين ونصف هتفت مكة باستنكار:
_ بتذليني اياك علشان بتوصليني كل يوم للجامعة ياست سكون ،
وتابعت وهي تدعي ربها :
_ ارزقني يارب من عندك أشتري عربية زيها وتبطل تذلني بتوصيلها كل يوم .
وصارت كل منهما تشاغب الأخري مشاغبتهما المعتادة ، وبعد دقائق هبطت كل منهن إلي وجهتها ، سكون إلي المشفى التى تعمل بها ومكة الي كلية الصحافة والإعلام.
فماجدة لديها ثلاث بنات مها ابنتها الكبيرة أخذت معهدا بعد الدبلوم وتزوجت ولديها طفلان ، وسكون دكتورة نساء وتوليد في عامها الأول في العمل بعد الامتياز ، أما مكة الصغيرة في كلية الصحافة والإعلام في السنة الأخيرة وتتدرب في جريدة منذ السنة الثانية لها في الجامعة ولكنها تغوى مجال الإعلام وليس الصحافة، ووالدهما متوفي منذ سنوات وترك لها ثلاث أمانات ، قامت بتربيتهم وحدها على أكمل وجه .
_________________________________
في منزل مجدى زوج مها ، استيقظ مجدي من نومه كي يذهب إلى عمله كالمعتاد كل صباح ، وتحدث وهو يهز مها زوجته مرددا:
_ مها همي حضري لي الفطور علشان اروح شغلي ، مش كل يوم هصحيكي تهتمي بيا وبأحوالى قبل ما اروح الشغل.
قامت مها من مكانها مرددة باستنكار:
_ هو انت بردوا رايح الشغل النهاردة اياك ؟
وتابعت بسخط:
_ أني زهقت من الروتين اللي عايشة فيه من يوم ماتجوَزتكْ ، كل عشية توعدني إنك هتقضي معانا اليوم ويصبح النهار وتروح وعود الليل اللي عمرك ماوفيت بيها .
ضرب مجدي كفا بكف وتحدث مؤنباً حاله:
_ تصدِّقي بالله اني اللي جبت ده كله لنفسي إني فكرت أقومك تعملي لي فطور ، عاودي لنومتك ولاحلامك يامها وأني هفطُر في الشغل معايزش منيكي حاجة واصل .
نزعت الغطاء من عليها وأردفت بحدة :
_ هو إنت ايه ياشيخ ! آلة متحركة ، متجوزاك من بقالي عشر سنين ومخرجتنيش فيهم يوم ، ولا سهرت معايا مرة ، ولا بليت ريقي بكلمة زينة ، حياتك كلها شغل ومصالح ، أنا طهقت ياخوي وقرفت من العيشة الهم دي .
أردف متعصبا وهو يشير بسبابته أمام عينها :
_ اني إللي قرفت منيكي ومن نكدك اللي مبينتهيش يوماتي ،
واسترسل حديثه باستنكار:
_ إنتي ناقصك إيه إنتي علشان تنقُمي من النعمة اللي معيشك فيها ، مليون ست غيرك تتمني عيشتك اللي بتتبطري عليها دي ، بتلبسي أحسن لبس في الصعيد كلياته ، وبتاكلي أحسن وكل ، وولادنا نفس الشئ ، وأي حاجة بتطلبيها بتلاقيها رهن اشارتك عاد .
بهتت ملامح وجهها من كلامه وهتفت باعتراض:
_ هي كل حاجة عنديك الفلوس والخلجات الزينة والبيت المهندم !
فين أني وشعوري وإحساسي كزوجة من حقها جوزها يحسسها بوجوده ، من حقها تحث بأنوثتها اللي قربت أنساها !
وتابعت بتهكم من حالهما :
_ ده إحنا مش بنتقابل زي أي راجل ومراته على السرير ده إلا لما يهفك الشوق كل فين وفين لما قريت أطق من جمودك معاي.
ذهب ناحية الحمام وهو يشير اليها بيداه ويعطيه ظهرها بلا مبالاة:
_ لااا ده إنتي باينك اتجنيتي عاد وفجرتى بكلامك الماسخ ده وانا مفاضيش ليكي ولا لهبلك .
ألقى كلماته وتركها تتآكل غيظا من جموده وبروده، منذ أكثر من عشر سنوات وهي تعيش جسدا بلا روح مع ذاك الكائن المتحجر في مشاعرها ، ونامت على تختها تبكي دموع الحرمان والقسوة من ذاك الزوج الذي يعشق العمل أكتر من نفسه ، ويفضله على زوجته وأبنائه الذين لم يشعرون يوما بأبوته ،
أنهى حمامه وارتدى ملابسه ذات الموضة القديمة فوقته لايسمح أن يشتري تلك الملابس العصرية ، وان اشترت له زوجته ملابسا جديدة لايحبذها ويظل مدخرا لها بخلا على حاله ، وأخذ مفاتيح سيارته وأشياؤه وذهب إلي عمله فهو يعمل مأمورا في الضرائب لدي أحد المصالح الحكومية وبعد الظهر يذهب إلي المكتب المشترك فيه هو واثنان من أصدقائه ، وكعادته يرجع ليلا منهك من العمل طيلة النهار ، ولم يعرف شيئا عن زوجته وأبنائه ،
أما هي فور أن غادر بكت كثيراًعلى حالها وكرهت نفسها بشدة ، وبعد مدة أمسكت هاتفها وظلت تتصفح فيه وقلبها يُلح عليها أن تحادثه وعقلها ينهاها وينهرها ، وظلت هكذا بين قلبها وعقلها ولكن استسلمت لضعفها وأرسلت إليه قائلة :
_ صباح الخير ، انت موجود ولا فينك .
وصلت رسالتها لذاك الآخر وتهللت أساريره وعلى الفور أجابها :
_ ياصباح الهنا على عيونك ياقمر ، فينك من زمان اتوحشتك قوووي يابوي .
قفز داخلها سعادة عندما رد على رسالتها سريعاً ولم يمهلها وقت كي تغلق هاتفها وهي تؤنب حالها بشدة ككل مرة،
رأى انها استلمت رسالته وكعادتها لم ترد عليه فأرسل إليها معاتباً:
_ هو أنا موحشتكيش زي مانتي وحشاني عاد ، ولا إنتي نسيتيني ونسيتى لحظاتنا الحلوة مع بعض.
رجف قلبها تأثراً من كلامه ومن اهتمامه ،
وأرسلت إليه بروح منهكة :
_ أنا كل لما امنع نفسي من إني أتحدت وياك ألاقيني ببعت لك ومش بحرم من المرة اللي فاتت ، أنا بجد في حرب شَديدة بين قلبي وعقلي .
تفهم كلماتها وأردف يهدئها بكلماته المعتادة:
_ يعني حتى الرسايل عايزة تحرمينا منيها ! مش كفاية المكالمات واصل ،إكده إنتي بتصعبيها علينا قوي ياحبيبتي.
بكت ألما من كلماته فالذي تتمني منه الحب والكلمة الطيبة لن يشبعها ولو بقطرات بسيطة ، أما من حرم عليها وانساقت وراء مشاعرها يغدقها بوابل من الحنان والاحتواء والمشاعر الفياضة ، فردت على كلماته :
_ إحنا اللي بنعملوه حرام وميرضيش ربنا والمفروض إني لما أبعتلك تصدني وتقاوم أي مشاعر بينا لو انت بتحبني صوح .
حزن لحزنها فهو في نفس النااار إن انكشفوا سيرون الجحيم بأم عينيه علي الأرض وستقوم رياح شديدة عاصفة تبتلعهم أرضاً ، ولكنها حرب المشاعر ، الاحتياج ، ستؤدي بهم إلي جحيم سعير ، ولكن القوة التى تكمن داخلهم لصد ذاك الحرام وكبح تلك الشهوة التى جعلتهم أمام أنفسهم في مستوى كبير من الانحطاط قوة واهية لا أساس لها تستند عليه، ولكن أردف يهدئها ولأنه يشعر بها وبحزنها وكأنه يراها أمامها الآن :
_ طيب ممكن تهدي ومنتكَلَمش دلوك وبعدين نشوف الموضوع ده ، بس البعد التام مهقدرش عليه ياحبيبتي ، إنتي اكده بتموتيني بالحيا يامها .
قرأت سطور رسالته بحزن عميق لاهي تشعر بالارتياح في وجوده ولا هي تشعر بالسعادة في ابتعاده ، ولكنها ناراً مشتعلة داخلها لاتخمد منذ سنوات في علاقتهما المحرمة تلك ،
وها هي الحياة بنكباتها التى يعيشها بني آدم في صراع شديد بين الحق والباطل وبين الفضيلة والرذيلة شتان مابينهم في كل شيئ ولكن بني الإنسان لنفسه ظلوم جهول ولم يشفق على حاله .
__________________________
أوصلت سكون شقيقتها إلى الجامعة ثم دلفت الأخرى في وقار يليق بشخصيتها المتدينة ، الخلوقة فهى معروفة في الحرم الجامعي بالأخلاق العالية ونظراً لأنها من أوائل دفعاتها كل عام وتحضر ندوات وتقيم معسكرات وتنظم رحلات فهي رئيسة اتحاد الطلبة لدى قسمها ،
صارت تبحث بعينيها على صديقاتها المحبيين إلي قلبها ، فهي تصاحب مجموعة من الفتيات وترفض بشدة أن الاختلاط وصداقة أي شاباً ولو حتى من منطلق العمل الملزمين به في المعسكرات والكل يعلم ذلك ،
وجدت صديقاتها وذهبت إليهم وهي تبتسم لهم بأعينها من تحت نقابها ، وعندما وصلت ألقت تحية الإسلام في وقار :
_ السلام عليكم ورحمه الله ، كيفكم يابنات عاملين ايه ، اتوحشتكم قوي.
ردوا عليها سلامها بحب وأردفت سمر إحدى صديقاتها تخبرها أخر الأنباء:
_ شفتي اللي هيحصل يامكة ،
أشارت إليها مكة أن تكمل وتابعت سمر:
_ بيقولوا إن المطرب أدم المنسي جه هنا يقيم حفلة منظماها الجامعة والمفروض إن بعد مايخلص يتعمل معاه حوار صحفي .
فتحدثت احداهن وتدعى ميرام :
_ يانهار أبيض والله مامصدقة نفسي واصل ،أكن المز ده هياجي الجامعة دلوك واشوفه عيني عينك إكده وأطلع له وش لوش وممكن كمان أتصور وياه ! ده باين النهاردة العيد يابنات وأحسن كمانى .
هنا سخرت منها مكة مرددة باستنكار:
_ ليه إياك هتشوفي سيدنا النبي عاد (عليه الصلاة والسلام) والله ماعرف شكله حتى آدم ده ، وبعدين اش يكون هو مين أهو راجل زي أي راجل من الواجب علينا نغض البصر ومنطلعش فيه .
شهقت رقية بصدمة من كلام مكة وهتفت باعتراض:
_ بتقولي ايه يامخبولة إنتي كانك متعرفيش آدم المنسي اللي نص بنات مصر بتتمنى نظرة منيه ، ده إنتي اتجنيتي في عقلك عاد .
رفعت شفتيها بامتعاض واردفت بحدة إليهن :
_ والله انتو اللي مخبولين وتافهين ، والله لو شفته معدي من قدامي ولا هتحرك من مكاني ولا هعرفه من الاساس ، اتحشمي منك ليها إحنا اصلا مننفعوش نتغزلوا في راجل ولا نتكلم عنيه أيا كان مين هو .
هتفت سمر وهي تضحك على حديثها وأردفت :
_ أمال لما تعرفي إن اللي هيعمل معاه الحوار الصحفي هو إنتي ياموكة هتعملي إيه عاد ؟
اتسعت مقلتيها بذهول وأردفت:
_ مين قال إكده معايزاش أعمل حوارات صحفية مع الملزق ده ، أنا يوم ماعمل حوار صحفي أعمله مع عالم أو راجل دين أو حد إكده له منفعة مش مغني، متنازلة عنيه لواحده فيكم ياناقصات دين انتوا.
حركت رقية رأسها برفض:
_ مش بخُطرك توافقي ولا ترفضي ده قرار من عميد الكلية أن الأولى في الترم الاول لسنة رابعة ورئيسة اتحاد الطلبة هي اللي هتعمل الحوار ومفيش غيرك ياموكة ومفيش تراجع ومتحاوليش عشان لامفر .
تحدثت ميرام بحالمية:
_ يابختك يامكة هتقعدى وياه في أوضة مكتب العميد المكيفة وهتاخدي وتدي معاه في الحوار وهتشوفيه وجها لوجه ، ياه ده أنا لو مكانك هدوب من نظرته .
شردت مكة في ذاك القرار وقررت أن تصعد لعميد الكلية فهو يعرفها عن ظهر قلب ، وتركتهم وتوجهت إلي مكتب العميد ودقت على الباب وأذن لها بالدخول ، وحينما دخلت رأت ضيفان يجلسان معه فغضت بصرها على الفور وأذنته في الحوار فأشار إليها أن تتحدث:
_ بعد إذنك يافندم أني عرفت إن فيه حفلة وهيجي فيها مطرب أو زمانه جه اصلا وإني هعمل معاه حوار صحفي بعد الحفلة ، بصراحة إكده أنا مش حابة إني أعمل الحوار ولا مع مطرب ولا غيره ولا أنا حابة اني أحضر الحفلة واصل .
تصبب عميد الجامعة عرقا وخجلا من الضيوف الموجودين معه وليس هو غير المطرب أدم المنسي ومدير أعماله ، الذي كاد أن يتحدث إلا أنه أشار إليه أن يصمت وحرك إصبعه للعميد ان يجعلها تكمل ، فسألها بنهر:
_ كلام ايه ده اللي بتقوليه ياآنسة ! إنتي إعلامية ومينفعش أبدا ترفضي تعملي أي سبق صحفي ينطلب منك في يوم من الأيام ، وبعدين إزاي متحضريش الحفلة وإنتي رئيسة اتحاد الطلبة
تحدثت بوقار واردفت بخفوت:
_ يافندم أوعدك إن عمري ماهرفض أي سبق صحفي ينطلب مني عاد في اي يوم من الايام ، بس أغاني ومطرب فوق مستوي تحملي ومهقدرش وهبوظ الدنيا .
وقبل أن يرد استمعت إلي أحدهم يردد بغيظ :
_ ليه هو المطرب ده مش إنسان ولا من آكل لحوم البشر وهيعمل لك حاجة ياآنسة ؟
___________________________
في منزل الحاج سلطان المهدي وبالتحديد في الساعة العاشرة صباحاً ،
نادت زينب زوجته علي ابنتها الصغرى :
_ بت يارحمة خلصى هاتي الفطور عاد علشان أخوكى هينزل دلوك ورايح شغله متعطليهوش زي كل يوم بطلي عادتك المربربة داي .
تأففت رحمة من كلام والدتها وهتفت بسخط
_ وه يا أماي عاد هو مفيش قدامك غير رحمة اللى تسممي بدنها كل يوم والتانى وتصبحيها وتمسيها والله إكده حرام وظلم .
أنهت كلماتها وهي تضع الإناء بحدة على السفرة المستديرة ،
فتحدثت زينب وهي تنهرها:
_ اتأدبي يابت وانتي بتتكلمي مع أمك ، ولا يكونش علامك والجامعة اللي خرجتي لها قوت قلبك وخلتك تردي الكلمة بكلمتها .
تحدث سلطان وهو يهبط الأدراج ببشاشة معنفا زوجته:
_ جرى إيه عاد ياأم عمران هي البونية عملت ايه علشان كل يوم تسمعيها الكلمتين دول ،
وتابع حديثه وهو يلقي الصباح بتواضع يليق برجولة سلطان المهدي:
_صباح الخير الاول ، وبعدين خفي علي البنتة شوية دي لسه صغار وإن مكانتش تتدلعوا في عز أبوها هتدلعو وين يا أم عمران .
مطت شفتيها بامتعاض واردفت:
_ طول مانت مدلِعها إكده مش هتنفع وتبقي تقابلني إن عمرت في بيوت ناس ، اللي زاي داي هترجع لي بالكحك سخن .
تأففت رحمة من كلام والدتها المعتاد وأثناء حديثهم دلفت حبيبة ابنتهم الكبرى وهي تتهادي في مشيتها فهي حامل في شهرها السادس ملقية تحية الصباح:
_ صباح الخير يابوي صباح الخير ياأم عمران .
تهللت أسارير زينب حينما تُنادى باسم عمران وردت صباحها وهي تربت على ظهرها بحنو :
_ اصباح الخير عليكي يابتي كيفك وكيف الحبل تعبانة لسة من دور البرد ولا شفيتي ؟
أجابتها حبيبة بحمد:
_ الحمد لله ياأمي أنا اتحسنت كَتيير عن الاول وبقيت زينة ،
وتابعت كلماتها وهي تنظر يمينا و يسارا:
_ أمال فينه عمران مش هيُفطر وياكم ولا ايه ؟
أجابها عمران وهو يهبط الأدراج بوجه عبوس كعادته فهو يحمل الما داخله يكفي العالم أجمع:
_ صباح الخير ياحبيبة انا أهه نزلت سألت عنك العافية .
ردوا جميعا الصباح وكبرت والدته في وجهه:
_ الله أكبر عليك ياولدي الله الحارس ، ربنا يحميك ويحفظك من كل شر ، طلتك ولا طلة البدر في ليلة تمامه .
تحدثت رحمة باعتراض:
_ أه حبيبة تتبسمي لها وعمران طلته تشرح القلب وأنا اهنه بنت البطة السودا ، اللي كل شوية تحسسيني اني مش كيف ولادك دول وانك لاقياني على باب جامع.
ربت عمران على ظهرها مرددا بحنو:
_ وه مين قال إكده عاد ! ده إنتي الباش محامية رحمة باذن الله على سن ورمح ، وفاكهة البيت اهنه.
اتسعت مقلتيها سعادة وأردفت بابتسامة:
_ بجد ياعمران بتتحدت بصحيح ! اني هبقي الباش محامية ؟
أشار برأسه بتأكيد وأجابها بثقة:
_ وليه متكونِش رحمة سلطان المهدي اللي بتاكل الكتب أكل وزهجتنا من القانون المدني والجنائي لما مصدعانا باش محامية كد الدنيا بحالها !
قامت من مكانها مسرعة وذهبت إليه واحتضنته مرددة بسعادة:
_ وه ياناس عمران بذات نفسيه شهد لي إني هبقي باش محامية كد الدنيا بحالها ، تسلم لي من كل شر ،
واسترسلت حديثها وهي تنظر إلى السماء بدعاء:
_ إلهي ربنا يرزقك اليوم ببت الحلال اللي توقع قلبك من أول نظرة وأفرح بيك ياأخوي يابن أمي وأبوي .
بنفس واحد وصوت واحد أمنوا جميعاً على حديثها ، وأردفت زينب بحزن:
_ ليه ياولدى مرايدش تفرح قلبي وتفرحني بيك عاد !
انت بقي عنديك ٣٣ سنة واللي من دورك عنديهم عيلين وتلاتة ، ليه يانن عيني ده إنت البكري بتاعى وولدي الوحيد اللى منى عينى أفرح بيه وأشوف ولاده قبل ماأموت .
وأنهت كلماتها وهبطت دموعها بسبب ذاك الموضوع الذي يؤرق حياتها بشدة ،
أما عمران فور أن رآها تبكي ذهب إليها واحتضنها ، وهدئها وهو يوعدها أنه سيفكر ،
ثم ودعهم وخرج من المنزل وقبل أن يصعد سيارته ليذهب إلى المشفى كي يرى صديقه ، جلس جانباً على الأريكة وهو يضع وجهه بين يداه مرددا بداخله:
_ بتطلبي مني المستحيل ياماي وأنا مهقدرش عليه ، وربنا عالم بأحوالي وعالم إني عملت كل اللي في وسعي علشان أفرح قلبك ياأم عمران لكن هعمل ايه كله بأمر الله وأني مبيديش حاجة أعملها ،
كانت حالته صعبة ومميته ورأته من بعيد احداهن وهي تنظر إليه بابتسامة تشفي وكأنها تعلم مابه وتدري ما سر وجعه وقلبها يرقص فرحا ،
بعد قليل هدأ من حاله وخرج من المنزل رأى ابن عمه الأصغر متجهاً ناحيته ما إن رآه مرددا:
_ صباح الخير يابن عمي كيفك ؟
بادله عمران السلام:
_ الحمد لله بخير ياجاسر ، ايه رايح فين إكده عندك محكمة ولا ايه ؟
نظر جاسر في ساعته وأصحابه:
_ عندي كذا مشوار هقضيهم الاول وبعدين عندي محكمة ، معايزش منى حاجة قبل ماأمشي.
أجابه عمران بابتسامه:
_ لا تؤكل على الله انت ياأبو عمو .
ودعا بعضهم وانطلق كل منهم إلي وجهته وانطلق عمران بسيارته إلي المشفى كي يقابل صديقه وقلبه يئن وجعا وحيرة مما يمر به منذ سنوات ولا يقدر أن يتفوه به لأي إنسان مهما كان .
____________________________
دلفت سكون إلي المشفى التى تعمل به والإبتسامة تزين محياها فما يزيدها جمالاً أن سنُّها يضحك دائما ، وطيلة الوقت تحبذ التفاؤل وعلى ثقة تامة بأن ربها لم يهيئ لها إلا الخير ، ودائما بشوشة ومن ينظر إلى وجهها يشعر بالارتياح والهدوء والسكينة فحقا "سكون" لها نصيب من اسمها ،
ذهبت الي مكتبها وارتدت المعطف الطبي وأخذت النوتة الخاصة بها وصارت تتجول غرف المرضى كى تؤدي عملها بحب ،
بعد ساعتين تقريباً وهي تقف أمام تخت أخر مريضة تفحصها ، اندهشت بشدة وهي ترى على وجهها علامات الوجوم فسألتها سكون باهتمام:
_ مالك ياماما الحاجة مين اللي معكِر مزاجك إكده ؟
أجابتها تلك السيدة المسنة :
_ مضايقة من الخلق وأحوالهم وقلوبهم اللي مبقتش صافية واصل .
دارت بأعينها تبحث عن مقعداً تجلس عليه كي ترى لما تتوجع تلك السيدة ، أتت بالمقعد وجلست عليه وأمسكت يداها بحركة عفوية منها وأردفت باستفسار:
_ خبريني ياحاجة مين بس إللي مزعِلك ومخليكي مضايقة ومزاجك عكران إكده وإنتي مريضة ولازمن تاخدي بالك من حالك ؟
ابتلعت تلك السيدة أنفاسها بصعوبة وتحدثت بشجن وهي تحاول أن لاتلتمع عيناها بالدمع وأجابتها :
_يابتي هقول ايه ولا ايه ،صدق المثل اللي قال "ربي ياخايبة للغايبة" ربنا معاطنيش غير ولد واحد ومنع عطاياه لأسباب من عنديه وشاكراه وحامدة فضله عليا ، ربيته أحسن رباية وعلمته أحسن علام لحد ما بقي محاسِب قد الدنيا وجوزته وكبرت بيه قدام الخلايق وعمري بحالَه محسستهوش بأنه يتيم ولا خليته اتحوج لخال ولا لعم وفي الاخر بعد ماتجوز نساني ومبقاش يسأل فيا ، ولا مراته تسأل عليا حتى لو حجته إنه مشغول يوماتي ،
وزي مانتي شايفة حالى إكده من ساعة ماتعبت وجيت إهنه وهو بياجي يسأل عليا كل فين وفين ، وهي تاجي معاه زيارات على الماشي ومبتسألش فيا واصل ،
ولما عاتبته عنيه اتحجج بالشغل أما عنيها رد عليا وقال لي هي مش ملزومة بخدمتك يا أمي .
وأنهت كلماتها وألقت قناع التمسك عرض الحائط وانفجرت دموع عينيها العزيزة ،
تأثرت "سكون" لحالة تلك المسكينة ولمعت عيناها بغشاوة الدموع وأردفت تهدئها :
_ صحيح قليل الأصل مايجيش بالعتاب فكك منه ده الأصل غلاب ، متزعليش ياماما الحاجة ربنا مبينساش عباده أبدا ، وبعدين أنا بشوف جيرانك كل يوم يجولك ويونسوكوا ويقعدوا جارك بالساعات ، بلمحهم كل يوم في الرايحة والجايه .
أخذت تلك السيدة أنفاسها بصعوبة وأردفت بحمد :
_ الحمدلله نحمده ونشكره على أنه وضع محبتي في قلوب اللى حواليا ولولالهم يابتي بعد ربنا مكانش حد هيسأل عني ولا هيعرفني ، أصل ربك رب قلوب.
ربتت سكون علي كتفيها وتحدثت بابتسامة:
_ خلاص بقي متبكيش تاني عاد دموعك غاليين أووي على قلبي وأوعدك أني اللى هروحك لبيتك بعربيتي بعد ماتخفي بأمر الله وكل يوم والتاني هتلاقيني ناطة لك زي فرقع لوز إكده بس متزهقيش مني واصل .
ابتسمت تلك المسنة على دعابتها وشكرتها بامتنان:
_ منحرمش منيكي يابتى ولا من حنيتك وطيبة قلبك الجميل اللى شبه ملامحك اللي مليانة قبول .
أنهت حديثها ووجدت صديقتها تشاور لها وهي تحمل كوبان من القهوة الفرنسية المعتادين على شربها في ذاك التوقيت كل يوم كي يفصلون بها في يومهم ،
هبطن الأدراج وذهبتا إلي مكانهن المعتاد في الحديقة الخاصة بالمشفى وجلسن في مكانهن المفضل على أريكة متنحية جانباً ولكن أعينهم ترى البوابة الرئيسية للمشفى لحاجة ما في نفس تلك السكون ،
فتحدثت فريدة صديقتها :
_وه ما هنغيرش المكان ده عاد كل مره تجيبينا إهنه وتصممي ان احنا نشربوها قدام الخلق اللي داخله واللي خارجه،
والله مخك ده وتفكيرك هيجيب لي شلل،
يا بنتي ارحمي نفسك من اللي انتي شاغله بالك بيه وهو ما شايفكيش من الاساس .
نفخت سكون بضيق من حديث صديقتها الذي لا تمل من سرده لها كل يوم وهتفت بحدة:
_أباي عليكي يا فريدة كل يوم لازم تسمعيني حديتك الماسخ ده واني اقول لك انا حرة يا ستي روحي اشربيها مكان ما يعجبك .
نفخت تلك الاخرى بنفس الضيق وأردفت بتمنع:
_واه وانا احب اشربها وياكي،
القهوة بتحب الونس وكمان بتحب تتشرب في مكان هادي بعيد عن الزحمة واصوات الضوضاء علشان خاطر تروق البال وتستمتعي بيها،
شرب القهوة له أصول ياغشيمة إنتي .
كانت تستمع اليها ولكن عيناها مثبته على البوابه وهي تتمنى ان تراه اليوم فمنذ أربعة ايام لم ياتي الى المشفى ولم تراه فباتت ايامها حزينة على فراقه وكأن رؤيتها فقط له تشفي قلبها فماذا إن حدثها حتماً سيخفق قلبها سعادة ،
رأت فريده أنها ذهبت في عالمها الخاص بها فأشارت بيديها أمام وجهها مرددة بضيق:
_شوفي انا بكلمك في ايه وسرحانة في ايه دلوكت عاد!
يا بنتي فوقي لنفسك واطلعي من الوهم اللي انتي عايشه فيه وفكري في حالك ومستقبلك، ربنا بيبعت لك فرص كَتير حلوه وانتي مصممة على حد مش شايفك واصل .
أجابتها بتيهة مغلفة بالحزن:
_هو أمر القلوب بايدينا !
هعمل ايه في قلبي اللي متعلق بيه وفي عيني اللي عايزه تطلع له كل يوم ومش شايفه غيره وفي كلي اللي بيتلهف لشوفته ،
وتابعت بحزن علي حالها في عشقها المكتوم :
_ غصب عني مش بارادتي ولو هفضل العمر كله مستنياه مش هفقد الامل ابدا .
واثناء حديثهما على صدرها صعودا وهبوطا ولمعت عيناها عندما رأته دالفا بطلته الرجولية المهلكة لقلبها المسكين العاشق ، فتلقائيا وضعت يدها على صدرها في حركة عفوية منها كي تجعله يهدئ من ضرباته ، وحدثت حالها وهي مثبتة بنظرة عيناها المتابعة لخطواته :
_ اهدأ ياقلبي من عشقك اللعين لذاك العمران ،
فأنا أشفق عليك ايها المسكين ،
تع حبيبي وألق نظرة واحدة من عيناك على سكون فهي في غرامك تعدت الزمان والمكان وسكنت الجفون ،
أحتاج ربي إلي فرصة واحدة كي يرى عيناي وهي تتلهف لرؤياه وبدوره سيكشف عن السر المكنون ،
وفجأة قامت من مكانها كي تتابع خطواته من بعيد حتي يدخل إلي صديقه كالمعتاد ولكن لن يراها فهي في اتجاه وهو في اتجاه أخر ولكن عيناها ترصده ،
وأثناء سيرانها كالمسحورة إذا بها تصتدم في جذع الشجرة المتين وتصرخ صرخة عالية من شدة الاصطتدام جعلت جميع من في المكان انطلقوا إليها وأولهم ذاك العمران ،
وصل إليها قبلهم وإذا بيداه تتلمسها كي يكتم دماؤها وهو يردد:
_ متقلقيش عاد هتُبقي زينة وبخير .
وقبل أن يمد يداه أشارت إليه بيداها تمنعه أن يلمسها مرددة بخفوت قبل أن يغشى عليها ولكن عيناها تتعمق داخل عيناه بعشق دفين جعل قلبه يرجف من نظرتها التي اخترقت حصونه المنيعة وأردفت:
_ إوعاك تلمسنى لو حتى هموت ، سكون ميلمسهاش راجل غير مِحْرم أبدا .
أنهت كلماتها وغابت عن الوعى ونظر لها بقلب يخفق لأول مرة ، وأخيراً دق قلب العمران من نظرة وهمسة وعلامة .
فكانت العلامة نظرة عيناها الذي فهمها من أول وهلة وكأن القلوب تآلفت مع محبيها ونظرات العيون تجانست وشعرت بعاشقيها .
وتحدث هامسا بخفوت وهو ينظر إليها بتدقيق كي يحفظ ملامحها عن قرب:
_ "سكون" اسمك جميل ومختلف زي ملامحك.
↚
البارت الثاني
_ أحقاًّ ساقتْهُ قدماهُ إليَّ كي يطمَئِن على حالي !
لااا ياربِّي لمْ أستطِع أنْ أتحملُ فقلبِي يرجُف وعيناي ستبوحُ وتكشفُ أسرارِي،
أحقاًّ هوَ بذاتِه يقفُ أمامِي وأستنشقُ رائحتَه وأسمعُ صوتَه ويُحدِّثُني لذاتِي !
اهدأْ قلبِي فأنْت فِي حضرةِ ذاك العمرانِ تنقبضُ وتنبسطُ في نفسِ الوقتِ ولا تُبالِي ،
#خاطرة_سكون_الجندي
#بقلمي_فاطيما_يوسف
في المشفى تجمهر الجميع حول الملقاه على الأرض ، هرولت إليها صديقتها وهي تنفض الجميع بعيداً عنها ، موجهة حديثها إلي عمران بالتحديد:
_ من فضلك متلمسهاش لما تفوق وتعرف إن راجل لمسها هتضايق جدا ،اسمح لي بعد عنيها وأني هفوقها .
تنحى جانباً وترك لها مساحة كي تنعش صديقتها ولكن كانت أعينه مثبتة على ملامحها الهادئة والتى لم يرى مثلها قبل ،
ولكنه لم ينظر إلي أي امرأة من الأثاث فهو حرم على نفسه النظرة حتى تطيب روحه من ألمها المم،يت له ،
ظل ينظر إليها ولم يحيد نظره بعيداً عنها ، يحفر ملامحها في أعماق قلبه التي اختر،قته منذ لحظات ، وكأن القدر بتلك الصدفة أقسم على أن يزيد وج،عه الذي يحياه إلي وج،عٍ أكبر يضاهى ذلك الو،جع بل ويزيد ، فمرارة العشق ونبض وج،ع القلوب دم،اراً يُكمل على قلبه البرئ الذي لم يحن يوماً لجنس حواء ،
قامت صديقتها بإفاقتها وأثناء غفوان تلك السكون وقبل أن تفيق رددت :
_ له ياعمران متلمسنيش ، ماريداش لمستك غير في الحلال ، بعد عني .
على الفور وضعت صديقتها يدها على فمها وهي تري ملامح الاندهاش على وجه ذاك العمران بشراهة ،
أما هو شرد في كلمتها وحدث حاله متعجباً:
_ يالها من غرابة نطقت اسمي وتحدثت حديث المحبين وخصصته لأجلي وأنا لم أعرفها !
عجيب أنت أيها القدر ! ماذا بها تقصد بكلماتها تلك ؟ أمن الممكن أنها تعشقك عمران؟!
كيف ذلك وهذا أول لقاء ، وتلك أولى النظرات ، وهذه بداية الكلمات !
ولكن انتبه أيها العمران وعد الي رشدك فالعشق لايليق لك ، وجنس حواء ليس من حقك ،
ولكن كيف أعود وأنا قدماي الآن غرست تحت أقدامها ولم تستطيع الحراك ،
لااا ياربي كفانى من العذ،اب الذي أحياه ، ماذا عساني أن أفعل حين أتركها ؟
حين اشتاقها ؟
فذاك احساسي لها منذ لحظات فماذا عن الساعات والأيام ، إنها لح،رب ضارية شُنَّت عليك أيها العمران فلتستعد وتربط جيوش التمنع لأن الح،رب تلك المرة صعبة ولن تستطيع الإفلات ،
انتبه من حديثه لحاله علي صوتها وتشتتها وهي تلملم حالها مرددة بذ،عر :
_ ايه حوصل ايه ،
وتابعت وهي تنظر لصديقتها :
_ اوعي يكون راجل لمسنى يافريدة طمني قلبي ؟
هدأتها فريدة وهي تربت على كتفيها مرددة :
_ متقلقيش ياحبيبتي محدش جه ناحيتك واصل ، أني اللي فوقتك ، وهاتي يدك علشان أطهِرلِك مكان الواقعة وإنتي جَبِينك اتع،ور أهه .
تذكرت أنها وقعت ووجدته أمامها قبل أن تغيب عن الوعى ، فدارت بأعينها تلقائياً حولها تبحث عنها بمتاهة وقلبها يسوقها بلا إرادة ، وأخيراً استقرت أعينها في أسهم عينيه ، وتلقائيا وضعت يدها على صدرها تهدئ من ضرباته حينما وجدته بذاته واقفاً بين الجموع كي يطمئن عليها ، وحدثته عيونها :
_ أنا سكون حبيبتك من سنين وأوقعني القدر بين يداك منذ لحظات وتهت في عالمى وعيناك أخر من رأت عيني ، قل لي حبيبي وصل لك عشقي من نظرة عين ؟
أما هو انتبه جيداً لتحول نظرتها المثبتة عليه هو بالتحديد من بين الجموع من نظرة سعادة الى نظرة تيهة إلي نظرة حيرة وأخيراً إلى نظرة أمل ، ووجد حاله يسألها بعيناه:
_ من أنتي تلك الأنثي التى تنظرين لي نظراتك المتحولة في الثانية من نظرة الي أخرى ،
أحقا نطقت شفاكِ اسمى وتقصديني لشخصي وأنتي تائهة في عالمك ؟
انتبهت فريدة لنظراتها التى لم تقدر تلك المرة أن تحيدها بعيداً عنه وكأنهم وحدهم في العالم وليس يوجد غيرهم فهو تسمرت قدماه أرضاً وهى تسهمت عيناها نظراً له ، ضرب،تها فريدة بخفة على ظهرها وحدثتها وهي تضغط على أسنانها كعلامة لها أن تفيق :
_ سكون همي عاد وقومي يالا علشان في د،م نازل علي وشك قومييييي .
انتبهت على حالها وقامت معها بجسد متوتر فهي في حضرته الأن وأول مرة فباتت لاتستطيع أن تلملم شتات جسدها ، وصارت بخطى بطيئة من أمامه وما إن وصلت أمامه ، وجد لسانه ينطق بلا شعور وعيناه تسبح داخل بحور عيناها:
_ كيفك ياداكتورة دلوك لسة حاسة بدوخة ؟
ابتلعت أنفاسها بصعوبة من نبرة صوته التى جعلتها أسيرته أكثر من ذي قبل ، لااا ليس فقط إنه يطمئن عليها ويريد أن يعرف مابها فردت بصعوبة:
_ ها أنا زينة الحمد الله ، شكراً على سؤالك واهتمامك يا ...
وصمتت بخجل ولم تريد أن تذكر اسمه كي لا تكشف نفسها أمامه ،
أما هو رفع حاجبه باندهاش مرددا :
_ عمران اسمي عمران ياداكتورة متهيألي سمعتك نطقتي الاسم وانتي غميانة من شوي .
فج،ر كلماته وانطلق من أمامها وتركها تراجعها ووجهها انقلب الى علامات الطيف خجلاً ، فوجهت أنظارها إلى صديقتها مرددة باستنكار:
_ هو إيه الكلام اللي بيقوله دِه يافريدة هو أني صوح نطقت اسمه وأني غميانة ؟
مطت فريدة شفتيها وهزت رأسها بموافقة وأجابتها تأكيداً:
_ تقريبا إكده وهو ماشاء الله عليه كان واقف متنح لك ومركِز معاكي أوووي لحد ماخلصتي خترفتك المخبولة ياصاحبتي الهبلة.
اتسعت مقلتيها بذهول وأردفت باستفسار:
_ وه وه بتقولي ايه يامنيلة إنتي ؟!
قولي لي بالظبط أني هببت قلت ايه اُخلُصي ؟
ابتسمت بعبوس وألقت عليها كلماتها ،وما إن استمعت إلي فريدة وحكواها حتي أمسكتها من يدها ومشت بها ناحية الأريكة وهي تستند عليها هاتفة بسخط:
_ وه كاني اتجنيت عاد ، ومقدرتش أتحكم في حالى وهو موجود ؟!
وتابعت كلماتها وهي تنهر حالها:
_ ليه إكده ياسكون ! ليه إكده مقدرتيش تتحكمى في حالك حتى لو غايبة عن الوعي.
رأت صديقتها جلدها لحالها حتى أدمعت عيناها وتحدثت بشرود:
_ لحد مي،تة هتفضلى إكده تعشقيه وهو مش عارف ولا شايفك من الأساس ، أنى تعبت لك سلف والله ياسكون .
ضمت ملامح وجهها بعبوس وتحدثت بروح منهكة:
_ مفيش وقت محدد علشان أجاوبك ، بس اللى أعرفه إني مهحبش غيره ولا هفكر في حد غيره حتى لو هعيش عمرى كلياته وأني هحبه بيني وبين نفسي.
ربتت فريدة على ظهرها ورددت بحنو وهي تري وج،عها نابعاً من بين عيناها:
_ طب خلاص مش عايزين نتكلَم في الموضوع ده تاني ، وسيبي ربك يدبِرها كيف ماتكون ، وبإذن الله ربك مش هيخيب أملك واصل وهيجعله من حدك ومن نصيبك بس انتي قولي يارب ،
أمنت سكون على دعائها وتابعت فريدة وهي تسحبها من يدها :
_ طيب يالا قومي نطمن على جرحك ده وبعدين تروِّحي البيت تستريحى من تعب النهاردة.
نزعت يدها بحدة وهتفت برفض قاطع:
_ أعمل إيه ! وأروِح فين! كانك اتجنيتي عاد ، مهمشيش من المستشفى طول ماهو موجود فيها ،
وتابعت بسخط:
_ هو إنتي معندكيش ذرة إحساس ده أني مشفتهوش من أربع أيام بحالهم يابعيدة .
لوت فريدة شفتيها بامتعاض واردفت:
_ الله الوكيل محدش اتجن غيرك ، طيب قومي أداوي لك جر،حك وخليكي مرزية إهنه براحتك يختي .
تثبتت سكون في مكانها وتحدثت برفض:
_ إنتي مبتفهميش ياغبية انتى بقولك مهتحركش من مكاني ،
وتابعت بعيون زائغة:
_ هاتى الأدوات وطيبي لي الجرح إهنه وخليكى جدعة يافوفا .
ضربت فريدة كفا بكف وتحدثت باستنكار:
_ والله ماحد هيش،لني وهيجل،طنِي في الدنيا داي غيرك ياسكون ،
واسترسلت حديثها وهى تقوم من مكانها:
_ حاضر هروح أجيبهم أهه متؤمريش الخدامة الفلبينية بحاجة تانية واصل ؟
ابتسمت سكون على عبوسها وحركت رأسها برفض ، نظرت إليها فريده بغضب وذهبت من أمامها كي تحضر لها الأدوات لتداوي جر،حها .
أما هي نظرت إلي غرفة صديقه الذي يأتي إليه بحالمية وما إن رأت طيف أحدهم آتيا ناحية الشباك حتى حولت نظرها إلى الجهة الأخرى فيكفيها ماحدث منها اليوم .
في منزل ماجدة والدة سكون تجلس على تختها تتصفح هاتفها وهي شاردة في صورها القديمة قبل أن يجور عليها الزمان صارت تتصفح الصور وعيونها تلتمع دمعا على ملامح كساها الزمن حملا ثقيلا انساها انوثتها التي دفنتها فور مو،ت زوجها تحت اقدام بناتها ،
ثم وجدت يديها تتوقف عند صورة ظلت تنظر اليها وتقوم بتكبيرها وتصغيرها فقد كانت صورتها وهي ابنه العشرين عاما فحقا كانت جميله قبل ان تدهسها هموم الحياه،
وحدثت حالها بشرود:
_ لحد مي،تة هتفضلى دافنة نفسك بالحيا يا ماجدة والزمن بيروح وياجي عليكي وياخد من شبابك وعمرك !
والبنات كبروا وكلها سنين بسيطة ويبَعِّدوا عنِّيكي خالص وينشغلوا في حياتهم واني هفضل وحيدة !
لحد مي،تة هتفضلي قافلة على حالك وترفضي أي فرصة تَجِيلِكْ وتخليكي تتنفسي وتعيشي اللي باقي من عمرك واللي ما لحقتيش تعيشيه من الاصل ؟
وأثناء شرودها استمعت الى جرس الباب ،على الفور مسحت أثر دمعة وهبطت من عيناها وارتدت خمارها وخرجت لترى من الطارق واذا بها مها ابنتها ،
ابتسمت عندما رأتها وأفسحت لها المجال وهي تردد بترحاب :
_ ياأهلا بأم الغاليين ، فينهم نور عين ستهم مجيبتيهمش معاكي ليه عاد .
دلفت تلك المها بملامح وجهها العابسة وتحدثت بلا مبالاة:
_ سيبتهم نايمين وبيصحوا من نومهم متأخرين ، فقلت أستغل الوقت وأجي أقعد وياكي شوي .
مطت شفتيها بامتعاض واردفت:
_ لع متَجِيش من غيرهم تاني ، اتوحشتهم أووي ونفسي أشوفهم ، دول أول احفاد ليا متتصوريش من يوم ماولدتيهم وأنا بحبهم كد إيه ، دول غالييين على قلبي واغلى منيكي كمان ،
وتابعت كلماتها وهي تدلف الى المطبخ :
_ مالك ملامح وشك متبشِرش بالخير واصل ،
متخانقة إنتي ومجدي ولا ايه ؟
جلست مها على الأريكة بملل وهتفت باستنكار:
_ ومن مي،تة واحنا مبنتخاقوش ! قصدي ومن مي،تة واحنا متصالحين يا أما .
خرجت ماجدة من المطبخ وبيدها كؤوسا من الأرز بلبن الطازج والذي تعشقه مها منها بشدة وتحدثت بملل:
_ يادي الحديت اللى كل لما أشوفك تزهِقِيني بيه ده ، يابتي جوزك بيسعى على وكل عيشه كل يوم ، عيشي ومتنغصيش عليه عيشته .
انتفضت من مكانها وأردفت بصوت عال:
_ وه ياأما كل لما أجي لك علشان أفك عن حالى تقفليني قبل مااتكَلَم وتحسيسني بالذنب وأنا في الاساس المج،ني عليها واللى عايشة ومش وأني معرفش طعم المودة والرحمة اللى بين الراجل ومرته .
تحدثت فريدة وهي تناولها كأساً من الحلوى بيد وباليد الأخرى تشير إليها أن تجلس :
_ مالك عاملة كيف العيال اللصغيرة ، تعالى اقعدي جارى إهنه وهدي خلقك وخدي طبق الرز بلبن واستطعمى عمايل أمك الي اتوحشتك بالأكيد.
أطاعتها مها وجلست بجانبها وتحدثت بتعب نفسي حتماً لو استمرت على هذا الحال سيد،مرها :
_ إنتي ليه مفهمنيش عاد ياأما ! أني تعبت من عيشتي وياه وأني بالنسبة له زيي زي الكرسي ولا أي حاجة مهملة ملهاش عازة عنديه ،
واستطردت حزنها :
_ كل لما أبص حواليا علشان ألقاه في أشد أوقات احتياجي ليه ملقيهوش ،
حياتى كلها وياه ورقة وقلم وحسابات ودفاتر داخل وخارج بيها ،
ده ممكن يقعد بالاسبوع ميشفش ولاده ولا حتى ساعة واحدة وميسىألش عنيهم غير لما يشوفهم صدفة .
كانت والدتها تشعر بها وبآلامها فقلب الأم دائما يشعر بأبنائه ووجعهم ، ولكن عرفهم يحتم عليهم أن تتحمل فهى لن ترضى بطلاق ابنتها مهما كلفها الأمر ،ولا ترضى لها خراب البيت مهما كان ،
فربتت على ظهرها بحنان أم وأردفت تهدئها:
_ يابتى عيشي وارضى بحالك وأهو ضل راجل ولا ضل حيطة ، علشان خاطر ولادك اللى مكملوش عشر سنين لسه ، كل الحريم إكده والبيوت مدارية بلاوى مايعلم بيها إلا ربنا ، عيشي وارضى وتنك وراه لحد ماينظبط .
وضعت مها رأسها بين يديها فلن يشعر أحداً بحر،بها الداخلي ، ولم يشعر أحداً بما غرست به حالها ويجعل قلبها يتقطع كل ليل على ماتقترفه من جُر،مٍ كبير ،
وتحدثت كي تستعطف والدتها كالغر،يق الذي يتعلق في قشة نجاته:
_ بس أبوي الله يرحمه مكانش إكده ، عاش ويانا أكتر من ١٢ سنة وكان ويانا نعم الأب ،
كان بيحبك وبيعاملك كيف الملكات ، وكان بيخاف على زعلك وعمره ماقصر معاكى ، علشان إكده مهتحسيش بيا ولا بالإنسان الآلى اللى متجوزاه ،
وتابعت بدم،وع غزيرة انهمرت على وجهها :
_ ياأمي ده أنا ساعات من كتر الحرمان من عطفه وحنانه أجي على نفسى وألبس وأبقى في أحسن شكل يتمناه أي راجل من مرته ، وياجي ميشوفنيش أصلاً ولا ياخد باله من اهتمامى بنفسي ليه ، ولا يجبر خاطري بكلمة حلوة ، وأقول يابت جاي تعبان قرِّبي إنتي منيه ولاغيه هيحس بيكي ، مهما أعمل بيبقي في عالم تانى ، يابيتكَلم في التليفون في شغل ياهيخلص ميزانية لمكتبه ، ياهينام من كتر الشغل والتعب وأنا أرجع لفرشتي بحسرتى على عمري اللى بيضيع وياه من غير ماأتهنى بأايامى الحلوة ولا بشبابي ، وكل ده تقولي لي أتحمل ! صعب ياأما أتحمَّل أكتر من إكده عاد .
أحست بوجي،عتها بشدة ولكن لن تساعدها على خر،اب بيتها وأردفت بتقليل من حزنها :
_ كانك مزوداها شوي ! أنا شايفة كلامك كله ميصحش يطلع من بت أصول عاد مش متحملة جوزها ، فوقي يامها لحالك واوعي لبيتك وجوزك إنتي من زمان وإنتي إكده بتكبرى الصَغيرة وتعملي من الحبة قبة ، وطول عمرك متدلعة وكنتي مغلبانى وإنتي بت بنوت ومشيبانى بسبب دلعك الزايد عن اللازم ، عيشى على طبع جوزك وكله إلا خر،اب البيوت العمرانة من رابع المستحيلات إنه يُحصُل .
اجتمعت جيوش الغضب أمام عينها من عدم رحمة والدتها بها وهتفت باستنكار:
_ يعنى بعد اللى حكته لك ده كلياته أني بتجلع !
وكل اللى همك إن البيت ميتخربش وبس ، أما أني واحساسي ومشاعرى وحقي البسيط في الدنيا المفروض أتنازل عنيه من وجهة نظرك ،
واسترسلت حديثها وهى تحمل حقيبتها مرددة بشرود:
_ حلو إكده مفيش خرا،ب بيوت بس متلومنيش بعد إكده عن أي تصرف هعمله يحسسنى إني بنى أدمة من حقها تعيش وتحس ودي أبسط حقوقي .
اتسعت مقلتيها بذهول:
_ معناته ايه حديتك الماسخ ده يابت بطنى ! هتمشي في الحرام عاد ولا ايه!
ده أنا كنت دب،ح،تك بيدي ودف،نتك مُطرحَك ومحدش يعرف لك طريق جرة .
انطلقت من أمامها بعد أن رددت :
_ والله تُبقي عِمِيلتى فيا جِميلة مهنسهلكيش واصل .
ألقت كلماتها وتركتها وغادرت المكان تاركة اياها تجوب بعقلها في تلك الكلمات التى رددتها في عز بكائها ، وعقلها يصور ألاف التصورات وينكرها في نفس الوقت
وتحدثت بلسان حالها بصوت عالي:
_ والله عال ياست مها ، ربنا يسامحك يابعيدة وقال يامخلفة البنات ياشايلة الهم للم،مات ، إنتي ملكيش غير خالك مسعد ياجي يشوف حل وياكى علشان زهقت منك ومبتقش حملك واصل.
وظلت على حالها تتآكل نا،را على ابنتها وكلماتها المو،جعة .
&&&&&&&&&&&&&&&&&&
في كلية الصحافة والإعلام وبالتحديد في مكتب عميد الكلية،
تحدثت بوقار واردفت بخفوت:
_ يافندم أوعدك إن عمري ماهرفض أي سبق صحفي ينطلب مني عاد في اي يوم من الايام ، بس أغاني ومطرب فوق مستوي تحملي ومهقدرش وهبوظ الدنيا .
وقبل أن يرد استمعت إلي أحدهم يردد بغيظ :
_ ليه هو المغني ده مش إنسان ولا من آك،ل لح،وم البشر وهيعمل لك حاجة ياآنسة ؟
استمعت الى صوت رجل فلم تعيره انتباه ولم تنظر اليه وردت على حديثه وهي تنظر الى عميد الكلية فهي تغض الطرف ولا تخشى في اخلاقها لومة لائم:
_ ومين قال إكده ياحضرة ، كل الناس على عيني وراسي وليهم تقديرهم وكلنا ولاد تسعة في الآخر ، والموضوع ملهوش علاقة بالإنسانية نهائي ، ده قناعاتى في أمور ديني وأنا مهغصبش حد عليها ، أنا ماشية عليها لحالي.
أحس أدم بالإهانة الشديدة لانها تتحدث معه ولم تنظر اليه وترد على كلامه دون ان تعيره أدنى انتباه وهذا في عقله يسمى قله ذوق وليس كما تحكي هي فتحدث معنفا اياها:
_ومش عيب لما اكون بكلمك يا آنسه وما توجهليش وشك !
هو انتي ما تعرفيش ان الكبر حرام ،ولا إن من الذوق ان لما حد يكلمك تدي له ضهرك ما تبصلوش اصلا .
هنا التفتت إلي وجهته وأجابته دون ان تنظر الى وجهه ولكن عيناها مثبتة حوله:
_ايه علاقه غض البصر بالكبر هو أني مطالب مني ان انا اتكلم مع حضرتك وأبص لعيونك عاد ، أما عن ردي أنا رديت بكل ذوق بدون مااغلط ولا أراعى حدود الأدب.
احسه بغل،يان الد،م في عروقه من تجاهلها لأن تنظر اليه مرة ثانية فهو لم يعهد امرأة الا ولن تتأمله وتحلم ان تجلس أمامه فكل ما رآه من جنس حواء لم تفعل معه مثل ما فعلت تلك المرأة فوجه كلامه الى عميد الكلية مرددا بغضب:
_انا اتهانت جامد في وجود حضرتك يا دكتور بقى دي اللي انتم جايبينها تعمل معايا انا آدم المنسي حوار صحفي ؟!
أحرج عميد الجامعه بشده من غضبه وخاصة ان مكة زادتها معه بكثير فلم يكن متوقعا ما حدث منها فتحدث معتذرا بلباقة:
_معلش هي ما تقصدش حاجه يا فنان اهدى بس كده وانا هخليها تعتذر لك حالا .
ثم تابع كلماته وهو يأمر مكة بالاعتذار الى آدم عن طريقتها الفظة معه:
_اتفضلي يا آنسة اعتذري لآدم على معاملتك معاه بقلة ذوق خاصة واني شايف اسلوبك في الكلام ،وبعدين انتي مش من حقك توافقي او ترفضي تعملي الحوار الصحفي اللي كان هيبقى ليكي نقلة جامدة في بداية مشوارك الإعلامي وخسرتى النقلة دي .
اتسعت مقلتيها بذهول واردفت:
_اني غلطت في ايه علشان اعتذر لحضرته !
انا يا دكتور اتكلَمت بكل ذوق ، واذا كان على النقلة داي مش عايزاها إذا كنت هغضب ربي فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
هنا فاض كيل آدم من تلك الجريئة التي تحدته امام مدير اعماله وعميد الجامعة وأودت بالبرستيج الخاص به أرضاً وقام من مكانه وخطى أمامها مرددا بتحدي:
_طب ايه رأيك بقى بسبب عجرفتك دي وقلة ذوقك ان ما فيش غيرك هيعمل معايا الحوار الصحفي والا مش هحضر الحفلة دي ومش بس كده هخرج اتكلم على اني اتعاملت هنا بطريقة مش كويسة من طالبة في الجامعة وشوفي بقى السوشيال ميديا وحواراتها واللي هتتعرضي له بسبب بس طريقتك الغير لائقة معايا .
رفعت عينيها اليه صدفة ولأول مرة ترى من ذاك الآدم الذي يتحدثون عنه ويصفون شموخه وطلته وللعجب أنها رأته عاديا كأي رجل ولم يحرك مشاعرها لحظة ، أما هو استفزته قوتها ورأي نظرة عدم الانبهار به الذي يراها في أعين كل امرأة قابلها ، فحقا أثارت حفيظته من نظرة عين فقط رأها من تحت نقابها واستفزت داخله بطريقة لا توصف ،ثم تحدث عميد الكلية مرددا لآدم:
_طيب ممكن تقعد يا ادم هنتفاهم دلوك ولا سوشيال ميديا ولا الحوارات داي ،
وتابع كلماته وهو يأمر تلك المكة:
_تمام إنتي شايفه انك ما غلطتيش وأني شايف انك هتعملي الحوار الصحفي ده ومش بس اكده اي حاجة هتنطلب منك كإعلامية في حدود عملك هتعمليها وبرده وانتي محتفظة بأخلاقك بدون ما تعصي ربنا زي ما انتي ما بتتكلمي هي مهمة مش مودينك بيت دعاره استغفر الله العظيم يعني .
فركت أصابع يداها بتوتر فقد وضعوها في خانة اليك وقررت أن تجري معه الحوار الصحفي كما طلبوا منها ، فتحدثت بإنهاء للحوار:
_ تمام يادكتور أني هعمل الحوار الصحفي مع الأستاذ .
هتف أدم بطريقة مستفزة لها كما استفزته :
_ أنا مش أستاذ أنا الفنان أدم المنسي ياآنسة .
بابتسامة عابسة استشفها من عينيها هتفت ببرود :
_ تمام يا نجم أنا هستنى حضرتك تخلص حفلتك وقت ماتخلصها وهعمل الحوار .
رفع حاجبه باندهاش :
_ يعنى إيه تستني إنتي المفروض تحضري الحفلة هو إنتي مش صحفية ولا ايه ولازم تغطي الحفلة كاملة .
فتحت فاهها على وسعه مرددة برفض قاطع:
_ أحضر حفلة فيها أغانى وموسيقى وشباب مختلطة ببنات كيف يعنى !
وتابعت كلماتها وهى تنظر إلى عميد الكلية:
_ اعذرنى يادكتور أنا لايمكن أحضر الحفلة دي ، أنا من يوم ماجيت الجامعة وأني باعدة حالي عن الحوارات داي عاد ولا باجي ناحية المسارح نهائيا.
ض،رب أدم بغضب على المكتب من تلك المتمردة وهتف لمدير أعماله بص،ياح :
_ إيه ده يا أستاذ انت جايبني هنا أتهان من عيلة أصغر منى ب١٢ سنة ، وكمان تتجرأ وترفض تحضر حفلتى ومش عاملة لي اعتبار خالص ، إنت ازاى متركزش في شغلك معايا ؟!
أصبحت المشا،حنات بين جميع الأطراف متأهبة وانطلقت ح،رب المغرور والمتمردة ، فتحدث مدير أعماله يهدئه:
_ اهدى يافنان مفيش إهانة ولا حاجة دي مشكلة بسيطة وهتتحل .
هنا تحدث عميد الكلية كي ينهى ذاك الجدل المقام :
_ خلاص ياأدم أنا هغطي الحفلة بمعرفتى وهي هتعمل معاك الحوار الصحفي ،مش عايزين نعمل مشكلة على تفاهات ، اتفضل جمهورك مستنيك ومجلس الجامعة عاملين لك حفلة جامدة تليق بيك .
نظر إليها أدم بغيظ وتوعد لها بشدة وأقسم أن يجعلها تتمنى منه النظرة ولن تطولها منه ،
وخرج بغضب من تلك الحجرة ذاهبا إلي الحفلة وفور خروجه وجد الجموع من الفتيات والأولاد حوله بشراهة فتبدلت معالم وجهه فوراً لأن الكاميرات محاطة به من جميع الاتجاهات ، أما هو اخت،طف نظرة كبرياء إليها كي يريها أهميته وسط الجموع من الفتيات قبل الصِبيان ، ورجع بنظرته خائبا فوجدها لم تنظر إليه ولم تعيره أدني اهتمام فدق قلبه نا،را لتك الأنثي التى لم يقابل مثلها يوماً ،
وخطى إلى الحفلة بقلب ينبض تحديا بأن يجعلها تخضع كمثلها ، ولكن هل ستخضع تلك الأنثى الصعيدية المتدينة ذات الرداء الاسود الذي يزيدها جمالاً واحتراماً ، فلنرى أيها الأدم كيف ستجعلها تخضع اليك ،
فور انفضاض الجميع من أمام مكتب العميد تحدث إليها ناهرا إياها:
_ ينفع اللي حصل ده ياأنسة مكة ! إنتي أحرجتيني وكسفتيني جامد ، كان ممكن تعترضي لما يخرج وكنت هفض المشكلة طوالي من غير ما حد يدرى ولا تخلى موقف الجامعة سئ إكده .
أجابته بح،زن لما سببته له من إحراج :
_ والله يادكتور ماعرِف إنه هو المغنى ولا أعرف شكله حتى ، واتكلمت بصفو نية وتلقائية ، وبحسبهم دكاترة معانا إهنه علشان إكده اعترضت بدون ماخد بالي .
عذرها وذلك لأنه يعرفها بشدة فهي منذ قدومها الي الجامعة معروفة بتفوقها وأخلاقها وكما أنها رئيسة اتحاد الطالبات منذ السنة الثانية لها في الجامعة ومعروفة لدي الجميع وذلك لإجرائها عدة ندوات دينية لتعليم الفتيات أمور دينهم وكانت دائما تأتي إليه وتأخذ الإذن بخصوص تلك الندوات ،
فتحدث متأسفاً:
_ بس خلاص انتى اللى هتعملى الحوار الصحفي لامفر ، هتتفضلى تشغلي الشاشة دلوقتي وتشوفى أجواء الحفلة علشان تعرِفي هتبدأي اللقاء وياه كيف ، وقبل ماتعترضي علشان الموسيقى اكتمى الصوت وشوفي الأجواء علشان توصفي اللقاء والنجم كويس في السبق الصحفي اللى صدقينى هيبقى نقلة كويسة ليكي وخاصة على صفحتك على الانستجرام والفيس بوك .
رأت أن حديثه مقنعا ونظرت الى الموضوع بصورة عملية بحت وقررت ان تجري اللقاء بحرفية دون ان تغضب ربها وتعتبره سبقاً مثل اي سبق طالما لم تؤذي احدا ،
بعد ساعتين تقريباً انتهى الحفل وبعد أن غادر المسرح بسرعة قبل أن يهجم عليه الجمهور كعادته انطلق إلى مكتب العميد ،
دلف إلي المكتب بإنهاك فحقا هو متعب فهو يقف ساعتين كاملتين على قدميه يلقي غناؤه فتلك المهنة متعبة وشاقة أيضاً للغاية ،
كانت في انتظاره في مكتب العميد تدوِّن النقاط التي تتناقش معه فيها ،
وفور قدومه تعاملت معه بعملية شديدة ،ذهبت إلي الاستراحة الموجودة جانباً في مكتب العميد وهي تشير إليه بوقاار:
_ حمد لله على سلامتك يا نجم ، اتفضل حضرتك هنا علشان هنبدأ الحوار الصحفي.
لم يرد على سلامها قاصداً استفزازها وذهب إلى المكان التى أشارت إليه دون أن يعيرها أدنى اهتمام كي يثير حفيظتها ،
ولكنها لم تعتاظ ولم تعير ردة فعله أي انتباه وهو شعر بذلك فتآ،كل غيظاً منها ،وتنفس غاض،باً بصوت عالي وصل إلى مسامعها ،
استقرا في المقعد فتحدثت بعملية:
_ تحب تشرب قهوة أو عصير فريش ولا نبدأ علطول ؟
أجابها بإنهاك وهو يفرك جبهته من صداع الرأس :
_ ممكن قهوة مظبوطة لأنى مصدع جداً.
قامت من مكانها وطلبت من المسؤول عن مكتب العميد فنجاناً من القهوة وانتظرته حتى أتم قدحه وأخذته منه و عادت به ، وضعته أمامه بعملية:
_اتفضل القهوه دلوقتي نقدر نبدأ حوارنا الصحفي يا فنان ولا لسه ؟
كان يظن أنها ستناوله القهوة في يده وتقترب منه كما فعلت غيرها من الصحفيات كمحاولة منهن للاقتراب منه ولكن بائت تخيلاته فشلاً ككل مرة فنظر إليها بشرود محدثاً حاله :
_ غريبة نعم أنتى عجيبة لم أقابل مثلك يوماً من الأيام ،
متمردة ،شرسة ،أبية ، لم أرى فى عالمك الخفى مثيل ، أثرتى حفيظتى وجننتينى وصار بالى بك مشغول في لحظات ،
لااا لم أعهد مثلك ولن تفلتى من قبضتى وسأعدك أنى سأخترق خفائك وسأراكى أنثي كاملة لي فالبطبع ستكونى مختلفة عن كل النساء.
رأت شروده وتركيزه بها اللامتناهي فمطت شفتيها أسفل النقاب وتحدث داخلها:
_ ابتدينا من أولها محن زيادة عن اللزوم ، شكله مفكِرنى من إياهم المعتوه ده .
أنهت حديثها الداخلي وتحدثت وهى توجه الكاميرا الخاصة به وتظبطها على الرينج لايت ، وتمسك دفترها وقبل أن تضغط زر البدأ أردفت :
_ ها تمام كدة نبدأ ولا ايه ؟
أشار إليها أن تبدأ وأنه مستعد فضغطت على زر التشغيل والكاميرا موجهة كليا إليه مرددة وانطلقت في حوارها الصحفي ببراعة نالت إعجابه ،
كان ينظر إليها بإعجاب شديد ، صوتها هادئ وناعم رغم عدم خضوعها في الحديث ، حركاتها محسوبة ولم تتلاعب معه ولم تفتعل إيقاعه كغيرها من النساء ، حقا تركيبتها مختلفة واخترقت مشاعره دون أن تقصد ، ودون أن يرى وجهها ودون أن يعرف ملامحها ،أممن الممكن أن تولد قصة غرام بين المغني والمنتقبة ؟
أممن الممكن ان تسحبه لعالمها أو يسحبها هو لعالمه ويغير أيا منهما مسار حياة الأخر ؟
فلنرى ماذا يحدث مع ذلك الثنائي المختلف كليا شخصية كل منهم عن الأخر ،
انتهى الحوار وتنفست الصعداء بعد مغادرته ، وأصبح عقلها يراجع ماحدث اليوم ألاف المرات ، فحقا كان أمامها هادئا واحترم تدينها ولم يزعجها بنظرة خبيثة ولا كلمة جريئة مما جعل عقلها يراجع المشهد بينهما مرارا وتكرارا ،
أما هو صعد إلى سيارته وفور انطلاقه تحدث إلى مدير أعماله أمراً إياه :
_ عايز كل بيانات البنت دي وأرقام تليفونها وكل حاجة تعرفها عنها من يوم ماتولدت لحد دلوقتي ، مش هوصيك بقى إنك متتأخرش ياراشد .
أطاعه راشد مرددا:
_ حاضر يا فنان متقلقش النهاردة بالليل هتكون عندك أخبارها كلها من يوم ماتولدت لحد دلوقتي.
نظر إلي الأمام بشرود وهو يتذكر يومه وبالتحديد لقاء تلك المتمردة التى لم يعهد مثلها قط .
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
عودة إلى المشفى جلس عمران مع صديقه الدكتور جلسته المعتادة يومان في الأسبوع ، فتحدث محمد صديقه :
_ مجيتش المرة اللى فاتت ليه كنت مستنيك ؟
أخذ نفسا عميقا ثم زفره بهدوء وأجابه:
_ تعبت من كتر ما باجي ومفيش فايدة ولا تقدم ، أنا تعبت من كتر مابدور على سبب ومش لاقي .
قام محمد من مكانه وجلس أمامه مرددا بأمل:
_ متفقِدش الثقة في ربنا وهو قادر على كل شيء ، بس انت قول يارب .
شبك كلتا يداه في بعضهما وأردف بنبرة حزينة:
_ بقالي سنين بعافر وبقول يارب ، إنت مش متخيل صعيب كيف على راجل صعيدي يحس إحساسي ، انا بدمر كل يوم عن اليوم اللي قبليه ياصاحبي.
ربت محمد على فخذيه وهتف باستجواد :
_ أهه الشيطان بيضحك عليك وبدا يوسوس لك في دماغك انك تفقد الامل اصبر التجربه الأخيرة اللي احنا بنعملها هتجيب نتيجة باذن الله بس انت ادي لنفسك داعم وامل ومتقلقش .
مط عمران شفتيه وقام من مكانه وسار ناحية النافذة وهو يردد :
_ اديني اهه بقالى شهرين وزيادة بمني نفسي عاد إنه خير ،
ثم وقف أمام النافذة وعيناه تجول المكان حتي استقرت على تلك السكون التى حقا حركت ساكنه ، وسأل محمد :
_ بقول لك ايه تعالى إكده .
سار محمد إلي مكانه ونظر حيث تنظر عيناه ، فسأله باندهاش:
_ فيه إيه بتبص عليه إكده وشاغل انتباهك ؟
أجابه عمران وهو على نفس نظرته:
_ شايف البنتين اللى قاعدين هناك دول .
حك محمد رأسه وعيناه تمشط المكان وردد :
_ جرى لك إيه عاد ! الجنينة مليانة ستات مين تقصدهم ؟
أشار بيديه عليهم قائلا:
_ بص عاد ناحية الشمال عند البوابة اللى لابسين البالطو الأبيض وواحدة فيهم بتطيب جرح التانية .
رآهم محمد وهتف باستيعاب:
_ أه إنت تقصد الدكتورة فريدة والدَكتورة سكون .
_ آه هي سكون دي ..... كلمات خرجت من فمه باستمتاع لذكر اسمها وأكمل متسائلا:
_ تعرف حاجة عنيها سكون دي ؟
سحب محمد وجه عمران وجعله ينظر إليه ويحيد بصره عنهم كي لايلفتوا انتباههم:
_ أه أعرفهم زمايل عمل وفي بيناتنا كل ود واحترام ،
واسترسل بتعجب من استفساره:
_ ليه بتسأل عليهم معتقدش أنهم ضايقوك في حاجة ، دول في حالهم على الأخر وملهمش علاقة بحد .
تحدث عمران بإبانة :
_ لع هما معملوش حاجة واصل ، اني بسأل عادي ، أصلها ص،دت في الشجرة بدون ماتاخد بالها وجريت عليها لما سمعت أهاتها ولسه هقرِب منيها أقومها ، منعتني قبل ما تغيب عن الوعي وقالت لي متلمسنيش ، غريبة أوي لسه في بنات إكدة بيخافوا ربنا .
ابتسم محمد وهو يعيد نظره إليهم :
_ ياه في كَتيير الدنيا فيها الحلو وفيها العفش وزي ماده موجود زي مادول موجودين ، بس الدَكتورة سكون وكمان فريدة محترمين قووي ومتدينين وعمر العيبة ماتطلع منيهم واصل .
ظل محمد يراقب رد فعله وهو ينظر إليهم وبالتحديد نظرات عيناه كانت مثبتة على سكون ، الى ان جال في باله فكرة عرضها عليه سريعا:
_ تِعرِف ياعمران إن مشكلتك ممكن تتحل بالحب ، يعنى لما تحب وتتحب وتجرب تشتاق هتلاقي كل حاجة جواك اتغيرت وتُبقى عايز حبيبتك جمبك وتلاقيك بتتغيِر وياها وبيها ، ماتجرب كدة تدي فرصة لنفسك وأنا متأكد إن ده حل هيجيب نتيجة بإذن الله.
ضم عمران حاجبه باندهاش وهتف برفض:
_ أحب كيف وأعلِق إنسانة بيا وأربطها معاي وأظلُمها يا محمد ، وغير إكده مهقدِرش .
تنهد صديقه من تيبس عقله ورفضه لأي حل يجعله يخرج من قوقعة المجهول وهتف منزعجا:
_ كل حاجه لع ومهقدِرش ورافض أي نصيحة أو استشارة بدلك عليها عاد !
وتابع كي يلفت انتباهه وهو يرى نفس نظرته المثبتة على سكون:
_ لعلمك بقى انت وقَعت وطبيت خلاص وانت بنفسك اللى هتطلب مساعدتي ووقتها هتمنع عليك وهرفض أساعدك هه .
التفت إليه عمران متعجباً وهو يردد :
_ معناته إيه كلامك ده عاد ؟
أمسكه محمد من كتفيه وأداره ناحية النافذة مرة أخرى وهو يفهمه معنى كلامه :
_ معناته إنك من ساعة مادخلت اهنه النهاردة بالتحديد عن كل يوم سابق وانت عنيك هتتطلع على الدَكتورة وبتلمع بنظرة أول مرة اشوفك بيها .
_وه ! وأنا ايه اللى هيخليني أبص على الدكتورة سكون دي عاد ! .... كلمات خرجت من فمه تلقائية دون أن يدري أن ذاك المحمد منتبه معه بشدة ، وأكمل دفاعه:
_ سيبك من التخاريف والخربطة بتاعتك دي واصل.
بحاجبين مرفوعين وابتسامة شامتة أردف بمشاغبة:
_ وانت ايش دراك إني أقصد سكون مش فريدة ، ماهم الاتنين دكاترة وقاعدين جار بعضهم ،
وتابع بإرشاد :
_ فكر بس ياصاحبي في اللى بقول لك عليه ، يوضع سره في أضعف خلقه وخلي عندك ثقة في ربك أنه مهيضمكش أبدا .
شرد بعقله وهو يفكر في كلام صديقه ويعيده مرارا وتكرارا وهو على نفس نظراته ثم حمل مفاتيحه وهتف :
_ حاضر هفكِر ، أنا ماشي معايزش حاجة .
ربت على ظهره واجابه بابتسامة:
_ لع في رعاية الله يازينة شباب قنا كلياتها .
توجع من كلمته بالرغم من إطرائه إلا أنه تأنَّ وجعا ، القى سلامه وخرج من الغرفة ونزل الأدراج وعقله يجوب بالفكر ، وما إن اقترب من باب الخروج المؤدي إلى حديقة المشفى حتى وجد نفسه يقف على أعتابه ينظر إليها من بعيد ، يراقب حركات وجهها المريح لقلبه ،
نعم فقد شعر براحة كبيرة اجتاحت أوصاله ما إن تقع عيناه عليها ، ووجد قدماه تسوقه تجاهها بلا إرادة ، رأته صديقتها فريدة يقصدهم بقدومه فتحدثت إليها وهي تقوم على عجالة لعله يبادر معها بأولى لحظاتهم وبدايته لعشقه لها كما تعشقه صديقتها :
_ بصى متتلفتيش عمران جاي وراكى وشكله قاصد ياجي يطَمن عليكي ، أنا هسيب لك الفرصة دي وهرجع لك تاني ، خليكي طبيعية.
ونظرت في اتجاه معاكس وأشارت بيدها كأن أحدهم يناديها فتركتها بلباقة دون أن يشعر ذاك العمران ،
انطلقت مسرعة وجلست سكون تحاول أن تستدعي هدوئها ولكن كيف وحبيب الروح يأتى إليها ، يا الله كم صعب ذاك الشعور فهو مؤلم ورائع في نفس الوقت ، المعنى ومضاده في كل شئ تشعر به الآن ، استنشقت رائحته التى حفظتها عن ظهر قلب فعلمت باقترابه ،
اعتلى صدرها صعوداً وهبوطا بدقات مفرطة ، حاولت أن تبدو طبيعية ولكن لم تقدر ، وكان ذاك الشعور والإحساس رغماً عنها ، فالمحبين بصدق وخاصة المحرومين كسكون فعشقها له من طرف واحد لن يستطيعوا التحكم في دقات قلبهم عند رؤيتهم لمحبيهم وهى كانت كذلك ، ومن العجب أنه أحس بشعورها ورأى عدم انتظام أنفاسها ،
وعلامات الخجل تجول على وجهها وهو قادم إليها ، فاندهش من تعابير وجهها وتوترها الشديد ، فوصل أمامها فرفعت أنظارها إليه وتلاقت أعينهم للمرة الثانية وأحس بنفس الرجفة في جسده كما قبل ،
وتفوه يطمئن عليها بنبرة صوت حنونة :
_ كيفك ياداكتورة دلوك اتحسنتي من الوقعة وفقتي وبقيتي زينة ؟
رعشة اجتاحت جسدها بأكمله وصار حدسها لايصدق وتسائل داخلها:
_ أحقا ساقته قدماه إلي كي يطمئن على حالي !
لااا ياربي لم أستطيع أن أتحمل فقلبي يرجف وعيناي ستبوح وتكشف أسراري،
أحقا هو بذاته يقف أمامي وأستنشق رائحته وأسمع صوته ويحدثني لذاتي !
اهدأ قلبي فأنت في حضرة ذاك العمران تنقبض وتنبسط في نفس الوقت ولا تبالي ،
فأجابته بعد حيرتها سريعاً:
_ بخير الحمدلله ، شكرا لذوقك ولكرم أخلاقك على انك افتكرتنى وجيت تطَمن علي .
انطلق لسانه مرددا دون أن يدري هو الآخر:
_ ومين يشوف السكون بيتألم وميرقِش قلبه ليه وياجي يطَمن عليه .
ذهلت من كلامه فحقا كان بارعاً فى جعل مشاعرها تثور داخلها بسبب كلماته وأردفت بخجل وهى تلقي مرمى أنظارها بعيدا عنه من شدة خجلها:
_ كلك ذوق متشكرة جدا لشهامتك .
ابتسم لها ودار بجسده ناحية عيناها الخجولتين منه مرددا:
_ هو أنا مضايقك علشان إكده بتداري عيونك عني أو بتطفل عليكي.
ألقى كلماته كنوع من المشاغبة كي يفتح معها حوار ويكشف منها ما يريده والذي وصل إليه من أول نظرة من عيناها ، ولكنها هتفت باستنكار:
_ لاااا مين قال إكده ! بس أنا طبيعتي الخجل شوي لكن انت معميلتش معاي حاجة تستدعي إني أنفر منيك ياولد الأصول ، بس كل الحكاية اني متفاجئة بس فتلاقيني متوترة .
تابع مشاغبته:
_ وايه اللي مخليكي متوترة إكده للدرجة اللي واصلة لي دي وحاسسها ؟
لااا كفى حديثك ذاك فعدت لا اتحمل ولكن أجابته وهي تحاول استدعاء الهدوء أكثر:
_ ممكن من أثر الوقعة بس متحطش في بالك .
انتوى المغادرة وتحدث بترحاب:
_ عموما حوصل خير ، أني همشي مش محتاجة حاجة أجيبها لك لو تعبانة قبل أمشي .
انفرجت أساريرها من اهتمامه وثبتت نظرة عيناها داخل عيناها قائلة :
_ معايزاش غير سلامتك ياعمران .
ما إن استمع إلي حروف اسمه خرجت من فاهها بتلك النبرة الرقيقة حتى دق قلب العمران لتلك السكون ، فقد رمت سه،م عشقها حتى اخت،رق قلبه وسدد رم،يه ونفذ بأوردته وذاق طعم جماله وانطلق من أمامها وبداخله منتويا تكرار الحديث معها آلاف المرات ،
وبدأت شرارة العشق توقد قلب العمران ونبض قلبه بغرامها ولكن هل سيصدق قانون العشق ويشفي الوجع ويخلق من نبضه غراماً يحيى ذالك العمران أم للقدر رأي آخر .
↚
البارت الثالث
وأخيراً بادرَ العُمران وشعُر بح،ربِ العشقِ لكي سكون ،
أعدُكَ حبيبي سأطوفُ لأجلِ عشقِك بلاداً ووُديان حتى أصلُ إلى نبضِ قلبكَ ذاك العمران ،
فلِعِشقك لحنٌ أنتَ أُعذوبَته ، وسحراً أنتَ ترنيمتَه، ونهراً أنتْ سماؤُه ، فلك أحيا عشقاً وبكَ أتنفسُ هياماً ومنْك خُلِق ضلعِي الأعْوج الذي أُريدُه أن يستقيم بيْن يداكَ انتَ .
#خاطرة_سكون_المهدي
في أشهر مكاتب المحاماة في مدينة قنا تدلف رحمة المهدي إلي ذاك المكتب الذي حلمت أن تتدرب فيه من أول سنة دخلت فيها الجامعة ،
كانت تتمشي في الرواق المؤدي إلى مكتب ماهر البنان صاحب ذاك المكتب الفخم ، ذاك الرجل الأربعيني المعروف بلقب "خُ.ط المحاكم" فلديه شهرة واسعة في الصعيد بأكمله ومعروف عنه الذكاء الشديد والمهارة العالية في جلب البراءة لموكليه من أول جلسة ، فحقا اسما على مسمى ،
كانت دقات قلبها ترتعش من تلك المقابلة التى ستجرى لها من ضمن المتقدمين للتدريب تحت يد خُ.ط المحاكم ، جلست في غرفة الانتظار تحاول تهدئة حالها وتنظم من أنفاسها المتلاحقة اثر صعود الأدراج ،
نظرت حولها وجدت عدداً من الإناث المتقدمين فاليوم حدد مقابلة الإناث فقط لينتقى منهن خمس فقط للتعيين ، لوت شفتيها بامتعاض وحدثت حالها :
_ وإنتي هتاجي ايه في المتقدمين دول ! هما مالهم مظبِطين حالهم على الأخر إكده ليه وكأنهم جايين ملهى ليلي مش مكتب محاماة محترم علشان يشتغلِوا !
وبتلقائية أمسكت هاتفها ونظرت في شاشته واتخذتها مرآة لها وتابعت حديثها وهي تنظر إلي ملامح وجهها بدقة:
_ ده أني شكلي عفش اووي جنبهم بالنضارة اللى اني لابساها داي ، ولا البدلة اللى مخلياني كيف الراجل والكوتشي وكاني رايحة النادى ،
إيه اللي عميلته في حالي ده !
كانت تارة تنظر إليهم وتارة تنظر إلى حالها ، وبعد حديث دار أكثر من عشر دقائق مع حالها قررت أن لا تحضر المقابلة اليوم وتأتي في وقت لاحق ، وقامت من مكانها وكادت أن تغادر الغرفة إلا أنها استمعت إلي إسمها ينادى من مديرة مكتبه ، فهو بنفسه ينتقي المتدربين دون تدخل من فريق العمل الخاص به كى ينتقيهم بعناية فائقة ،
زاغ بصرها خ،وفاً من المقابلة وخاصة أنها رأت سابقتيها اللاتي أجرين المقابلة ، فقد كانوا في أبهى حلتهم وهي بجانبهم صفراً على الشمال ، وبالرغم من جمال وجهها وعيونها الواسعة وبشرتها الخمرية التى زادتها جمالاً بعينيها ذات العسلي الفاتح ، إلا أنها كانت تقلل من حالها بشدة،
عادت بخطى بطيئة إلي الداخل بعدما نودي علي اسمها عدة مرات ووقفت أمامها تردد بتوتر :
_ بعد إذنك يافندم هو ينفع المقابلة دي تتأجل النهاردة وآجي المرة الجاية ؟
لم ترفع مديرة مكتبه أعينها من على اللابتوب واصابعها تعمل بمهارة فائقة وهي تردد بعملية:
_ هنصحك نصيحة لوجه الله في السريع إكده ، إللي تاجي مكتب ماهر البنان وتأجل تُبقى خسرانة لأنها مش هتدخله تاني ،
وتابعت تحذيرها وهي ترفع عيناها إليها اخيرا وتشاور بيدها ناحية الباب:
_ اللي يخرج من الباب ده متردد مبيرجعهوش تاني ، اهم حاجة بيحبها المتر إن اللى شغالين معاه يبقوا عندهم ثقة في حالهم ،
ها هتدخلي علشان إنتي كدة هيتحسب عليكي عدم الالتزام عند المتر وخسرتي أول بونت في انطباعه عنك ،
ولا هتاخدي حالك وتمشي وانادم علي اللي بعديكي ؟
فكرت سريعاً في كلماتها ودون أن تنطق دلفت إلي المقابلة وهي تخشى خسارة الفرصة الوحيدة للتدريب في ذاك المكتب ويضيع حلمها ،
دلفت إلى الداخل بخطي سريعة ووقفت أمامه ورددت السلام وهو منكب على اللابتوب أمامه يراجع الملف الخاص بها ،
فتحدث ذاك الماهر مرددا بتساؤل دون أن ينظر إليها :
_ عندك استعداد تتس،جنى لو ملف عميل هنا ضا،ع منك او لقيناه مع الخصم وكنتي إنتي المسؤولة عنه ؟
جالت علامات الطيف على وجهها من أول استفسار ، وفكرت سريعاً لما استمعت إليه من نصيحة تلك المديرة:
_ علشان أبقى محامية ناجحة لازم تكون عيني وسط راسي ومسمحش للظروف ولا الخي،انة يقرِبوا مني ودايما هاخد احتياطاتي من القريب قبل الغريب ولو حوصل ابقى مهملة والمهمل يتعا،قب علشان يتعلم .
دون إجابتها دون أي انبهار وأكمل استفساره :
_ ايه هي مواصفات المحامى الناجح في أي قضية يمسكها من وجهة نظرك ؟
جالت بتفكيرها إلى أن أجابته بثقة :
_ يكون عنده سرعة بديهة ويمسك في أول نقطة يستبعدها في نجاح قضيته ويحافظ على ملفاته في مكان ظاهر خفي في نفس الوقت.
دوَّن إجابتها تلك المرة بإعجاب ولكن على وضعه دون أن ينظر إليها ، وتابع تساؤلاته:
_ لو قدامك قضية والمكسب فيها مضمون لكن الأتعاب فيها قليلة وجالك الخصم عرض عليكي مبلغ أضعاف الأتعاب بكتييير هتوافقي تسيبي موكلك حتى لو مش هيتسبب له ض،رر علشان الأتعاب الزيادة ولا هتعملي إيه ؟
أجابته بتأكيد :
_ المحاماة مهنة العدالة والفلوس مش أولى أمنياتي وشرف المهنة يحتمني إني معملش عملية إبدال حتي لو النتيجة واحدة ومش هت،ضر الطرفين بس هعمل اسمي بشرف تتحاكى عنيه محاكم قنا بحالها .
إلي هنا ورفع أنظاره إليها ليرى من صاحبة تلك الإجابات المنمقة والغير مفتعلة وتفحصها جيداً ، ووجدها ليست كمن سبقوها وعلى الفور قرر تعيينها فهو لم يلفت انتباهه واحدة ممن سبقوها بمظرهم الملفت للأنظار فهو ينتقي فريقه الجاد والعملي وفي نفس الوقت ذو مظهر منمق وهي لاقت استحسانه وردد بأمر وهو يشير ناحية الباب :
_ تمام اتفضلي والسكرتيرة برة هتفهمك كل حاجة ، المقابلة انتهت .
اغتاظ داخلها من حدته وطريقته المتكبرة وخرجت من أمامه ونفذت الأمر ،
وجدت السكرتيرة تعطيها ملفا كاملا وهي تهتف بنفس العملية:
_ اتفضلي الملف ده ادرسيه كويس جداً ومن أول الشهر تاجي تستلمي مكتبك هنا مع الفريق اللى هتدربي معاه .
اعتلت الفرحة معالمها بشدة وصفقت بيداها وهي تردد باندهاش:
_ إيه ده هو أني إكدة اتقبلت إهنه في مكتب الأستاذ بجد ؟
أشارت إليها السكرتارية برأسها بموافقة وهي تتابع عملها بمهنية ، ثم خرجت من المكتب وأقدامها تكاد تط،ير من شدة سعادتها وهي تنتوى الذهاب إلي جامعتها تكمل يومها الدراسي وهي تشعر بأنها أتمت أهم إنجاز في حياتها اليوم ، وأثناء سيرانها للخارج رأت ابن عمها دالفا إلى المكتب تلاقت أعينهم ، فوقفت أمامه بيها مرددة بسعادة:
_ جاسر بارك لي مش اتوفقت واشتغلت اهنه في مكتب الخ،ط ماهر البنان ،
وتابعت سعادتها وهي تنظر إلى المكان بانبهار :
_ مش عارفة أتشكرك إزاي يابن عمي على وقفتك وياي وأنك قدمت لي اهنه وعرفتني شوية معلومات عن عوايد المتر ، منحرمش منيك ياأجدع أخ .
كان ينظر إلى سعادتها العارمة وقلبه فرحا لها وهو مبتسم وعند كلمتها الأخيرة بوصفه كأخ شعر بالح،زن الشديد داخله فهو يسعى دائماً أن يريها محبته بأقواله وأفعاله ونظراته وهي لاتراه إلا أخا بعد كل ذاك المجهود الذي يفعله ،
فبارك لها بخفوت :
_ مبارك عليكي يابت عمي ربنا يفرِح قلبك ويرزقك التوفيق والنجاح دايما.
لاحظت حز،نه وتبدل ملامحه ولم تعى السبب وراء تبدل وجهه في لحظات فسألته باندهاش :
_ ايه اللهجة دي ! كنت في الاول بتضحك ومبتِسم وفي ثانية أحوالك اتغيرت مالك إكده مش فرحان لي عاد ؟
رأى حز،نها البائن على وجهها لطريقته الباردة وأعطاها عذرها فهي لاتعرف بمدى عشقه لها منذ الصغر وأومأ لها بابتسامة:
_ كيف إكده ! ده أني اللى مقدِملك إهنه ومعرِفك كل التفاصيل اللصغيرة قبل الكَبيرة ، وكنت واثق إنك هتجتازي الاختبار ببراعة كماني ، بس معلَش دماغي مشغولة في قضية مكلفنى بيها الاستاذ ووج،عالي دماغي ،واكيد شفتي جديته الشَديدة في الشغل عاملة كيف فلازم أنجزها وأشوف لها طريقة.
التمعت أعينها بالسعادة وفورا سألته بتركيز :
_ قضية صعبة ، طيب إيه رأيك أشرب وياك الشاي بالليل ونفكِر فيها زي اللى قبليها ومنها أخد خبرة زي مانت معودني .
فرح كثيرا من اقتراحها فمجرد لحظات يقضيها معها حتى ولو كانت كلها عملاً إلا أنه يكفيه وجودها أمامه وهتف بموافقة:
_حلو قوي يابت عمي جهزي حالك ٨ بالدَقيقة هتلاقيني عنديكم وبشرب الشاي مع عمي عقبال ماتنزلي .
أشارت بوجهها مبتسمة وودعته وذهبت إلي جامعتها فهي في سنتها الأخيرة في كلية الحقوق ومنذ السنة الأولى لها وهي شغوفة بتلك المهنة ودوما تجلس مع جاسر تراجع معه جميع القضايا فهو يكبرها بتسعة أعوام ،
وهو في سنته الثالثة في الجامعة جاء الي مكتب ماهر البنان يتدرب فيه والآن اكتسب خبرة عشرة أعوام وأصبح ذراعاً أيمنا لذاك الماهر ولكنه نصحها الا تذكر قرابتها له أمامه ، وهي منذ دلوفها إلى تلك الجامعة تجلس معه وتشاركه في جميع القضايا إلى أن علمها كل صغيرة وكبيرة في أمور المحاماة ولم يبخل عنها بأي معلومة .
______________________________
في فيلا آدم المنسي حيث يجلس مسترخيا على الشزلونج الموجود في حديقته الخاصة أمام حمام السباحة وبيده السيناريو الذي يراجعه منذ اسبوعين ، فقد قرر ان يقبل بذاك المسلسل الذي قدم له فقصته نالت إعجابه ولكنه كان متردداً دخول عالم الدراما فتجربته في السينما نالت اعجاب الجميع وحقق إيرادات فائقة وخاصة في فلميه الأخيرين ويخاف أن يخوض تجربة الدراما ويفشل العمل ويخسر جمهوره السينمائي ، ولكن راشد مدير اعماله شجعه على القدوم وخوض التجربة وهو متوقعاً نجاحها ،
وأثناء قراءته لمشهد ما تتحدى فيه البطلة البطل وتشاغبه جال أمام عيناه عيناي صاحبة أكبر تحدي في حياته الصعيدية ذات الرداء الاسود " مكة" فوجد لسانه ينطق بصوت مسموع:
_ مكة ،
ردد اسمها منق،طعا بتلذذ على لسانه وتذكر أمرها فترك مابيده وأمسك هاتفه طالبا مدير اعماله الذي رد عليه قائلا:
_ أنا داخل عندك على الفيلا اهو ثواني وأكون قدامك .
أغلق الهاتف معه وعاد إلي تفكيره في تلك المت،مردة الصعيدية الذي لم ينسى عيناها قط وهي الشئ الوحيد الذي رآه منها ، ولكن احس بأنها تخبئ وراء ردائها الأسود جمالا آخاذا كجمال عينيها ، تذكر اللقاء الذى أجرته معه وتذكر صوتها الهادئ الرقيق وتذكر جديتها في التعامل ، حقا كانت بالنسبة له كالجوهر المكنون وأحس بانجذابه ناحيتها بالرغم من تمردها عليه ، شعر بأنه يحتاج أن تجلس أمامه مرة أخرى كي يكتشف شيئا جديداً غير معتاد عليه في أي أنثى قابلته فحقا كانت مختلفة ومثيرة وهادئة وفي نفس الوقت تحفظها عاص،فة تبت،لع من يقترب ، أثارته بتحفظها الشديد ، كان اللقاء الذي أجرته معه خالياً من أي اهتراءات ولا تدخل في حياته الشخصية ولا مروجاً لأي إشاعة من التى تحوم حوله ،
أخرجه من تخيلاته صوت راشد الذي يلوح بكفيه أمام عيناه مرددا :
_ ايه يا فنان رحت فين كدة أنا واصل بقالي شوية وانت ولا انت هنا ،
وتابع كلماته بمشاغبة:
_ قول بقى إن المزة الايطالي اللى كنت بتمثل معاها امبارح الفيديو كليب شاغلاك ومط،يرة عقلك بصراحة عندك حق .
لوح أدم بكفيه وبسط فمه بسخرية هاتفا:
_ مزة مين وإيطالية ايه ، ماكلهم شبه بعض من برة الله الله ومن جوة يعلم الله ،
واسترسل حديثه متسائلا:
_ها عملت إيه في الموضوع اللي طلبته منك وصلت لحاجة ولا لاء ؟
قطب راشد جبينه ونطق مستفسرا:
_ موضوع إيه بالظبط ، إحنا بنا مواضيع كتيير فكرني تقصد انهي فيهم .
ض،رب أدم كفا بكف وهو مغتاظا من برود ذاك الراشد مرددا بسخط :
_ موضوع البنت الصحفية اللى عملت معايا الحوار في الجامعة ، جبت لي المعلومات ولا لسه ،
واستطرد بتحذير وهو يشير بأصبعه أمام عيناه :
_على الله تكون معملتش حاجة أو مطلعتليش بالحوار كله دلوقتي حالا .
مط راشد شفتيه بامتعاض وأردف معترضا على طريقته :
_ جرى إيه نجم طريقتك معايا ناشفة وحادة أووي ، لاحظ انك معاك أهم مدير أعمال في الوطن العربي كله ومينفعش تتعامل معايا بالطريقة دي .
تأفف أدم من ثرثرته وألقى الاوراق من يديه بحده مرددا :
_ ماتخلص ياعم المهم وجاوبني وسيبك من اللوك لوك بتاعك اللي بتسمعه لي كل يوم .
اندهش ذاك الراشد من حدته ومن اهتمامه الزائد عن الحد بذاك الموضوع الذي يراه لايليق بشخصية مثل ادم قائلا بتعجب :
_ هو ايه سر الاهتمام الزايد بحتة بت لسه جامعية ومبقتش صحفية زي ما بتقول ودي تالت مرة من امبارح بس تسألني عنها ، مش شايف إنك مزودها شوية ومدي الموضوع أكبر من حجمه ؟
قام من مكانه ووقف ناظرا للمسبح بشرود وهو يربع يداه أمام صدره هاتفا بهدوء
_ ملكش فيه جبت المعلومات ولا أتصرف أنا بمعرفتي وكمان ساعة بالظبط هعرف كل حاجة عنها بس مترجعش تزهق وتن،دب اني عملت حاجة من غير ماتعرفها.
اعتدل راشد في جلسته باختناق متحدثا :
_ لا يا سيدي متتصلش بحد جبت لك المعلومات اللي تخصها كلها من ساعة ماتولدت لحد امبارح بس .
ثم مد يده بورقة مدون بها كل شئ عنها ،التقطها ادم منه على عجالة وهو يأك،لها بعيناه ، ثم تذكر وجود راشد فتركه مكانه وصعد إلي غرفته كي يتطلع عليها بهدوء دون الإستماع الي ثرثرة راشد ،
وصل إلي غرفته وأوصد الباب خلفه ثم أخرج الورقة وقرأ محتواها :
_ اسمها مكة جمال الجندي وساكنة في قرية دشنا وفي آخر سنة كلية صحافة وإعلام ، متش،ددة جداً ومنتقبة من وهي في ثانوى شخصيتها قويه ومينفعش أي راجل يقرب منها ولو حد حاول ين،دم على اليوم اللي قرب لها فيه ، ملهاش سقطات ولا ليها في الشمال والدها متوفي وليها أختين بنات واحدة متجوزة ومخلفة والتانية دكتورة في مستشفي عندهم بس لسة أنسة وهي الوحيدة اللي منقبة في اخواتها ، حلمها تبقي من
أكبر إعلاميات الوطن العربي بل والعالم كله ،
والدتهم بتحبهم جداً وبتخاف عليهم ومتجوزتش بعد موت باباهم ، ودي أرقام تليفوناتها الشخصية ورقم التليفون الأرضي بتاعهم.
قرأ تلك الورقة مرات عديدة ، كان لأول مرة ينشغل بإحداهن بتلك الدرجة ، فكر كثيرا في حل كي يصل إليها ويتعرف عليها ،ظل يفكر ويفكر إلي أن جالت في باله فكرة عزم على تنفيذها في التو والحال ،
أخرج هاتفه من جيبه ودون أرقامها على رقمه البرايفت وقرر أن يرسل لها .
في نفس الوقت في كلية الصحافة والإعلام ، حيث كانت مكة تجلس مع صديقاتها المقربين إليها فقد أوج،عوا رأسها وسب،بوا لها صد،اعا من أسئلتهم المتكررة عن ذاك المغنى ،
فسالتها ميرام بحالميتها المعهودة:
_ له احكي لنا كل حاجة بالتفصيل يامكة ومتقعديش تتنكي علينا إكده وتحسسينا إن احنا بنر،تكب كب،يرة من الكبائر لاسمح الله.
تأففت مكة من ثرثرتهم وأجابتها باختصار:
_ يعني أخترع لكم حوارات يعني ولا ايه !
أهو لقاء زي أي لقاء بس بالنسبة لي فارغ وملهوش أي تلاتين لازمة ،
اغتاظت رقية بشدة من كلامها وهتفت باستنكار:
_ بذمتك ده حديت يطلع من خشمك عاد يامف،ترية !
ده إنتي كنتي قاعدة قدام الفنان ادم المنسي بجلالة قدره ياللي معندكيش ذرة إحساس إنتي .
وأكملت سمر صديقتهم الرابعة:
_ والله إنتي بو،مة ووش فقر واحدة غيرك كانت مسكت في الفرصة دي بإيديها وسنانها واتدلعت عليه وأخدت رقمه وحاولت تفتح معاه حوارات ده إنتي ملكيش في الشهرة وانك تقبي على وش الدنيا ياوش الفقر إنتي .
هنا قد أرهقوها بكلامهن وأسئلتهن البائخة وأحاديثهن المهترئة وطاحت بهن جميعا :
_ والله انتوا اللى لابقي عنديكم ذرة دين ولا ايمان وقسما عظما اللي هتجيب لي فيكم سيرة التافه ده تاني مهكلمهاش تاني واصل بلا قلة حيا منك ليها وعقول فارغة ، وبعدين أني مش فقيرة ولا ناقصة مال بوى مي،ت أه لكن سايبنا مستورين وأحسن من الدنيا بحالها ، والستر ده نعمة عظيمة لاتفقهو عنها شئ ،
ثم لملمت أشيائها وهى تردد لهم بسخط:
_ وأدي القعدة اللى كلياتها ذنوب فايتهالكم وماشية .
أنهت كلماتها اللاذعة لهم وتركتهم وانطلقت إلي مكان هادئ كي تنهى فيه أشغالها ، فهي ستبدأ بتنزيل مقاطع لذاك اللقاء على صفحتها الموثقة على الانستجرام فقد مضي أكثر من ٢٤ ساعة المحددة لها بعدم النشر ، وبدأت تعمل على تقط،يع الفيديو لكى تنشره على عدة مرات فهي قررت أن تنشر فيديوهين للقاء يومياً ، وبدأت بفحص المقطع الأول والذي كان عبارة عن سؤالها له :
_ امته بدأت مرحلتك الفنية وحسيت إن عندك موهبة تستحق الظهور ؟
كانت في اللقاء لاتنظر إليه مباشرة تقرا السؤال من المفكرة التي أمامها وتتابع الرينج لايت وتحاول ظبطه كي تتفادي أخطاء المونتاج التي وقعت فيها كثيراً ، ولوهلة قررت سماع الفيديو ، نظرت إليه وهو يتحدث ويجيبها ، لاحظت نظراته المثبتة عليها كما لاحظت اندهاشه وهو ينظر إليها بتلك الغرابة ولكن نفضت تفكيرها ، وتابعت المشاهدة وحقا كانت ردوده هادئة فيها نوعا من الكاريزما التي يجب أن تتوافر في أي فنان ولكن أكثرهم يصطنعوها أما هو كانت تخرج بتلقائية واضحة لمن يراه ،
وأثناء مشاهدتها له كانت تحدث حالها:
_ ماله يعني ماهو بني آدم عادي زي أي راجل ، له إيدين ورجلين وعنين وشعر زي أي راجل مفيهوش حاجة مختِلفة تثير الإنتباه عاد ،
ولكن نهرها عقلها أيضاً في نفس اللحظة فأكملت :
_ علشان وسيم وأنيق وأبيضاني وشعره كيرلي وطول بعرض ، بس بردو عادي ولا يفرق معاي واصل ولا يهزِلي شعرة ،
وفجأة نهرت حالها ككل وأردفت بسخط :
_ وه ياحزينة قاعدة تتغَزلي في راجل وتتفرجي عليه كيف البنتة اللي مهيختشوش اظبطي حالك يامكة وفوقي عاد منقصاشي ذنوب من رب العباد ،
عادت إلى رشدها وتابعت مهمتها وبعد نصف ساعة أنهت المقطع الأول ، وكادت أن تضغط على زر النشر تراجعت في لحظة وهي تفكر بصوت عال:
_ بس كيف انشر مقاطع مغني على صفحتي وأغضب ربنا ! كيف علشان أعمل جمهور سريع ومتابعين كَتيير أخالف أمور ديني ،
لع مهنشرش حاجة على صفحتي من النوعية دي عمري وتغور الشهرة اللى تغضب ربنا دي .
وبالفعل قررت أن لا تنشر تلك المقاطع ابدا مهما كانت المغريات فعدم نشرها ماهو إلا ابتغاء مرضات الله ، وهاهي ابنة الصعيد الفتاة الجامعية صاحبة الرداء الاسود ترفض مالا يخطر على بال بشر ، فبنشر ذاك الفيديو كانت ستنقل الي مرحلة جديدة وقوية في مشوارها الصحفي وهي في أولى بداياته ولكن في نظرها فلتذهب الدنيا بما فيها إذا فعلت شيئا يغضب ربها ،
وبعد عدة أيام في نفس الجامعة أرسل إليها العميد فذهبت إليه ، فسألها باندهاش:
_ ليه منزلتيش الفيديو على صفحتك لحد دلوك يامكة ؟
فركت أصابع يداها بتوتر وأجابته :
_ ها ، معرفاشي ، لااا بصراحة إكده وبدون كذ،ب مش هنزل حاجة من النوعية داي عندي ولا عايزاها.
سهم عيناه عليها مندهشا وأردف بنبرة متعجبة:
_ كيف إكده مهتنزليش ؟ إنتي واعية لحديتك ده ؟
هزت راسها بموافقة واردفت:
_مش حابة أغضب ربنا وإذا كان على المتابعين اللى هياجوا من ورا الحوار ده معايزهمش أني الحمد لله صفحتي اتوثفت من شهرين وهكبرها بحاجة تليق بيا وبفكري .
مازال العميد على اندهاشه منها ولكن هي في الغالب حرة فاللقاء نُشِر علي صفحة الجامعة وتناولته جميع المواقع ، استأذنت من العميد وخرجت وجدت صديقتها سمر في انتظارها ،
وهي تطلب منها ذاك الطلب الذي تتحايل عليها منذ أن علمت أنها لم تنشر تلك المقاطع:
_ متجيبي الفيديوهات الأصلية بقي وأنشرها على صفحتي ينوبك صواب ياصاحبتي .
مطت شفتيها بامتعاض:
_ عاملة كيف النحلة الزنانة بقي لك يومين وزهق،تيني ياسمر ، حاضر هديهم لك وإنتي حرة بس خليت ضميري قدام ربنا واتبرأت منيهم .
انطلقت الفرحة العارمة من سمر وهتفت:
_ بلاش تحبِكيها للدرجة دي أمال ياموكتي ، ده مكانش فيديوهين تلاتة يخلوا الواحد يتشاف شوي .
أعطتها الفيديوهات وتركتها وغادرت المكان ، وقامت هي في نفس اللحظة بالعمل عليهم ونشرتهم علي جميع مواقع السوشيال ميديا على أنها هي التى أجرت اللقاء ،
في نهاية ذاك اليوم علم راشد بتلك الفيديوهات من المسؤول عن إدارة الاعمال لدي آدم ، فاندهش للاسم الذي نزلت به فسأل أدم :
_ هي إللي كانت عاملة معاك اللقاء اسمها سمر ولا مكة ؟
اندهش آدم من استفساره وسأله :
_ بتسأل ليه السؤال اللي مش في وقته ده خالص ، عموماً تقريباً اسمها مكة ، ليه بقي ؟
قال إجابته وهو يدعي عدم التذكر ولكن كان يجاهد حاله طيلة الأسبوع الا يحادثها ولكنه لم ينسى التفكير في أمرها يوماً ويجاهد حاله أن لا يتنازل ويهاتفها .
أجابه راشد بلا مبالاة:
_ فكك بلا وجع دماغ ، أصل اللي نزلت على صفحتها وبتقول أنها هى اللى عملت معاك اللقاء اسمها سمر مش مكة.
اندهش آدم وطلب منه:
_ إزاي ده ؟ طيب وريني كده الفيديو اللى نزل .
أعطاه راشد الفيديو وشاهده مرارا وتكرارا وأخيراً وجد الحجة التي يهاتف بها تلك المكة ويستمع إلي صوتها الذي استوحشه بشدة ولأول مرة يشعر باللهفة لمحادثة إحداهن في سابقة لم تحدث بعد ،
وترك المكان لراشد وجلس في مكان بعيد وفورا ضغط زر الإتصال على تلك المكة ،
ومن هنا ستنطلق شر،ارة الفتاة الصعيدية مع تسلية ذاك المغني فلنرى ماذا يحدث حين ذاك ؟
_______________________________
في منزل سلطان المهدي يجلس عمران في حديقة المنزل يراجع بعض الحسابات الخاصة بمزرعة الخيول الخاصة بهم ،فعمران لديه ماجستير في المحاسبة والمعلومات ويعشق الحسابات ومراجعة الميزانيات وهو المسؤل المالي عن جميع املاك والده فلما لا وهو ابنه الوحيد علي بنتين ،
وأثناء انشغاله في المراجعة استمع الى صوت إحداهن تردد بدلع وهي تنظر له نظراتها المشتاقة كعادتها :
_ كيفك ياعمران وكيف احوالك ؟
عندما استمع الي نبرة صوتها التى يحفظها عن ظهر قلب ففضل أن يرد عليها دون أن ينظر إليها:
_ مش بخير طول مااني شايفك قدامي ياملع،ونة إنتي .
مطت شفتيها بدلال وكأنها لم تسمع توبيخها منه ودارت بعيناها تمشط المكان لكي ترى إذا كان احدا يراها أم لا ، لم تجد أيا من زينب وبناتها فاقتربت منه وهي تهبط بمستوى جسدها إليه في حركة وضيعة منها كعادتها ، فهي تفعل ذلك لكي تغريه كما تظن ويذوب من رائحتها المفتعلة والتى هو يكرهها بشدة كمن يشُم رائحة كريهة إلي أنفه حينما تقترب ،
ثم همست له بدلال مفرط كعادتها:
_ مبقيتش ملع،ونة إلا بسبب عشقك ياعمران ، منويتش بقي تقدم السبت وتاجي لحدي وتسلم راية العص،يان وتفتح قلبك لوِجد .
انتفض من مكانه كمن لد،غه عق،رب ونطق بغ،ضب وهو يج،ز على أسنانه:
_ بعدي عني يامرة إنتي واياكي تقرِبي مني بالشكل دِه تانى ، إنتي ناسية انك مرت عمى ، بس هقول إيه عاد صنف ميختشيش .
وأخيراً استفزتها كلماته وهتفت برفض:
_ أرملة عمك الله يرحمه ودلوك اني حرة وأصلا إنت عارف أني رضيت أتجوز راجل كبير عني وقد جدي في السن علشان خاطر أقرب منيك ياحبيبي.
نظر لها باشمئزاز يكفي العالم أجمع وود لو يسح،قها بين يداه ض.رباً ولكن لم يريد أن يلفت انتباه أحد لتلك المرأة الملع،ونة وهتف بفحيح:
_ الله في سماه ياملع،ونة إنتي لو لمحت خلقتك العكرة داي مرة تانية قصادي لاهض،رُبك ولا هيهمني إنك حرمة .
بنبرة مستفزة بخَّت سُ،مَّها :
_ طيب والله في سماه وحلفان على حلفانك ماهتكون لغيري ياعمران ، مفاتيحك في يدي وتحت قبض،تي ومحلهاش غير لما تتجوزني وياتكون لوجد يامش هتكون لمرة غيرها واصل ،
واسترسلت وعيدها وهي تردد بغ،ل :
_ مانا معشتش ٣ سنين من عمري إللي في عز صباه مع راجل قدي ٣ مرات علشان اكون بس قريبة منيك وفي الاخر بعد ماربنا ينصفني ويم،وت تاجي إنت وبكل بساطة تقول لي بعدي عني ، نجوم السما أقرب لك من إنك تتجوز غيري وأني عارفة أني بقول ايه .
حقا استفزته بحديثها وأثارت رجولته فحدثها مؤكداً:
_ طيب يمين بعظيم ياملع،ونة إنتي على آخر السنة داي لاهكون متجوز ست ستك وهخليكي تمو،تي بحسرتك يافا،جر ياأم وش مكشوف إنتي .
فج،ر كلماته وتركها تتآ،كل غيظا واتجه إلي الخارج كي يذهب إلى المشفى يقابل صديقه ،
أما هى تحدثت بصوت عال وصل إلى مسامعه قبل أن يخرج من البوابة:
_ لما نشوف هتعملها إزاي وإنت بحالتك دي ياولد أبوك الوحيد ومبقاش وجد أما شوفتك مذل،ول وبتترجانى أتجوزك .
أدار رأسه إليها من الخارج وبحركة أشعلت الن،ار داخلها بص،ق عليها من بعيد وكأنها سلة قمامة ملقاه أمامه ، مما جعلها تست،شيط غض،با أكثر من ذي قبل وتتوعد له أن تزيد من عذا،به وي،لات وتسقيه من كيد النساء أهو،ال وغادرت الأخرى وعادت إلى منزلها المقابل أمامهم .
أما هو انطلق بسيارته الى المشفى وهو يحدث حاله متعجباً من تلك الكلمات التى خرجت من فاه تلك المرأة الملع،ونة ، وقرر أن يأخذ خطوة جدية في ارتباطه ، وما إن تأتي تلك الفكرة يشعر بالاختناق ولكن عزم الأمر ان يجبر حاله ويفعل كما يفعل الرجال ،
وصل إلى المشفى وما إن دلف إلى البوابة حتى صارت عيناه تلقائيا تبحث عنها في كل مكان ، فقد مكث طيلة الأسبوع يفكر بها ولن تتوه عن باله تلك السكون التى سكنت وجدانه بطيفها الهادئ المريح للأعصاب ماإن ينظر إليها فقط ،
أما هى لمحته في نفس توقيت دخوله وكأن عيناها أقسمت على أن ترهن نظراتها لذاك الباب فقط كي تتشبع من رؤياه وتسكن الجفون هدوءا لرؤية معشوق الروح ،
تقابلت نظراتهم أخيراً ولكن هي خجلت أن تطيل النظرات له خوفاً من سه،م النظرة وذ،نبها ، يكفيها فقط شعورها بالراحة والأمان في وجوده ،
فحقا عشق السكون للعمران عشقا فاق الحدود ،
وجد قدماه تسوقه إليها بلا منطق ، أما هي استشعرت قدومه من رائحته التى حفظتها عن ظهر قلب ، وما إن وقف أمامها حتي رفعت راسها كي تتشبع من رؤية ملامحه عن قرب ووجدته يردد:
_ كيفك ياداكتورة سكون ، مش ده اسمك المميز اللي ميتنسيش واصل ؟
قلبها يدق من نبرة صوته المخصصة لأجلها ، عيناها تكاد تقفز السعادة من داخلهما لرؤيته ، وأجابته بهمس رقيق :
_ زينة وبخير ، متشكرة على إنك منسيتش سكون وجيت مخصوص دلوك تتطمن علي .
اقترب بخطواته أكثر منها وهتف بنبرة صوت حنونة:
_ لاشكر على واجب ياداكتورة ، لازم الواحد يحس بواجب السؤال للى اتعرض للأ،ذي قدام عينيه ، فما بالك لما تكون السكون بذات نفسيها يبقي السؤال والاطمئنان فرض ولازم يتأدي .
بنفس الهمس أردفت دون أن تقصد :
_ ولما أهو فرض ليه اتأخرت على السكون ده كله علشان تطمن .
أدلت استفسارها وهي على نفس التيهة فهي في حضرته يغيب عقلها تماما عن المعقول واللامعقول ، فأجابها هو بابتسامة محب بدأ أخيراً طريق العشق ونبض قلبه لأجلها :
_ معلش حقك عليا مهتأخرش عنيكي تاني ، بس خلى بالك اطمئنان عمران على السكون هيز،عجك جامد ، عمران لما يقرِب مابيبعدش وبيك،لبش جامد على اللى هيبقي منيه .
سألته بنفس التيهة:
_ مي،تة ياعمران هياجي اليوم ده تعبت من كتر الانتظار؟
نظر إليها مندهشا ولكن استغل تيهتها وأردف:
_ مش كَتييير بس أتأكد بس من اللى أني حاسه ده صحيح ولا مجرد وهم بنيته في دماغي لوحدي .
ردت عليه بابتسامة:
_ طمن حالك اللى بيخرج من القلب بيوصل للقلب طوالي وأكيد وصل لك .
أردف مبتسماً بعذوبة كابتسامتها:
_ والقلب وصل له المرسال وبيوعدك إنه عن قريب هيتم الوصال.
ألقى كلماته على مسامعها وتركها تجوب بخجلها أنهارا وودياناً وهي تضع يدها على وجهه تتحسس توهجه من أثر خجلها ،
وهي تحدث حالها بغرام:
_ وأخيراً بادر العمران وشعر بحرب العشق لكي سكون ،
أعدك حبيبي سأطوف لأجل عشقك بلادا ووديان حتى أصل إلي نبض قلبك ذاك العمران ،
فلعشقك لحن أنت أعذوبته ، وسحرا أنت خاطفه ، ونهرا أنت سماؤه ، فلك أحيا عشقا وبك أتنفس هياما ومنك خلق ضلعي الأعوج الذي أريده أن يستقيم بين يداك انت .
#خاطرة_سكون_المهدي
#بقلمي_فاطيما_يوسف
________________________________
في منزل مها المهدي أنهت أعمال بيتها من كافة شئ ومتبقي على رجوع أبنائها من المدرسة مايقرب من ثلاث ساعات ،
قررت أن تأخذ شاورا دافئا كي تشعر بالانتعاش بعد أعمال بيتها وبعد نصف ساعة خرجت من الحمام وهي ترتدي المعطف الخاص به "البرنس" وجلست أمام مرآتها تضع بعض من كريمات الترطيب فهي تهتم ببشرتها بشدة وتخاف عليها من التشققات والتجاعيد ، تعشق الاهتمام بنفسها ودوما تحبذ أن تهتم بملابسها البيتية والخروج وتهتم أن تجعل طلتها خاطفة وتسحر جميع العيون ،
كانت تدلك رقبتها وهي تنظر الي حالها في المرآه بحزن وهي تحدث حالها :
_ شكل جميل ووجه كيف القمر وجسم كيف نجوم السيما وريحة جميلة تسحر اللي يقرب مني ومهتمة بنفسي على الاخر وبعد ده كلياته مشايفنيش ولا حاسس بيا ولا بوجودي ،
ياتري هتفضلى عايشة إكده كتييير يامها جسد بلا ، روح وملكيش لازمة غير انك تطبخي وتكنسي وتغسلي كيف الآلة بس !
وأثناء حديثها مع حالها استمعت إلى رنات هاتفها ، قامت من مكانها ومشت ناحية التخت والتقطت الهاتف من على الكومود ، رأت نقش اسمه المستعار "ماجدة &" باسم والدتها ولكن تميزه بتلك الإشارة ، اعتلت دقات قلبها بدقات متعالية وفكرت كثيراً ترد أم لا فهي تحتقر حالها بشدة من حديثها معه فهي تحادثه منذ سنوات وبالتحديد من بعد سنتين من زواجها بمجدي ،
أعاد رناته مرة أخرى بعد أن انتهت الأولي ولم ترد ، وجدت أصابعها تضغط زر الرد دون أن تشعر ، ماإن أتاه ردها حتى تحدث هو بنبرة وحشة :
_ أخيراً حنيتي ورديتي يامها ، اهون عليكي إكده مترديش عليا ولا على رسايلي!
أخذت نفسا عميقا واستلقت بجسدها على التخت وأجابته بح،زن:
_ إحنا مننفعوش نتكلموا مع بعض من الأساس ياعامر ، أني مستحقرة نفسي أووي .
عبس حاجبه بملل وأردف :
_ يعني قلتي لي سافر ياعامر وبعِّد عن البلد وسافرت ، منتكلمش في التليفون خالص غير كل فترة وعميلت ، متبعتليش رسايل غير لما أبعت لك أني وبستناكي تبعت لي كل لما يهفك الشوق ، أعمل إيه تاني عاد اني تع،بت يامها بقالي سنين في الغربة وعايز أعاود وأستقر وإنتي ممانعة ، وعرضت عليكي تتطلقي منيه وتجي لي ونتجوز وإنتي رافضة الفكرة .
زه،قت روحها وفاضت من الهراء الذي تعيشه كل دقيقة لاهي قادرة في الاستمرار مع زوجها الغير مبالي إلا بعمله ولا قادرة أن تأخذ خطوة الطلاق وخاصة أن علاقتها بعامر لو عرفت لدى الجميع سوف تنق،لب حياتها رأسا على عقب وبدلاً من أنها كانت مستورة سيتحدث الصعيد بأكمله عن قصتها ففورا نفضت الفكرة من بالها وأردفت بنبرة متعبة :
_ مهينفعش ياعامر أنا وإنت واقفين على مركبة ملهاش شراع واحتمال الغر،ق مؤكد في اي وقت فلازمن نبعد عن بعض من أصله وأنت اللى كل لما أبعِّد تجر،ني ليك لحد ماتع،بت من كل حاجة وبقيت افكر في الانت،حار كتير وأخ،لُص من حياتي كلياتها .
انق،بض قلبه لمجرد فقد،انها وهتف سريعاً:
_ لع بعد الشر عنيكي ياقلبي مهقدرش أعيش من غيرك دقيقة واحدة ، تعرفي إني عايش على ذكرى لقانا الوحيدة ، الساعة اللي قضيتها في حضنك مرة واحدة من سنين فاكرها يامها ولا نسيتي حضن عامر ياقلبي .
عادت بذاكرتها إلى خمس سنوات من الآن وتذكرت تلك المقابلة الوحيدة التي تمت بينهم وانساقت وراء مشاعرها بلا هوادة وكل مرة تتذكر ذاك اللقاء الذي لم تنساه من الأساس تتوه في لحظاته الجميلة وتذهب بها مشاعرها إلي الاحساس الذي لم تنساه في أحضانه تلك المرة الوحيدة ، وبعد أن تنتهي من تذكرها وتفوق من حالة الحالمية التى عاشتها في تذكر ذاك اللقاء تحتقر حالها بشدة ،
استمع الى تنهدها وفسر حالة أنفاسها المتغيرة وعلم بكل الخناقات التى تدور بخلدها ولكنه استغل حالة التيهة التى تعيشها الآن وأردف هامسا لها بوحشة:
_ ياه وحشني همسك ساعتها ليا ، ووحشني شعرك اللى كيف سبايك الدهب وريحته اللي تجنن ياه يامها كلك على بعضك اتوحشتك قوووي.
غاصت معه في كلامه ووصفه وأغمضت عيناها تستشعر كلماته وردت على همسه بنفس الهمس:
_ ياه لساتك فاكر شعري وريحته ولونه ياعامر ومنسيتهوش من سنين ، دي كانت مرة واحدة بس اللي جمعتني بيك ؟
أسند رأسه على تخته وأجابها باشتياق:
_ وعمري ماأنسي عاد ياقلب عامر اللى اختصر كل ستات الدنيا فيكي انتي ، مشايفش في الكون كله مرة حلوة غيرك ، ماهشمش غير ريحتك اللي بحضنها كل يوم في عبايتك اللي مبتفارقنيش.
اتسعت أعينها بذهول وأردفت:
_ وه لساتك محتفظ بالعباية ياعامر لحد دلوك ؟
أجابها بموافقة:
_ وه وكيف محتفظش بيها وهي من أغلى الاشياء على قلبي ويومي ميكملش من غيرها !
وكل لما احس أن ريحتها قربت تمشي أعطِرها من جديد علشان منسهاش واصل .
ح،زن داخلها فكم تمنته زوجا لها في الحلال بدلاً عن ذاك المتح،جر القلب والاحساس ،
ورددت بوج،ع:
_ ليه مكنتش انت حلالي وسعدي في الدنيا ياعامر ؟
أحس بوجعها وهتف :
_ أمر الله يامها واللي رايده رب الكون هو اللى بيكون بس أنا لآخر مرة بقول لك سيبيه وتعالي وهنتجوز أني تعبت من سنين الانتظار.
ضر،بت بيديها على تختها بغضب وأردفت برفض قاطع:
_ لع مهقدِرش أسيب ولادي ولا أستغنى عنيهم وروحي متعلقِة بروحهم ومقدراش أبعد عنيهم واصل ،
مسحت دم،عة فرت من عيناها وأكملت وهي تردد بروح مت،عبة :
_ خلاص مينفعش تفضل معطِل حياتك معاي أكتر من إكده دور على بنت الحلال اللي تكمٓل وياها حياتك ،وانساني واطلع برة قوقعتي خالص لأني بكدة بدم،رك وأنا مرضلكش الدم،ار واصل.
سألها بعتاب:
_يعني إكده خلاص حكايتنا خلصت ومهكلمكيش تاني عاد ولم أرجع من السفر مبصلكيش حتى لو شفتك صدفة؟
تنهدت بض،يق وأجابته:
_ مش هوريك وشي نهائي وهبعد عنيك خالص علشان انت متستاهلش تتأ،ذي بسببي .
حينما نطقت كلماتها تلك أحس بوخ،زة في قلبه وشعر بأ،لم الفراق تأجج في جسده بالكامل وأردف طالبا منها:
_ طيب ممكن تفتحي الفيديو أشوفك لآخر مرة وأطلع في ملامحك اللى اتوحشتها قوووي يامها .
دقات قلبها ضر،بت في صدرها عقب كلماته وتمنت أن تراه وتمنت أن تكون بجانبه وتمنت أن يكون هو زوجها وبجانبها الآن كانت أغدقته من مشاعر حبها الفياضة والتى لم تجد من يط،فئ نير،انها بعد ولا حتى من كتبت على اسمه حلالاً ووجدت أصابعها بتيهة تفتح زر الفيديو دون أن ترتدي خمارها وبمعطفها الخاص بالحمام الذى ترتديه فنسيت كل شئ وتأثرت بنبرته المبحوحة وطلبه الذي أرق روحها كثيرا ،
وفتحت الفيديو الذي طلبه ، اما هو نظر إليها بعيون لامعة منذ عامين من سفره موخرا لم يراها أمامه فقط يعيش علي صورها ،
نظر إلي ملامحها التي استوحشها كثيرا وردد بوله :
_ اتوحشتك قوووي يامها ولو كنتي موجودة قدامي دلوك كنت سقيتك من حبي ودوبتك فيه .
نظرت هي لملامحه بدهشة فقد تغير كليا ، رأت عضلات صدره وذراعيه البارزتين ، ودقنه النابتة التي أعطت له شموخا ، وانتفاخ وجهه قليلاً عن ذي قبل وشعره الطويل والذي يصل إلي رقبته ومصفف بعناية فحقا ازداد وسامة عن ذي قبل ، وردت بعيون كلها اشتياق:
_ معقولة اني شيفاك قدامي دلوك وبتملي في ملامحك اللى اتوحشتها قوووي ياعامر.
كانت أعينه تتفحصها بشدة عبر الهاتف الذي ود أن يك،سر شاشته الآن لانها حائلاً بينه وبينها وهتف بهمس محب :
_ قلب عامر ، عيونك وحشتني وبسمتك وحشتني وضمتك وحشتني ، ماتيجي بقي واني هيعشك اجمل ايام حياتك ياروح عامر.
ردت عليه بتلهف :
_ لو ينفع أسابق الريح وأجي حدك وأنسى الزمان والمكان وأنسى نفسي !
ياه فكرتني بأجمل يوم عيشته في عمري كله .
نظر إليها وعيناه تتآ،كلها وهتف بصدق :
_ إنتي أول حب في حياتي معقول هقدر أحب بعديكي أو هقدر أشوف مرة غيرك ياعمري .
أغمضت عيناها باستمتاع وداخلها يث،ور عليها ، الأنثى داخلها صحت من غفوتها ركبتها لها وأجابته :
_ الحب الأول عمره مايتعوض ولا يتنسي بس أكيد مسيرك هتفارق ياعامر وأنا هبقي وحدي زي سنيني الوحيدة .
حز،ن داخله لأجل وج،عها وردد بهمس وعيون تريد أن تتشبع رغبة بعيناها :
_ غمِضي عيونك وافتكري لحظاتنا الحلوة واتخيلي حالك في حضني وانسي الدنيا وياي ، أني بحبك أوووي واشتقت لك أوووي ياقلب عامر.
أغمضت عيناها ونفذت ماقاله لها وكانت في عالم أخر عالم تحلم به ولم تجده إلا معه .
تاهت في كلامه ونسيت العالم والزمان والمكان والظروف ، نسيت كل شيء نسيت أنها امرأة متزوجة وتخ،ون زوجها ، نسيت أنها أم وتو،حل أبنائها ، نسيت أنها مسلمة وانغرست في وكر الشيطان ووساوسه ولم تحسب حسبان للستر الذي يحاوطها ورصيده على قرب الانتهاء ، وهو الآخر خا،ن ربه وانغمسا كلتاهما بنظرات الحرام وهمسات الشيطان ونسيا الكون بما فيه بجنون اشتياقهم اللائي يسرقوه كما السارق بالتمام ، وأثناء انشغالهم في ملاذهم الحرام وعيونهم التى تلتهم الآخر وكلماتهم التى لاتصح إلا بين زوجين ، انفتح الباب فجأة ويبدوا ان أحدهم قد استمع إليهم ولسان حاله يردد بذهول ....
↚
البارت الرابع
تاهت في كلامه ونسيت العالم والزمان والمكان والظروف ، نسيت كل شيء نسيت أنها امرأة متزوجة وتخ،ون زوجها ، نسيت أنها أم وتو،حل أبنائها ، نسيت أنها مسلمة وانغر،ست في وكر الشيطان ووساوسه ولم تحسب حسبان للستر الذي يحاوطها ورصيده على قرب الانتهاء ، وهو الآخر خا،ن ربه وخا،ن أقرب الناس إليه وانغمسا كلتاهما بنظرات الحرام وهمسات الشيطان ونسيا الكون بما فيه بجنون اشتياقهم اللائي يسرقوه كما السارق بالتمام ، وأثناء انشغالهم في ملاذهم الحرام وعيونهم التى تلتهم الآخر وكلماتهم التى لاتصح إلا بين زوجين ، انفتح الباب فجأة ويبدوا ان أحدهم قد استمع إليهم منذ قليل وهو يردد بذهول:
_ معقولة ياعامر لسه بتكلمها وكذبت عليا وقلت لي انك قط،عت علاقتك بيها !
انت،فض عامر وفورا قام بإغلاق المكالمة ولكن بعدما استمعت مها الى أولى كلمات صديقه ،
وأصبحت تدور في غرفتها بغضب شديد وهى تج،ز على أسنانها مرددة :
_ ومين ده كمان ، وايه اللي عرِفه بعلاقتي بعامر !
هو معقولة يكون عامر حاكي لحد على اللي بيناتنا !
وظلت تدور في الغرفة حول نفسها تفكر كثيرا إلى أن قررت أن تنهى ذاك الموضوع وأن تستقيم وكفاها عصيان لربها فقد بات قلبها يدق هل،عا عندما أُفشِىَ سر علاقتها مع عامر ولو لصديق بعيد بينها وبينهم آلاف الأميال ،
أمسكت هاتفها وأرسلت له رسالة:
_ مكنتش متوقعة منيك إنك تفشي علاقتنا لأي مخلوق ، وعموماً اكده اتقفلت عليا وعليك أني هعمل لك حظ،ر من كل مكان وربنا يوفِقك ، وياريت متجيبش سيرتي لمخلوق تاني واصل.
أرسلت له الرسالة ثم قامت بح،ظره من كل المواقع وحتى التليجرام كي لايستطيع الوصول إليها ، بل انها فكرت أن تقوم بتغيير شريحة الهاتف وتقوم بح.رق القديمة كي لا يرى وسيلة للتقرب منها في حالات ضعفه ،
أما عند عامر صار محروجا بشدة من صديقه المقرب له في الغربة بل والأدهى أنه من نفس بلدته ويعرف مها ،
فمنذ عامين وقد عرف بمحض الصدفة بعلاقة عامر بها ، ومنذ معرفته بتلك العلاقة المحرمة بينه وبينها لام صديقه وعن،فه كثيرا ونصحه أن يبتعد عنها وقام هو بأخذ هاتفه وحظرها بنفسه والآن تفاجأ أنه مازال على علاقته بها ،
فعنفه بشدة مرددا:
_ مكنتش متوقع منيك عاد إنك لسه بتخون !
ليه كدة ياصاحبي ليه ياجدع ؟
مسح عامر على وجهه بخجل من صديقه وهتف بنبرة حزينة وهو يضع وجهه بين يداه:
_ غصب عني لقتني فكيت الحظر وببعت لها وبكلمها ، ضعفت قدام وساوس الشيطان ومقدرتش .
وقف صديقه مقابله وسحب يداه من على وجهه مرددا بحزم:
_ لع مش هسيبك للمل،عونة الخا،ينة دي تربطك بيها ، ولا هسيبك تدمِر حياتك وتوقِفها على الحرام لحد ماربك يغضب عليك ، فوق ياصاحبي داي عاملة زي الشيطان الرجيم ، فوق قبل مالمستور ينكشف وساعتها هتخسر أقرب الناس ليك وحياتك هتنقلب جح،يم .
انت،فض عامر من مكانه وأمسك هاتفه وقام برميه بحدة ووقع مهشما على الأرض ثم قام بنزع الشريحة من داخله وأمسك الم،قص وقام بتقط.يعها ولم تعد نافعة ،
ثم نظر الي صديقه وهو يردد بحنق:
_حلو إكده استريحت دلوك ، أديني دمرت كل حاجة قدامك اهه علشان تستريح .
أمسكه صديقه من كتفيه وردد بنصح وهو ينظر داخل عيناه بقوة:
_ الموبايل بينجاب غيره والشريحة بأرقامها بتنجاب بردوا ، أما رفضك القاطع للغلط يبقي نابع من جواك داي اللى صعيبة قوي ياصاحبي وهو ده التحدى اللي بجد ،
ثم أكد النظر داخل عيناه مرددا باستفسار:
_ ها عنديك عزيمة المرة دي تبعد عن الملع،ونة داي وتسيبها لربنا يتوكل بيها ، ولا هتفضل مخروط معاها في الوكر ؟
رفع عامر أنظاره الى صديقه وظل يحارب داخله أن لايتذكرها وأن يحا،رب ضعفه أمامها مرددا بحيرة:
_ مش عارف ببقى في أول قراري عندى قوة وببعد وبعد إكده بحس بضعف وبرجع أكلمها تاني أعمل إيه في حالي دلوك ؟
نظر له صديقه بحماس وضر،ب علي كتفيه مرددا:
_انت حاسس إكده علشان مفيش مرة غيرها في حياتك عرفتها وشفت منها اللى مهتشفهوش مع أي واحدة غيرها إلا بعد مشوار طويل .
رأى صديقه علامات الاندهاش التى بدت على وجهه فتابع إرشاده:
_ أيون متستغربش إكده عاد ، اللي بقوله لك هو الصح ، دي واحدة متجوزة وعنديها خبرة بمداخل الراجل وعنديها خبرة إزاي توقِعه ، أما لما تشوف بنت الحلال المحترمة اللي تصونك وتصون عرضك وتتوب لربنا توبة نصوحة على ارتك،ابك لذنب من أكبر الكبائر صدِقني هتعيش وياها أحلى ايام حياتك وهتربيها وتعلِمها الحب على يدك وهتحس معاها بإحساس عمرك ماحسيته مع المُلعب التانية داي ،
صدِقني ياصاحبي انفد بجلدك منيها وبص لحالك قبل مالمستور ينكشف وساعتها هتبدى حر،ب مهتقدِرش على صدها .
كان تائها غر،يقا ولكن كل كلمة من صديقه اقتح،مت عقله وقلبه وعزم تلك المرة أن ينهي تلك العلاقة المحرمة بينه وبين مها فموقفهما حساس لأنها تنتمي لأقرب الناس إليه ولو علم حتما سيق.تل على يده وسيت،دمر كل شيء وسيذهب الأطفال إلى الجح،يم بسببه ،
فردد لصديقه بصدق تلك المرة:
_ لع مهرجعش تاني ولا هكلمها اني فاضل لي شهر وأخلص عقدي إهنه وأرجع البلد أدوِر على بنت الحلال واتجوز وأستقر ومش هكلمها تاني .
ابتسم صديقه لأنه رأى في عينيه تلك المرة إصرار على أن لايعود وهتف بنبرة مشجعة:
_ عال عال ياعامر اتوكل على الله وأني كمان هنزل معاك الأجازة داي أطمن على والدتي ونشوف لك بنت الحلال المناسبة ليك ونتوكلوا على الله نخطبها لك وتسيبك من المشي البطال ده .
ربت عامر على ظهر صديقه مرددا بامتنان:
_ ربنا يخليك ليا يا صاحبي وميحرمنيش من وقفتك جاري ولا إنك بتردني عن الغلط أول بأول.
بادله صديقه الابتسامة قائلا بدعابة كي يخرجه من كئابته:
_لع متشكرنيش حاف إكده ، يدك على ألف دولار أروِق بيهم على حالي مهنصِحش أني ببلاش عاد .
انخرط عامر من الضحك فور أن استمع إلى دعابة صديقه حتي أدمعت عيناه ثم أردف بدعابة مماثلة:
_وه ده إنت طلعت صاحب فشوش بقى ياجدع ، ألف دولار مرة واحدة !
_ إيه كَتيير علي ولا ايه ؟... جملة استقهامية نطقها صديقه وهو يرفع حاجبه بمشاغبة.
ضحك عامر مرة ثانية على دعابته وأردف وهو يشده لأحضانه :
_ والله مايكترش عليك نن العين ذاته ياصاحبي ، بس خليك جنبي ومتسبنيش للبطال يسحبني .
ربت صديقه على ظهره مرددا بتأكيد:
_ متخافش مهسيبكش وعلى قلبك لأخر العمر أمال هعيش على قفا مين عاد غيرك .
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
في مزرعة الخيول الخاصة بسلطان المهدى يجلس هو وشريكه يتحدثون في أمور العمل ،فتحدث الحاج سلمان العِمري:
_ كيفها الفرسة اللى كانت بتتلوى من أولة امبارح ، جبتلها الدَكتور ولا سويت لها علاج على الماشي؟
تلقائيا وجه سلطان عيناه تجاه الإسطبل التى تمكث به تلك الفرسة قائلا بطمئنة:
_ لع اتحسَنت وبقيت زينة بس شيعتِلها الدَكتور وطمنا عليها انها زينة كانت مغصانة شوي .
تحدث سلمان باستحسان:
_ عال عال ، بقول ايه ياحاج سلطان فيه حاجة مهمة عايز أتحدت وياك فيها من مدة بس مش عارف أخبرك بيها كيف أو أبدأ من وين ؟
بدت معالم الدهشه على وجهه فأردف مشجعا اياه :
_وه يا سلمان ما تحكي عاد يا اخوي هو من ميتا في بيناتنا اسرار او حد يتلجلج يقول حاجه للتاني .
اخذ سلمان نفسا عميق ثم تحدث شارحا مقصده باستفاضه :
_في حاجه اني عاتب عليك فيها يا سلطان ، كيف تسيبوا البونية ارملة اخوك كده وهي عازبه وعايشه لوحديها في الفيلا الطويله العريضه داي ؟
ولحد دلوك وهي معذبه على حالها مع انها بنتة صغيره ورافضه الجواز من اي واحد يتقدم لها وما ينفعش تفضل عايشه لحالها إكده .
اندهش سلطان من حديث سلمان وتحدث مستفسرا بتعجب :
_طيب وداي نعملوا لها كيف يعني يا حاج سلمان ما بيدنا شيء نقدمه لها وما عمِلناش .
اقترب الحج سلمان من مقعده والتف يمينا ويسارا ليرى ما اذا كان يستمع اليه احدهم ام لا وحينما وجد ان الدار امان تحدث شارحا مقصده :
_لع في حلين ما واخدش بالك منيهم يا سلطان يا اخوي ،
اسمعني عاد حداك واد ياتجوزه له يا تتجوزها انت مش حرام ولا عيبه الشرع حلل للراجل مره واتنين وتلاتة واربعة وانت لساتك عضمة ناشفة واللى يشوفك يقول عليك أصغر من ولدك ، ها قلت ايه في كلامي ده ؟
جال سلطان بعقله يفكر فيما قاله سلمان ويدوره في عقله ثم تحدث رافضاً الفكرة :
_ لع ولدي مايخدش واحدة عدى عليها غير وميكونش هو راجلها الأول وفرحته الاولي ،
عمران زينة شباب الصعيد ومتعلم ومتنور وفارس تلزمه مهرة متعلمة وتليق بالمِحاسب عمران أنا محطش ولدي في أمر ينغظ عليه عيشته أبدا .
قطب سلمان جبينه وتحدث باستجواد:
_ يُبقى تتجَوزها أنت ومتسيبش الغريب يدَّخل في أرضكم وياخد عرضكم ولا ايه ، ومعروفة من زمان أرملة الأخ لأخوه التاني .
احتار سلطان في ذاك الأمر الذي لم يحسب له حسبان في يوم من الأيام منذ أن ما،ت أخيه وتركها تعيش مع ابنه ولكنه ترك مكانه الذي تربى فيه لأجل أنه لا يصح أن يعيش معها في مكان وحدهم حتى لو كانت محرمة عليه ،
وتوقعوا جميعاً أن تعود الي أهلها ولكنها ظلت في مكانها ولم تتركه حتى بعد أن أعطوها حقها في إرثها بما يرضي الله ، ومرت الأيام ولم يفكر سلطان ولا أي منهم في أمرها ،
ولم يكن يتوقع أن يحدثه أحدا في أمرها ولم تأتي بباله يوما ، ولكن كلام صاحبه عنها شغل باله ، فلاحظ سلمان أنه تأثر بكلامه فطرق على الحديد وهو ساخن :
_ مالك بس ياحاج سلطان هي واعرة إكده !
دي البنتة زينة ومش عفشة علشان تقعد تفَكر كتييير .
تحدث سلطان وهو يتمسك بعصاه ويبدو عليه علامات الحيرة :
_ لع مش احكاية عفشة ولا أني بطلع لها حتى في اي وقت ، بس الحكاية ولادي مهيوفقوش وزينب كماني ممكن يجرى لها حاجة لو سمعت عنيه الحوار ده ، وكمان هي ممكن متوافقش إياك .
قطب جبينه باندهاش وهتف معترضا:
_ وه مهتوافقش على الحاج سلطان المهدى بحد ذاته ! كلام ايه اللي بتقوله ده عاد !
هي تطول تبقي جوزها دي هتوافق وهطير من الفرحة كمان ، قال متوافقش عاد !
ضحك سلطان على حديث سلمان وأردف:
_ وه كانك مغسل وضامن جنة ياحاج ، إنت عارف الموضوع ده لو انفتح هنبقي بنفتحوا طاقة جه،نم ومهتتسدش غير لما تحرِ،قنا كلياتنا .
ضر،ب سلمان كفا بكف وهتف بنبرة معترضة :
_ كانك انت اللى مكبِر الموضوع شوي ومانتاش واعي لعوايدنا وتقاليدنا اللى معروفة في الصعيد ، وبعدين زينب سيبها على مرتي اني هخليها تهديها لو شع،للتها اطمن من ناحيتها انت ،اما ولادك هما حد فيهم يقدِر يعترض قرارك ويقف قصادك ويوافق ويرفض ، دول العيال متربين زين وطول عمرهم ليك سمع وطاعة ، قلب بس انت الموضوع في راسك وإنت هتلاقي ان كل كلمة قلتها لك في محلها .
أماء سلطان برأسه وردد بتمهل :
_ خلاص هشوفه الموضوع ده بس متتعجلنيش أني هفكر فيه براحتي بس الأول أطمن على عمران وأفرح بيه وبعدين يخلق في قضاه ألف رحمة واللي رايده ربنا هو اللى هيصير .
_______________________________
في المشفى يجلس عمران مع محمد يتحدثون في مواضيع شتى فسأله عمران :
_ هي الدَكتورة سكون اللى اتكلمنا عنيها المرة اللي فاتَت مرتبطة.
قفز محمد من مكانه ووقف أمامه قائلا وهو :
_ لاااا مش مصدِق وداني اياك ، بقي عمران بذات نفسيه بيسأل عن واحدة ست !
ياجدع قول كلام غير ده !
تأفف عمران من كلامه وهتف بضجر :
_ ماتخلص ياعم الطبيب عاد وبطل مقلتة ولت فاضي ملهش عازة.
استمتع محمد بطريقته المتعجلة وأحس بطفيف من الأمل من أجل صديقه وأجابه بإبانة:
_ هدي خلقك واصل ، لع مش مرتبطة وممكن أجيب لك قرارها من يوم ماتولدت لحد دلوك بس اديني الإشارة بس وأني أعمل لك نفسي المحقق كونان ، بس قبل أي شيء عايز أعرِف بتسأل ليه ؟
حمحم بصوت خفيض كي يستدعي الهدوء والثبات النفسي ثم أجابه :
_ لما حصل الموقف تبعها المرة اللى فاتَت وأني خارج كنت عايز أطمَن عليها معرِفشي ساعتها حسيت تجاهها إحساس غريب ، مكنتش عايز أسيبها وأمشي ، كنت عايز أفضل مطلع جوة عيونها ومهملهاش ولا أبعِد عنيها ، ولما روحت كل شوي تاجي على بالي وألاقيني بفكِر في كلامها البسيط اللي سمعته منيها ، وكله كوم ونظرة عيونها فيها حاجة غريبة حسيت منها كانها عارفاني من زمان أو فرحانة لشوفتي وهي من الاساس متعرِفنيش ، داي نطقت اسمي وهي غميانة وداي كانت أول مرة أشوفها .
كان محمد منتبها بكل تركيزه مع كلامه. وتعجب بشدة من إحساس عمران وهتف بنبرة مندهشة:
_ وه كل داي أحاسيس حسيت بيها من مجرد خمس دقايق وقفتهم وياها ،ولا لمعة عنيك وإنت بتتحدت عنيها دي لوحديها بتحكي حكاوي ياصاحبي ،
ثم أخذ الكرسي وأداره وجلس مستندا على مسنده بكلتا يداه مرددا بتركيز :
_ أني عايز أعرِف وأفهم كل حاجة وأعرِف احساسك ده بيمثلك ايه ، وحالتك الأسبوع ده كلياته وتفكيرك كان عامل ازاي ، وخلي بالك كل كلمة هتقولها هتفيدك في حالتك المحيرة دي اللى ملقينش ليها حل واصل.
تنهد عمران بأحاسيس مختلفة تارة بارتياح لدخول تلك السكون مداخل قلبه وتارة بتعب شديد لدخولها ذاته في توقيت لايصح بالنسبة لحالته ، وتارة أخرى لعقله وقلبه حينما فكروا بها طيلة الأسبوع وتناوبوا عليه كي تكون جزءا من يومه ،
ثم نطق بروح منهكة:
_ لما شفتها واتحدت وياها كاني كنت في الق،بر وحاسس بضلامه ولما تاجي على بالي أحس بشعاع النور دخل عليا وأحس بنبض قلبي الموجوع على حال صاحبه بيتوحع أكتر ونفس اللحظة أحس إني عايز أروح لها وأتكلم وياها وأتوه في تفاصيل ملامحها أكتر ، بس خايف أظلُمها معاي وأنا طريقي صعيب عليا ومعرفش فيه حل واصل ياصاحبي.
ربت صديقه على كتفيه وأردف مشجعاً له :
_ جمييييل جداً ياعمران احساسك ده إنت قلبك بدأ ينبض بالحب والعشق وطالما إكده اخلق من ضلمة الق،بر نور ده ربنا سبحانه وتعالى نوره لنا بالقرآن وإنت كمان سيب نفسك وسيب نور العشق يحتل قلبك وانسي اللى إنت حاسس بيه واخلق من ضلع الوجع غرام يمكن لما العشق يزور قلبك ينسيك إحساسك وحالك وتشفى ياصاحبي من الوهم اللى إنت عايش فيه .
أخذ عمران نفسا عميقا ثم زفره بهدوء وأردف بحيرة:
_ طيب إن مشيت ورا قلبي وحبيتها واتجوزتها وبعدين دخلت الجح،يم اللى أنا عايش فيها ايه هيوبقي موقفي ساعتها عاد !
صدِقني وقتها هبقى بندب.ح بسك.ينة تلمة وبد.بح.ها وياي والله أعلم ساعتها هتتحمل عاد ولا مش هتتحَمَل ؟
بنبرة قوية ومشجعة أجابه محمد:
_ لع ربك خلاف الظنون وبيخلق في قضاه ألف رحمة وصدِقني الدَكتورة بنت أصول ومتربية والعيبة متطلعش منيها واصل ، هي معانا في المستِشفى بقالها سنتين ومعاملتها زينة ومشفناش منيها الغلط ولا لاحظنا عليها الكِبر أبدا ،ولعلمك هى شبهك وشبه طباعك خالص ياعمران .
انتبه عمران بكامل حواسه وأردف مستفسرا:
_ كيف يعنى طباعها شبه طباعي ؟
أجابه بتوضيح:
_ ملتزمة دينيا ومبتسمحش لحد يقرِب منيها ولا بتهزِر مع أي حد ، وجد في شغلها وبتحبه جداً وبتأديه زي ماقال الكتاب وبتعامل المرضى كيف مايكونوا من أهلها وبتساعدهم معنوياً وبتحفِزهم على الشفا ، وغير إكده معاملتها كيف الس،يف مع أي دَكتور إهنه ومش من النوع اللى بيخضعوا بالقول ولو حتى للمدير ذات نفسه، وإنت بردك ملتزم وتعرِف ربنا وبار بوالدك ووالدتك وفوق ده كلياته راجل بمعنى الكلمة ياعمران علشان إكده ربنا هيخرجك من صراعك على خير لأنك بتثق في ربنا ومسلِم له أمرك وعمرك ماعترضت على حكمته في اللى بلاك بيه.
ابتسم عمران ابتسامة أمل مما سمعه وقرر أن يخ،وض المعركة ويترك لقلبه العنان ينبض بعشقها فهو محتاجاً لها ومحتاجا لوجودها في حياته ، فلم يكن يشغله أيا منهن قبل ذلك ولكن عندما وقعت عيناه في عيناها أول مرة أحس بأنه انسحب إلي عالمها ، ذلك العالم الذي افتقده كثيرا وأحس بالحنين إليه مرات ومرات ، فتحدث منتويا على الدخول لعالم السكون قائلاً:
_ أها تمام هتوكِل على الله ، بس مش عارف أبدأ وياها منين ؟
خايف أدخل لها غلط تفتكرني من إياهم وألاقي منها صد يقفلني من أولها .
قوس محمد فمه بانزعاج وهتف باستنكار:
_ وه كيف عمران المهدي يقول إكده عاد ! ده إنت مجرد وقوفك قدامها بس يسحب أنفاسها ،متقلقش خش بقلب جامد وصدر مفتوح وبعدين إنت ناوي الحلال ياصاحبي ومنتاش من إياهم اللى بيلعبوا بعقول البنات وبعدين يسيبوهم ويخلعوا ، انزل وروح قصَادها وإنت هتلاقي الكلام حضر والأسباب اتوجدت وكلمة بتجر كلمة ، مبتسمعش واصل عن حديث المحبين كيف بيبتدي !
من نظرة وابتسامة وكلمة والسلامة وحاجات كَتيرة ياما ، هلحِنها لك عاد بقي .
قهقهه عمران حتى أدمعت عيناه من طريقته في الكلام وأردف وهو يحمل مفاتيحه كي يهبط إلى الأسفل ويبدأ أولى مراحل الوصول لعالم السكون:
_ كانك ملحنتهاش لسه ؟ روح ياشيخ إلهي ربنا يرزقك باللي توقع قلبك وتشحتفه كمان .
ضحك هو الأخر وتحدث وهو يمسك بتلابيب حلته الطبية:
_ لع هو أني شبهك إكده ، أني خلاص وقعت وعيني سهمت على حبيبها ومش بس إكده ده أني خطيت أول خطوة كمان .
رفع عمران حاجبه باندهاش:
_ كيف إكده ومن وراي ياخاين ؟! انطُق مين دي بسرعة .
مط محمد شفتيه وأجابه بمرواغة:
_ بعدين هحكي لك ، امشي بقي علشان ورايا مكالمة مهمة مع حد قَريب لقلبي .
اتسعت مقلتي عمران وهتف بنبرة مندهشة:
_ وكمان أخدت رقمها وبقيت تكَلَمها ! أه منك مطلعتش سهل واصل وعامل نفسك غلبان ولا ليك في الطور ولا الطحين .
وتابع كلماته وهو يخرج من الباب منتويا المغادرة:
_ أني ماشي علشان هشوف هعمِل إيه وبعدين نشوفوا الموضوع ده يامكار إنت.
ألقى كلماته وتركه يبتسم عليه وهبط للأسفل يفكر في حيلة يبدأ بها في الحديث مع سكون ،وفي لحظة تذكر شيئاً ما جعله يهرول بأقدامه كي يصل إليها ،
وجدها تتناول قهوتها في هدوء يشبهها وقف يتابعها ويراقب حركتها من بعيد ، رآها تقترب بأنفها وتشتم رائحة القهوة بتناغم وانسجام وهي تحتضن ذاك الكوب بين كفاي يداها الصغيرتين ، كم أثرته تلك الحركة وجعلته يتمني لو كانت كفاها بين كفاي يداه ويشعرها بالدفء الذي تشعر به من قهوتها ،
كان ينظر إليها بشغف كى يرى علامات وجهها ويفسرها وحدث حاله بانتشاء:
_ جميلة أنتي تلك السكون فبسمتك تعطي املاً لفاقده وهدوئك راقي ،
أتوه في ملامحك كي أكتشف ماورائها وأفسر معالمها فالبسمة تعطيكي بهجة وتعطيني راحة ، والنظرة البريئة تزين وجهك وتعطيني حافز كى أتقدم ، والهدوء النفسي والهالة التى تحيطين بها حالك ككل تحدثني قائلة تقدم عمران واذهب إليها فهى تشبهك وأنت في احتياجها هي فقط ليس غيرها ، ففيكي سأختصر كل نساء العالم سكون وأجعلك بهم كلهم ،
ساقته قدماه إليها ثم ألقى السلام عليها وهي تعطيه ظهرها :
_ السلام عليكم ورحمه الله ، هي القهوة طعمها يشهى للدرجة دي يادَكتورة ؟
قبل أن تراه وتعرف من المتحدث انطلق لسانها غصباً عنها :
_ عمران ! احمم أقصد وعليكم السلام ورحمه الله ،
قالت سلامها وهي تدير وجهها إليه وتابعت بخجل لتسرعها :
_ لع بس دي خصلة فيا بحب أشم ريحة القهوة ، أصل ريحتها بالنسبة لي عاملة شكل الإدمان تلقائي إكده بعمل الحركة دي .
أماء بوجهه باستحسان وأردف:
_ ميعملش الحركة داي إلا كائن إحساسه عالى وبيحب الهدوء ومدي للقهوة قوانينها الصحيحة في شربها .
بوجه مندهش تسائلت:
_ كيف يعني مفهماش! هي القهوة ليها قوانين لما تتشرب ؟
ربع ساعديه أمام صدره واستند بجزعه علي الشجرة مجيبا:
_ وه كانك متعرفيهاش ! عموما هقولك أني عليها أولها إنها مينفعش نشربها واحنا مشغولين إكده مش بنحترمها ، لاااا نشربها واحنا بنخ،تلس من الزمن لحظات هدوء تليق بوجودها بين كفوف اليد ، وتاني حاجة نشربها واحنا بعيد عن الضوضاء علشان نعرف نستمتعوا بريحتها وهي هتاخدنا معاها لعالم جميل عميق زي ساعة العصاري إكده بنخلصوا مشغوليتنا ومسؤليتنا ونقعد نرتاح هبابة فالساعة دي معروفة إنها الراحة المحببة للبني أدم من متاعب يومه .
تعمقت النظر في عيناه دون قصد منها أو إرادة ، فقدت النطق لما تسمعه أذناها في حضرة معشوق الروح ،
وحدثت حالها وهي تسمعه:
_ كفى عمران لقد تخطيت قوانين العشق والغرام لأجل عيناك ،
فقد أنهيت رسم غرامك بجميع الحروف والكلمات فكل الكتيبات صارت جميع سطورها عمران ،
قبل أن تحادثني وكنت أعشقك لحالي كنت مغرمة والآن بعد أن دوى صوتك في أذناي صرت هائمة عاشقة متيمة ،
لاحظ نظراتها وشرودها وفهم معناها بل واقتح،مت أوصاله من أجل صدقها ، لم يريد إحراجها ولا أن يشتت تركيزها بكلامه
فجذب الكرسي الموضوع أمامها محمحما باستئذان:
_ تسمح لي أقعد عايز أستفسر منك على حاجه إكده بخصوص أختي ، أنا سمعت انك دكتورة نسا وتوليد.
انفرجت أساريرها فعمران بذاته يستئذنها أن يجلس معها ،
هدأت من توترها ولملت مشاعرها المبعثرة في حضرته وأجابته بموافقة:
_ اتفضل أني لسة شوية على ماأطلع أمر على المرضى .
جلس مقابلتها تحت ظل الشجرة وأردف متسائلاً كي يخلق معها حديثاً فهو مستمتع جداً بجلسته معها :
_ أختي الكَبيرة حامل وقربت تولد فاضل ليها تلت شهور وتقوم بالسلامة وبتابع في حملها مع دَكتور وأني مضايق من الحكاية داي ،ايه رأيك أجيبها تتابع إهنه وياكي وكمان انتي اللى تولديها .
نال اقتراحه إعجابها وأبدت رأيها بصدر رحب:
_ أه طبعاً معِنديش مانع هاتها والأجهزة اهنه حديثة وأني بعمل متابعات كَتيرة لستات المركز بيَجولي كَتير ، بس ده ميمنعش إن المتابعة مع الدكتور بتاعها حاجة مش حرام .
تبدلت ملامحه لانزعاج وهتف :
_ كيف إكدة معنديش حريم تنكشف على راجل غريب حتى لو قديس عاد ! وده طبع فيا الكل يعلم بيه وأتمني ناس تانيين ياخدوا بالهم منيه علشان أنا غيرتي على اللى مني صعيبة قووي .
دقات قلبها تهتز بع،نف من تصريحه المخبأ فهو أعلنها أمامها أن تأخذ بالها من غيرته بل وتمنى ذلك ، أممن الممكن سكون أن يكون عمران وقع أخيراً في هواكي وأصبح يتمنى جلوسه معكي ؟
اهدأ قلبي واترك العنان لعيني ولساني يتشبعان من جلوس العمران ،
لاحظ نظراتها التائهة والمندهشة فأحب مشاغبتها مرددا :
_ وه هو إنتي عادتك السرحان إكده علطول يادَكتورة ؟
خجلت بشدة من تلميحاته وأردفت بتوتر :
_ لع ، عادي مش سرحان ولا حاجة .
رفع حاجبه وأكمل مشاغبته :
_ الله حاسك متوترة وحاجة مخلياكي مش على بعضك .
فركت أصابع يداها من محاصرته لخجلها وأردفت بتلقائية :
_ وه ياعمران مفيش حاجة عاد .
زينت البسمة وجهه وهتف وهو ناظراً بعينيها :
_ عمران طالعة منيكي حلوة أوووي وكانك تعرفِيني من زمان ، وأنا حاسس بإكده .
أدارت رأسها جانباً بخجل وكان السكوت علامة الموافقة على كلامه ،
لاحظ خجلها الشديد وسكوتها على كلامه ومن هنا تيقن عمران بعشق سكون له وقرر بدأ شرارة العشق لها فبادر بطلبه بشجاعة:
_ طيب ممكن تديني رقمك علشان اتواصل معاكي لما أجيب أختي وأجيلك إهنه علشان المتابعة ، وقبل ماترفضي أو تعترضي لازم تعرِفي إني هكون أمين عليه ومهضايكيش ولا مرة .
نطقت شفاها الرقم بشجاعة فهي تمنت تلك اللحظة من سنوات ، وأخيراً استجاب رب السماء لها وقرب منها عمران وأصبحا على مشارف أبواب العشق ، وبعد أن أملته الرقم تحدثت بثقة :
_ وان مكنتش هثق فيك انت هثق في مين ؟
ودت أن تكمل كلامها وتقول له لقد أعطيتك قلبي وسكنته وأغلقت عليك بمفتاح أقفاله ضاعت في بحر الهوى ولم يعود مهما طال الزمان ، ولكن لن تفعلها سكون فمهما كان حبها له وغرامها به لن تبادر هي الأولي بالاعتراف فهي وعدت حاله أن تتحمل عذاب عشقه حتي لو طال سنينا ولا أن تبادر هي فكرامة الأنثى داخلها لن تتنازل عنها ،
أما هو دوَّن الرقم بأصابع منطلقة وكأنه يدون عقدا من الماس ، ثم انتصب واقفاً وانتوى المغادرة:
_ أنا سعيد جداً إني اتكَلَمت معاكي ياداكتورة وهمشي دلوك وإن شاء الله الجيات أكتر من اللي راحت ، معايزاشي حاجة قبل ماأمشي .
كانت حزينة لفراقه فلم تشبع منه ولكن حمدت ربها داخلها بأنها تقدمت خطوات في عشقها المكتوم واخيرا جائها عمران وأجابته بابتسامة:
_ معايزاش غير سلامتك ، استودعتك اللهم الذي لاتضيع ودائعه .
اندهش من ردها المريح الهادئ الذي ينبعث منه الأمل ورد وديعتها :
_ تسلميلي على دعوتك الجميلة ياغالية .
وتركها وغادر تتصبب خجلاً وهي تنظر على أثره بمحبة نابعة من قلبها الجميل وهي تحدث حالها:
_ احقا وصفني بأنني غالية ثم تركني أحادث نفسي بوله ، لاااا ياذاك العمران تمهل على قلبي يارجل فلم يعد يتحمل طوفان عشقك المبتدئ فكيف عن نهايته ! حقا ستمنحني سعادة وعوضا يجبر قلبي الذي انتظرك سنين .
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
كان أدم المنسي يجلس في غرفته ممددا على تخته ومترددا أيرسل لها أم لا فتركيبتها شغلته بشدة لم يقابل مثلها ، ولأول مرة يجري وراء إحداهن ولأول مرة يبادر هو بالتحدث إليهن ، جاهد حاله كثيراً أن يحادثها ولكن انطلقت أصابع يداه رغماً عنه بالاتصال عليها ،
كانت مكة جالسة في غرفتها تراجع دروسها فهي في السنة الأخيرة وتود أن تنجح فيها بأعلى تقدير ، وجدت هاتفها يعلن عن وصول مكالمة فأمسكت الهاتف ونظرت إلى شاشته بغرابة وهي تحدث حالها:
_ مين الرقم ده ، وليه مكتوب برايفت ، معقولة يكون حد تبع الحكومة ! ولا حد تبع أي قناة ، طيب أرد ولا مردش،
أما هو منتظراً ردها ولما تأخرت عليه في عدم الرد انز،عج كثيرا فهو ليس معتاداً على ذلك ولكن هدأ حاله أنها لن تعرفه ، وفجأة استمع إليها تردد :
_ السلام عليكم ورحمه الله ، مين معاي .
صوتها في الهاتف هادئ ومريح ولكن ملتزمة الجدية فرد عليها سلامها :
_ وعليكم السلام ورحمة الله ، آنسة مكة معايا .
ردت بنفس الجدية :
_ أيوه ، مين حضرتك ؟
اندهش بشدة فكان متوقعاً أن تعرفه من نبرة صوته ، يالها من فتاة عجيبة كسَّ،رت كل قواعد النسوة في نظره فهتف :
_ ياه ياترى مش عارفاني ولا فاكرة إن إنتي سمعتي الصوت ده قبل كدة .
تأففت بشدة من ثرثرته وهتفت قبل أن تغلق الهاتف في وجهه :
_ لاااا ده إنت باينك واحد فاضي ولا وراك شغلة ولا مشغلة ، وأني مفضياش للهبل بتاع أمثالكم ده ، ياريت متتصلش تاني ياحضرة معرفش ايه انت .
أنهت كلماتها وأغلقت الهاتف في وجهه ، مما جعله انت،فض من مكانه وهو يلقي الهاتف على التخت بع،نف مرددا بغيظ وهو يدور في الغرفة :
_ بنت المجنونة اتجرأت وقفلت السكة في وشي ، والله لاندمها على الحركة دي ، لااا وكمان بتمثل إنها معرفتنيش إزاي ده ، أنا صوتي مميز ومعروف ،
وظل يدور في الغرفة وهو يتآكل غيظاً من قلة ذوقها في الحديث معه، ثم قرر بعد أن فكر كثيرا أن يرسل لها رسالة عبر الواتساب يعن،فها فيها ، ذهب إلى تخته وأمسك هاتفه وكتب لها :
_ هو من الذوق إنك تقفلي الموبايل في وش اللي بيكلمك ، من الواضح إن قلة الذوق دي طبع فيكي وطلعت مرئية ومسموعة كمان ، طيب قبل كدة عملت اعتبار للعميد وسكت لك عن قلة الذوق لكن المرة دي مش هعمل اعتبار لحد وهعرفك مقامك .
وصلتها الرسالة من ذاك الرقم وقد عادت الي مذاكرتها ونست أمر المكالمة ثم استمتعت إلي رنة رسائل الواتس الخاصة بها التقطت يداها الهاتف واتسعت مقلتيها من ذاك الدخيل الذي اقتحم خصوصيتها وبعث لها ، قررت الدخول لمحتوى الرسالة كي تعنفه بشدة ثم بعد ذلك تضعه ضمن قائمة الحظر ،
قرأت رسالته بتمعن وإذا بها تض،رب بكفها على جبهتها كعلامة لتذكرها وأردفت بلسان حالها بصوت عال :
_ آدم المغنى هو انت ! وده عايز ايه ده لااا وكمان بيشتم وبيقول لي قليلة الذوق هو إيه البني ادم المغرور بزيادة ده ، قال ياقاعدين يكفيكم شر الجايين ،
ثم أرسلت إليه مرددة:
_ أولا مسمحلكش تكلمني بالطَريقة المهينة داي ، وثانيا فيها ايه ما أني سألتك انت مين واتمعظمت علي فطبيعي إني أقفل السكة في وش اللي بيستظرِف ، وثالثا بقي نعم فيه حاجة مطلوبة مني حضرتك علشان تتصل بيا ؟
كان ماسكا هاتفه وهو مندهش لحاله لأول مرة ينتظر رداً على رسالة ، لأول مرة يمسك هاتفه وينظر إلي شاشته منتظرا رد أنثى ، لأول مرة يشعر بالإهانة لمكانته من إحداهن ، أتته رسالتها فتحها على الفور وقرأ محتواها واغتاظ بشدة من تعن،فها في الرد عليها ،
فوجد حاله يرسل إليها برسالة نار،ية كي يح.رق.ها كما أغاظته :
_ هو إنتي متعلمتيش تردي عدل وكيوت كدة زي باقي البنات ولا إنتي مش من ضمن البنات ولا تعرفي حاجة عنهم .
اتسعت مقلتيها بذهول لما قرأت توبيخه وضغطت على شفاها بغيظ وأرسلت إليه :
_ لا اوعى تكون فاكرني من البنات إياهم اللي بيتلزِقوا فيك ولا إني هدوب من نظرة عينيك ، واني هتهبل مثلاً علشان بتكلمني ، لاااا يافندم العنوان غلط مش مكة الجندي اللي تتهاون في أخلاقها وتخضع بالقول أيا كان لمين ، يعني أنت بالنسبة لي راجل عادي شهرتك وشكلك وحجمك مشايفهمش واصل .
قرأ رسالتها والي هنا وانقلب غيظه لانف،جار ووصل غضبه عنان السماء ، وجلس يفكر كيف يرد عليها رداً يقصف جبهتها كما قصفتها هي توًّا ، ثم أرسل إليها رده بعد أن فكر قليلاً:
_ ومين قال لك اني عايزك تتهبلي أو إنك أصلاً حاجة مهمة بالنسبة لي علشان تقولي الكلام ده ، قولي إنتي بقى إن نيتك شمال زي تفكيرك وقلتي خدوهم بالصوت قبل مايغلبوكم ، أو تكوني مفكرة نفسك مارلين مورلوا مثلاً فوقي لنفسك وشوفي بتتكلمي مع مين .
اندلعت ثورة الح،رب بين الثنائي العنيد وكل منهم مستعد لشن الهج،وم على الأخر ، قرأت رسالته بمقلتين واسعتين أثر اندهاشها ، فحقا استفزها وأثار حفيظتها فأرسلت إليه :
_ مارلين مورلوا مين دي اللى أبقي زييها !
ولا يشرفني أكون زييها لو إنت مفكِر إنك بتقارني بواحدة تستحق ، أنا أرد عليك في حالة واحدة لما تشبهني بأم من أمهات المؤمنين دول بقي اللي محلِمش أكون زييهم يعني لو انت تعرِفهم من الأساس ،
يعني تشبيهك ده مستفزنيش واصل يافنان ،
وتابعت رسالتها بنوع من السخرية :
_ممكن بقي نبطلوا وصلة القط والفار داي وتقول إيه سر اتصالك العظيم بواحدة مغمورة زيي ملهاش لازمة ؟
احتقن وجهه من رد تلك الصغيرة التى جعلته يشعر بالمهانة وأنها تكبره أعواما لا هو الذي يكبرها ، أحس أنه أمام جسم صغير لكن ذو عقل كبير ولسان كالمبرد يق،ص من يقت،حم حصونها، وجد حالها ينجذب إلى عالمها المختلف عن أيا منهن ، رغم أنها لم تعطيه حجمه ولا أنها لن تشعره باهتمامها ولا بالانبهار به ، حقا وجد حاله يهدأ من انفعالاته ويقرر مهاتفتها ،
رأت تأخره في الرد ولامت حالها على عنفها معه في الرد فهي بيئته التى نشأ فيها وليس له ذنب ومن الواجب أن لاتسخر منه وأن لاتبادل عجرفته بمثلها وأن تعامله بأخلاقها فالدين المعاملة ، ومن الممكن أن يأخذ عن الملتزمين مثلها فكرة سيئة وتكون هي المثل الذي أوصلته لتلك الفكرة ،
رأت اتصاله فأجابته بهدوء :
_ السلام عليكم ورحمة الله ، فيه حاجة مطلوبة مني يافندم .
لاحظ هدوئها تلك المرة في الرد عليه فقرر مجاراتها وأخذ هدنة فاللعب معها أصبح ملاذا أعجبه بشدة ، فأجابها بهدوء وهو يحمحم صوته :
_ احم كنت عايز أسألك مين اللي نزلت اللقاء اللى صورتيه بنفسك معايا وبتتكلم بصفة إن اللقاء كان معاها هي ؟
تذكرت أمر صاحبتها وأجابته بخجل:
_ أها أنا بصراحة إكده مرضيتش أنزله وهي فضلت تتحايَل علي إني أديه لها وفضلت ماسكة وداني طول الأسبوع لما صدعتني فاديته لها .
انزعج بشدة من تلك المخلوقة التي تثبت له دائما أنه كالحشرة التى لاتستحق وهتف بضيق:
_ إزاي تعملي حركة زي دي بدون ماتستئذنيني ،هو مش ده بردو اسمه كذب ونفاق ولا انتي بتحللي على مزاجك وتحرمي على مزاجك ياهانم .
_هانم ! ... قالتها مكة باندهاش
أجابها بانزعاج:
_ هو ده كل اللي لفت انتباهك من كلامي !
ممكن حضرتك تفسري لي اللى حصل ده إزاي يحصل ؟
إنتي مش عارفة إني نجم وليا اسم وشهرة ومينفعش أسجل لقاء مع واحدة أصلا مش معروفة ولا حتى صفحتها معروفة ولا متوثقة كمان .
أحست أنها ارتكبت خطأً شديداً في حقه ولكنها لم تقصد فتمتمت بخفوت :
_ أني أسفة مكنتش أعرف إن دي حتوبقى حاجة كبَيرة أو حتوبقى مضرة ليك مكنتش عِملتها ، والله العظيم دي الحقيقة ودة اللى كان في نيتي وقتها.
حقا أدهشته بأسفها ماكان يظن أنها ستنقلب بوداعة في نفس حوار الشراسة التى شنته عليه منذ قليل ،
حقا عجيبة أنتي يافتاة تجمعت فيكي صفات الفتاة الشرسة والوداعة والتدين والطيبة وطيلة اللسان وحسن كلامه في آن واحد ،
لقد شغلتي البال وأصبح لكي مكانة في قلبي الضال ، وسأسرق من زماني وقتا لكي على أي حال ، ثم هتف باستغراب من أسفها:
_ عجيبة هو إنتي بتعرفي تعتذري زي البني ادمين العاديين أهو ، أمال ماله لسانك اللى عامل زي المبرد ده ومابتصدقي تبخيه في وش أي حد .
عادت لشراستها من جديد وأردفت بحدة :
_ وه لساتك هتشتم تاني وتطول لسانك ده وأني المفروض إني أسكت لك عاد .
خرج رده عليها من فمه بتلقائية وهو مستمتع:
_ لهجتك الصعيدية جميلة أوووي أول مرة أقابل واحدة شبهك يامكة .
احمر وجهها خجلاً ولأول مرة يغازلها أحدهم وتستمع إليه فكم كانت نبرته هادئة ناعمة أثارت تلك الفتاة التى لاخبرة لها ، عندما سمعته لم تقدر أن تتفوه بالنطق وكأن لسانها ابت،لع من أثر الخجل الذي انتباهها ، فوجدت حالها ترد بخجل ....
_________________________________
في منزل مجدي زوج مها ، حيث تجلس مها مع أبنائها تحاول فك اللغز الذي أعطاه لها ابنها وهي مستمتعة باللعب معهم فحقا الأوقات التى تقضيها مع ولداها التوأم من أحب الأوقات إلى قلبها فالجلوس معهم له لذة تجعلها في قمة سعادتها فهي تعشقهم وتهتم بهم وبأمورهم وتشاركهم كل يومهم ، فبعد محاولات عدة استطاعت تجميع اللغز ببراعة ، فصفق الصغير بسعادة نظراً لنجاح والدته وهتف :
_ ايه ده برافوا ياماما طلعتي شاطرة أوووي ، ممكن تعلميني أعمله كيف علشان أبقي عبقري زيكي إكده ؟
قرصته من وجنته بخفة ولطف وهي تردد بفرحة لسعادته :
_ وه كانك مفكِر أمك مفهماشي حاجة إياك ،
وتابعت كلماتها وهي تشير على حالها بفخر :
_ أني شاطرة قوووي وعلشان مش داكتورة ولا صحفية شكل خالاتك يوبقي مش بفهم ، أني لو كنت غويت العلام كان زماني مِحاسبة قد الدنيا بس أني مرضيتش وعلشان إكده واخده بالي منيكم وعايزاكم تعملوا اللي معمِلتهوش واصل ، ها اتفقنا .
رفع الولد كف يداه يض،ربه بكفها مرددا هو وأخيه التوأم في أن واحد:
_ اتفقنا ياماما هنبقي شطار وحلوين علشان تحبينا وتلعبي ويانا علطول .
احتضنتهم بسعادة وأردفت وهي تربت على ظهرهم بحنو:
_ وه أني بحبكم يانن عيوني من غير أي حاجة ده انتو النفس اللي بتنفسه ، وانتو الحتة الحلوة في قلبي وكلي .
وأثناء احتضانها استمعوا الى جرس الباب يعلن عن وصول ضيف ، ارتدت حجابها وذهبت لتفتح ولكن وجدت الباب ينفتح ويدخل زوجها مجدي وهو يردد بابتسامة:
_ متستغربيش يامها معايا ضيف عزيز هتفرحوا أووي لما تشوفوه ،
ثم نظر إلى الخارج مرددا وهو يفسح المجال للضيف أن يدخل :
_ اتفضل ياعامر ياأخوي بيتك ومُطْرحك ،
ثم وجه كلامه الي أبنائه مرددا :
_ تعالوا سلموا على عمكم ياولاد اتوحشتوه قوي .
أما هي منذ أن رأته أمامها تش،نج جسدها وبهتت ملامحها وطار الكلام من على لسانها ،
وأصبحت واقفة بمشاعر شتى ولكن يغلبها ويسيطر عليها فقدان الراحة من الآن .
↚
البارت الخامس
نظر إلى الخارج مرددا وهو يفسح المجال للضيف أن يدخل :
_ اتفضل ياعامر ياأخوي بيتك ومُطْرحك ،
ثم وجه كلامه الي أبنائه مرددا :
_ تعالوا سلموا على عمكم ياولاد اتوحشتوه قوي .
أما هي منذ أن رأته أمامها تشنج جسدها وبهتت ملامحها وطار الكلام من على لسانها ،
وأصبحت واقفة بمشاعر شتى ولكن يغلبها ويسيطر عليها فقدان الراحة من الآن ،
لاحظ مجدي شحوب وجهها فقوس فاهه وهو يردد باستغراب:
_مالك يامها إكده واقفه متنحة مش تسلَمي على عامر صديقك الصدوق قبل ما يسافر .
تحمحمت بهدوء وفاقت من شرودها عقب استماعها لكلام زوجها هاتفة بترحاب وهي تنظر داخل عيناي عامر وتبتلع أنفاسها بصعوبة:
_ حمد لله على السلامة ياعامر رجَعت ميتي من السفر ؟
ابتلع الآخر أنفاسه بصعوبة أمامها فهو قد عاد من السفر منذ يومان ولم يأتي إليهم كعادته كي يسلم عليهم لحاجة ما في نفسه ولم تكن إلا ضعفه أمامها حينما يراها ولكن احتقر حاله في ذاك الوقت ، وتذكر كلام صديقه وعاد إلى رشده ورد سلامها وهو يؤكد على أنها امرأة أخيه:
_ الله يسلمك يامرت أخوى ، كيفك إن شاء الله تكوني زينة ،
وتابع كلماته وهو يملس على شعر الصغيرين بحنان بكلتا يداه :
_ رجعت من يومين إكده ، بس كنت بظبِط اموري ، بعت للي بتاجي تنضف الشقة فوق لما أخدت منك المفتاح يا أم الزين بس قلت لها متقولش إني جيت .
تحدث مجدي وهو يفسح المجال بيده كي يدلف أخيه إلي الداخل:
_ وه ماتدخل عاد هنتكلموا واحنا واقفين على الباب ، ادخل ياخوي بيتك ومُطْرحك ،
واسترسل حديثه وهو ينظر إلي زوجته آمرا اياها:
_بقول لك ايه يا مها عامر هيتعشى ويانا همي جهزي الوكل واحنا مستنينك عقبال ما تخلصي .
كأنه أعطاها إشارة الإنقاذ كي تنأى بحالها وتهرب من أمامهم كي تستطيع لملمة شتاتها في وجودهم الاثنين، وفرت من أمامهم وهي تردد :
_ حاضر هجهزه حالا دلوك.
دلفت إلى مطبخها وهي تضع يدها على صدرها تهدئ من ضر باته حينما رأته ،
نعم لن ولم تستطيع لملمة حالها في وجوده ولم تنساه بل مجرد أن رأته أمامها دقات قلبها تمردت عصيانا عليها فهي في حضرته تنسى قوانين الفراق ،
حدثت حالها برعب:
_ ماذا بكي ياامرأة اهدئي كي لاتنكشفي وحينها حتماً سيسطر وفا،تك وستصبحين في عداد المو،تى !
اهدأ قلبي ولا تخن،قني برجفتك حينما رأيته واستمعت إلى صوته وتجسدت صورته لحما ود،ما أمام محياك ،
كانت تحدث حالها وتفكر وهي تطهي طعام العشاء بعدم تركيز فتركيزها كله مع ذاك المفاجئ بعودته بل ورأته أمامها على حين غرة ،
دخل عليها زوجها وجدها مرتبكة فسألها بتعجب:
_مالك في ايه عاد عماله تلفي حوالين نفسك وبكلمك مش دريانة مالك ؟
أجابته بتوتر:
_انت ازاي تعزم اخوك من غير ما تعرِفني علشان اعمل حسابي واجهز نفسي؟
افرض ما عنديش امكانيات وانت داخل بيه فجأة إكده ولا دي عادتك الاهمال مش هتبطِلها يا مجدي .
تأفف مجدي من ثرثرتها واجابها بضيق:
_هو انتي بقى مش هتسيبك من الحجج الفارغة داي عمال على بطال !
ولا انتي بتم،وتي في الخناق اخلصي جهزي العشا والموجود هاتيه مش قصة هي .
القى كلماته وتركها وغادر المطبخ وذهب الى اخيه ووجده يلعب مع اطفاله بحب وحنان ظاهران على وجهه فهو ابيهم ولم يلهو مع ابنائه كمثل ذاك العامر الذي انتبه الاطفال اليه فهم محرومون من حنان الأب الذي افتقدوه في ابيهم والذي لم يروه الا صدفه،
فمجدي كل حياته يقضيها في العمل ولم يشغل باله بزوجته ولا أطفاله ،
فتحدثه الى عامر قائلا:
_والله ما انا عارف كيف بيبقى ليك طول بال تلعب مع الاطفال إكده لساتك عقلك اصغير يا عامر مع ان اللي يشوف شكلك المتغِير من السفر يقول نضوجك اكتمل وما بقاش ليك في الحوارات الفارغه داي .
اندهش عامر من حديث اخيه الذي يخلو من الرحمة بأطفاله وهتف منزعجا:
_واه لساتك على حالك يا اخوي وما تغيرتِش وما تعرِفش ان الدنيا منفاتة ومش هناخد منيها غير ضحكة حلوة في وش اطفال او دعوة من زوجة علشان رافقين بحالتها وبيت دافي يلمنا وقت الوجع والشدة !
العواطف عمرها ما كانت ليها نضوج والحنية ما بتتشحتش يا ولد أبوي،
العب مع ولادك واستمتع بكل لحظه معاهم علشان ما تندمش بعد اكده وسيبك من العملية البحتة اللي انت عايش فيها داي عاد .
وكأن اذناه صماء فلم يشغل باله بأي حرف مما قاله له اخيه وسأله عن حاله:
_سيبك انت من الحوارات التافهة داي وقول لي نويت على ايه هترجع السفر تاني ولا هتشوف شغلانه هنا وتستقر بقى ونجوزك ؟
كانت في المطبخ تطهي الطعام واذناها معهم في الخارج كي تستمع الى كل حرف يتفوهانه لم يحزن قلبها من كلام زوجها القاسي فهي اعتادت على بروده ولم تتفاجئ ولكن الذي جعلها تنتبه اكثر أسئلة زوجها لأخيه وبالتحديد عندما سأله عن زواجه ،
القت اذنيها ناحية المكان الذي يمكثان فيه كي تستمع الى رد ذاك العامر ،
اما في الخارج اجابه عامر بإبانة :
_لا مش هسافر تاني تعبت يا اخوي من السفر والغربه نويت استقر وكمان ادور لي على عروسه علشان خلاص دخلت على ال 30 وما ينفعش اتاخر اكتر من اكده .
حينما استمعت الى اجابته دقات قلبها اعلنت العصيان ونسيت كل اتفاقاتها معه وهربت الد،ماء من وجهها وحدثت حالها:
_احقا سيتزوج ويعرف امرأة اخرى غيري !
لا لن اسمح بذلك ،
أحقاًّ كان يتخذني نزوة كي يتسلى معي في اوقات فراغه وهو في غربته !
امسكت سكي،نتها الحادة في قبضة يدها وغر،زتها في المنضدة الموضوعة أمامها بكل قوة مرددة بشراسة :
_الله الوكيل لو حوصل وعرف واحده واتجوزها ما هنيه عليها يوم واحد ويانا يا هي .
كأنها نسيت انها امرأة أخيه !
وأنها وعدته أن تنساه وأن تبتعد عنه وبذاتها أرشدته ان يتزوج ويرى حاله بعيدا عنها ولكن حينما رأته انقلبت موازينها وصارت تهذي بتلك الخرافات بلا جدوى ،
واندلعت الني،ران الحار،قة في صدرها وتأججت في جميع جسدها وهي تقسم بأن القادم نا،ر لا محالة فوالدتها رفضت طلاقها وحبيبها اقسم على فراقها وزوجها مستمر في بروده وحرمانها حسنا فليكن ما يكن وستقلبها نا،را ود،مارا على الجميع،
ولكن حينما تذكرت ابنائها سالت دموع العين ق،هرا وحزنا فهم نبض وجعها ولم تستطيع ان تتخلى عنهم او ان تتركهم فماذا عنها ان تركتهم ؟
فأبيهم لم يمتلك ذرة حنان واحدة لأبنائه وعند هذه النقطة تراجعت واعتبرت أيمانها لغواً وهدأت من حالها رويدا رويدا وأصبحت الآن في موقف مهزوز بين مشاعرها التي توجعها وتؤلمها بغزارة ،
فإحساس الخذلان والكسرة هما طريقاها الآن، أكملت طهي العشاء وخرجت اليهم وهي تضع الأواني على السفرة ثم نظرت اليهم قائلة بفتور:
_اتفضلوا العشا جاهز ،
توجهوا ناحية الطعام وجلسوا جميعا فمنذ عدة اشهر لم يجتمع زوجها معهم على طاولة طعام واحدة فهو يتناوله وحده دائما ،
تناولوا طعامهم بشهية مفتوحة عدا هي ثم ردد مجدي وهو يوجه حديثه الى زوجته بحديث جعلها تسعل بشده
بقول لك ايه يا مها عايزينك تشوفي عروسة لعامر تكون زينة إكده وتليق بيه هو خلاص قرر انه مش هيسافر تاني وقرر هيفتح مكتبة كبيرة ايه رايك ؟
سعلت بشدة من طلب زوجها أما عامر أحس بها منذ ان رآها وشعر بتغيرها والآن تيقن باحت،راق روحها عندما طلب مجدي ذاك الطلب منه فهو لم يكن يتوقع ان يفتح ذاك الموضوع بتلك السرعة فتحدث سريعاً:
_لا يا اخوي مش دلوك ما تشغلهاش ،
اموري أني هدبرها لحالي كفاية عليها مسؤولية الأولاد أني مش بفكر في الموضوع ده دلوك ، لما استقر واشوف أمور المكتبة اللي هفتحها .
___________________________
في مكتب المحامي ماهر البنان استدعى جميع المحامين الجدد الذي قام بتعيينهم منذ أسبوع قائلاً إليهم بعملية:
_من تلت ايام اديت لكل واحد فيكم ملف على انفراد وقلت له إنه ملف مهم جدا ،
دلوك أني عايز الملف من كل واحد فيكم وخلي بالكم اللي الملف بتاعه مش موجود وضايع يعتبر نفسه مرفود من دلوك علشان اني كنت محذر ومنبه بشدة ان كل واحد يخلي باله من الملف ، يالا انا مستني الملف بتاعكم واحد واحد اتفضلوا.
رددوا جميعاً بصوت واحد :
_تمام يا فندم هنروح نجيبه حالا .
أشار اليهم بالخروج كي يأتوا بالملفات انطلق كل منهم الى مكتبه وصار كل منهم يبحث عن ملفه وهو يتابعهم عبر الكاميرات وهو يعلم جيدا من الذي ضاع منه ملفه ومن يحتفظ به وسيأتي به اليه الآن فهو ثعلب ماكر ولن يسمح بالخطأ ان يتواجد في مكتبه ولن يسمح للظروف ايا كانت أن تجعله يخسر قضية وتضيع سمعته التي عاش سنوات يبنيها ،
اما عنهم واقفين في مكاتبهم كل منهم يبحث عن الملف فهم لم يتوقعوا أن يُسرق الملف منهم أو أن ذاك الماهر يدبر لهم اختبارا كي يرى من المستحق بوجوده في ذاك المكتب ولم يكن الا اثنان فقط اللائي وجدوا الملف ولم تكن الا رحمة ومتدرب آخر كان حريصا على اصطحاب الملف معه الى منزله دون أن يدري اذا كان اختباراً أو يعلم شيئا عن طبع ذلك الماهر ولكنه الحرص ،
بعد ربع ساعة بالتحديد وصلوا جميعاً أمامه وضعت رحمة وذاك الآخر الملف أمامه اما الباقيين نظروا اليه متأسفين فتحدثت إحداهن نيابة عن الأخريات:
_للاسف احنا كنا حاطين الملف في درج المكتب الخاص بينا وقافلين عليه وما لقيناهوش وما توقعناش ان ده اختبار من حضرتك أو إن حد يفتح درج المكتب وياخد الملفات .
بعيون ثاقبة نظر إليهم ثم تفوه قائلا بعملية:
_أول يوم جيتوا المكتب اهنه عرفتكم ان مفيش حاجه اسمها احنا اسفين يا فندم دي ممنوعة في قانون ماهر البنان نهائيا والدليل على اكده الاتنين دول رجعوا لي بالملف وهما ميعرفوش اي حاجه زييكم بالظبط،
فيؤسفني اقول لكم ما لكوش مكان في المكتب ده وبدون اي اعتذارات لأن ما بقبلش أعذار اتفضلوا وملكمش فرصة تانية .
اما رحمة فرِح داخلها فهي تعلم كل شيء عن ذاك الثعلب المكار فنظر اليها ماهر قائلا بحنكة:
_تعجبيني عرفتي تهربي من الكاميرات وتعيني الملف في مكان ما حدش يتوقعه ولحد دلوقتي ما عرفتوش يا ترى كنتي عيناه فين ؟
وتابع حديثه وهو ينظر الى ذاك المتدرب الآخر مرددا بإشادة :
_اما انت الملف مفارقش شنطتك اللي رايح وجاي بيها ودي حاجة حلوة انك ما تامنش لاي حاجة ولأي حد ونجحت في الاختبار الأول ليك مبروك وجودك وسط فريق ماهر الريان .
ابتسم الآخر لإشادته ،
ثم وجه ماهر انظاره كي يستمع الى جواب تلك الماكرة الصغيرة والتي لم تخرج بالملف من المكتب واستطاعت ان تخبئه بمهارة أذهلته والى الآن لم يعرف اين خبأته ؟
أجابته رحمة بثقة :
_كنت عيناه في دولاب الأرشيف اللي مليان تراب ومحدش بياجي ناحيته خالص وكنت حريصة جدا ان محدش ياخد باله والحمد لله نجحت في اكده و ياريت اكون عند حسن ظن حضرتك .
هز رأسه بإعجاب وهتف:
_اه شلتيه في سلة الزبالة يعني ،
فعلا مكان محدش يتوقعه ، عجبتيني مشلتيش هم الملف تاخديه معاكي وعنتيه في مكان محدش يتوقعه ،
شابووو ليكي انتي أول متدربة تاجي عِندي المكتب وتُبقى بالمكر ده علشان اكده اعملي حسابك هتبقي مديرة المكتب بتاعي والمسؤولة عن كل الملفات والقضايا الخاصة بالمكتب ،
بعد شهرين لما عزه تمشي لأنها خلاص قررت مش هتشتغل تاني وطول الشهرين دول هتفضلي معاها تتدربي على شغلي وطريقتي كويس جدا ، تمام يا انسه .
لم تصدق ما قاله ذاك الماهر لتوه ففي لحظة وضحاها أصبحت مديرة مكتبه ، وظيفة لم تحلم بها ولن يستطيع حدسها ان يصدق تلك المفاجأة فهي الآن مديرة مكتب خط المحاكم بذاته ،
يا له من تقدم عظيم وفرصة أعطاها لها الزمن ولم تتوقعها ،
فأجابته بموافقه وعيناها فرحتين:
_تمام يا فندم وان شاء الله اكون عند حسن ظن حضرتك وبإذن الله هتشوف مني شغل واجتهاد ينال اعجاب حضرتك .
اما عن ذاك الواقف تحدث اليه قائلا:
_اما انت يعتبر نجحت في الاختبار لكن عملت المعتاد انك اخدت الملف معاك في كل مكان علشان تضمن أمانُه ، لكن ما فكرتش تشغل دماغك زي ما هي عملت علشان اكده اتفضل على مكتبك وهتعرف هتعمل ايه بالظبط .
ثم وجه حديثه الى رحمة:
_وانتي يا انسة اتفضلي مع عزة برة هي هتعرفك كل حاجة وهتفهمك هتعملي ايه بالظبط .
غادروا المكتب اما هو عاد إلى ملف القضية الموضوع أمامه كي يدرسه بعناية وكأن شيئا لم يكن فذاك المعتاد لدى ماهر البنان .
اما هي خرجت وتوجهت الى عزة مديرة مكتبه قائلة بفرحة :
_تصوري هبقى مديرة مكتب الاستاذ ماهر البنان مرة واحدة !
والله ما مصدقه حالي .
ابتسمت إليها عزة قائلة بمباركة :
_مبروك يا انسه رحمة شفتي ربك عاد كنتي هتمشي في اليوم اللي جايه تختبري فيه ودلوك هتبقي مديرة المكتب وداي حاجة تعلمك ان التسرع في القرارات ما يكونش بالسهولة داي وانك ما تضيعيش الفرص من ايديكي مهما كانت العقبات وده قانون من ضمن قوانين الاستاذ ماهر اللي انا هعلمك كل حاجه عن قوانينه وباذن الله هيوبقى ليكي مستقبل باهر في المجال ده بس اهم حاجة الصبر .
كانت تستمع إلى نصائحها بآذان واعية وسجلتها جميعها في عقلها بتركيز والآن ستنطلق رحمة المهدي الى أول طريق نجاحها في مهنتها المحببة الى قلبها .
_______________________________
في منزل ماجدة وبالتحديد في الساعة الخامسة عصراً كانت تجلس هي وبناتها كل منهم تتصفح هاتفها ، فوضعت ماجدة هاتفها على المنضدة ووجهت أنظارها إلى مكة مرددة :
_ عاملة ايه في مذاكرتك يامكة هتقفلى السنة داي وتجيبي الامتياز ولا هتفضلي متابعة شغل السوشيال ميديا بتاعك ده اللى ممنوش فائدة ولا مُصلحة.
قبل أن تجيب تدخلت سكون هاتفة باندهاش:
_ اسكتي ياماما إنتي متعرفيش عِملت ايه ، دي كانت رايحة سلم المجد والشهرة بطيارة لكن بتك وش فقر .
نظرت إليها مكة بسخط وهي تضع يدها على فمها كإشارة تحذيرية لها أن تصمت فهي علمت عن ماذا تقصد ، رأت ماجدة طريقة مكة فأردفت بتحذير :
_ والله ! ياترى عِملتي ايه عاد ومش عايزاني أدرى بيه وبتكتميه يابت بطني ، ماني عارفاكي وش فقر زي ماهي قالت .
أشاحت سكون برأسها لمكة باعتراض ثم تحدثت باستفاضة:
_ البرنسيسة عِملت حوار مع نَجم كَبير ومرضيتش تنشره على صفحتها واللى كان هيجيب لها ملايين المتابعين وقال ايه حرام ومش عايزاهم واصل .
مطت ماجدة شفتيها بامتعاض واردفت بسخرية :
_ خليكي معقدة ودماغك ناشفة وهتفضلي طول عمرك إكده امبارح عنديكي زي النهاردة وبكرة ماهتتقدميش .
كانت مكة تتصفح هاتفها ولم تستمع إلى حرف واحد من حديث والدتها المعتاد عن تدينها ورؤيتها الدائمة بأنها متمسكة بشدة ،
وأثناء حديثهم استمعوا الى جرس الباب ،قامت مكة كعادتها إلى غرفتها ترتدي نقابها عند وصول ضيف ، أما سكون قامت بفتح الباب ونظرت بدهشة إلى الضيفة الآتية وشكلها غير مألوف ويبدوا عليها الإرهاق ،
فتحدثت الضيفة بابتسامة هادئة:
_ السلام عليكم ، انا الإعلامية هند كامل وجاية هنا للأستاذة مكة عايزاها في موضوع شغل ، هي موجودة ولا لا ؟
رحبت بها سكون بعلامات وجه يبدوا عليها الاندهاش ثم أفسحت لها المجال أن تدلف :
_ أهلاً وسهلاً بحضرتك ، اتفضلي هي موجودة .
دخلت الإعلامية منزلهم وهي تنظر إليه تتفحصه بعناية ثم أدخلتها سكون حجرة الصالون ونادت على والدتها ،
أتت ماجدة إليهم وتحدثت وهي تنظر إلى الضيفة نفس نظرات سكون مرددة :
_ أهلا وسهلا مين حضرتك ؟
أجابتها سكون تلك المرة:
_ دي الإعلامية هند كامل وبتقول إنها عايزة الأستاذة مكة في شغل .
رفعت ماجدة حاجبها باندهاش مرددة بتلقائية مغلفة بالذهول:
_ شغل وأستاذة مكة في جملة واحدة ! إنتي متوكدة من انك جاية المكان الصح ياأستاذة ؟
اندهشت تلك الهند من ذهولهم الغير مفهوم مما جعلها تشعر أنها أتت مكانا خاطئاً ثم سألتهم مرة أخرى:
_ إزاي يعني ده مش بيت أستاذة مكة الجندي الطالبة بكلية الصحافة والإعلام ؟
أجابتها سكون وهي تنظر إلى والدتها بأعين محذرة :
_ أه ياحبيبتي هو ثواني هندهالك ، تحبي تشربي ايه ؟
رفضت أن تتناول أي مشروب وعللت بأنها حين تشعر باحتياجها لشئ ما ستطلب ،
ذهبت سكون كي تنادي مكة وهي على نفس ذهولها ، دخلت غرفتها وهتفت بدعابة :
_ الأستاذة مكة ممكن تتكرم وتاجي تقابل ضيوف عايزينها برة في شغل مِهم .
انزعجت مكة من طريقتها ورددت بضيق:
_ شوفي بقى أني مخن،وقة منيكي ولو مبطلتيش مقلتة وانظبطي معاي هطلع عفاريتي عليكي .
قهقهت سكون على طريقتها بشدة ، ثم أردفت بتأكيد :
_ الله وأني مالي عاد هو إنتي بتقولي شكل للبيع ، في إعلامية برة بتقول إنها عايزاكي في شغل واسمها هند كامل ، يالا همي عاد علشان مينفعش إكدة نتأخروا عليها.
حينما استمعت إلى الاسم عرفتها على الفور فهي متابعة جيدة لصفحتها علي الفيسبوك والانستجرام فهتفت باندهاش:
_ إنتي متوكدة عاد ان الأستاذة هند كامل بنفسيها برة وعايزة تقابلني ؟!
ضر،بت سكون كفا بكف من ذهولها وهتفت بتأكيد :
_ والله هي قالت إكده هو أني كنت أعرف جنابها يعني ،
يالا اخرجي عاد وكفاية قر وتتأخري عليها ،
خرجت مكة كالبلهاء من غرفتها وهي تكذب حدسها أن من بالخارج هي من ببالها ،
ولكن خرجت ببجامتها القطنية وشعرها الأسود اللامع ينسدل على ظهرها ويصل إلى منتصفه بل ويزيد وبعض من خصلاته تنسدل على عيونها ذات اللون الأزرق ونسيت أن ترتدي حجابها ولا نقابها ،
ولكن سكون لاحظت ذلك وكادت أن تنادي عليها الا انها انطلقت مسرعة ووصلت الى مكان تلك الإعلامية ،
دخلت اليهم وعيناها تترصد رؤية تلك الهند وقد كان وجدتها هي بذاتها ،
وقفت امامها وهي تردد السلام بانبهار فهي تعشقها بشده وتعتبر مثلها الأعلى في الإعلام نظرا لثقافتها الشديدة واهتمامها بالمواضيع الجادة وكما انها إعلامية ممتازة من الدرجة الأولى ،
فتحدثت مكة بلباقة وهي تسلم عليها :
_ نورتي المكان يا أستاذة والله ما مصِدقه حالي اني شايفاكي قدام عيوني وبسلم عليكي ،
هو ده بجد ولا خيال ؟
بادلتها هند مصافحتها بحرارة وأجابتها بابتسامة وهي تنظر الى ملامحها الجميلة بانبهار وشبهتها بإحدى بطلات الأساطير من شده جمالها الأخاذ:
_لا بجد يا ستي انا جاية لك مخصوص علشان عايزاكي في شغل مالك مسهمة كده ليه .
انتبهت مكة لحالها وأجابتها وهي تجلس أمامها:
_ معقولة عايزاني اني في شغل ! ممكن حضرتك تفهميني اكتر .
اما والدتها تحدثت اليها بسخرية:
_ ايه الجمال ده كله يا مكة يا بتي ، شكلك كيف القمر النهاردة .
فهي تعلم جيدا مدى تشبث ابنتها بأن تلتزم بنقابها حتى أمام السيدات وترفض الجلوس في الأماكن التي تجتمع فيها النساء وهي رافعة النقاب خشية من ان تحكي احداهن او تصف شكلها الى أي مخلوق ولكن عندما ذكرتها والدتها بكلامها ذاك احست بتسرعها ووضعت يدها على شعرها تلقائيا وهي تنظر الى هند بابتسامة شاحبة ،
ثم استأذنت منها مرددة وهي تقوم من مكانها:
_بعد اذنك يا أستاذة ثواني وراجعة لحضرتك .
انطلقت من أمامهم وذهبت الى غرفتها وارتدت الاسدال الفضفاض الخاص بها ووضعت حجابه على راسها ولم تلبس النقاب فهي راتها ،
خرجت اليهم فتحدثت هند بتعجب:
_ليه لبستيه ما انتي كنت زي القمر دلوقتي على راي والدتك ؟
تحمحمت بهدوء واجابتها:
_معلش يا استاذة اعذريني برتاح إكده ،
وتابعت حديثها وهي تسألها باستفسار:
_حضرتك بتقولي عايزاني في شغل ممكن أعرف طبيعة الشغل ده ايه مع العلم ان لسه في آخر سنه في الجامعة .
شرحت هند ما تحتاجه منها باستفاضة:
_شوفي يا ستي انا عرفت ان انت عملتي حوار صحفي مع النجم ادم المنسي وبصراحة شفت الحوار وعجبني جدا ومن مصادري الخاصه عرفت ان انتي صاحبة الحوار عجبتني طريقتك جد ا وحابه ان انت تنضمي لفريقي الإعلامي ايه رايك؟
بنبرة ذهول نطقت متسرعة وكأنها تقلل من حالها:
_عجبك شغلي أني متأكده ان انا اللي تقصديها؟
ابتسمت بخفة وأجابتها :
_اه يا بنتي مالك مستغربة كده ليه؟
تحدثوا مع بعضهم كثيرا وطلبت منها هند ان تأتي اليها غدا وأعطتها عنوان الاستوديو الخاص بها ثم استأذنتهم في المغادرة ،
وبعد ان غادرت نظرت مكة الى سكون مرددة باستعطاف:
_ طبعا إنتي هتاجي معاي ومش هتهمليني اروح لحالي ولا ايه يا دَكتورة .
اجابتها سكون وهي ترفع قامتها بكبر مصطنع:
_دلوك بتحترميني عاد وبتناديني بالدكتورة من شوي كنتي عايزه تبلع،يني،
على العموم اني مش فاضية وراي شغل كَتير في المستشفى شوفي لك حد غيري .
تحايلت عليها مكة وهتفت بإصرار :
_يارب تاخدي الماجستير بتقدير امتياز يا رب يخليكي بالله عليكي ماتسبيني لحالي ....
وظلت تحايلها فأسكتتها سكون :
_خلاص خلاص هاجي معاكي اكتمي عاد جبتي لي صداع بس ابقي افتكري وما تنسيش واصل .
قامت مكة مسرعة من مكانها واحتضنتها ثم ذهبت الى غرفتها وهي سعيدة للغايه بأن حلمها بان يصبح اسمها في الإعلام يحلق الآن امام عيناها ،
اما هند صعدت سيارتها وامسكت هاتفها وقامت بالاتصال على رقم ما وما ان اتاها الرد فتحدثت بإشادة عن حالها :
_طبعا وافقت ومن بكره هتيجي اول ميتنج هنتفق على كل حاجه دي اصلا اول ما شافتني انهبلت .
كان المتحدث مضطجعا على مكتبه ومستمتعا لأدنى حد فقد بدأ يقترب منها ويصل لمبتغاه ،
فسألها بجدية :
_ وامتى المعاد يانودي بالظبط ؟
أجابته :
_ بكرة الساعة اتنين الضهر ، هتيجي ؟
_ياسلام أمال أنا باعتك ليه ياهانم لله وللوطن مثلاً... جملة تهكمية نطقها ذاك المتحدث وتابع كلماته:
_ طبعاً متعرفش حاجة زي مامتفقين ؟
أراحت باله وطمأنته :
_ of course baby
وأكملت بانبهار:
_ بس ايه المزة الجامدة دي يابيبي ده أنا كنت حاسة إني قاعدة قدام باربي ، ده انت وقعت واقف .
نطق ذاك المتحدث :
_ باربي ! إنتي شوفتيها إزاي ؟
______________________________
يجلس عمران في الاسطبل الخاص بمهرته الغالية والمحببة إلى قلبه ، يجلس أمامها ويحدثها وكأنه يتحدث مع إنسان مثله ، يملس على جسدها بحنان وهو يردد :
_ تعرِفي إنتي فيكي شبه منيها قوي ، هي اسمها لايق عليها هادية ورقيقة ، وانتي كيف النسمة ياغالية ، ياترى هترتاحي معاها وتحبيها زي صاحبك عاد ياغالية ؟
وكأنها تتفهم حديثه فحركت رأسها بهدوء يليق بها ، وعندما رأى هدوئها أحس بارتياحها لمجرد ذكر اسمها فقط ، فردد بسعادة:
_ عال عال ياغاليتي شكلكم هتتفقو علي عاد وهتعملوا حلف ضدي،
ثم تذكر أمره الذي ينغص حياته ويمررها كالعلقم بل وأمر :
_ بس أني خايف ياغالية أقرب منيها خطوات وعند الخطوة الأخيرة والمهمة أبعد ألاف الأميال ، وقتها هتنك،سر وهخاف عليها مني ومن اللي هتحس بيه .
أحست بوجيعته وكأنها تعي مايقوله فتحركت برأسها ونظرت بعيناها وثبتتها في عيناه ونظراتها تعي الحزن على صديقها ،
رأى نظراتها الحزينة والغير معتادة فعلم أنه سيدخل حرب العشق الممنوع بشراسة وأنها ستكن معركة شرسة ولكن قلبه يحثه على التقدم فقد وقعت أمامه بمحض الصدفة وانجذب إليها بلا هوادة ، وبات يفكر بها بلا عقل ولا منطق وحينها ينسى مابه وما يحياه من رحلة غامضة لايستطيع تفسيرها إلى الآن ،
وحينما وصل إليها عقله وقلبه تبسمت عيناه وهو يتذكر عيناه ودق قلبه وهو يتذكر نظراتها وارتعش جسده بخفة وهو يتذكر رجفة جسدها حين تراه ، وابتسم سنُّه وهو يراجع ماقالته شفتاها في إغمائها ،
وحدث حاله وهو ينظر إلي السماء اللامعة بشغف وكأنه بها ينسى ألامه وتتبدل إلى أمال:
_ لاتلومنى ياقلبي فأنا الفارس الذي أغرم بها ووقع بأسرها هياما ،
فحرب العشق مباحُ بها كل شيء وما عليها قوانين أخضع لها وما علىَّ ملامة ،
أحببتها نعم أحببتها وقلبي أخيراً وجدها وعرف طريقها ولن يندم علي شقائه ولن يستسلم فاهدئي نفسي اللوامة ،
فعمران قد عشق السكون ولها سيكون وبها سيكشف عن المكنون وبعد أن وجدها لن يضيعها فحقا ذاك الجنون .
ثم وجد حاله يمسك هاتفه وبلا تفكير أتى برقمها وقام بالضغط على زر الإتصال وهو في حالة نشوته بها وانتظر ردها ،
أما هى كانت تجلس ممسكة هاتفها تشاهد صوره وكأن القلوب تآلفت وتناغمت وصارت تشعر بمحبيها ، ولكن تلك حالتها منذ أن رأته وعشقته ودق قلبها غراماً لذاك العمران ، وجدت هاتفها يهتز بيدها ورأت نقش اسمه "عمران" على الهاتف اتسعت مقلتيها بذهول ودقات قلبها كادت تقفز من بين ضلوعها وعقلها لم يصدق ، عمران يحادثها !
العشق الخفي أخيراً ظهر على شاشة هاتفها ،
أحقا ستسمع صوته في أذناها !
أحقا سيتحدث معها وتجيبه ، علي الفور قررت أن تسجل تلك المكالمة قبل أن تضغط زر الإجابة كي تعيدها على مسامعها مرات ومرات،
ثم ضغطت على زر الإجابة بأصابع ترتعش وأحابته بهدوء ورقة :
_ السلام عليكم ورحمة الله.
كان نائما على الأريكة الموجودة في استراحة الإسطبل ، حينما أتاه صوتها الهادئ الرقيق مثلها اعتدل من نومته وقام ثم ذهب تجاه البحيرة الموجودة بجانب الإسطبل وهو يردد بنبرة صوت رجولية أسرت تلك السكون :
_ وعليكم السلام ورحمه الله ، كيفك ياداكتورة ،يارب تكوني بخير .
ابتلعت أنفاسها بصعوبة بالغة ورددت :
_ زينة الحمد لله ، إنت أخبارك ايه ؟
أجابها برد صريح يليق بشخصية العمران :
_ حسيت إني هبقي زين لما أكلمك ، لقيت نفسي بمسك التليفون وبجيب رقمك وبرن عليكي وأني معِنديش سبب لاتصالي غير إني عايز أتكَلم معاكي ، هو أني إكده غُلطت صح .
أحست بحرارة تنبعث من وجهها من عدم تصديقها بصراحة ذاك العمران ، وقررت أن تنطلق في الرد عليه بما يشعر به قلبها وأن تتبع نفس صراحته فهي تعشقه وتريده وتحتاج وجوده في حياتها وفي قانون المحبين التى تحياه سكون ماعلي العاشق ملام ، وبالرغم من أنها على يقين بأن هتافه لها وردها عليه خطأ وحرام إلا أنها لم تستطيع مقاومة قلبها ،
وأجابته بنفس صراحته :
_ وأني كمان هكَلَمك بصراحة أني عايزة أسمعك وانت بتتكلَم وإني مش مضايقة من مكالمتك خالص .
ابتسم وجهه بتلقائية لردها وتحدث وهو يجلس أمام البحيرة :
_ حاسس وكأني أعرِفك من زمان وانك كمان تعرِفيني ، والاحساس ده مسيطِر عليا وإني من ساعة ماشوفتك أول مرة ووقعتي بين ايدي وأنا بفكِر فيكي ، معندكِيش علاج لحيرة عمران ياطبيبة .
لااااا كفى عمران فمفاجئتك بجبر قلبي قد قاربت على الاقتراب ،
اهدأ قلبي واستعد كي تقدر على مواجهة معركة عشق العمران ،
أجابت عليه يخجل:
_ طيب وبتحس بإيه تاني ؟
مسح على شعره واجابها بنفس صراحته :
_ حاسس إني عايز أتكَلم معاكي في كل الأوقات واشوفك بنفس الأوقات وأقضي معاكي كل الأوقات ،
ثم بنبرة صوت مبحوحة انطلق لسانه :
_ أنا عشقتك ياسكون عشقتك عشق الليل للقمر ، هو ده إحساسي وهو ده أملي انك تكوني من نصيبي.
كادت وعيها أن يذهب منها وتسقط مغشياً عليها ، استمع الى أنفاسها المتسارعة ونبضات قلبها التي وصلته ، فأكمل :
_ عارف وحاسس بيكي دلوك وانك خجلانة ،بس مقدِرتش غير إني أعبر لك على اللي حاسس بيه ومحبتش إني الف وأدور وأكذب والف مواضيع ، احساسي بيكي هو اللي خلى لساني ينطقها بالسرعة داي ومش عايز منك رد دلوك بس طمنيني بكلمة ياسكون إني مش بتوهَم .
نطق لسانها قبل أن تضغط زر الهاتف وهي مستمتعة بانتشاء لاعتراف العمران :
_ مبتتوهَمش ياعمران طمن قلبك ده أحب اعتراف لقلبي .
قالتها وأغلقت الهاتف ثم احتضنته فهو شهد علي اعتراف عمران ،
وحدثت حالها وهي غير مستوعبة لما سمعته الآن :
_ أخيراً قالها وأخيراً سمعتُها قال لي أعشقك قال لي أنا في احتياجك ،
مابها تلك الكلمات التى هزتني وجعلت قلبي يرفرف وجسدي يهتز بعنف من اعتراف العمران ،
ماذا بكي سكون اهدأي فتلك البدايات فعدي حالك لطوفان غرامه الذي حلمتي به أعوام ،
ثم أفاقت من شرودها علي رسالته :
_ هجي لك المستشفي بكرة إن شاء الله أني وحبيبة أختي علشان نعمل إللي اتفقنا عليه .
أرسلت إليه ايموشن تأكيد فهي الآن ستراه غداً ولكن بنظرات مختلفة فقد اعترف بحبها وسترى نظرته غدا بعد ذاك الإعتراف ، نظرة عشق لها تمنتها يوماً منه ثم ردت على رسالته :
_ ياهلا وغلا هتنوروا المستشفى.
فأهلا بك أيها العمران فقد سكنت الوجدان منذ قديم الزمان والآن كفاني منك حرمان وعدني بأنك ستأتي إليَّ طالبا قربي وأعدك أنا بأني سأعطيك كلي بنفس راضية وقلب ارتاح بعد ظمآن .
____________________________
بعد مدة عاد عمران الى منزله وجد والدته وأختاه وتلك البغيضة التى يكرهها تجلس أوسطهم وحينما رأته نظرت إليه نظرة اشتهاء كعادتها ألقى عليهم السلام بفتور ثم اتجه ناحية الأدراج منتويا الصعود إلى غرفته ،
فنادت عليه والدته مرددة :
_ عمران على فين ياولدى لسه بدري على النوم ، تعالى اقعد معاي شوية اتوحشت قعدتك .
أدار جسده إليها وهو في مقدمة الأدراج قائلا وهو يدعى النوم فهو لايريد مجالسة تلك الملعونة:
_ مَعلش ياحاجة كابس على النوم ، أوعدك بكرة إن شاء الله أزهِقك مني .
هنا تحدثت وجد قاصدة إياها بحديثها:
_ وه ده إنت لساتك اصغير على النوم بدري ميعملش إكده إلا اللي عضمته كبرت .
كانت تتحدث بطريقة دعابية كي لا تستدعي غضب زينب عليها ، وبالرغم من أنها امرأة تتلون كالحية إلا أن زينب تعاملها كبناتها ولم تنبذها يوماً أو تمنعها من دخول منزلها ،
وعمران الوحيد في هذا المنزل الذي يعرفها ولم يريد الكشف عن لعنتها كي لا يرفع غطاء الستر الذي يمنحها ربها إياه وكما أنه يشعر بشعور الكتمان على تلك الوجد بالتحديد ولكن هذا الشعور يجعله يخت،نق دوماً وبدون اسباب ،وكما أنه يخشى أن يتكلم عنها أو يخوض في سيرتها ليس خوفاً عليها ولكن على أختيه فهو يتقي الله فيهم ،
فضر،بتها زينب على فخذيها مرددة باستنكار:
_ وه تفي من بقك عاد يابت ياوجد ده عمران زينة شباب قنا كلياتها ومحدش زييه واصل ،
وتابعت حديثها وهي تشاور إلي عمران أن يدلف إليهم :
_ حلفتك بالغالي ياولدي تاجي اني عاملة صنية رز معمر بالسمن البلدي تستاهل فمك ، تعالى دوق منيها وهتعجبك قوووي هي لساتها في الفرن وخلاص باقي يجي عشر دقايق وأطلِعها تعالى ياولدي تعالى .
هبط الدرجة التى صعدها فهو يعشق والدته ويخاف على ضيقها بشدة ،
دارت عيناه في المكان كي يرى مقعداً بعيدا عن التى تأكله بعيناها ولكن لم يجد ،
فاضطر أن يجلس أمامها ، أما هي ظلت نظراتها تحاوطه بتلاعب دون أن تأخذ كل منهن بالا من نظرات تلك اللعوب ،
اخرجت هاتفها من جيبها وأرسلت إليه رسالة عبر الواتساب:
_ طالع كيف البدر النهاردة ياعمران ، ايه متوحشتش وجد ومش عايز تقعد وياها .
اعلن هاتفه عن وصول رسالة وتلقائيا جالت سكون بخاطره وابتسم تلقائيا ،
ففتح الرسالة وجدها من رقم لم يعرفه فقرأ محتواها وغضب داخله عندما رآها من تلك الوجد والذي حظرها من عشرات الخطوط كي لاتصل إليه ولكنها لم تيأس ،
رفع أنظاره إليها بحدة ولكنها قابلت حدته بغمزة من عيناها تشاكسه بها ،
اختنق بشدة من حركتها فلفظ لاإراديا :
_ قليلة حيا صحيح قبر يلم العفش.
انتبهن جميعهن إلي توبيخه فسألته والدته باندهاش:
_ وه مالك ياولدي في ايه مين داي .
وعى لحاله فتحمحم بهدوء وهو يعيد ثباته مجيبها:
_ لا سلامتك يا امي دي واحدة إكده شوفتها قدامي علي المحمول ولية من إياهم اللى عايزين الح.رق بجاز أسود ينكب فوقيهم نخل،صوا منيهم .
لوت حبيبة شفتيها مردفة :
_دول بقوا اكتر من الهم على القلب وبقو يتعروا بجسمهم وواخدينَه تجارة يلموا من وراها ألوفات ودولارات ربنا يجحِمهم مكان مايكونوا البعدا دول .
أمرت زينب رحمة أن تتابع ما بالفرن فتأففت بشدة :
_ وه هو مفيش غير رحمة عاد ماحبيبة ووجد اهم .
اتسعت مقلتيها بذهول وأردفت وهي تنهرها بحدة :
_ أما إنتي قليلة الادب بصحيح يعني البَعيدة عميا مشيفاش اختك وبطنها هتدلى منيها اسم الله عليها !
قومي يابت فزي تك طلق .
ابتسمن جميعاً على مشاغبتهن المعتادة وقامت وجد من مكانها قائلة :
_ خلاص خلاص ياحاجة سبيها قاعدة مستريحة البرنسيسة رحمة وأنا عيوني ليها.
_وه يابتي هنشغلك عندينا في الحبة اللى بتقعديهم ويانا.. جملة اعتراضية عقبت بها زينب .
رددت زينب وهي تتجه ناحية المطبخ :
_ لع ولا تعب ولا حاجة ياحاجة أني زي بناتك بردك ومش غريبة عنيكم ولا ايه ؟
شكرتها زينب بامتنان:
_ والله يابتي بعتبرك كيفهم بالظبط وزيادة كماني ، ده إنتي بت ناس والعيبة عمرها ماطلعت منيكي واصل.
هنا احت،رق داخل عمران بسبب طيبة والدته الزائدة عن الحد بسبب نعت والدته لتلك الوجد بالطيبة ،
دلفت وجد إلي المطبخ وجدت الأرز قد اكتمل طهيه وضعته على المنضدة ثم أحضرت الأطباق ثم أخرجت من صدرها كيسا صغيرا وأسكبت محتواه على جميع الأطباق عدا طبق واحد مختلف ومتميز عنهم سكبت عليه شيئا اخر وهي تنظر إلي الخارج خوفاً من أن يراها أيا منهم ، ثم قامت بوضعهم على الصينية الكبيرة وخرجت اليهم بملامح مبتسمة وأعطتهم كل واحد طبقاً وأعطت طبق عمران لزينب قائلة :
_ اتفضلي ياحاجة ادي لسي عمران بيدك .
اخذ عمران من والدته على مضض وهو كارها أن يتناول شيئا من تلك الحية ،
صاروا يتناولون وجبة الارز باشتهاء وتلذذ وهم يتبادلون أطراف الحديث ،
ثم وجه عمران حديثه الي حبيبة مرددا:
_ أني حجزت لك عند داكتورة في المستشفي سمعت أنها شاطرة وزينة هنروح بكرة إن شاء الله اعملي حسابك ، علشان هي دي اللي هتولدي عنديها مهتولديش عند دكاترة رجالة عاد .
أجابته بحنق:
_ طيب ليه إكده ياعمران أني مرتاحة مع الدكتور اللي بتابع وياه فيها ايه داي .
كاد أن يجيبها الا أن وجد أكدت على كلامه :
_ لاا ياحبيبة سي عمران عنديه حق متتكشفيش على راجل اسمعي الكلام وروحي معاه .
وضع عمران الطبق الذي بيده بعد أن أكل مايقرب من نصفه ثم قام مستئذنا وهو منتوي الخروج :
_ تسلم يدك ياامي اني هروح الاستراحة اللي برة أخلص شوية شغل وراجع تاني ، معايزاش حاجة واصل .
أذنت له بالخروج وهي تدعي له أن يكون النجاح والتوفيق حليفه ،
ذهب إلي الاستراحة وجلس فيها بهدوء واسترخاء وقام بخلع قميصه وجلس عاري الصدر فهو وحده وأحس ببعض الدوار في رأسه فأغمضت عيناه واستسلم للنوم ،
بعد ربع ساعة بالتحديد استئذنت وجد في الخروج ،
ثم ساقتها قدماها الي مكان استراحته وهي تتلفت يميناً ويساراً كي ترى ماإذا كان يتابعها أحدا من المارين أمام البوابة ولكن لم تجد ،
انطلقت مسرعة حتى وصلت ونظرت من نافذة الاستراحة ودققت النظر حتي رأته وهو مستلقيا باسترخاء على الأريكة ، انبهرت من جماله ومن بروز عضلات جسده ففتحت باب الاستراحة بهدوء دون أن يشعر أحد بدلوفها ،
ثم ذهبت إلى النافذة وأغلقتها بإحكام وأسدلت الستار عليها وذهبت ناحية الباب وأوصدته بالمفتاح ،
وصارت تتسحب على أقدامها كاللص ثم اقتربت منه وجدته مغمض العينين ، أكلته بعيناها برغبة ثم اقتربت من رأسه تشتم رائحته من الخلف وكل ذلك لم يشعر بأنفاسها ، وصارت تتحسس عضلات جسده بلا حياء ثم أخرجت هاتفها وقامت بالتصوير معه في أوضاع مختلفة وهو يبدو كأنه مغشي عليه ،
اغمضت عيناها وهي مستمتعة بقربها منه وهي تتنفس رائحته ، فحقا تلك اللعينة تعشقه بشدة وتريده بشراهة ، تفعل المستحيل كي تصل إليه ولكنه متيبس الرأس ،
فعلت معه مالا يخطر على قلب بشر كي تجعله يأتي إليها راكعا في النهاية ولن يرى إمرأة غيرها ، وكل مرة ترى منه نبذا فتزيد مما تفعله به ولن ترأف بحاله ،
فحقا جنس حواء مكرهن عظيم وعندما تمشي إحداهن في جعل أحدهم يخضع لها لن تستكين قبل أن تصل وتلك الوجد لديها تصميم متشبسة به ولن تيأس حتى تصل إلى عمران ،
لم تستطيع مقاومته فأكملت يدها تتحسس عضلات صدره برغبة جامحة اجتاحت أوصالها ، ظلت على وضعها هكذا ولم تحسب للوقت حسبان فهي في حضرة عمران تنسى الزمان والمكان وهاتفها يسجل ما تفعله بكل جرأة وعدم خجل من حالها ،
انتفض عمران مسرعاً واعتدل من نومته ونظر إليها وجدها تلك الحية التي لم تخشى احدا واقتحمت عزلته وفعلت مافعلت يالها من امرأة قادرة كما يسمون ،
ثم نظر إليها بعيون غاضبة مرددا بج،حيم ....
↚
البارت السادس
انتفض عمران مسرعاً واعتدل من نومته وهو يدلك رأسه من أثر الصداع الذي يشعر به ونظر إليها وجدها تلك الحية التي لم تخشى احدا واقتحمت عزلته وفعلت مافعلت يالها من امرأة قادرة كما يسمون ، كم يشعر بالاخت،ناق في وجودها وكأنها شيطان يقف أمامه ،
ثم نظر إليها بعيون غاضبة مرددا بجحيم :
_ده انتي اتجنيتي يا مرة انتي يا اللي رجلك جابتك لحد اهنه من غير حيا ولا بتختشي ،
ثم اقترب منها وهو يهزها من كتفيها بغضب كي يلقيها خارج المكان بحده ولكنها نزعت يداها من بين يديه وتحدثت وهي تنظر له برغبه:
_انا قدرك اللعين يا عمران هتلاقيني في كل مكان قدام وشك من حقي ادافع عن حقي فيك بكل الطرق والوسايل المباحة والغير مباحه .
اتسعت عيناه وهو ينظر اليها بذهول من وقاحتها وغير مصدق ما استمعه من تلك الدخيله الملعونه كما يسميها وانطلق بسباب يليق بها:
_كيف بتتحدتي إكده وياي !
الله الوكيل يا مره انت لو ما بعدتي عن طريقي لا هكون فاضحك قدامهم كلياتهم وهخلي اللي ما يشتري يتفرج عليكي وقد اعذر من انذر ، بعدي عن طريقي احسن لك يا اما هتشوفي مني الجح،يم بعينيه .
على حين غرة ارتمت في احضانه وهي تتمسح به وتتحايل عليه بكلمات تنزل من شانها اكثر من ذاك:
_ما هبعدش وزي ما قلت لك من شوي اني قدرك ونصيبك ومفيش واحده هتقدر تاخدك مني ياعمران،
ليه مش قادر تفهم اني هحبك لا اني هعشقك ومهقدرش اشوفك في حضن غيري ولا يدك تلمس يد غيري .
انتزعها من احضانه بحدة ثم صفعها على وجهها بحدة ورماها بع،نف وكأنه يلقي بحشرة على الأرض ثم بصق عليها مرددا بتحذير:
_انتي ايه ما بتحسيش عاد !
انا ما بطقكيش ولا بطيق وجودك في المكان ولا بطيق شفتك من الأصل هو الحب عافية عنديكي شوفي طريقك مع واحد غيري اني له والف له .
قامت من مكانها وهي تنفض الغبار عن ملابسها من أثر وقعتها ثم دلكت وجنتها من أثر صفعته الشديدة ثم نظرت بعيناه هاتفة بتصميم:
_طب جرب وشوف حضن وجد وشوقها ليك هينسيك الدنيا باللي فيها ، وإذا كان على ضربك واهانتك ليا فمتقبلاها منك ياحبيبي ،
واسترسلت وهي تقترب منه ولن يهمها مافعل بها :
_اني بس اللي معايا مفاتيحك واني بس اللي اقدر اسعدك ومفيش واحدة في الكون هتحبك قدي ، انت عشق السنين يا عمران كيف عايزني اتخلى عنيه ؟!
كفاه منها ما كفى سيخبر أبيه عن تلك الحية الملعونة وهو الذي سيتصرف معها كي تبعد عن طريقه فهي تأذيه بوجودها وقربها بشدة فهو يشعر بالاخت،ناق لمجرد رؤيتها ثم ردد بتصميم مماثل وهو يشعر بالاشمئزاز:
_لا ما عايزش اجرب مجرد ماعيني تلمحك بحس بالاخت،ناق واني مطايقش الدنيا باللي فيها ،
بعدي عني يا اما هقول للحاج عمران وهو يتصرف وياكي وتجيبي لنفسك الفضايح ولاهلك اللى راميينك ومبيسألوش فيكي .
رفعت حاجبها بمكر واردفت:
_طب جرب قل له اكده وشوف مكر الحريم وكيد النسا هيعمل ايه يا عمران ، هقلبها مدع،كة وهتشوف مني اللي عمرك ما كنت تتوقعه وبرده ما همشيش من إهنه ،
وهفضل قريبة منيك كيف ضلك باي طريقة فمن الاحسن تلين من اولها عشان اللي في دماغي في دماغي .
أمسكها من كتفيها مرة أخرى وهو يهزها بعنف مرة اخرى مرددا باستنكار :
_ إنتي ايه اللي بيجرى فيكي د،م ولا س،م ياحية إنتي ، ده إنتي الفُجر بعنيه !
لآخر مرة هستر عليكي ولآخر مرة هحذرك تعترضي طريقي المرة الجاية هقلبها جح،يم فوق راسك يافاجر إنتي ،
يالا اطلعي برة ومعايزش أشوف وشك تاني قب،ر يلم العفش اللي شبهك ويريح الكون منيكي ياملعونة إنتي .
ابتعدت بخطواتها روايدا روايدا وهي تنظر له بحسرة فكلما حاولت الاقتراب منه خطوة ابتعد عنها ألاف الأميال ، ومازاده تمنعه عنها إلا زادها رغبة به ، كانت تنظر إليه نظرات شيطانية واثقة وهي تكور قبضتاى يداها بقوة وكأنها تعتصرهما من شدة غض،بها ،
ألقت كلماتها وهي تفارق الاستراحة بابتسامة خبيثة ارتسمت على محياها :
_ المَلعب متاح للجميع والحكَم شايف بعنيه وهنشوف مين فينا اللى هيجيب أجوان ياعمران ، بس خليك متأكد إن اللعب معاي عايز مهارة عالية علشان تقدر تصد الهج،مات الواعرة اللى هصوبها عليك .
بخت سُ،مَّها وتركت المكان وداخلها يعتصر ألما على معشوقها التى حلمت بالاقتراب منه ليال وليال ،
ذهبت الي منزلها ودلفت غرفتها وأوصدت الباب خلفها ووقفت أمام مرآتها وانطلقت دموع عيناها بغزارة وهي تردد مع حالها بحسرة وألم عاشقة حد النخاع :
_ أدمعي عيناي بغزارة حتى يجف الدمع منكي وابيضي حزنا حتي لا تَرينَه أمامك فتذرُفي خيبة ،
اصرخ قلبي وانطلق بآلام عشقه ودوِّن داخلك قسوة العمران كي تثأر دون ان ترأف به أو تأخذك به رحمة ،
فورب السماء لن أبتعد ولن أهدأ إلا حين يستكين ذاك القابع بين أضلعي أماناً بقربك وتطفئ نيران لهفتي ،
فأنا لعنتك وعشقك ونا،رك وجنتك وأنا الماضي والحاضر والقادم وذاك وعدي المحتوم واعهدني لم أخلف العهود عمراني ،
كانت تردد تلك الكلمات داخلها بنا،ر ملتهبة وهي تشهق بشدة حتي سال كحل عيناها ،
وعلى حين غرة ألقت ماعلي مرآتها من جميع مساحيق التجميل وقنينات العطور الخاصة بها وهي غاضبة بشدة ، وصارت تدور في الغرفة كالثور الهائج وهي تحتضن جسدها بيدها ،
كان منظرها حقا يدمي القلوب ثم ارتمت على تختها تبكي وتبكي بصوت عال وكأنها تفرغ طاقة نفوره منها بكاءً ،
أحقا العشق من طرف واحد يعذب صاحبه ويجعله يتنازل عن كرامته من أجل رضا المحبوب فقط ،
أحقا الحب الخاطئ يدمر ويلقي بصاحبه في غيابات الجب ،فهو كالورد مظهره ممتع وله بريق يخطف العين لكن حوله أشواك تُدمي ،
ظلت على وضعها هكذا لساعات لاتعلم عددها ثم قامت ودخلت الي الحمام كي تأخذ حماما منعشا تلقي به همومها وتستعيد فيه قواها كي تدلف المعركة بقلب انتزع من داخله الشفقة ففي قانون الوجد العشق معركة والدفاع عنه شرف والفوز به مهارة وفي قانون حر،بها ستستخدم جميع الأس،لحة المباحة وغيرها ولن تستسلم تلك الوجد ،
أما عن عمران بعد أن فارقت المكان جلس يتنفس بوتيرة عالية فقلبه ينقبض من وجودها يكرهها دون سبب ، وما إن علم عشقها له مازاده إلا احتقارا لها فقد اعترفت له بعشقها في حياة عمه ولم تخشى ولم تخجل ،
يرى في عيناها تبجحا لم يراه قط في امرأة ، وحينما تستفزه بكلماتها يريد الانقضاض عليها وأن يزهق روحها بيده كي يتخلص من حماقتها ، ولكن تلك المرة الأخيرة والفرصة الأخيرة التي سيمنحها إياها وبعد ذاك سيتحدث وليكن مايكن وسيعزم على اقتلاعها من ذاك المنزل ويق.طع أرجلها منه،
قام من مكانه وانتوى المغادرة كي يأخذ حماما يزيل به أثر لمسات تلك البغيضة والتي يشهر برائحتها تملأ صدره ،
فقد أفسدت خلوته بنفسه وهو يفكر في ملاكه الجميل التي دخلت حياته واقتحمت أسوار قلبه ببراعة وذهب الي منزله قاصداً غرفته كي يذهب في سبات عميق لينسى ماحدث اليوم وأفسد مزاجه .
_____________________________
أتى الصباح محملا بالحكايات وما أجمل فيه الأمل و ما أجمل أن نراه نقطة صفر للانطلاق من جديد ،نطوي صفحات الماضي لنفتح به صفحة جديدة،
أيّها الصباح رأيت الجميع معك ينطلق ،
كل ينطلق بأمل جديد ، بعيون تترقب الفرح، بقلب يخفق بالأمل،
فيقترب المساء لتتبعثر الأمال وتؤجّل لصباح آخر ونقول غداً ونصحو من جديد ،
يرافقنا أمل جديد شمس ذهبية تشرق بعد ظلام وسكون ،نرى زهوراً تتفتح، نسمع العصفور يغرد ،فراشات تتراقص في الشرفة، رائحة القهوة تنعشنا من جديد وما أجمل ابتسامة الأحبة كل صباح ،
استيقظت سكون من نومها الهنئ الذي باتت ليلته تحلم بحبيبها أحلاماً وردية ،
فقد اعترف لها عمران أمس بعشقه لها وخفق قلبها غراماً وهو بعيداً عنها فماذا إن رأته اليوم بعدما سمعت ترنيمات عشقه الساحرة لقلبها ،
ماذا سيكن حالها وهي تنظر إلي عيناها نظرتها المختلفة ؟
أم ماذا عن نظرة عيناه اليوم هل سترى فيهم أنشودة جديدة عليها غير التي عهدتها منذ أن التقت أعينهما أول مرة ؟
ماذا وماذا وكيف ؟ تساؤلات فرضتها تلك السكون على عقلها في سماء عشق العمران ،
قامت من مكانها بنشاط ودلفت إلى الحمام وتوضأت وصلت فرضها وهي تدعي في سجودها بقرب العمران عن قريب فكفاها انتظار ، ثم ذهبت الى خزانة ملابسها كي تنتقي من الثياب أجملهم فهي تريد أن تسحر العمران وأن ينبهر بطلتها اليوم ،
انتقت بنطالا واسعا من اللون الأبيض ويعلوه بلوزة تصل إلي ركبتها من اللون الأخضر القاتم وحجابا باللون الأبيض ،
ارتدت ملابسها واهتمت بظبط حجابها ورسمته على وجهها بإحكام وبعد أن انتهت نظرت قيمت حالها وهي تنظر في مرآتها بانبهار مرددة:
_ قمررر يابت ياسكون والله.
استمعت إلي اطرائها تلك المكة فلكزتها على كتفها وهي ساهية فانخلع قلبها ،
ثم هدرت بها بحدة :
_ وه مهتبطليش شغل العيال اللصغيرة داي عاد يابت إنتي ؟
اني اتخضيت منك لله .
قهقهت مكة بشدة وهي ترى احمرار وجه السكون من فعلتها ثم هدأت من نوبات ضحكاتها وأردفت وهي تومئ برأسها وبنصف عين:
_شكل في تطورات جَديدة مخلية الدكتورة سكون هانم متشيكة إكده ولابسة الحتة اللي على الحبل ،
ثم تذكرت أمراً ما وضربت على رأسها مرددة :
_ أها ولا تكونيش متشيكة إكده علشان هنروحو مقابلة الإعلامية هند بجلالة قدرها .
ماإن ذكرت تلك المقابلة وتذكرت مجئ عمران المشفى اليوم حتى هتفت بخجل :
_ والله معرفاشي أقول لك ايه ، بس أني مينفعش أجي معاكي النهاردِة جايلي حالات مستعجِلة ومينفعش أسيبها خالص ، ممكن تاخدي واحدة من صحباتك وياكي .
انص،عقت بشدة وأردفت بحزن:
_ كيف إكده ياخيتي ! معايزاش غيرك وياي مهأمنش لحد في شغلي واصل ولا حابة واحدة منيهم تِعرف عني حاجة .
مهما تحدثت ومهما ترجتها فلن تضيع سكون فرصة رؤية العمران اليوم فقد جبر قلبها وأخيراً اعترف عمرانها ولن تتنازل عن قربه مهما كان ، فتحدثت باعتذار :
_ والله ماينفعش أسيب الحالات الصعبة داي دول كلَموني بالليل متأخِر علشان أروح لهم، مَعلش يامكة اتصلي طيب وأجلي المعاد لبكرة .
مطت شفتيها للأمام بفقدان أمل وهي تتنفس بأصوات عالية تدل على انزاعاجها ثم أردفت بأمل مفقود:
_ ماشي هتصل أأجل المعاد بس إياكي بكرة تقولي لي أفسر ايه ومدرك ايه مهحلكيش عاد يابت أبوي .
احتضنتها سكون بحب وهتفت:
_ ربنا يوفِقك ياحبيبتي ووعد مني مهتأخرش عنيكي بكرة وكمان مش هطمَن تروحي مع حد لازمن أني اللي أكون وياكي .
أنهيا حديثهما وتوجهت كل منهن إلي حيث تريد،
بعد نصف ساعة وصلت سكون المشفى وقامت بعملها بإنجاز وأدت جميع ماعليها من أمور العمل حتى أنهتها بجديتها المعروفة ،
ثم صنعت قدحها المفضل وجلست في مكانها المعتاد وحدها فصديقتها فريدة عطلتها اليوم ولم تأتي ،
لم تمضي نصف ساعة من جلستها حتى دلف عمران المشفى هو وأخته حبيبة ،
وتلقائي دار بعينيه ناحية المكان التى تمكث فيه دائماً وما إن تلاقت أعينهما حتى دقت قلوبهما عشقا ،
فحق البدايات الأولى للحب تشبه النسمات الرقيقة التى تمر علينا تنعش روحنا في يوم شديد الحرارة ،
لها لذتها الخاصة ومذاقها الممتع ففيها كل عاشق يرى محبوبه بعين الكمال ولم يرى فيه أي نقصان ، لحظات لم تشوبها حروب العشق ولا قوانينها ، فحقا لحظات لن تنسي ولها جانباً خاصا في قلوبنا فالمشاعر الوليدة كالطفل الرضيع لن يحمل هما الحياة وكذلك هي لم تحسب هما للفراق ،
عندما تلاقت أعينهما باغتها بغمزة تتبعها ابتسامة تتبعها علامة أن تسبقهم إلى حجرة الكشف كي يأتى بأخته إليها ،
ابتسمت لحركته بخجل وفهمت مغزى نظراته ثم قامت من مكانها وسبقتهم الي الحجرة وهو يتفحصها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها ، ولكنه تبدلت نظراته المحبة إلى نظرات حار،قة حينما رآها وتوعد داخله لها فور أن يراها بعد دقائق ،
وصلت إلى حجرة الكشف ثم أغلقت الباب خلفها وهي تقف وراءه وتستند عليه وتضع يدها على قلبها تهدأه من دقاته التي شنت عليها فور أن رأت ذاك الحبيب ،
أما عمران أجلس أخته في صالة الاستراحة ثم تحدث شارحا:
_ هروح أجيب لك عصير تشربيه علشان روحك ترد لك شوية ، وهحجز لك مع الدكتورة وعقبال مايجي دورك وتشربي العصير هسلم على محمد وأرجع لك ربع ساعه بالكتير مهتأخرش ، وكمان الحريم اهنه كتير ومهحبش أقعد وياكي وسطيهم .
أمائت برأسها بابتسامة وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة فحملها صعب للغاية فهي تنهج بشدة منذ أن دخلت شهرها الثامن وتتحرك بصعوبة ،
أما هو ذهب وأحضر لها باكتين من العصير وأنواع عدة من الشيكولا الفاخرة أعطاها منها ووضع واحدة منها في جيبه ثم ودعها وانطلق نحو غرفة الكشف التى تمكث بها سكون والذي سأل عنها بذكاء،
وصل إلى الغرفة ودق على الباب فسمع صوتها تقول:
_ اتفضلي .
دلف عمران بطلته الغاضبة وما إن رأته حتى دق قلبها واحمر وجهها تلقائيا وهي تهتف بتوتر :
_ أهلا ياأستاذ عمران ،
أمال فين مدام حبيبة ؟
نظر إليها بنصف أعين ونطق بحدة متجاهلا تساؤلها :
_ أستاذ مين ؟ اسمي عمران تقوليها علطول إكده احنا بقيناش أغراب ده أولا ،
وتابع كلماته وهو يشير بأصبعه ناحية هيئتها قائلا باستنكار:
_ ثانياً ايه ده بقي ياهانم اللي شايفه قدامي .
اتسعت مقلتيها بذهول وأردفت:
_ شايف ايه يعني مفهماش.
اقترب منها واستند بكلتا يداه على مكتبها وهتف بقرب من وجهها :
_ ايه اللي إنتي لابساه ده ياداكتورة ، لابسالي بنطلون وكمان أبيض ، وحجابك ممغطيش صدرك !
ذهلت من كلماته ولم يأتي بمخيلتها أن بداية كلام العمران بعد اعتراف عشقه تكون هكذا، ابتلعت أنفاسها بصعوبة وتحدثت بفك يهتز :
_ كيف يعني ، ماله لبسي عاد ماهو واسع أهو ومحتشم .
بأمر لايقبل النقاش ألقي كلماته:
_ محتشم مش محتشم متلبيسهوش تاني واسع ولا ضيق ولا أيا يكون البنطلون ممنوع منعاً باتاً.
تعجبت من أمره لها وهتفت باستنكار:
_ وه ومين تكون إنت علشان تتحكم في سكون وتملي عليها طلبات وأوامر عاد ،
هي أولها إكده ولا ايه ياعمران ؟
ثبت عيناه داخل عيناها وتحدث بنبرة عاشق:
_ ماله أولها ! من الآخر أني بغير وغيرتي وحشة ومبعرفش أتحكم في حالي لو شفت اللي بحبهم واللي يخصوني بلبس أني رافضه ، ومن أولها بردوا لازم تتقبلي غيرة العمران اللي بيعشقهم قلبه ، وبعدين معنديش ست تخالف أوامر جوزها .
__ جوزها ! .. جملة تعجبية نطقتها سكون بعيناي متسعة من جرأته معها وعقب ذاك العمران عليها وهو يحرك رأسه بموافقة :
_ أها أمال هو احنا بنتسلى ياداكتورة ؟
أخفضت بصرها خجلا وصارت لاتقوى على النظر إليه ولم تقوى على الرد من شدة خجلها من تصريحاته التى فاجأها بها ،
لاحظ خجلها فتابع بهمس :
_ شكلك وإنتي خجلانة يتحكى فيه مواويل ياقلب العمران ، أني مش عارف ميتة اتعلقت بيكي إكده وأني شايفك من مدة قليلة مكملناش شهر ، هو إنتي سحرتى العمران ياسكون ؟
على نفس حالة الخجل التى اعترتها ولم ترفع أنظارها إليه ولكن ابتلعت أنفاسها بصعوبة بالغة ورددت بهمس :
_ كفاياك ياعمران مش من أولها إكده ، واحدة واحدة علي علشان أقدر أستوعب اللي وداني بتسمعه منيك .
بنفس الهمس أجابها :
_ وه وأني مين يصبرني لما أشوفك قدام عيوني ومتكلمش وأبوح باللي شايله في قلبي سنين للي هتوبقي من قدر ونصيب عمران ،
لع ياداكتورة متقوليش إكده علشان خطر على القلوب اللي بتجبريها تسكت في حضرة المحبوب غصبانية .
استمع إلي رنات هاتفه فوجدها أخته ، فتحدث إليها قائلاً:
_ داي أختي حبيبة هروح أجيبها وأجي علشان تطمنيني عليها واعملي حسابك ولادتها على يدك بإذن الله ياداكتورة وهيوبقي جميل نرده لك وقت ماتبقي زييها إن شاء الله ،
ألقي كلماته وهو ينظر إليها بشقاوة عاشق ، لاحظ خجلها فقام من مكانه وخرج من الغرفة وأتى بأخته إليها ،
جلست أمامها وبدأت سكون بالكشف عليها وأسئلتها وهي تقوم بعملها بمهنية ، ثم استأذنتها أن تقوم وتصعد للفحص الطبي أمام الجهاز ،
أسندها أخيها وأوصلها ناحية التخت الخاص بالفحص ثم استأذنته سكون :
_ كفاية إكده وأني هساعدها اتفضل يا أستاذ عمران ،
رفع حاجبه إليها من كلمة "أستاذ" التي نطقتها ولكنه رأى نظرات عيناها تترجاه أن يمررها أمام أخته التى لاتعرف شئ ،
قامت بفحصها بعناية ثم هتفت بابتسامة:
_ إنتي حامل في توأم وطبعاً تعرفي ،
ثم دققت النظر للجهاز وهي تحرك يدها على بطنها بتركيز كي تعرف نوعية الجنين وبعد خمس دقائق أردفت بابتسامة:
_ بنتين كماني وهيطلعوا قمرات لأمهم بإذن الله.
كانت حبيبة تعلم نوعية جنيناها فهزت رأسها بابتسامة فقد ارتاحت نفسها لتلك الطبيبة وانشرح قلبها لها ،
بعد عشر دقائق أنهت سكون الكشف عليها وأملتها استشاراتها الطبية التى تتبعها حتى تضع جنيناها على خير ومن الممكن أن تلدهم ولادة طبيعية دون إجراء عملية قيصرية ،
أنهت الكشف وودعوها وخرجوا ، وأثناء خروجهم أشار اليها عمران بيده أنه سيهاتفها ، فرح داخلها باهتمامه بها وغيرته عليها بشدة وجلست علي كرسيها وهي تردد بحب :
_ ربنا يجعلك من نصيبي ياحبيبي.
_____________________________
في مكتب المحاماة تتابع رحمة عملها بمهنية وتعي لكل حرف تتفوهه تلك المديرة السابقة لماهر البنان ، فرحمة سريعة البديهة وحلمها أن تصل لمبتغاها بأن تصبح محامية ذات صيت واسع لم بل لم يُِسمع عنه من ذي قبل ،
فتحدثت المديرة قائلة :
_ دلوقتي معاد القهوة المعتادة بتاعت المتر وهتلاقي عم إسماعيل داخل بيها دلوقتي ،
هتقومي بنفسك تدخليها وأثناء مابيشربها هتنظمي له المكتب وتظبطي الملفات وخلي بالك متلخبطيش الأوراق ولا الملفات في بعضها ، تعرفي إنتي بتعملي إيه علشان لما يخلص قهوته هيرجع مكتبه وهيسألك على ملف معين تديه له فخلي بالك من التركيز علشان ده عامل مهم مع المتر .
استمعت إلى توجيهاتها وبعد دقيقة واحدة أتى الساعي بالقهوة ، دقت على الباب ثم دخلت بالقهوة إليه ووضعتها على المنضدة الموجودة باستراحة المكتب كما أدلت عليها سمر ،
ثم تحدثت وهي تقف أمامه بارتباك فهي تخشاه قليلا :
_ القهوة بتاعت حضرتك يافندم جاهزة اتفضل.
تنهد ببطئ ثم خلع نظارته العملية ووضعها بإهمال على المكتب وقام من مكانه وذهب تجاه القهوة كي يتناولها بهدوء كعادته ،
أما هي ذهبت إلى المكتب ونظرت إليه بتفحص شديد ،
وأول شئ رصدته عيناها إيصالا بنكيا مدون فيه اثنان مليون جنيه ، لم تنبهر بالمبلغ فهي ابنة سلطان المهدي وأخت عمران المهدي التى تربت على القناعة وعزة النفس ،
نحَّت الإيصال جانباً كي لايفتقد وتلك كارثة ، ثم قامت بتنظيم الملفات بعناية فائقة ، وحملت نظارته ووضعتها في الجورب الخاص بها ، ونظمت الفوضى المحاطة بالمكتب ، كل ذالك تحت أنظار ماهر والذي كان ينظر إليها بترقب كي يرى ماإذا كانت منتبهة أم لا ،
ولما لا فالتي تعمل بمكتب ماهر البنان لابد أن تملك عيونا كالصقر وفهما ومكرا كالثعلب ،
لاحظ عدم انبهارها بالإيصال وكأنها لم ترى شيئا قط ،
انتهى من قهوته المعتادة وعاد إلى مكتبه ثم تحدث إليها باستفسار:
_ مقلتليش إن جاسر يبقي بن عمك ولا انتو الاتنين جبتوا سيرة ممكن أعرِف السبب ؟
احمر وجهها رعباً من تساؤله المفاجئ فيالك من ذئب ماكر تعرف دبة النمل في جحره ،
فاستجمعت شتاتها وأجابته :
_ حضرتك شغلك هنا مبني على إن مفيش حاجة اسمها قريبي أو ابن عمي أو أخوي وأنا حبيت أنفذ كل التعليمات ، وجاسر بردك عارف التعليمات داي فعلشان إكده ولا كأننا نعرف بعض يافندم .
رفع أنظاره إليها وتحدث وهو ينظر داخل عيناها كي يستشف مابهما :
_ بس أكيد عرفك نظام الشغل اهنه وفهمك كل حاجة وعلشان إكده خدتي حظرك كويس ونَجحتي في الاختبار من غير تعب ولا حسابات زي زميلاتك اللي مشيوا.
كادت أن تنطق ولكن قبل أن تتحدث أشار إليها بيده قائلا :
_ اتفضلي اقعدي ياأنسة .
جلست على الكرسي وداخلها متوتر من هالته القوية التى تراها فيه ، فقلبها يدق بعنف من الجلوس أمامه كما التلميذ أمام المعلم ، وأجابته وهي تتحمم :
_ مش هكذب يافندم إنه عرِفني طريقة حضرتك وعرِفني إن فيه اختبارات وإن حضرتك دايما بتطلب حاجات تعرِف منيها مدى استيعاب اللي بيشتِغل معاك ، لكن معرفنيش الاختبار نوعه ايه ولا ميتى ولا أتصرِف فيه إزاي ، وأظن البنات اللي مشيوا حضرتك نبهت في أول مقابلة لحاجات زي داي وكمان أني عنت الملفات في مكان ميجيش في بال حد ولا حتى بن عمي.
رفع حاجبه باستمتاع وهو معجب برد تلك الماكرة الصغيرة والتى تنبأ لها في الحال بأنها ستكن ذات شأن عظيم في مهنة المحاماة ،
ثم أشاد مرددا بإعجاب لأول مرة :
_ برافو برافو ردك منظم وواعي ونوعاً ما أقنعتيني ، بس في حاجة مهمة لازم تعرِفيها ياأنسة إن الطريق المستقيم هو أسهل الطرق يعني الصراحة والوضوح في أي شئ هيكسبوكي كتييير ، دهاء المحاماة مبيستخدمش في كل الأوقات ودايما سيبي مساحة راحة لعقلك ومتزحميهوش بأي تفاهات علشان متتشتيش ودي نقطة مهمة لازم تاخدي بالك منيها.
كانت تنظر إليه بانبهار وتدون كل ما قاله في قلبها قبل عقلها ، فهو مثلها الأعلى ودوما تراه في مرتبة الشرف الأولى لتلك المهنة ،
وهتفت باستجواد :
_ تعاليم حضرتك بالنسبة لي هجمعها في عقلي وهعملها مدونة جواه وهركز فيها دايما وهراجعها علطول وبإذن الله هكون تحت حسن ظن حضرتك.
هز رأسه باستحسان وسألها بمغزى :
_ كان فيه شيك هنا بتاع عميل مهم ودتيه فين ؟
بسرعة فائقة ناولته الشيك قائلة :
_ اتفضل يافندم .
تناوله منها ووضعه في الدرج أمام عيناها ثم تحدث وهو يشير ناحية الباب:
_ تمام يارحمة اتفضلي انتي روحي شوفي شغلك ولو احتاجت حاجة هبعتلك .
قامت من مكانها وانصرفت من أمامه وخرجت تعاود عملها بمهنية .
________________________________
ليلا وبالتحديد عند غروب الشمس تجلس رحمة في حديقة المنزل تراجع دروسها فالامتحانات أوشكت علي البدئ ، وأثناء اندماجها استمعت إلي صوت تعرفه جيدا :
_ أه الست المحامية الكبيرة اللي نسيت واد عمها اللي مبقاش يتلم عليها عاد ولا يتكلموا مع بعض زي الاول .
رفعت رأسها وتحدثت بابتسامة ارتسمت على معالم وجهها وأبرزت أسنانها البيضاء بشدة :
_ وه هنقر من الاول عاد يامتر ، تعال اقعد إنت اللي مش فاضي لتلميذتك النجيبة وبت عمك .
جلس أمامها وهتف باستنكار:
_ وه أني بردك ! أه خدوهم بالصوت قبل مايغلبوكم ، اهه المثل ده ينطبق عليكي يابت عمي .
قهقهت بشدة على طريقته الدعابية وأردفت باعتذار محبب :
_ خلاص متزعلش واصل حقك علي ، قول لي أخبار قضاياك ايه اللي مبتخلصش ؟
تنهد بتعب حينما ذكرته بها واجابها بحمد :
_ ايه الحمدلله ، بحاول بقدر الإمكان أجتهد علشان يبقي ليا مكان وسط العتاولة اللي موجودين ، الله المستعان يارحمة ،
وتابع كلماته وهو يسألها عن حالها :
_ قولي لي كيفك انتي في مذاكرتك وعاملة إيه في شغل المكتب ووصلتي لحد فين ؟
مطت شفتيها بامتعاض واردفت:
_ اسكت ياجاسر المتر النهاردة طلع مش سهل واصل واتكسفت حتة كسفة.
أنصت باهتمام لكلامها وسألها :
_ ليه حوصل ايه عاد احكي ؟
تركت الكتاب من يدها وشبكت كلتا يداها في بعضهم مردفة:
_ عرف إن اني وانت ولاد عم ، وقعد يقول لي هو اكيد اللي عرفك نظام الشغل اهنه ، وهو إللي فهمك بطريقه ماهر البنان ، وخد عنديك بقي من الحاجات دي واني كنت واقفة مرعوبة منيه .
ضحك بخفة على طريقتها المرتعبة فزادها خوفاً بكلماته :
_ وه عاد اترعبتي من أول مواجهة مابينك وبين الأستاذ ، أمال بقي لما تعرِفي أنه حاسس برعبك ده وعارف ميتي تُبقي ولا هامك وميتي تبقي مرعوبة منيه ، ده بيكشف اللي قدامه من نظرة عين ، أمال سموه خط المحاكم ليه مش من فراغ ياقلبي.
اتسع فاهها من تخويفه لها وأردفت وهي تفتعل اللامبالاة وأنها لاتتأثر من كلامه :
_ ولا يهمني عاد وإذا كان هو بقي ماهر البنان ، اني هبقي رحمة سلطان المهدي اللي القضاه هيعملوا لها حساب بعد إكده لما يشوفوها في المحكمة وبكرة تشوف .
قهقه بشدة على طريقتها وفخرها بذاتها المعتادة عليه :
_ بالراحة إكده متطلعيش للعالي أوي مرة واحدة لاحسن تدوخي وتقعي على جدور رقبتك ،
وتابع حديثه كي يطمئن عليها:
_ قولي لي أخبار المذاكرة إيه تمام ولا انشغلتي بالشغل والمكتب عنيها ؟
أجابته بثقة :
_ وه كيف أنشغل عن دراستي دي أهم حاجة بالنسبة لي وهي اللي هتعمل لي مستوى وقيمة في المكتب وفي حياتي كلياتها .
نظر إليها بعشق يلمع داخل عيناه ولكنها لاتراه ولا تشعر به فصعيرته التي عاش معها طفولتها وشبابها قد كبرت وصارت امرأة في جسد أنثى ، تمني أن ينطلق لسانه ويحاكيها عن عشقه لها لكن دوما لسانه يقف عن حكواها واعترافه لها ، وعيناه تكتفي بالنظر إليها والتأمل بها خلسة ،
لاحظت شروده فسألته باستغراب :
_ مالك ياجاسر رحت فين إكده ؟
تحمحم بهدوء وحاول أن يبدوا طبيعياً ثم أجابها:
_ لاا ولا حاجة ياحبيبي انا كويس .
ابتسمت لحنوه ثم أردفت بمحبة :
_ ياه إنت لسه شايفني البنوتة اللصغيرة بنت العشر سنين وبتعاملني على إني إكده ومكبَرتش ، قد إيه إنت قلبك طيب ويابخت اللي هتكون من نصيبك ياطيب .
كلماتها مفرحة ومحزنة في آن واحد ، دق قلبه حزناً وفرحا في نفس اللحظة ،
ونظر اليها وعيناه لاتكتفي منها عشقا ولا لهفة ، يود أن يأخذها بين أحضانه ويردد في أذنيها ترنيمات غرامه ، ويلقي عليها حكواه العاشقة ، ويحكايها كالأمير والسندريلا أو حكاوي شهريار ويعيش معها الألف ليلة وليلة ولكن ماهذا القدر المعاند لك أيها الجاسر فهي تراك أخا ولا تراك غير ذلك ، حسنا فلتصبر حتى تنهى عامها الدراسي وتبدأ رحلتك معاها ولكن تحمل يارجل إن أشعرتك بأنك لست في قلبها ولا عقلها غير أخ واسعى وجاهد كي تنال حلمك الذي سعيت له ،
ووجد لسانه ينطق:
_ والله مافي أطيب من قلبك إنتي ياحبيبي.
ثم قام من مكانه معتذرا لها معللا بالعمل المتراكم عليه وتركها وغادر ،
أما هي حدثت حالها بصوت مرتفع وهو مندهشة من تغيراته معها :
_ ماله إكده النهاردة سرحان ومش على بعضيه ، ياترى بيحب جَديد ده ولا ايه !
وسرعان مانفضت عن بالها وعادت إلي مذاكرتها تؤديها بمهارة فحلمها لن تتنازل عنها وستصل إلي اللقب التى تسعى إليه جاهدة منذ صغرها ألا وهو " البروفسيرة رحمة المهدي"
________________________________
انتهى اليوم وجاء الصباح محملاً بنسماته واستيقظت مكة ظهرا فهي لم تذهب الى الجامعة اليوم ، وأول شئ اطمئنت عليه هو وجود سكون أختها لأنها ستذهب معها تلك المقابلة اليوم ، وجدتها هي الأخري تغفوا في سبات عميق ، قامت من مكانها وذهبت إليها توفظها من نومها :
_ سكون ، سكون قومي عاد علشان منتأخروش.
همهمت الأخرى بكسل:
_ ايه ياقلق إنتي سبيني أنام شوي .
ضر،بتها في كتفها بخفة وأردفت بنبرة لحوحة:
_ لع يالا قومي حالا مهستناش ، إكده هنتأخروا يالا يالا قومي .
قامت من نومها تتأفف وهي ترجع خصلات شعرها المبعثرة من أثر النوم وهي تردد بحدة :
_ ده إنتي رخمة بلا أرخم واحدة في الدنيا ، ماكنتي سبيني نايمة شوي .
سبقتها إلى الحمام وهي تردد :
_لع هنتأخروا على المعاد يالا قومي ظبطي أمورك ، نص ساعه وهنتحرك .
وبالفعل قامت سكون من مكانها كي تجهز حالها ،
بعد مرور ساعة ونصف هبطت كل منهما السيارة ووقفا أسفل البناية ، دقات قلب مكة تثور عليها ولم تصدق عيناها أنها تقف أمام المبنى الذي لم تحلم يوماً أن تصل إليه بتلك السرعة ، هاتفت الإعلامية هند كامل وبدورها طلبت منها الصعود إليها فهي الأخرى في انتظارها ،
دخلت المبنى وذهبت إلى مكتب السكرتارية كما أدلت إليها وأدخلتهم إليها ،
قامت من مكانها ترحب بهم فهي مثال للذوق والتواضع ومعلوم عنها ذلك ، ولكن الدهشة بدت على معالم وجهها حينما رأتها بالنقاب وأردفت:
_ ايه ده إنتي منتقبة مكنتش أعرف ؟
ابتسمت وأجابتها بفخر :
_ أيوه حضرتك وبحب نقابي جداً ومعتزة بيه .
أمائت هند بابتسامة وأردفت:
_ بحب أووي اللي عندهم إصرار وعزيمة لحاجة بيحبوها وبيعتزو بيها ، وعموماً إنتي جميلة في كل حالاتك حبيبتي ،
وبعد مرور نصف ساعة يتحدثون في أمور العمل تحدثت هند بتوضيح:
_ أيوه هتبقي المساعدة بتاعتي اللي هتنظم معايا الحلقة اللي بعملها كل أسبوع وهتتابعي الصفحات بتاعتي على السوشيال ميديا كلها ، ايه كتيير عليكي ولا ايه ، مع إني مش شايفه كتيير ولا حاجة ده إنتي عملتي حوار رائع ومنظم مع النجم أدم المنسي وبإمكانيات تصوير لاتذكر علشان كدة اختارتك إنتي .
انفرجت أساريرها ولكن سألتها مكة بفضول:
_ بس حضرتك ايه اللي جابك الصعيد وقنا بالتحديد تعملي فيها برنامجك ويبقي الاستديو الخاص بيكي إهنه وإنتي أصلاً من القاهرة، معلش سؤال فضولي .
ضحكت برقة على استفسارها واجابتها بإبانة :
_ علشان بكل بساطة اتجوزت صعيدى ياستي بس أنا مابين هنا وهناك .
هزت رأسها وعلى وجهها علامات الابتسامة ، ثم سألت هند وهي توجه السؤال لسكون:
_ بس أنا معرفتش إنتي تخصصك ايه ياسكون ؟
أكيد في مجال مشرف زي بنوتتنا الموهوبة مكة .
أجابتها سكون بكل تواضع يليق بها :
_تسلمي لي يا أستاذة ، أني طبيبة نسا وتوليد مخلصة الكلية من سنتين .
_ماشاء الله ، ربنا يحفظكم يا بنات.. جملة دعائية عقبت بها تلك الهند وتابعت حديثها وهي تناول مكة بعض الأوراق قائلة :
_ اتفضلي يامكة ده عقد العمل اللي بينا وكل حاجة هتبقي خاصة بيكي هنا ، العقد مدته خمس سنين ، ولو أثبتي جدارتك معايا هيتجدد بإذن الله ونستمر مع بعض.
كانت حائرة وهي تنظر للعقد بين يديها وخائفة ولكن شجعتها سكون بنظراتها أن تقدم لأولى خطوات نجاحها ،
تفحصت العقود ثم جال بخاطرها أمر ما فتحدثت:
_ بعد إذنك يعني ياأستاذة فيه حاجة مهمة حابة أقول لحضرتك عليها علشان نبقوا على نور من البداية.
أمائت هند برأسها:
_ قولي حبيبتي اتفضلي ، أنا بحب الصراحة في كل حاجة وأن النقط تتحط على الحروف من البداية.
ابتلعت انفاسها وتحدثت بما تريده :
_ أني لو جه عليا يوم من الأيام وشغلي إهنه هيتعارض إني أخلع نقابي ده هيبقى مستحيل ، أظن ان شغلي هو اللي هيحدَد مهارتي مش حاجة تانية ، علشان ميجيش يوم وينطلب منه أقلعه وأتخلى عنيه ، ساعتها مش هيحصُل عاد وممكن أسيب الشغل وقتها عادي جداً.
نظرت إليها هند بإعجاب وهتفت بطمئنة لها:
_ لاا ياستي اطمني احما معندناش هنا حكر لحرية حد ولا أننا بمدخل في مظهره طالما منمق ويليق بفريق العمل بتاعي ، وإنتي واضح جداً إنك منظمة وبتهتمي بمظهرك والنقاب زايدك جمال تبارك الله.
أخذت نفسا عميقا وزفرته بارتياح ثم أمسكت القلم وقامت بالإمضاء على العقد ،
تناولت المباركات بينهن ووعدتها مكة أنها ستأتي إليها بعد شهران من الآن تكون أنهت اختاباراتها وستبدأ معها رحلتها الاولى نحو الإعلام حلمها المستقبلي.
أنهيا مقابلتهما وودعاها وخرجتا الاثنتان وقلوب مكة ترفرف فرحا بأول خطوة في مستقبلها وأنها تيسرت لها بالفرصة التى أتتها على طبق من ذهب ،
بعد أن خرجا هاتفت هند أحدهم وأتاها رده :
_ أيوه بابني إنت فين ؟
أجابها :
_ عشر دقايق وهتلاقيني عندك .
بعد مرور ربع ساعة دلف الفنان آدم المنسي ذاك الاستديو وتوجه مباشرة إلي مكتب أخته هند كامل ،
دلف إليها وهو يفتح ذراعيه لها :
_ حبيبتي اللى وحشاني أوووي ، عاملة ايه ؟
شددت الأخرى من احتضانه وهتفت بعتاب :
_ والله أنا لو وحشاك مكنتش قعدت اسبوعين بحالهم من غير ماتشوفني .
مط شفتيه بدلال وهتف :
_ خلاص بقي متمسكليش على الواحدة ، إنتي عارفه حفلات بقي وحوارات المغنيين عاملة ازاي ،
واسترسل حديثه وهو يسألها :
_ ها عملتي إيه يارب تكون مضت العقد .
أشارت على حالها بفخر واجابته:
_ طبعاً يابني ، هي كانت تحلم أصلا تشتغل مع هند كامل ، دي مكنتش مصدقة نفسها.
انفرجت أساريره وهتف بامتنان:
_ حبيب قلب أخوه والله ، إيه يابت ياهنودة الجمدان ده .
ضحكت بشدة على مشاغبة أخيها ثم هدأت أنفاسها وسألته بدهشة :
_ أنا مش فاهمة ليه اللف والدوران والقصة دي كلها ، واشمعن البنت دي بالذات ؟
نظر للأمام بشرود وأجابها :
_ مش عارف والله ياهند ، كل اللي مسيطر عليا من أول مرة قعدت واتكلمت معاها إني عايزها وعايز اعرف تفاصيلها وعايز أشوفها علطول ،
وتابع حديثه بتأثر :
_ عمرك تخيلتي إن أخوكي حلم بعيونها كذا مرة ، دي عمرها ما حصلت أحس إني عايز اتكلم مع واحدة كده او إني عايز أعرف كل حاجة عن واحدة ، في قوة غريبة بتشدني ليها إيه هي مش عارف.
قوست فاهها بذهول وهتفت :
_ معقوله كل اللي في بالك وفي خيالك إنك متعلق بعيون بس هي اللي شفتها من واحدة !
معقولة تكون أثرت فيك أووي كده دي عمرها ما حصلت !
وتابعت كلماتها بدهشة:
_ معقولة تكون حبيتها يا آدم ؟
هنا امتنعت عقارب الساعة عن الدوران ووقف الزمان عند تلك الكلمة ووجد لسانه يهتف بذهول كحال أخته :
_ حبيتها !
طيب إزاي وانا معرفهاش وكل كلامنا خناق ولا أعرف حتى تفاصيلها ولا أعرف أي حاجة عنها ،
واستطرد حديثه وهو يثبت عيناه داخل عيناي أخته :
_ معقولة هو ده الحب اللي بيحكو عنه واللي ياما غنيت له مووايل ؟
تنهدت هند بتعب لحال أخيها وأجابته :
_ ولي لا ياحبيبي ! هو بعينه ياآدم بس أنت اختارت طريق صعب انتو الاتنين مختلفين اختلاف السما من الأرض ، ياتري هتقدر تواجه الصعوبات دي علشان توصل لها وياعالم إنت بتحبها اصلا ولا مجرد نوع جديد ومختلف شدك وعايز تدخل فيه ولما تجرب ساعتها هتقول بلاش منه .
لم يهمه أي شئ مما قالته أخته ثم سألها بفضول :
_ سيبك من الحاجات دي ، قلتي لي وإنتي بتكلميني قبل كدة إنك لما شفتيها كأنك شفتي روبانزل ، هي جميلة أوي للدرجة دي ياهند ،
اوصفي لي شكلها نفسي أتخيله .
_______________________________
ليلا كانت سكون تجلس في شرفة منزلهم أمامها عصيرا طازجا وقطعة من الحلوى وقامت بتشغيل إذاعة القرآن التي تعشقها ويرتاح قلبها عند سماعها خاصة وهي تدرس ،
وأثناء اندماجها في المرجع الذي أمامها جائتها رسالة عمران ،
حينما استمعت إلى رسالته التي خصصت لها نغما معيناً دق قلبها فرحا ، فتحت محتوى الرسالة وجدتها:
_ كيفك ياداكتورة ، ياترى مشغولة ولا فاضية نتكلموا شوي .
أجابته سريعاً وكأنها تنتظره :
_ اتفضل أتكَلم مبعملش حاجة قاعدة في البلكونة بتاعتنا شوي .
رأى أنه يريد محادثتها هاتفياً فقام بالاتصال عليها وما إن أتاه ردها وصوتها الناعم الذي أصبح محببا إلي قلبه هتف باستفسار:
_قلت لي إنك قاعدة في البلكونة ، قولي لي بقي لابسة ايه ؟
فتحت فاهها على وسعه من تساؤله وتحمحمت وهي تسأله باندهاش:
_ اممم .. ايه السؤال ده مفهماش ؟
اعتدل عمران من جلسته وأعاد على مسامعها نفس السؤال:
_ إزاي يعني مفهماش ؟ سؤالي واضح ياداكتورة وإنتي قاعدة في البلكونة اللي يعتبر شارع وأكتر منيه كمان لابسة ايه ؟
احمر وجهها خجلاً من ما استمعت إليه من ذاك العمران وهمس داخلها ، أحقا يكون ذلك عشق العمران ! ما هذا يارجل مهلا على قلب صغيرتك فهي في فنون العشق راسبة ،
لاحظ شرودها فعقب عليه باندهاش :
هو السؤال صعب أوي إكده ؟
أجابته بخجل :
_ لابسة لبس البيت عادي يعني.
_اه اللي هو إيه لبس البيت العادي يعني ده ... جملة استفسارية نطقها ذاك العمران بتصميم على تساؤله.
ابتسمت لاهتمامه وغيرته الواضحة من كلماته وأردفت بتوضيح:
_احم .. لابسة ترينج وعليه حجاب .
انتفض من مكانه وهدر بها بحدة وتحدث كما أنها امرأته وكأنه يعرفها منذ أعوام وليس فقط شهران :
_ ترينج ! إنتي بتقعدي في البلكونة لابسة ترينج ! وأكيد الحجاب من نص شعرك ومبينة الخصلتين الناعمين ياسكون هانم !
اتسعت مقلتيها بذهول من عمرانها وطريقته المتغيرة كليا معها وأجابته بنفي :
_ لا والله أنا لافة الحجاب على شعري كويس جدا وممبيناش منيه الهوا واصل ،
وتابعت نفيها باستنكار:
_ وبعدين إحنا هنبتديها من أولها إكده غيرة ملهاش عازة وتحكمات ملهاش عازة .
اتكأ بجزعه واستراح بجسده كي يحادثها بهدوء اعصاب كي لايخيفها منه:
_ لع متسميهاش تحكمات عاد ياسكون ، سميها حب وغيرة على اللي مني واللي محبش حد يبص لهم بطرف عينه واصل ،
وخلي بالك عشق العمران مختلف تماماً عن اللي بتسمعيه اليومين دول ، عشق الصعيدي اللي بحق ياحبيبي .
لم يهمها ماقال ولم تهتم بشدة لما سمعته أذناها منه ، ولكن حينما أنهى كلماته "حبيبي" وكأن أذناها أطربت وكأن الزمان وقف عند تلك الكلمة ووجدت لسانها ينطق بهمس دون وعي :
_ حبيبتك !
ابتسم لهمسها وأحس بجسده يهتز شوقاً من كلمتها حقا كلمة أثارت سريرته فماذا عنكي حينما تستقري بين احضان العمران سكوني ، وأجابها بعشق جارف :
_ أه حبيبتي وعشقي الأول واللي أول ست تدق باب العمران هو إنتي ،
ثم همس بصوت رجولي خشن :
_ سكون .
أجابته بنفس الهمس برقة :
_ نعم .
انطلق فاهه بالكلمة التي انتظرتها سكون أخيراً:
_ أني عايز أتجوزك على سنة الله ورسوله ، عايز أجيب الحاج سلطان والحاجة زينب وأجي أطلب يدك مقادرش أصبر أكتر من إكده واصل .
↚
البارت السابع
ثم همس بصوت رجولي خشن :
_ سكون .
أجابته بنفس الهمس برقة :
_ نعم .
انطلق فاهه بالكلمة التي انتظرتها سكون أخيراً:
_ أني عايز أتجوزك على سنة الله ورسوله ، عايز أجيب الحاج سلطان والحاجة زينب وأجي أطلب يدك مقادرش أصبر أكتر من إكده واصل .
صارت قشعريرة بجسدها أكمله من طلب عمران ، وبات قلبها تدق ابوابه الطبول وتلقائيا وضعت يدها على قلبها تهدأ من ضرباته السريعة فهي لم تصدق أن عمران طلبها للزواج بتلك السرعة ، ياإلهي أذالك عشق العمران مختلف ، يالله لقد زارتك السعادة أخيرا سكون وطاب قلبك بطلب عمرانك ،
احقا عشقتِ رجلا لن يراكي إلا حلالاً ولن يتمناكي إلا أميرة على قلبه ،
لاحظ سكونها فهتف بهمس :
_ وه مسمعتش ردك ياسكوني معايزاشي عمران ولا ايه ؟
دلفت الي غرفتها وارتمت على تختها وخلعت حجابها ثم نظرت إلي السقف وقالت بتلهف
ودمعت أعينها بفرحة وخللت أصابع يديها بين خصلات شعرها وهي متوترة وخجلة :
_ لااا طبعاً ، بس كل الحكاية إني مكسوفة شوي .
بدا شبح ابتسامة خفيفة على ثغره وهتف إليها وهو في بحر لهفته عليها:
_ مسمعتش ردك إياك ؟
اجيب الحاج سلطان والحاجة زينب وأجي ولا عايزة تفكِري وتاخدي وقت وتدرسي عمران ؟
أراحت جسدها المهزوز من أثر كلماته على الكرسي الذي تجلس عليه وأجابته وهي تداعب خصلات شعرها:
_ هقول لماما وأبلِغك بالمعاد وتقدر تاجي وقتها وتنوِر بيتنا .
ارتسمت البسمة على محياه وتحدث بحب :
_ مشتاق أووي إني أشوف المكان اللي اتولدتي فيه أكيد هيُبقى حاجة رقيقة إكده زي اللي ساكناه .
ارتبكت بشدة من غزله بها فحقا محبتها له كانت صادقة وقلبها انتقى خليله ببراعة وأردفت بنبرة رقيقة :
_ لا والله ده مكان عادي شقة صغيرة إكده علي قدنا انا وأمي وأختي الصغيرة أما الكبيرة اتجوزت .
استمع إليها باهتمام ثم سألها:
_ إنتي والدك متوفي امته ، وإنتي صغيرة أووي ولا من قد ايه ؟
أخذت نفسا عميقا وزفرته بحزن عندما ذكرها بأبيها وأجابته :
_ بابا ميت من ١٢ سنة مات وسابنا واحنا في عز احتياجنا ليه ووجوده جمبنا ،
وتابعت كلماتها عن والدها بحنان واشتياق لذكراه :
_ أني كنت متعلِقة بيه كتييير أووي ، وكان بيحبنا إحنا التلاتة وعمره ماحسسنا غير إننا حوريات ومكانش مضايق علشان خلفته بنات لاااا كان حنين علينا حنية الدنيا بحالها .
انزعج كثيراً من نبرتها الحزينة وهي تتحدث عن والدها وشعر بالحزن لأجلها وردد :
_ تعيشي وتفتكري معلش قلبت عليكي الأحزان ، وربنا يبارك في ست الكل ربت أحسن تربية ومقصرتش وياكو وطلعتكم بنات زينة ينضرب بيها المثل في الأخلاق.
اندهشت من طريقة كلامه عنهما وكأنه يعرفهما منذ زمن وسألته :
_طريقة كلامك وكأنك عارفنا كويس مع إننا منعرفش بعض من كَتييير أووي .
ابتسم لذكائها وهتف:
_ وه مش سألت عنيكم وعرفت كل حاجة ، مش اللي بيحب حد بيحب يعرف عنيه كل حاجة واصل ولا ايه ياداكتورة.
مطت شفتيها بدلال وسألته:
_ طيب عرفت ايه بالظبط ياحضرة عمران بيه ؟
ضحك بخفة على دلالها وأجابها:
_ سيماهم على وجوههم والجواب باين من عنوانه وانتي إكده كانك الطيبة عنوان ملامحك والهدوء هو جارك والطلة اللي تشبه الملايكة سكنك .
لااا عمران ارئف بحالتي ولا ترميني في بحور عشقك وأنا لم أتعلم السباحة بمهارة ،
فأنا لست خبيرة ولا قلبي يستطيع أن يلاحق قلبك ويجاريه بجدارة ،
استجمعت شتات مشاعرها المبعثرة على يد ذاك العمران ورددت :
_ كلامك جميييل أووي ياعمران ومقدِرش عليه براحة على قلبي .
ابتسم على هدوئها و رقة بدائية مشاعرها وهتف:
_ لا من الأولة إكده هتفرفري واحنا يدوب بنقول بسم الله ، لاااا عايزك تُبقي لينة معاى ومتوهيش مني ده اني خلاص هبقي جوزك .
دق قلبها بوتيرة سريعة وأردفت بخجل قبل أن تغلق الهاتف معه :
_ لاا لحد إكده وكفاية مهتحمَلش ، واللي عايزه ربنا هو اللي هيكون ، هكلمك أبلغك بالمعاد ، في رعاية الله .
استمع إليها بدقات قلب تنبض عشقا لتلك الساحرة التي أسرته برقتها ونطق بعشق :
_ واني في انتظارك ياسكوني ، في رعاية الله.
أغلق الهاتف كل منهما وظلا ينظران إليه ثم احتضناه كل منهم وكأنه شاهد على التقاء الأحبة ،
هبط عمران الأدراج وجد والديه يجلسان يشاهدان أحد المسلسلات ،
فحمحم قائلاً:
_ السلام عليكم ، كيفكم ياأبوي ؟
ردا كل منهما السلام بابتسامة مشرقة ، ثم جلس عمران بجانب والدته ودفن حاله داخل أحضانها ، وتلك الحركة تعشقها ولكنها استفزت أبيه الذي ردد باستنكار:
_ وه بعد عنيها ياواد إنت ، هو إنت مفكر حالك لساك صغير ولا ايه .
رفعت زينب حاجبها باستنكار وردت هي عليه وهي تشدد من احتضان ولدها الوحيد :
_ وه أه صغير وهيفضل صغير ومهيفارقش حضن أمه واصل حتى لو علامات الشيب علمت على كل ملامحه ،
وتابعت كلماتها بمشاغبة وهي تنظر إليها نظرات ماكرة انثوية:
_ قول بقي إنك غيران عليا منيه ياحاج سلطان ولا معتعترفش .
نفض جلبابه و أجابها وهو يشعر بالضيق:
_ وه ، زينب سبيكي من كيد النسا ده مهياكلش معاي ،
وبعدين أه بغير هو إنتي مش مرتى عاد ولا ايه .
ضحك عمران وكاد أن يتحدث إلا أن والدته أبعدته عن حضنها وهتفت باعتذار :
_ معلش بقى يانن عيني مهقدرش على زعل بوك ده هو وزعله في كفه والدنيا بحالها في كفة تانية ،
وتابعت كلماتها وهي تراضي ذاك السلطان:
_ خلاص بقي ياأبو عمران سيبته أهه بس متزعلش واصل.
ابتسم عمران على محبتهم وفرح لكونهم قريبين من بعضهم رغم كل السنوات إلا أن قلوبهم لازالت تنبض عشقا ، وتخيل حاله هو وسكونه حينما يصل بهم الزمان إلي ذاك السن فهل سيكونان مثل أبويه أم سيغيرهم الزمان ،
وحينما أتت سكون إلى باله تحدث لوالدته متسائلاً:
_ إلا قولي لي ياأم عمران إيه أكتر حاجة تتمنيها في الدنيا دي ؟
اتسعت مقلتيها وأردفت بذهول:
_ اوعى تقول انك خلاص نويتها ياولدي وأخيراً هتفرِح قليب أمك ياحبيبي .
أماء برأسه بموافقة على كلامها وأردف بابتسامة:
_ نويت ياأمي خلاص ، وعايزك إنتي وأبوي تروحوا تخطبهالي .
هللت بسعادة عارمة وانطلق لسانها بالزغاريد وهي تردد :
_ ياألف نهار أبيض ، يانهار الهنا والفرحة الكبيرة هتاجيكي يازينب وهتشوفي ولدك الزين عريس ،
وأكملت باستفسار:
_ اوعي تكون بتشتغلني ياواد ورب الكعبة هدبسك في أي واحدة من اللي اختارتهم لك قبل إكده .
أشار بكف يداه وهو يردد برفض قاطع:
_ لاااا واحدة مين ، أني خلاص نقيتها ياأمي وهتعجبك قوووي وهتشوفي بقي نقاوة ولدك عمران عاملة كيف .
تحدث سلطان بفرحة وهو يسكت زينب:
_ خلاص بقى يازينب اهدى إكده وخلينا نعرفوا هي مين وايه الحكاية عاد ،
ثم نظر إلى عمران وأكمل :
_ تُبقى مين ياولدي والله فرحت لك يابوي .
ربت على ظهر أبيه بحنو واردف بتوضيح:
_ تعيش وتفرح يابوى ، هي اسمها سكون محمد المهدي بوها الله يرحمه كان شغال موظف في الوحدة المحلية تبعنا وسألت عنيه لقيته راجل كُمَّل ومحترم والخلق كلياتها شهدت بأخلاقه .
هتف سلطان مباركا له وهو يربت على فخذيه بحنو :
_ مبارك ياولدي طالما سألت عنيها وطلعت زينة وبنت ناس وكماني تكرم لجل يُتْمِها ، والمصونة متعلمة ولا معاها ايه ؟
أماء برأسه بموافقة وأجابه :
_ أمال يابوي داي داكتورة نسا وتوليد وحاجة عال أووي ولما تشوفها هتقول لي يازين ماختارت بصوح .
هللت زينب وقامت من مكانها وانطلقت بالزغاريد وهي تدور حول نفسها في بهو القصر وهي تتغنى فرحا بعروس ابنها :
_ الله أكبر اسم الله عليك ياولدي ربنا يجعلها عروسة الهنا والسرور ويبعد عنيك العيون ، اسم الله اسم الله .
ابتسم كلاهما على سعادتها والتعبير عنها بشراهة ، ومن ثم هبطت رحمة من الأعلى على صوتها وأتت وجد من بيتها المجاور لهم على تهليلها وهي تتسائل حيرة عن مكنون تلك الزغاريد ، فتسائلت رحمة :
_ وه إيه الزغاريد دي كلها ياحاجة زينب هو العيد بكرة ولا ايه فرحينا معاكي عاد .
وضعت يدها على صدرها تهدأ من ضربات قلبها ثم اجابتها بعيون تشع سعاده :
_واكتر من العيد يا بتي باركي لاخوكي اخيرا هيفرح قلب امه وهيتجوَز .
كانت تلك الوجد تقف على اعتاب المنزل وما ان استمعت الى كلمات زينب حتى ابتعدت عن الباب وتنحت جانبا وهي تضع وجهها بين يديها والذي اصبح لونه بلون الجمر مما استمعت اليه ولم ياتي بمخيلتها فقد باءت جميع محاولتها بالفشل ،
ولكنها جزت على اسنانها بغ،ضب شديد وتوعدت داخلها بان ستجعل هذا المنزل يضيء بالن،ار بدلا من الكهرباء مما ستفعله بهم ، فعمران بالنسبه لها عشقها التي حلمت سنين وسعت لأن يكون زوجها الأخير زوج العمر، است بأن الني،ران تشب بين ضلوعها وتكاد تأكلها اكلا بل ان وجع الني،ران اهون من وجع ذاك الخبر الذي سمعته للتو ،
هدات من حالها ورسمت وجه الحرباء التي تتلون بألوان مختلفة كي تخدع عدوها وتنقض عليه كي تفترسه ودلفت اليهم وهي تسأل بجدية مصطنعة وكأنها لم تعلم:
_فرحينا معاكي يا حاجة يونوبك ثواب الفرحة بقى لها سنين مدقتش بابنا.
اخبرتها زينب بفرحة عارمة:
_افرحي يا بت يا وجد اخيرا عمران ولدي هيتجوَز وهيجيب لي الحفيد اللي ياما بحلم بيه منيه هو مخصوص .
كان عمران ينظر اليه بنظرات تحدي وكأنه يخبرها بأنه وعد ونفذ وبأنها لم تكن له سوى جارة فقط وليس لها وجود في قلب وعقل العمران ،بادلته نظراته بنفس التحدي وهي تردد بوجه مرتسم عليه الهدوء والسعادة بحرفية :
_مبروك يا عمران ربنا يتمم لك على خير وتُبقى عروسه الهنا والسعد .
رد عليها مباركتها بفتور وهو ينظر جانبا قاصدا فعلته تلك كي يشعرها بانها ليس لها مكانة ولا أهمية بالنسبة له وتبعد عنه:
_ الله يبارك فيكي .
بعد تهاتفهم جميعا على عمران بالمباركات قامت وجد من مكانها وهي تقصد المطبخ قائلة بفرحة مصطنعة:
_انا هقوم أعمل شربات ونشرب حلاوة الخبر الجميل ده هو عمران ولد سلطان اي حد واصل لا ده زينه شباب الناحية بحالها .
ربتت زينب على ظهرها بحنو وهي تردد بامتنان:
_منحرمش منيكي يا بتي وعقبال ما نجملوكي في الافراح يارب .
بادلتها الاخرى نفس الابتسامة المصطنعة ورددت :
_ما تقوليش إكده يا حاجة كلكم اهنه زي اخواتي وعيلتي التانية واللي اول حد بلجأ له لما اكون تعبانة ولا في حاجة واصل .
دلفت الى المطبخ بخطوات تتهادى فيها وكأنها تخبره بأنها لن تستكين ولن تستسلم وحر،ب عشقها لن تمل منها وحينما دخلت صارت تضرب بقبضتي يديها على الحائط بعنف ولكن راعت ان لا يسمعها احدا من بالخارج،
ولكن حاولت ان تهدئ من حالها قدر الامكان كي لا تنكشف ثم دارت بأعينها تبحث عن قنينه المشروب كي تصنعه لهم وكانها تصنع عصائر جرح قلبها تصنعه بألم ، تصنعه بمرارة ذاقت طعمها في حلقها،
اما في الخارج قام الحاج سلطان من مكانه وهو يتجه ناحيه المطبخ قائلا:
_هدخل الحمام واجي لكم نشوف هنروح امتى يا ولدي وهنعمل ايه جاي لك تاني.
وخطى من امامهم ودخل الحمام ولم يلبس فيه نصف دقيقه وخرج وتوجه ناحيه المطبخ وكأن قدماه هي التي تسوقه لا عقله ،
فمنذ ان فاتحه صديقه بالزواج من تلك الوجد وعيناه تراقبها في كل مكان منذ اسبوعين وهو على حاله ذاك حتى بات يتتوق لرؤيتها ،
دلف الى المطبخ قاصدا اياها قائلا بصوت خفيض:
_ما ننحرمش من عمايل يدك الغالية يا وجد وعقبال ما نفرحوا بيكي عن قريب ان شاء الله .
تلقائيا ارتعبت من صوته الذي فاجأها به ورددت وهي تضع يدها على صدرها:
_بسم الله الرحمن الرحيم، هو انت يا حاج اعذرني اتخضيت واتلبكت لما سمعت صوتك فجأه وراي ما تاخذنيش .
ابتسم لها وتحدث معتذرا:
_واه اتخضيتي عاد ده انت قلبك على اكده خفيف ، امال عايشه لوحدك كيف وانتي قلبك رهيف اكده ومهتتحمليش الهوا واصل.
ارتبكت في الحديث ولكن ترى نظراته لها غريبة وعلى غير المعتاد لاحظت أنه يتأملها على غير العادة وينظر اليها نظرات تفهمها جيدا فاستغلت الفرصة التي وضعت أمامها على طبق من ذهب كي تدلف ذاك المنزل وتكن بجانب العمران فحتما لن تتركه،
ثم اقتربت منه رويدا وهي تجيب بنبرة صوت يكسوها الدلال :
_والله عنديك حق يا حاج اني من كتر الوحدة وأني حاسه باختناق مفيش ونيس ولا جليس يهون عليا ليلي طويل اللي ما بيعديش بالساهل واصل نهاري بقضيه ويا الحاجة شوية في شغل البيت شويه وبلهي نفسي اما الليل حاجه صعيبة قوي .
أحس ذلك الشائب العجوز بمقصدها وشعر بانه اقترب من طلبه وانه لن يحتاج وقتا طويلا كي توافق وانه حينما سيبادر بطلبها حتما ستوافق وهذا كل ما كان يؤرقه ان رفضت ستكون الن،ار اتفتحت عليه دون جدوى ولا فائدة ولكن ان وافقت فهلا بالن،ار في حضرة تلك الصغيرة التي ستعيده شبابه من جديد ،
واقترب هو الاخر رويدا وهو يمنيها:
_ما تقلقيش ربك لما يريد الحال هيتعدل وهتلاقي اللي يبقى جارك ويسندك بس وقتها ما تتمنعيش على الخير اللي هيجي لك وتوكلي على الله .
ادعت عدم الفهم وهتفت بشفاه ممطوطة بنفس الدلال:
_قصدك ايه يا حاج سلطان جايب لي عريس ولا ايه ؟
اجابها بصدر رحب:
_حاجه شكلك اكده بس نطمنوا على عمران ولدي الاول وبعدين نعدل للولايا اللي زيك يا وجد .
كم احتقرت ذاك السلطان الذي دوما تراه قيمة وقامة فمجرد حركات اغرائية منها بسيطة جعلته يلهث ويريدها بشدة ونظراته كانت تؤكد ذلك،
لم ياتي بمخيلتها ابدا ان يكن ذاك السلطان بتلك الدرجة من المراهقة التي تأتي للشيوخ ذو الشعر الابيض، ولكنها ستبدا رحلتها في ذاك المنزل مع ذاك السلطان ولم تضع في بالها زينب التي احبتها كبناتها وآوتها في منزلها ولم تشعرها يوما من الأيام بكونها غريبة عنهم ولكنها الدنيا تثبت لنا ان الخيانة لا تأتي الا من اقرب الناس الينا فلنرى في رحلتنا تلك كيف ستصل وجد الى مقصدها دون كلل او ملل ،
ثم حمحم بصوته الخشن قائلا :
_ تمام اتفقنا على إكده عاد هخرج للجماعة بره بقي وإنتي هاتي الشربات وحصليني .
وتركها وغادر المطبخ وهي تصنع المشروب ومن ثم خرجت اليهم وهي متصنعة الابتسامة والفرحة مثلهم ووزعت عليهم الأكواب الى ان اتت الى عمران واعطته الكوب قائلة:
_مبروك يا عمران وعقبال الليلة الكبيرة وتتهنى بعروستك .
اخذ منها الكوب وهو يردد بفتور كي لا يجعل الجميع يأخذ باله من نظرتهم لبعضهم البعض ،
فود ان لا يأخذ منها شيء ولا يحاكيها اي حرف ولكن سيتحملها الى ان تأتي سكون الى ذاك المنزل وحينها ستبعد عنه مرغمة ،
________________________________
في منزل ماجدة الجندي كانت سكون متوترة للغاية وخجلة ان تخبر والدتها بقدوم عمران اليها كي يطلب يدها ،فدوما والدتها تأتيها تحاكيها عن من يطلب يدها اما اليوم فهي التي ستخبرها تجلس على تختها وتحدث حالها :
_قومى اتشجعي وقولي لها ما تتكسفيش عاد يا سكون وعجلي بفرحتك كفاياكي انتظار لحد اكده .
سارت تتقلب يمينا ويسارا الى ان قامت فجأه من مكانها وهي تجبر حالها ان تنحي الخجل جانبا وخرجت الى والدتها وجدتها تجلس امام التلفاز تتابع برنامجها المفضل،
جلست على الأريكة وهي تفرك بجسدها الى ان لاحظت والدتها فتحدثت باستنكار:
_مالك عاد يا دكتورة عمالة تفركي يمين وشمال ومش على بعضك قولي اللي نفسك تقوليه وانا هسمعك وسيبيكي من عادتك المنيلة دي .
لقد فهمتها والدتها فهي تعرفها بشدة حينما تريد مهاتفتها عن شيء ما ثم استدعت الهدوء وتحممت قائلة :
_ أممم.. في عريس عايز يجي يتقدم لي وقال لي اخذ ميعاد من حضرتك عشان يجيب ابوه وامه وياجي .
امسكت ريموت التحكم بالتلفاز واغلقته والتفتت بكامل جسدها واصبحت مقابلة ابنتها ورددت بسعادة :
_بصحيح الكلام ده يا داكتورة اخيرا قلبي هيفرح بيكي بعد كل الرفض ده لما يتقدم لك عريس ،
ابتسمت بخجل وهي تضع اعينها ارضا فسكون تخجل بشدة حتى من والدتها واجابتها:
_صحيح يا ماما حاسه بارتياح من ناحيته فقلت اتوكل على الله واللي فيه الخير يقدمه لي ربنا .
جذبتها ماجدة الى احضانها بسعادة وتحدثت وهي تربت على ظهرها:
_والله قلبي سعيد وفرحان بيكي يا حبيبتي الف مليون مبروك ويجعله قدم السعد عليكي يارب ،هكلم خالك النهاردة واقول له ياجي طوالي، على يوم الجمعة ان شاء الله يقدروا ينورونا ،بس قولي لي بقى مين ده اللي خطف قلب الدكتورة الفرسة بتاعتنا ؟
ابتسمت عيناها فور ان سألتها والدتها على حبيبها عمران وأجابتها:
_اسميه عمران سلطان المهدي والده الحاج سلطان اكيد تسمعي عنه، كان جايب اخته تتابع اخر حملها واتعرفت عليه وقال لي ان هو عايز يجي يتقدم لي واني اخد منك معاد .
سألتها ماجدة بفضول:
_قولي لي شكله عامل كيف طول بعرض اكده يملى العين ويشرح القلب ولا ايه بالظبط طمني قلبي .
انزلت بصرها خجلا من سؤال والدتها ولكن ضربتها ماجدة بخفه على يدها وهتفت :
_هتتكسفي من امك عاد في وشك هيقلب ميت لون ، احكي عاد يالاا ان مكنتيش تحكي لأمك هتحكي لمين يامخبولة إنتي .
تشجعت سكون من حديث والدتها ورددت بحالمية فور ان تاتي سيره العمران وتتحدث عنه:
_طلته كيف القمر يا امي وبسم الله طول بعرض وراجل وشكله إكده بيحبني قوي وغير كل ده عاد ابن ناس ومحترم وهيراعي ربنا فيا .
رفعت ماجدة حاجبها واردفت باستنكار:
_ولحقتي عرفتي ده كله عنيه من مرة جاب اخته فيها يا بت انتي اتكلمي عاد .
تحممت وأجابتها بصوت هادئ من التوتر:
_ أممم .. ما هو يا امي كلمني في التليفون كذا مرة عشان يعرفني بس والله ما كلمتوش تلت مرات على بعض وبعديها طلب مني ياجي يتقدم لي على طول .
فرحت ماجدة لسعادتها ثم امسكت هاتفها واتصلت بأخيها وما ان آتاها رده حتى تحدثت:
_كيفك يا اخوي عامل ايه توحشتك قوي من بقالك شهرين مجيتش تشوفني ولا تطمن على البنات ومش عادتك يعني ؟
اجابها اخيها:
_انا بخير يا خيتي معلش أني عارف اني مقصر معاكي بس والله ما باليد حيله انتي عارفه الشهرين دول جمع المحصول في الارض عندي وببقى ملخوم فيهم لشوشتي بس خلاص كلها جمعة واجي لك على عيني.
تفهمت حديثه ورددت بدعاء لأخيها الغالي الذي لم يتركها يوما منذ وفاة زوجها:
_ولا يهمك يا اخوي الله يعينك على حالك ومالك ويرزقك الخير كله يا رب ،بس معلش عايزاك تاجي الجمعه الجاية في ضيوف جايين يطلبوا يد الدكتورة سكون وطبعا لازم تكون موجود وهات اخوي جمال كمال وبلغه عايزاكم تكونوا جاري في اليوم ده ،واني كمان هبلغ عم البنات ولو اني ما بطيقهوش واصل .
سعد أخيها لذاك الخبر الجميل وردد بمباركة :
_يا الف نهار مبروك للدكتورة سكون والله فرحت لها قوي قوي ده اني أجيلها راكب طيارة على عيوني باذن الله يوم الجمعة هاجي اصليها عنديكم مبروك مقدما لحبيبة خالها .
وظلت تتحدث معه كل يطمئن على الاخر حديث الاخوه الاحباء المعتاد،
وسكون قلبها يكاد يقفز من بين ضلوعها من شده الفرحه فاخيرا ستنال مرادها وترتبط بمن عشقت منذ عامين في الكتمان ولكنه عنايه الله التي حاوطتها،
وجلست تحاكي والدتها كثيرا الى ان مر الوقت ودلفت مكه اليهم واخبروها بذاك الخبر فجرت اليها مسرعه واحتضنتها بسعاده قائله:
_مبروك يا حبيبتي فرحت لك من كل قلبي الف مبروك يا سكون ربنا يجعله نصيب زين يا قلبي ،
ثم خرجت من احضانها وفجأه ذرفت الدموع من عيونها بغزارة مما استدعى دهشتهن وهي تردد:
_يعني خلاص هتمشي من اهنه انتي كمان وهبقى لوحدي ما اقدرش اعيش في الشقة دي من غير وجودك جاري ياسكون بس ربنا العالم اني فرحت لك من كل قلبي فرحة السنين بحالها .
جذبتها سكون الى احضانها وتحدثت كي تهدئها:
_بس يا بت انا ما هسيبكيش واصل ما تعيطيش انا متجوزة جارك الفرق بينا خمس دقايق مشي وكل شويه هتلاقيني نطالك اهنه وبعدين هسيبك تنفردي بالأوضه لوحدك عشان خاطر ما تنزعجيش مني بعد إكده .
شددت مكه من احتضانها وهي تدعو لها بالسعاده والتوفيق،
ثم هتفت سكون فجأه:
_واه نسيت ابلغ مها اتصل بيها اقول لها عاد عشان تجيب ولادها وتاجي يوم الجمعه من بدري .
وامسكت هاتفها وقامت بالاتصال على اختها وما ان اتاها الرد حتى ابلغتها بذاك الخبر السعيد الذي أفرح قلبها وتحدثت بمباركة :
_ الف مبروك يا غاليه الف مبروك يا دكتورة ربنا ينعم عليك بالفرح ،اخيرا هتفرحي قلبنا وهتتجوزي وهتبقي احلى عروسة في الكون كله ، وما تقلقيش يوم الجمعة من الصباحيه هاجي لك يا قلبي على عيوني اني والقردين الصغيرن دول ،
ظلتا تتحدثان بضع دقائق ثم جلسن يتسامرون مع بعضهن الام وبناتها في جلسة عائلية وهم سعداء بخبر سكون التي القته عليهم اليوم .
_____________________________
في منزل مها بعد أن أغلقت الهاتف مع أختها استمعت إلي صوت يصعد السلم ، فخرجت تري من بالخارج ففتحت الباب وإذا بها تراه أمامها ، أما هو رأى خروجها فحمحم قائلاً وهو يضع عيناه أرضاً:
_ السلام عليكم ، كيفك ياأم الغاليين وكيفهم هما كمان ؟
رفعت حاجبها باندهاش نظراً لأنه لم ينظر إليها وأردفت:
_ والله عاد لسه متجوزتش ولا اختارت بت الحلال وبتكلمني وإنت مش باصص في عيوني ، هو أني شكلي مبقاش عاجبك دلوك يابن الحلال ؟
وضع كف يداه أسفل رأسه من الخلف وهو ينظر في نفس الجهة وأجابها وهو يتمتم بصوت خفيض:
_ مش الحكاية يامرت أخوي .
_ مرت أخوك ! .. جملة تهكمية نطقتها تلك المها بعيون غاضبة وتابعت بامتعاض:
_ دلوك عرفت إني مرت أخوك عاد ياحضرت عامر بيه ؟
أخذ نفسا عميقا ثم زفره بهدوء ونطق بكلمات متعقلة وهو يثبت عيناه داخل عيناي تلك التي حيرته وجعلته يرتكب جرما ماكان يستحق أن يرتكبه يوماً من الأيام:
_ أظن إحنا متفقين على إكده من أخر مرة اتكلَّمنا فيها وكنا حاطين النقط على الحروف ولا ايه عاد يامرت أخوي .
اتكأ في نطقه على كلماته الأخيرة وهو قاصداً ذلك كي يجعلها تستفيق وخاصة عندما رأى تلك النظرة التي يحفظها ويفهمها عن ظهر قلب ، ولكن فوجئ بها تشده من يداه وأدخلته شقتها وأغلقت الباب ووقفت وراه ، وكل ذلك حدث في بضع ثواني جعلته ذهل من فعلتها ، فسألها بذهول :
_ ايه اللي عملتيه ده يامجنونة إنتي ! مخيفاش أخوي ياجي دلوك وتبقي وقعتنا مربربة ، لساكي متهورة زي مانتي يامها ؟
صار صدرها يعلو ويهبط وهي تنهج من فعلتها تلك فجسده ضئيل عليها حين جرته من يداه ،
ولكن هدأت من حالها وتبدلت نظراتها نقيضا واقتربت منه وعلي حين غرة هتف لسانها بوحشة :
_ ياه اتوحشتك قووي قووي ياعامر ، مكنتش اعرف إني لما أشوفك هضعف أوي إكده وأحس باللهفة اللي اني حاسة بيها دلوك .
ضرب كفا بكف فهو عائداً من الخارج وكله تصميم على أن لايجاريها وكما أنه التزم في صلاته واستغفر ربه على فعلته الذنب الكبير معها تلك المرة الوحيدة منذ سنوات ، ذلك الذنب الذي تهتز له سبع سموات ،
ثم تحدث وهو عاقدا حاجبه باستغراب لحالتها تلك :
_ لساكي زي مانتي عواطفك غالبة عليكي !
لساكي قلبك وإيمانك ضعيف يامها وبتجري ورا شهواتك ، فوقي يابت الناس عنديكي ولدين متحمليهمش العار وتشيلي ذنبهم ده إنتي روحك فيهم .
اقتربت منه وأمسكته من تلابيب قميصه واردفت بغضب عارم وهي تجز على أسنانها :
_ وه كانك مصدِق الحديت اللي بتقوله ده !
بقي اني بجري ورا عواطفي وشهواتي !
كانك متعرفش المرار اللي بعيشه كل يوم والتاني مع اخوك اللي معندهوش ذرة إحساس ، الكلام ده فات أوانه ياعامر ومبقاش له عازة دلوك .
كانت تهزه بعنف وهي متأثرة بكلامها ، اما هو قبض على كفاي يداها بشدة وأجابها :
_ متعلقيش أخطائك على شماعة خايبة ملهاش عاز يامرت أخوي ، كل اللي بتقوليه ده مبقاش يشغلني ولا بقيت ألتمس لك اي عذر بيه واصل ،
وتابع كلماته وهو يخفض يداها من على قميصه بحدة خفيفة هو قاصدها كي تستفيق :
_ خلاص الصغير كبر وفهم وأني من سنين قبل ما اسافر من اهنه ساعة ماجيتي لي واشتكيتي لي مر ايامك صدقتك وجريت وراكي بدون ذرة عقل لكن المرة دي كبرت وعرفت اني غلطت ، بس دلوك مهكررش الغلط ده مرة تانيه واصل مهما يحصُل يامرت أخوي.
أدمعت عيناها وتحدثت وهي تضرب بقبضتي يديها على المنضدة:
_ مش بمزاجك تبديها وبمزاجك تنهيها ،
ثم أكملت بضعف وهي تنتحب بشدة :
_أني إنسانة من لحم ودم وبموت إهنه بالحيا مع راجل معندهوش أي ذرة إحساس تجاهي ، بيهملني بالشهور وبتطلبوا مني أتحمل كيف ياعالم ! حرام والله العظيم حرام حرام .
أحس بضعفها واحتياجها ، مز قته دموعها ،ود لو يحتضنها ويخفف عنها ، ود لو كانت في ظروف غير ذلك أو كانت امرأة غيره ، ولكن ماباليد حيلة ، فخفف عنها قائلا :
_ اتكلمي معاه ، زني على ودانه كتييييييير الحريم مبيغلبوش ، طالبي بحقوقك مرة واتنين وتلاتة وعشرة ومتمليش لحد مايستجيب ، متدوريش على طريق الحرام وتستسهليه ، طرق ربنا الحلال كتير يابت الناس .
أدارت جسدها للخلف وهدرت به بنفاذ صبر وطاقة فقدتها مع فقدان أنوثتها طيلة الأيام:
_ ياه ده انت الحل بالنسبه لك سهل قوي !
ده اني اتحايلت عليه علشان ياخد باله مني ويحافظ عليا بعدد شعر راسي ، كل يوم والتاني اكلمه مرة باللين ومرة بالشدة ومرة بالخصام ومرة بالاهمال في حقوقه المنزلية ولا حياه لمن تنادي ، خلاص الصبر زهق من صبري .
بهدوء حسم أمرها وردد :
_ خلاص اتطلقي منيه وشوفي حالك طالما مبقاش عنديكي قوة تحمل .
ثبتت نظرة عيناها داخل عيناه وتفوهت :
_ وتتجوَزني ؟
فتح فمه من كلمتها ، وتابعت هي :
_ مالك إكده تنحت وفتحت لي بقك على وسعه ، ولا أني بالنسبة لك رخيصة ؟
أجابها بتصميم :
_ إنتي مرت أخوي يامها .
بعيون قوية أردفت :
_ هطلق منيه وهبقي حرة وأحل لك .
ربع ساعديه أمام صدره وهتف برفض :
_ مهما كان مهكسرش اخوي ، مينفعش.
اقتربت بخطواتها وتحدثت بنفس التصميم:
_ اخوك ميفرقش معاه اخوة من أبوة من بنوة بارد معندهوش حب غير لحاجة واحدة بس حب المال حب كبير .
ابتلع أنفاسه بصعوبة وردد :
_ مهما يكون عمري ماعملها علشان متعلقيش نفسك بوهم كداب .
لفت بجسدها من أمامه ووقفت بمحازاة كتفه ورددت :
_ مهتعرفش تحب غيري ولا واحدة هتسعدك غيري ياعامر .
بنفس لفتتها تحرك ووقف بمحازاة كتفها الاخر مرددا بضياع من تأثيرها عليه :
_مين قال لك إكده كنتي بتتحكمي في القلوب عاد ووليتي حالك أمر ربنا وبقيتي بتعرِفي تقلبي القلوب علي كيفك .
أمسكته من كتفيه بقوة في حركة جريئة منها وهتفت بقوة :
_ لا ماهوَلِيش حالي ولا حاجة ، بس قلبك مفاتيحه بإيدي ، أني اللي ربيته وأني اللي علمته كيف يحب وأني بس اللي أقدر أتحكم فيه مش أي مرة تانية.
نزع يداها من على كتفيه وأردف متمنعا:
_ لااا كان زمان يامها ، بس دلوك أنا أبعد لك من نجوم السما.
جزت على أسنانها بغضب من عنده وتمرده عليها ورددت :
_ نجوم السما مبقتش بعيدة ولا حاجة بيوصلو لها وبيعيشوا جواها وبيكتشفوا كتيير وكتيير من أمورها المخفية بحبة قوة وصبر وطاقة بسيطة .
أعلن وجهه عن غضبه الجم من كلماتها وأردف بتصميم:
_ خلاص لحد يوم الدين والقيامة تقوم يابت الناس مهعرفكيش ولا هبص لك حتي.
بصوت عالي وبنفس غضبه :
_ مش هتقدر ، ومش هسيبك لواحدة غيري تتهني وياك وأنا اللي علمتك ألف باء في الحب والعشق .
رفع حاجبه وردد بثقة:
_ الأيام بيننا وهنشوف مين الغالب ومين المغلوب ، بس قبل أي شئ فكري في المتعلقين برقبتك هيضرك خسارتهم إنتي مش أنا وهتبكي بدل الدموع د م يابت الناس .
جحظت عيناها من تهديده الغير صريح وهتفت بفك يهتز بسخرية :
_ إنت بتهددني إياك ! طيب يمين الله على كل لحظة حب اديتهالك ماههنيك على أي حاجة تعملها في طريقك اللي بعيد عني .
أخرجته عن شعوره وهدر بها بحدة وهو يمسكها من ذراعها ويهزها بعنف :
_ إنتي إيه شيطان رجيم يابني آدمة إنتي! إزاي تُبقي بالأذى ده ومشفتكيش على حقيقتك طول السنين دي ،
وتابع حديثه بتهديد صريح :
_ طيب يمين على يمينك ياقليلة الحيا إنتي لو مبعدتيش عن طريقي لا ههد المعبد على دماغك قبلي ، ومش بس إكده هخلي قنا كلياتها ملهاش حديت غير عنك ياأم الولاد ، اني معنديش حاجة أخاف عليها ولا عيل ولا حد أخاف عليه ، أنا قلت لك أها بعدي عني أحسن لك وإلا اللي هيحصل هيد مِرك قبلي .
ألقى كلماته اللاذعة ونفضها بحدة جعلتها سقطت أرضا وهي تتوجع بألم من أثر سقوطها ثم غادر المكان صافعا الباب خلفه بحدة ،
أما هي دفنت رأسها بين يديها تتأوه جراح الروح ، وتبكي بدون صوت وكأن البكاء يعزف ألحانه بهدوء صامت يدمي قلبها ،
_________________________________
مع شروق شمس يوم جديد، فعند شروق الشمس وحلول الصباح تتفتح قلوبنا كما تفعل الأزهار في الحقول، وتبدأ أمنياتنا كالعصافير ترفرف باحثة عن سبيل لتحقيقها ،
ما أجمل أن نراقب الشمس عند حلول الصباح، فهي لا تنعكس على مرآة عيوننا فقط، بل على مرآة القلب، فنشعر أن القلب ذاته يشرق مع حركة الشمس ،
إن شروق الشمس في الصباح الباكر هي لحظة يجب على كل منا أن لا يفوتها ولا يسمح لها بأن تضيع دون أن يكون حاضرًا وشاهدًا عليها ،
فتعلمنا الشمس مع إشراقتها في كل صباح أن النور لا بد أن ينتصر، وأن لكل ظلام نهاية مهما طال أو استمر ،
تهبط رحمة الأدراج وهي في كامل اناقتها بنشاط وجدية فاليوم ستحضر محاضراتها ثم تذهب إلي المكتب كي تباشر عملها فمنذ ثلاثة أيام لم تذهب وذلك للعطلة الرسمية ،
ماإن رأتها والدتها متعجلة حتي مطت شفتيها بامتعاض وأردفت:
_ وه السنيورة متلهوجة إكده ليه ، هو معاد الوزارة فاتك ولا حاجة ؟
لوت الأخري فمها بملل ورددت بسماجة:
_ أها بالظبط إكده ، صباح الخير ياحاجة زينب .
ردت صباحها بفتور وهتفت :
_ ايوه خوديني في دوكة ، اني مش قلت لك بالليل يابت إنتي نضفي المطبخ علشان ام حسين تعبانه ومش هتيجي لمدة اسبوع ، وأني تعبت لوحدي ولا البعيدة معندهاش د م.
ضر بت على جبينيها بنسيان مصطنع وهتفت وهي تميل عليها تقبلها من وجهها :
_ وه نسيت خالص واتلهيت في المذاكرة ونمت على نفسي ، معلش ياحاجة زينب سماح النوبة دي ،
وتابعت كلماتها وهي تحمل حقيبتها على عجالة :
_ اني متأخرة لما اجي هشوفه الموضوع ده ادعيلي ياحاجة .
ألقت كلماتها وتركتها وغادرت المكان ، واستقلت سيارتها وذهبت إلي جامعتها ،
دلفت الي الجامعة وألقت السلام على صديقاتها بتعجل ،
اندهشوا من سلامها العاجل وهتفت احداهن بصوت عال وصل إلي مسامعها :
_ أيوة أيوة على الناس اللي اشتغلت وعليت وبقت تسلم على الماشي وتجري .
أدارت جسدها إليهم ورددت بعيون متسعة دون إحراج :
_ وه هتحسدوني إياك يابت منك ليها ولا ايه ، بقت عيني عينك إكده !
شعرن بالإحراج من صريح عباراتها وهتفن بوجه محمر كي يحفظن ماء الوجه :
_ بنهزروا وياكي ياست رحمة ولا إنتي بقيتي تبصي لنا من مناخير عالية بقي .
عبست ملامح وجهها من هرائهم الذي يضيع لها وقتها وهتفت وهي تشيح بيدها في وجههم :
_ بقول لكم إيه يالا عندينا محاضرة مهمة وسيبوكم من الكلام التافه ده ، متضيعوش وقت عاد .
ألقت كلماتها وسبقتهم إلي محاضرتها كي تنهي المهم في يومها الجامعي وتذهب إلى عملها ،
فرحمة لم ولن تتهاون في دراستها فلديها حلم لابد أن تصل إليه ،
أنهت رحمة يومها الدراسي وخرجت من الجامعة قاصدة مكتب المحاماة التى تعمل به ،
كانت تجلس على مكتبها منهمكة في تفاصيل العمل الذي لم ولن ينتهي في ذاك المكتب الشاق ولكن تحبذ ذلك بشدة ،
وأثناء انهماكها في العمل سمعت صوت ماهر الغاضب يردد عبر الهاتف :
_ إنتي ياهانم ياللي برة فين قهوتي ! خمس دقايق تكون على مكتبي وحسابك عسير معايا .
انتفضت من مكانها وهي تنظر في ساعة يدها ووجدت أن ميعاد قهوته مر علي وقتها أكثر من نصف ساعة ، هرولت سريعاً وقامت بصنع القهوة بنفسها عندما لم تجد الساعي ،
أنهت صنعها وذهبت على عجالة إلى مكتبه وكادت أن تتعثر في خطواتها بضع مرات من شدة التوتر ،
دلفت إلى مكتبه ونظرت إلى وجهه وشهدت علامات الغضب على وجهه بشدة ،
وما إن وصلت إليه حتى تعثرت قدماها في طرف السجادة المفروشة على الأرض وطارت القهوة من يدها وانسكبت على بدلته ،
وقعت الصينية بمحتوياتها أرضا وتهشم الزجاج ،
أما هو نظر إلي ماحدث بذهول وهو يحاول نفض حلته من ما حدث لها ، وهتف موبخا إياها:
_ إنتي ايه يابني آدمة إنتي اللي عملتيه ده !
وايه اللبخة اللي انتي فيها دي هو إنتي مش عارفة إنتي شغالة مع مين ! الظاهر إني غلطت واتسرعت في شغلك معايا وانك مستهترة .
أدمعت عيناها من عصبيته وكادت أن تقوم وسندت بيدها أرضاً وإذا بها تص رخ صر خة عالية جعلته انتفض من مكانه ،
لقد دخل الزجاج وملأ باطن يديها مما جعلها تشهق شهقتها العالية والتى أدمت يداها بشراهة ،
هبط لمستواها عندما رأي أذيتها ، و أمسكها من يدها وهو يحاول إخراج الزجاج من يدها مرددا بطمئنة لها فقد صعبت عليه :
_ معلش اهدي ، هحاول اشيله لك بس اتحملي يارحمة .
ثم بدأ بنزع الزجاج من يدها بهدوء ويداه تحتضن يداها ، كانت لأول مرة تنظر إلي ملامحه عن قرب ، نظرت إليه وتاهت في ملامحه الرجولية وتنفست رائحته بعمق ،
ولأول مرة يدق قلبها الصغير بعنف ، فقد شعرت ابنة العشرين بالإعجاب للأربعيني الأعذب ، وفجأة اعتلى صوتها بصرخة عالية :
_ أاااااااه ، يدي بتوجعني أووي .
حرك رأسه بحزن على توجعها وأردف :
_ معلش يارحمة اهدي قربت أهو .
وبعد دقائق أنهى نزع الزجاج من يدها ثم سندها كى تقوم من مكانها ، وأجلسها على الكرسي ثم تركها ودخل إلى الحمام الخاص بالمكتب وأخرج علبة الإسعافات الأولية ،
وخرج إليها وجدها تمسك يداها وتتوجع ،
تحدث إليها:
_ معلش اتحملي شويه ، هاتي يدك أطهر لك الجرح .
أعطته يداها التي ترتعش بشدة من خجلها منه قبل وجعها ، لأول مرة تشعر ذاك الشعور الذي ألفه قلبها ، لأول مرة تترك لعيناها العنان أن تنظر لرجل ،
احتضن كف يداها مرة ثانية وبدأ بتضميد جراحها وبعد أن انتهي نظر إليها مرددا بحنو شعر به تجاه تلك الصغيرة التي حركت سريرة ذاك المتجمد ، وهو يهتف :
_ خلاص ياستي كله تمام ، قومي بقي روحي على بيتك ومتجيش الا لما يدك تخف .
ابتسمت إليه وشكرته بامتنان:
_ أنا بشكر حضرتك جدا يافندم ، ومتأسفة علي اللخبطة اللي حصلت للمكتب بسببي .
عاد إلي كرسيه وهو يجيبها :
_ مفيش لخبطة ولا حاجة ، أنا اللي اتعصبت زيادة عن اللزوم ومكنتش أعرف أنك بتتوتري وبتخافي أووي اكدة ،
عموما حصل الخير واتفضلي يالا روحي .
↚
#بسم_الله_الرحمن_الرحيم
#لا إله_إلا_الله_وحده_لاشريك_له_يحي_ويميت_له_الملك_وله_الحمد_وهو_علي_كل_شئ_قدير
ثم همس بصوت رجولي خشن :
_ سكون .
أجابته بنفس الهمس برقة :
_ نعم .
انطلق فاهه بالكلمة التي انتظرتها سكون أخيراً:
_ أني عايز أتجوزك على سنة الله ورسوله ، عايز أجيب الحاج سلطان والحاجة زينب وأجي أطلب يدك مقادرش أصبر أكتر من إكده واصل .
صارت قشعريرة بجسدها أكمله من طلب عمران ، وبات قلبها تدق ابوابه الطبول وتلقائيا وضعت يدها على قلبها تهدأ من ضرباته السريعة فهي لم تصدق أن عمران طلبها للزواج بتلك السرعة ، ياإلهي أذالك عشق العمران مختلف ، يالله لقد زارتك السعادة أخيرا سكون وطاب قلبك بطلب عمرانك ،
احقا عشقتِ رجلا لن يراكي إلا حلالاً ولن يتمناكي إلا أميرة على قلبه ،
لاحظ سكونها فهتف بهمس :
_ وه مسمعتش ردك ياسكوني معايزاشي عمران ولا ايه ؟
دلفت الي غرفتها وارتمت على تختها وخلعت حجابها ثم نظرت إلي السقف وقالت بتلهف
ودمعت أعينها بفرحة وخللت أصابع يديها بين خصلات شعرها وهي متوترة وخجلة :
_ لااا طبعاً ، بس كل الحكاية إني مكسوفة شوي .
بدا شبح ابتسامة خفيفة على ثغره وهتف إليها وهو في بحر لهفته عليها:
_ مسمعتش ردك إياك ؟
اجيب الحاج سلطان والحاجة زينب وأجي ولا عايزة تفكِري وتاخدي وقت وتدرسي عمران ؟
أراحت جسدها المهزوز من أثر كلماته على الكرسي الذي تجلس عليه وأجابته وهي تداعب خصلات شعرها:
_ هقول لماما وأبلِغك بالمعاد وتقدر تاجي وقتها وتنوِر بيتنا .
ارتسمت البسمة على محياه وتحدث بحب :
_ مشتاق أووي إني أشوف المكان اللي اتولدتي فيه أكيد هيُبقى حاجة رقيقة إكده زي اللي ساكناه .
ارتبكت بشدة من غزله بها فحقا محبتها له كانت صادقة وقلبها انتقى خليله ببراعة وأردفت بنبرة رقيقة :
_ لا والله ده مكان عادي شقة صغيرة إكده علي قدنا انا وأمي وأختي الصغيرة أما الكبيرة اتجوزت .
استمع إليها باهتمام ثم سألها:
_ إنتي والدك متوفي امته ، وإنتي صغيرة أووي ولا من قد ايه ؟
أخذت نفسا عميقا وزفرته بحزن عندما ذكرها بأبيها وأجابته :
_ بابا ميت من ١٢ سنة مات وسابنا واحنا في عز احتياجنا ليه ووجوده جمبنا ،
وتابعت كلماتها عن والدها بحنان واشتياق لذكراه :
_ أني كنت متعلِقة بيه كتييير أووي ، وكان بيحبنا إحنا التلاتة وعمره ماحسسنا غير إننا حوريات ومكانش مضايق علشان خلفته بنات لاااا كان حنين علينا حنية الدنيا بحالها .
انزعج كثيراً من نبرتها الحزينة وهي تتحدث عن والدها وشعر بالحزن لأجلها وردد :
_ تعيشي وتفتكري معلش قلبت عليكي الأحزان ، وربنا يبارك في ست الكل ربت أحسن تربية ومقصرتش وياكو وطلعتكم بنات زينة ينضرب بيها المثل في الأخلاق.
اندهشت من طريقة كلامه عنهما وكأنه يعرفهما منذ زمن وسألته :
_طريقة كلامك وكأنك عارفنا كويس مع إننا منعرفش بعض من كَتييير أووي .
ابتسم لذكائها وهتف:
_ وه مش سألت عنيكم وعرفت كل حاجة ، مش اللي بيحب حد بيحب يعرف عنيه كل حاجة واصل ولا ايه ياداكتورة.
مطت شفتيها بدلال وسألته:
_ طيب عرفت ايه بالظبط ياحضرة عمران بيه ؟
ضحك بخفة على دلالها وأجابها:
_ سيماهم على وجوههم والجواب باين من عنوانه وانتي إكده كانك الطيبة عنوان ملامحك والهدوء هو جارك والطلة اللي تشبه الملايكة سكنك .
لااا عمران ارئف بحالتي ولا ترميني في بحور عشقك وأنا لم أتعلم السباحة بمهارة ،
فأنا لست خبيرة ولا قلبي يستطيع أن يلاحق قلبك ويجاريه بجدارة ،
استجمعت شتات مشاعرها المبعثرة على يد ذاك العمران ورددت :
_ كلامك جميييل أووي ياعمران ومقدِرش عليه براحة على قلبي .
ابتسم على هدوئها و رقة بدائية مشاعرها وهتف:
_ لا من الأولة إكده هتفرفري واحنا يدوب بنقول بسم الله ، لاااا عايزك تُبقي لينة معاى ومتوهيش مني ده اني خلاص هبقي جوزك .
دق قلبها بوتيرة سريعة وأردفت بخجل قبل أن تغلق الهاتف معه :
_ لاا لحد إكده وكفاية مهتحمَلش ، واللي عايزه ربنا هو اللي هيكون ، هكلمك أبلغك بالمعاد ، في رعاية الله .
استمع إليها بدقات قلب تنبض عشقا لتلك الساحرة التي أسرته برقتها ونطق بعشق :
_ واني في انتظارك ياسكوني ، في رعاية الله.
أغلق الهاتف كل منهما وظلا ينظران إليه ثم احتضناه كل منهم وكأنه شاهد على التقاء الأحبة ،
هبط عمران الأدراج وجد والديه يجلسان يشاهدان أحد المسلسلات ،
فحمحم قائلاً:
_ السلام عليكم ، كيفكم ياأبوي ؟
ردا كل منهما السلام بابتسامة مشرقة ، ثم جلس عمران بجانب والدته ودفن حاله داخل أحضانها ، وتلك الحركة تعشقها ولكنها استفزت أبيه الذي ردد باستنكار:
_ وه بعد عنيها ياواد إنت ، هو إنت مفكر حالك لساك صغير ولا ايه .
رفعت زينب حاجبها باستنكار وردت هي عليه وهي تشدد من احتضان ولدها الوحيد :
_ وه أه صغير وهيفضل صغير ومهيفارقش حضن أمه واصل حتى لو علامات الشيب علمت على كل ملامحه ،
وتابعت كلماتها بمشاغبة وهي تنظر إليها نظرات ماكرة انثوية:
_ قول بقي إنك غيران عليا منيه ياحاج سلطان ولا معتعترفش .
نفض جلبابه و أجابها وهو يشعر بالضيق:
_ وه ، زينب سبيكي من كيد النسا ده مهياكلش معاي ،
وبعدين أه بغير هو إنتي مش مرتى عاد ولا ايه .
ضحك عمران وكاد أن يتحدث إلا أن والدته أبعدته عن حضنها وهتفت باعتذار :
_ معلش بقى يانن عيني مهقدرش على زعل بوك ده هو وزعله في كفه والدنيا بحالها في كفة تانية ،
وتابعت كلماتها وهي تراضي ذاك السلطان:
_ خلاص بقي ياأبو عمران سيبته أهه بس متزعلش واصل.
ابتسم عمران على محبتهم وفرح لكونهم قريبين من بعضهم رغم كل السنوات إلا أن قلوبهم لازالت تنبض عشقا ، وتخيل حاله هو وسكونه حينما يصل بهم الزمان إلي ذاك السن فهل سيكونان مثل أبويه أم سيغيرهم الزمان ،
وحينما أتت سكون إلى باله تحدث لوالدته متسائلاً:
_ إلا قولي لي ياأم عمران إيه أكتر حاجة تتمنيها في الدنيا دي ؟
اتسعت مقلتيها وأردفت بذهول:
_ اوعى تقول انك خلاص نويتها ياولدي وأخيراً هتفرِح قليب أمك ياحبيبي .
أماء برأسه بموافقة على كلامها وأردف بابتسامة:
_ نويت ياأمي خلاص ، وعايزك إنتي وأبوي تروحوا تخطبهالي .
هللت بسعادة عارمة وانطلق لسانها بالزغاريد وهي تردد :
_ ياألف نهار أبيض ، يانهار الهنا والفرحة الكبيرة هتاجيكي يازينب وهتشوفي ولدك الزين عريس ،
وأكملت باستفسار:
_ اوعي تكون بتشتغلني ياواد ورب الكعبة هدبسك في أي واحدة من اللي اختارتهم لك قبل إكده .
أشار بكف يداه وهو يردد برفض قاطع:
_ لاااا واحدة مين ، أني خلاص نقيتها ياأمي وهتعجبك قوووي وهتشوفي بقي نقاوة ولدك عمران عاملة كيف .
تحدث سلطان بفرحة وهو يسكت زينب:
_ خلاص بقى يازينب اهدى إكده وخلينا نعرفوا هي مين وايه الحكاية عاد ،
ثم نظر إلى عمران وأكمل :
_ تُبقى مين ياولدي والله فرحت لك يابوي .
ربت على ظهر أبيه بحنو واردف بتوضيح:
_ تعيش وتفرح يابوى ، هي اسمها سكون محمد المهدي بوها الله يرحمه كان شغال موظف في الوحدة المحلية تبعنا وسألت عنيه لقيته راجل كُمَّل ومحترم والخلق كلياتها شهدت بأخلاقه .
هتف سلطان مباركا له وهو يربت على فخذيه بحنو :
_ مبارك ياولدي طالما سألت عنيها وطلعت زينة وبنت ناس وكماني تكرم لجل يُتْمِها ، والمصونة متعلمة ولا معاها ايه ؟
أماء برأسه بموافقة وأجابه :
_ أمال يابوي داي داكتورة نسا وتوليد وحاجة عال أووي ولما تشوفها هتقول لي يازين ماختارت بصوح .
هللت زينب وقامت من مكانها وانطلقت بالزغاريد وهي تدور حول نفسها في بهو القصر وهي تتغنى فرحا بعروس ابنها :
_ الله أكبر اسم الله عليك ياولدي ربنا يجعلها عروسة الهنا والسرور ويبعد عنيك العيون ، اسم الله اسم الله .
ابتسم كلاهما على سعادتها والتعبير عنها بشراهة ، ومن ثم هبطت رحمة من الأعلى على صوتها وأتت وجد من بيتها المجاور لهم على تهليلها وهي تتسائل حيرة عن مكنون تلك الزغاريد ، فتسائلت رحمة :
_ وه إيه الزغاريد دي كلها ياحاجة زينب هو العيد بكرة ولا ايه فرحينا معاكي عاد .
وضعت يدها على صدرها تهدأ من ضربات قلبها ثم اجابتها بعيون تشع سعاده :
_واكتر من العيد يا بتي باركي لاخوكي اخيرا هيفرح قلب امه وهيتجوَز .
كانت تلك الوجد تقف على اعتاب المنزل وما ان استمعت الى كلمات زينب حتى ابتعدت عن الباب وتنحت جانبا وهي تضع وجهها بين يديها والذي اصبح لونه بلون الجمر مما استمعت اليه ولم ياتي بمخيلتها فقد باءت جميع محاولتها بالفشل ،
ولكنها جزت على اسنانها بغ،ضب شديد وتوعدت داخلها بان ستجعل هذا المنزل يضيء بالن،ار بدلا من الكهرباء مما ستفعله بهم ، فعمران بالنسبه لها عشقها التي حلمت سنين وسعت لأن يكون زوجها الأخير زوج العمر، است بأن الني،ران تشب بين ضلوعها وتكاد تأكلها اكلا بل ان وجع الني،ران اهون من وجع ذاك الخبر الذي سمعته للتو ،
هدات من حالها ورسمت وجه الحرباء التي تتلون بألوان مختلفة كي تخدع عدوها وتنقض عليه كي تفترسه ودلفت اليهم وهي تسأل بجدية مصطنعة وكأنها لم تعلم:
_فرحينا معاكي يا حاجة يونوبك ثواب الفرحة بقى لها سنين مدقتش بابنا.
اخبرتها زينب بفرحة عارمة:
_افرحي يا بت يا وجد اخيرا عمران ولدي هيتجوَز وهيجيب
بقية البارت السابع
مش هتقدر ، ومش هسيبك لواحدة غيري تتهني وياك وأنا اللي علمتك ألف باء في الحب والعشق .
رفع حاجبه وردد بثقة:
_ الأيام بيننا وهنشوف مين الغالب ومين المغلوب ، بس قبل أي شئ فكري في المتعلقين برقبتك هيضرك خسارتهم إنتي مش أنا وهتبكي بدل الدموع د م يابت الناس .
جحظت عيناها من تهديده الغير صريح وهتفت بفك يهتز بسخرية :
_ إنت بتهددني إياك ! طيب يمين الله على كل لحظة حب اديتهالك ماههنيك على أي حاجة تعملها في طريقك اللي بعيد عني .
أخرجته عن شعوره وهدر بها بحدة وهو يمسكها من ذراعها ويهزها بعنف :
_ إنتي إيه شيطان رجيم يابني آدمة إنتي! إزاي تُبقي بالأذى ده ومشفتكيش على حقيقتك طول السنين دي ،
وتابع حديثه بتهديد صريح :
_ طيب يمين على يمينك ياقليلة الحيا إنتي لو مبعدتيش عن طريقي لا ههد المعبد على دماغك قبلي ، ومش بس إكده هخلي قنا كلياتها ملهاش حديت غير عنك ياأم الولاد ، اني معنديش حاجة أخاف عليها ولا عيل ولا حد أخاف عليه ، أنا قلت لك أها بعدي عني أحسن لك وإلا اللي هيحصل هيد مِرك قبلي .
ألقى كلماته اللاذعة ونفضها بحدة جعلتها سقطت أرضا وهي تتوجع بألم من أثر سقوطها ثم غادر المكان صافعا الباب خلفه بحدة ،
أما هي دفنت رأسها بين يديها تتأوه جراح الروح ، وتبكي بدون صوت وكأن البكاء يعزف ألحانه بهدوء صامت يدمي قلبها ،
_________________________________
مع شروق شمس يوم جديد، فعند شروق الشمس وحلول الصباح تتفتح قلوبنا كما تفعل الأزهار في الحقول، وتبدأ أمنياتنا كالعصافير ترفرف باحثة عن سبيل لتحقيقها ،
ما أجمل أن نراقب الشمس عند حلول الصباح، فهي لا تنعكس على مرآة عيوننا فقط، بل على مرآة القلب، فنشعر أن القلب ذاته يشرق مع حركة الشمس ،
إن شروق الشمس في الصباح الباكر هي لحظة يجب على كل منا أن لا يفوتها ولا يسمح لها بأن تضيع دون أن يكون حاضرًا وشاهدًا عليها ،
فتعلمنا الشمس مع إشراقتها في كل صباح أن النور لا بد أن ينتصر، وأن لكل ظلام نهاية مهما طال أو استمر ،
تهبط رحمة الأدراج وهي في كامل اناقتها بنشاط وجدية فاليوم ستحضر محاضراتها ثم تذهب إلي المكتب كي تباشر عملها فمنذ ثلاثة أيام لم تذهب وذلك للعطلة الرسمية ،
ماإن رأتها والدتها متعجلة حتي مطت شفتيها بامتعاض وأردفت:
_ وه السنيورة متلهوجة إكده ليه ، هو معاد الوزارة فاتك ولا حاجة ؟
لوت الأخري فمها بملل ورددت بسماجة:
_ أها بالظبط إكده ، صباح الخير ياحاجة زينب .
ردت صباحها بفتور وهتفت :
_ ايوه خوديني في دوكة ، اني مش قلت لك بالليل يابت إنتي نضفي المطبخ علشان ام حسين تعبانه ومش هتيجي لمدة اسبوع ، وأني تعبت لوحدي ولا البعيدة معندهاش د م.
ضر بت على جبينيها بنسيان مصطنع وهتفت وهي تميل عليها تقبلها من وجهها :
_ وه نسيت خالص واتلهيت في المذاكرة ونمت على نفسي ، معلش ياحاجة زينب سماح النوبة دي ،
وتابعت كلماتها وهي تحمل حقيبتها على عجالة :
_ اني متأخرة لما اجي هشوفه الموضوع ده ادعيلي ياحاجة .
ألقت كلماتها وتركتها وغادرت المكان ، واستقلت سيارتها وذهبت إلي جامعتها ،
دلفت الي الجامعة وألقت السلام على صديقاتها بتعجل ،
اندهشوا من سلامها العاجل وهتفت احداهن بصوت عال وصل إلي مسامعها :
_ أيوة أيوة على الناس اللي اشتغلت وعليت وبقت تسلم على الماشي وتجري .
أدارت جسدها إليهم ورددت بعيون متسعة دون إحراج :
_ وه هتحسدوني إياك يابت منك ليها ولا ايه ، بقت عيني عينك إكده !
شعرن بالإحراج من صريح عباراتها وهتفن بوجه محمر كي يحفظن ماء الوجه :
_ بنهزروا وياكي ياست رحمة ولا إنتي بقيتي تبصي لنا من مناخير عالية بقي .
عبست ملامح وجهها من هرائهم الذي يضيع لها وقتها وهتفت وهي تشيح بيدها في وجههم :
_ بقول لكم إيه يالا عندينا محاضرة مهمة وسيبوكم من الكلام التافه ده ، متضيعوش وقت عاد .
ألقت كلماتها وسبقتهم إلي محاضرتها كي تنهي المهم في يومها الجامعي وتذهب إلى عملها ،
فرحمة لم ولن تتهاون في دراستها فلديها حلم لابد أن تصل إليه ،
أنهت رحمة يومها الدراسي وخرجت من الجامعة قاصدة مكتب المحاماة التى تعمل به ،
كانت تجلس على مكتبها منهمكة في تفاصيل العمل الذي لم ولن ينتهي في ذاك المكتب الشاق ولكن تحبذ ذلك بشدة ،
وأثناء انهماكها في العمل سمعت صوت ماهر الغاضب يردد عبر الهاتف :
_ إنتي ياهانم ياللي برة فين قهوتي ! خمس دقايق تكون على مكتبي وحسابك عسير معايا .
انتفضت من مكانها وهي تنظر في ساعة يدها ووجدت أن ميعاد قهوته مر علي وقتها أكثر من نصف ساعة ، هرولت سريعاً وقامت بصنع القهوة بنفسها عندما لم تجد الساعي ،
أنهت صنعها وذهبت على عجالة إلى مكتبه وكادت أن تتعثر في خطواتها بضع مرات من شدة التوتر ،
دلفت إلى مكتبه ونظرت إلى وجهه وشهدت علامات الغضب على وجهه بشدة ،
وما إن وصلت إليه حتى تعثرت قدماها في طرف السجادة المفروشة على الأرض وطارت القهوة من يدها وانسكبت على بدلته ،
وقعت الصينية بمحتوياتها أرضا وتهشم الزجاج ،
أما هو نظر إلي ماحدث بذهول وهو يحاول نفض حلته من ما حدث لها ، وهتف موبخا إياها:
_ إنتي ايه يابني آدمة إنتي اللي عملتيه ده !
وايه اللبخة اللي انتي فيها دي هو إنتي مش عارفة إنتي شغالة مع مين ! الظاهر إني غلطت واتسرعت في شغلك معايا وانك مستهترة .
أدمعت عيناها من عصبيته وكادت أن تقوم وسندت بيدها أرضاً وإذا بها تص رخ صر خة عالية جعلته انتفض من مكانه ،
لقد دخل الزجاج وملأ باطن يديها مما جعلها تشهق شهقتها العالية والتى أدمت يداها بشراهة ،
هبط لمستواها عندما رأي أذيتها ، و أمسكها من يدها وهو يحاول إخراج الزجاج من يدها مرددا بطمئنة لها فقد صعبت عليه :
_ معلش اهدي ، هحاول اشيله لك بس اتحملي يارحمة .
ثم بدأ بنزع الزجاج من يدها بهدوء ويداه تحتضن يداها ، كانت لأول مرة تنظر إلي ملامحه عن قرب ، نظرت إليه وتاهت في ملامحه الرجولية وتنفست رائحته بعمق ،
ولأول مرة يدق قلبها الصغير بعنف ، فقد شعرت ابنة العشرين بالإعجاب للأربعيني الأعذب ، وفجأة اعتلى صوتها بصرخة عالية :
_ أاااااااه ، يدي بتوجعني أووي .
حرك رأسه بحزن على توجعها وأردف :
_ معلش يارحمة اهدي قربت أهو .
وبعد دقائق أنهى نزع الزجاج من يدها ثم سندها كى تقوم من مكانها ، وأجلسها على الكرسي ثم تركها ودخل إلى الحمام الخاص بالمكتب وأخرج علبة الإسعافات الأولية ،
وخرج إليها وجدها تمسك يداها وتتوجع ،
تحدث إليها:
_ معلش اتحملي شويه ، هاتي يدك أطهر لك الجرح .
أعطته يداها التي ترتعش بشدة من خجلها منه قبل وجعها ، لأول مرة تشعر ذاك الشعور الذي ألفه قلبها ، لأول مرة تترك لعيناها العنان أن تنظر لرجل ،
احتضن كف يداها مرة ثانية وبدأ بتضميد جراحها وبعد أن انتهي نظر إليها مرددا بحنو شعر به تجاه تلك الصغيرة التي حركت سريرة ذاك المتجمد ، وهو يهتف :
_ خلاص ياستي كله تمام ، قومي بقي روحي على بيتك ومتجيش الا لما يدك تخف .
ابتسمت إليه وشكرته بامتنان:
_ أنا بشكر حضرتك جدا يافندم ، ومتأسفة علي اللخبطة اللي حصلت للمكتب بسببي .
عاد إلي كرسيه وهو يجيبها :
_ مفيش لخبطة ولا حاجة ، أنا اللي اتعصبت زيادة عن اللزوم ومكنتش أعرف أنك بتتوتري وبتخافي أووي اكدة ،
عموما حصل الخير واتفضلي يالا روحي .
↚
البارت الثامن
ماذا لو هبتنا الحياة كل ما نتمناه دون عناء ؟ دون أن نتنازل عن أي حق من حقوقنا ولا نضطر خوض طريق الاستغناء ،
لما لم نترك غيرنا الحبيب يستمتع بحبيبه والعاشق يحظى بمعشوقه دون افتراء ؟
ولكن تعب كلها الحياة فما عجب إلا في ازدياد .
مرت الأيام الي أن جاء اليوم الذي يبدأ فيه العاشقان رحلتهم ،
تجلس سكون تفرك يداها بتوتر فهو اليوم الذي انتظرته كثيرا أتى موعده وستكتب اليوم على اسم معشوقها الأول الذي حلمت به كثيرا،
فتحدثت مع أختها وهي تبتلع انفاسها بصعوبه من شده توترها :
_يعني الدريس ده لونه حلو ولا ايه عاد يا مكة ؟
عبست ملامح وجه تلك المكة من توتر سكون والذي وصل اليها وهتفت بامتعاض:
_ يوووووه ، والله مكة زهقت منيكي ومن السؤال اللي سألتيه ميت نوبة النهاردة يا بت ابوي ، قلت لك جميل ولونه حلو وشكله جميل عليكي خلاص بقى فضيها سيرة عاد ما كانَتش خطوبة هي.
ألقت سكون في وجهها الوسادة وهدرت بها بحدة:
_بقى إكده تزهقي عليا في يوم زي ده والله يوم ما تبقي زيي و في حالتي ما هعبِرِك ولا هسأل فيكي .
وكادت أن ان تكمل حدتها الا أنها استمعت الى هاتفها يعلن عن مكالمة فأمسكت هاتفها واشارت الى مكة ان تخرج مرددة:
_بقول لك ايه فرقينا دلوك خلاص ما عايزاش منيكي حاجة واصل .
ابتسمت مكة وهتفت وهي ترفع حاجبها باستنكار:
_وه !هو من لقى احبابه نسى اصحابه ولا ايه يا ست سكون ؟
عموما هخرج علشان انا عِندي د م بس .
انهت كلماتها وهي تغمز لها بعينيها بدعابة معتاده عليها تلك الصغيره ،
اما سكون فتحت الخط وأجابته:
_السلام عليكم ، كيفك يا عمران؟
اعتدل في جلسته واتخذ وضع الاسترخاء كي يهاتفها باستمتاع وأجابها:
_تؤتؤتؤ اكده هزعل ، مفيش كيفك يا حبيبي ، اتوحشتك يا روح قلبي، حاجات من إكده اللي بيقولوها المخطوبين لبعض .
تحممت سكون ورددت بخجل :
_ أممم بالراحة علي شوي إهدي على سكون ياعمران .
ابتسم لخجلها وكم كان شعوراً لذيذا يجربه لأول مرة ، ثم هتف بمحبة :
_ عيون عمران اللي نفسها تطلع لك وتشوف طلتك اللي متوكد إنها هتُبقي ولا طلة السندريلا اللي مستنية أميرها .
ابتسمت بحالمية ودق قلبها بعنف وصار ينقبض وينبسط بنبضات متتالية سريعة من كلام ذاك العمران الساحر ، كم كان بارعاً في جذبها إلي عالمه أكثر وأكثر حتى باتت تدمنه ،
ورددت بهمس مغلف بالاندهاش :
_ قد إكده شايفني جميلة وبتوصفني بالسندريلا بحالها !
أجابها بمحبة مؤكدا :
_ الجمال مش بس جمال الشكل ، لاااا أني شفت فيكي حاجة مشفتهاش في غيرك ،
حسيت وياكي إحساس غريب وجميل من أول عيني ماوقعت في عينك ، حسيت إنك بتناديني ،
واستطرد حديثه باستفسار:
_ بس في حاجة غريبة إني اول ماشفتك نطقتي اسمي وكانك تعرِفيني من زمان ،
هو بصحيح إنتي كنتي تعرفينِي ياسكون ؟
قلبت عيناها بذهول مغلف بالخجل من تساؤله فهي غير معدة الآن لأن تجيبه على استفساره وهتفت بهدوء :
_ ممكن مجاوبش على السؤال ده دلوك ؟
ضم حاجبيه بعبس وهتف :
_ طيب ليه بقي ياحبيبي هو احنا مبقناش واحد ؟
تحمحمت بهدوء وأردفت بتأكيد :
_ لاا واحد ورب الكون عالم بمكانتك جواي ، بس مش حابة أحكي دلوك ، وكمان لما تكون قاعد قصاد عيني وجها لوجه وعيوننا تُبقى في عيون بعض وقتها أحكي لك كل الحكاوي اللي حايشاها لك من زمان .
_من زمان ياسكون ! من قد إيه إكده ياعمري ؟.. جملة استفهامية نطقها عمران بسكون وهو يبتلع أنفاسه ومنتظراً إجابتها التي ترطب على قلبه المسكين الذي جبر بعشق السكون .
كانت تداعب خصلات شعرها الغجري ذو اللون الأسود كسواد عتمة القمر وأجابته بهمس :
_ من سنين ياعمران .
بلل شفتاه بلسانه من عذب حديثها الذي عشقه كثيراً وهتف بنفاذ صبر :
_ ياااه ياسكون ماتحكي بقي عاد معِنديش صبر أستني ياحبيبي.
كاد أن يكمل حديثه إلا أنه استمع الى دقات أشبه بالطبول على باب غرفته ، وما هي إلا رحمة أخته الصغرى بمشاغبتها ، فهتف :
_ معَلش خليكي وياي هشوف اللي دماغها طايرة منيها داي وهاجي لك ياقلبي .
ضحكت على كلماته ورددت :
_ تمام معاك متقلقش .
نطق لتلك المشاغبة :
_ ادخلي يامزعجة ادخلي وبطِلي حركاتك داي .
دلفت تلك الرحمة الي غرفة أخيها وهتفت بمحبة مغلفة بالدعابة وهي تغمز بعينيها:
_ إيه كان معاك معاك مكالمة غرامية مع الحب كله ولا ايه ياحضرة العمران ؟
قهقه بشدة على طريقتها وهتف وهو يشير بيده تجاه الهاتف :
_اها طبعاً ، واهي معاي على التليفون وسمعتك وعرفت إنك مجنونة عيانا بيانا ،
ثم فتح السماعة الخارجية وردد :
_ أها ياسكون سمعتي بودانك إنها مجنونة ودماغها طايرة منيها علشان تصدِقيني بس .
ضحكت سكون بشدة على مشاغبتهم وتحدثت:
_ كيف القمر والله يارحمة وروحك حلوة شبه مكة اختي بالظبط ، هي كمان بتحب الضحك والهزار والمشاغبة فينا ليل نهار .
هزت رحمة رأسها بكبر مصطنع ورددت وهي توجه كلماتها الى سكون عبر السماعة :
_ تشكرات اختنا سكون ، والله عارفة إكده بس أني مش بحب اتكلَم عن خفة دمي وروحي الحلوة كَتير .
أشار إليها عمران ناحية الباب قائلا :
_ طيب خلي عندك شوية من الاحمر عاد وفارقينا بقي .
رفعت حاجبها قاصدة مضايقته باصطناع وجلست على تخته وتحدثت وهي تلوي خصلات شعرها حول يدها :
_ والله أني عجباني القعدة اهنه ياأخوي اتوحشتك كتييييييير.
نظر اليها بغضب وهو يشير إليها بعيناه أن تخرج ولكنها قامت من مكانها وهتفت بصوت عال قاصدة إسماع السكون :
_ شفتي ياسكون الأخ اللي قلبه جاحد بيبص لي بغضب وعايزني أخرج من أوضته وبيستقوي علي عشان الحيلة واللي على الحجر ومربع في قلب الحاجة زينب .
استمعت سكون إليها بتركيز مصاحب بالابتسامة فهي تتحدث عن تفاصيل عمران ، فهي حلمت كثيرا أن تعرفه وتدخل في أعماق يومه وتشاركه لحظاته الحزينة قبل السعيدة ،
واردفت بشموخ يليق بعمرانها :
_ وه على إكده محبة عمران مسيطرة على قلوب الكل إكده يارحمة ومن أولهم إنتي باين من كلامك إنك مش غيرانة خالص .
اتسعت مقلتي رحمة من كلام سكون وهتفت بذهول مصطنع :
_ حتى إنتي فهمتيني صح قصدي غلط ياسكون ، أنا بايني مليش حظ في البيت ده .
اجابتها سكون بنفي :
_ لااا ده إنتي سكرة خالص يارحوم والله حبيتك قوووي ، ومن دلوك ومن قبل ماشوفك
حسيت إنك كيف اختي مكة الخالق الناطق ،
منحرمش منيكي ياحبيبتي.
شكرتها رحمة على ذوقها ورقتها في الحديث وتحركت صوب الباب للخروج وهي تبلغ عمران :
_ الحاجة زينب بتبلغك إنها لبست وفي انتظارك تحت وبتقول لك شهل ياعريس علشان منتأخرش علي البنتة الزينة .
ألقت كلماتها وأغلقت الأبواب وهبطت الأدراج بإزعاج كعادتها ،
أما سكون تحدثت :
_ خلاص هسيبك بقي تشوف حالك واني كمان اختي الكبيرة وصلت بولادها هخرج وأشوفها وكمان هشوف هعمل ايه .
هز رأسه باستحسان وتحدث :
_ تمام ياحبيبي خلي بالك من نفسك على ماشوفك ونتمم أول فرحتنا على خير ، مع السلامه يانبض القلب .
ابتسمت بحالمية وأردفت :
_ مستنياك ، في رعاية الله .
***************************
في منزل سكون دخلت إليها مها أختها بطلتها البهية كعادتها فهي تعشق الاهتمام بنفسها ثم جرت اليها وألقت نفسها داخل احضانها وهي تردد بوحشة :
_ عروستنا اللى كيف البدر المنور دكتورتنا اللي مشرفانا ، اتوحشتك قوووي ياقلب اختك.
شددت سكون من احتضانها كثيرا ورددت بوحشة مماثلة:
_ والله ما في حد قمر غيرك كفايه ريحتك اللي سابقاكي في المكان، هموت واعرف بتجيبي الروايح القمر دي منين ده انتي عامله ولا نجوم السيما يا مها يا حبيبتي .
اخرجتها مها من احضانها واجابتها وهي تربت على وجنتها بحنان:
_من عيوني لحبيبه قلبي اجيب لك من كل حاجه ده انت تؤمريني امر يا طيبة يا جميلة.
دخلت مكة في الحوار وهي تستمع اليه من البدايه هاتفة باستنكار:
_ايه ده بتقسموا الغنايم ولا ايه من غيري هو انا مش اختك زيها يا بت ابوي ولا اني بت البطة السودا اياك !
احتضنتها مها هي الأخرى بحنان بالغ فهي قد استوحشتهم كثيرا وتشتاق اليهم بشدة وهتفت بحنو:
_كيف إكده ده يا حضرة الاعلامية اللي طالعه سلالم المجد وسامعة عنيها اخبار تسر العين والقلب ، المرة الجاية هجيب لك احلى برفانات لجل عيونك الزرق اللي بلون السما دول ويجننوا يا قمر انتي .
حركت سكون رأسها برفض ورددت بسماجة:
_لا يا اختي ما تتعبيش حالك وتجيبي لها برفانات هترميها هي ما لهاش في الكلام ده نهائي، ابعتي لي اني بس أني داخلة على جواز اهتموا بيا علشان ما يهربش مني في نفس اليوم .
اتسعت مقلتي مها بذهول واردفت:
_هو مين ده اللي يقدر يهرب من الجمال والهدوء والأدب اللي متجمعين فيكي يا حبيبتي ! ده أمه دعياله في ليله قدر ان ربنا رزقه بالدكتورة سكون على سن ورمح .
ابتسمن جميعا وبدأن في تجهيز سكون لاستقبال عريسها والفرحة والسعادة تغمرهن جميعا اما والدتهن كانت في الخارج تجلس مع اخويها ،
مر الوقت سريعا واستعد عمران للقاء حبيبته هبط الأدراج بطلته المميزة فقد كان مرتديا جلبابا من اللون الأسود ويعتليه عمامه من اللون الابيض فحقا كان وسيما بالجلباب ولأول مره تراه سكون بذاك الشكل،
استقبلته والدته وهي تحوم حوله بالزغاريد وتمسك في يدها المبخره وتردد :
_ رقيتك واسترقيتك من عين كل اللي شافوك واللي هيشوفوك ولا صلوش علي النبي ، رقيتك واسترقيتك من عين زينب ومن عين حبيبة ومن عين رحمة ومن عين رحمة وكمان من عين رحمة ومن عين وجد ومن عين سلطان ، ربنا يحميك من العين يانضري .
أصدر الجميع سعالا شديدا بسبب كمية الدخان الصاعدة من البخور ، وهتفت رحمة بامتعاض:
_ اشمعنا اني ياماما اللي من عين رحمة عشرين مرة ! والله إكده ظلم ده أني كيوتة ومش بحسد خالص ، اني بس عيوني هتاكل المز العريس ده وكل ياناس ، ياخراشي علي الهيبة ياعمران ياخوي والله العروسة هيجرى لها حاجة .
صعقت الحاجة زينب من حديث والدتها وألقتها بالشال الخاص بها في وجهها وهي تنهرها :
_ اكتمي عاد يابت يام عيون صفرا إنتي ، عينك هتجيب ولدي الأرض ، اكتمي يابت ،
وتابعت حديثها وهي تخمس في وجهها وتربت على ظهر ولدها:
_ الله اكبر عليك ياولدي خمسة وخميسة .
كل ذلك في حضرة تلك الوجد التي تتابع ذاك الموقف بقلب ينحسر ويتوجع ألما مريرا كالعلقم في حلقها ،
كانت عيناها تأكله وتود أن تسحبه من يداه وتهرب به في عالم لايوجد به غيرهما ،
ودت لو كانت مكان سكون الآن وكانت هي عروسه بدلاً عنها فحقا كانت ستسعده وتريه من عشقها ألوانا وتسقيه من شهدها أنهارا ،
ولكن هي الآن متحسرة عليه وقلبها ينكوي نيرا.نا بالغيرة التي تح.رق داخلها ،
ووقفت أمامه ونظرت إليه بعيناي يكسوها الدمع ولم تخشى من حولها مرددة :
_ مبروك ياأستاذ عمران ، ألف مليون مبروك ربنا يتمم لك على خير وتُبقى عروسه الهنا.
وقبل أن تمد يداها فهو لايحبذ لمستها نظر ورائه وهو يردد مباركتها بخفوت :
_ الله يبارك فيكي ، أمال فين أبوي الحاج سلطان يا أمي ؟
كادت أن تجيبه إلا أنهم استمعوا الي صوته وهو يهبط الأدراج والفرحة تسكن عيناه بغزارة :
_ اني نازل أهه ياولدي ، يالا بينا نتوكل على الله ولد عمك مستنينا برة والحاج سلمان والحاج سعيد خالك ، يالا .
خرجوا جميعاً عدا تلك الوجد فهي لن تذهب معهم في ذاك الاتفاق فهي ليست لها صفة بينهم ، وخرجت ورائهم وعادت إلى منزلها تتحسر وتتوعد داخلها آلاف الويلات له ولعروسه ولأبيه وأمه ولجميعهم فهم جميعاً في نظرها كسروا قلبها ،
بعد مرور نصف ساعة وصل الجميع منزل العروس في طلة تخطف الأنظار فهم لهم هيبة عرفوا بها في تلك البلدة ، تهافتت الزغاريد من مها ورحمة وزينب ودوت أرجاء المكان ،
صعدوا جميعهم في غرفة الاستقبال الواسعة في شقتهم وبعد السلام والترحاب تحدث سلطان:
_ إحنا جايين النهاردة نطلب يد الدَكتورة سكون لولدي عمران ، وجاهزين ومستعدين لكل طلباتكم ، وعنينا لبتنا واللي تأمر بيه طلباتها كلها مجابة .
تحدث مسعد الأخ الأكبر لماجدة مبتسماً:
_ واحنا يشرفنا وجودكم ياحاج سلطان ، ده إحنا النور والهنا زارنا بوجودكم وسطينا.
واحنا مهنطلبش حاجة زيادة عن الناس والأصول واللي تقولوا عليه ماشي ، إحنا بنشتري راجل ولد أصول .
ابتسمت زينب لقناعة ذاك الرجل التي أحستها من كلماته وشعرت براحة اجتاحت أوصالها لذاك المنزل وكانت جالسة متشوقة لرؤية العروس التي خطفت قلب عمرانها ،
اتفقوا على كل شئ الي أن تحدث عمران مستئذنا من أبيه :
_ بعد إذنك ياحاج سلطان ، أني عايز أتجوز بعد تلت شهور ملهاش عازة الخطوبة الطويلة أني جاهز وأظن الدكتورة جاهزة فنتوكل على الله .
استحسن سلطان حديثه وهتف بموافقة:
_ علي خيرة الله ياولدي احنا طلعنا أهل وأني ممانعش ، بس الكلمة الأولى والأخيرة لخالها اللي في منزلة والدها ،
وتابع كلماته وهو ينظر إلي مسعد مرددا باستفسار:
_ ها قلت ايه في طلب عمران يامسعد اموافق ولا ليك راي تاني ؟
نظر مسعد الي اخته وأشارت إليه بابتسامة استنتج منها الموافقة وردد بمباركة:
_ مبروك ياعريس على خيرة الله مفيش داعي نأجلوا الفرح .
هز سلطان رأسه باستحسان:
_ على خيرة الله نقروا الفاتحة بقي .
هنا هتفت زينب قائلة بلهفة وعيناها تتلفت في المكان:
_ طيب مش تحضر العروسة نسلموا عليها وتقرى فتحتها ويانا ولا ايه ياأم مها ؟
قامت ماجدة من مكانها وأجابتها بابتسامة:
_ من عيوني يام العريس هجيبها طوالي .
أما داخل المطبخ كانتا تقفن الثلاث بنات وسكون في حالة خجل وتوتر شديد في تلك اللحظة التي لم تتوقع خجلها وتوترها بتلك الدرجة ،
فتحدثت مها إليها والتي كانت تتابع الاخبار وتستمع إليهم :
_ جهزي حالك ياعروسة هتخرجي دلوك لعريسك ياقمر .
أمسكتها سكون من كتفيها وهتفت بتوتر بالغ :
_ له اني متوترة اووي اووي يامها متسبنيش أخرج لحالي قدام الناس داي كلياتها .
ربتت مها على ظهرها ورددت بطمئنة :
_ له اجمدي إكده هي الثواني الأولى وهتاخدي على الجو والمكان والتوتر داي هيمشي كلياته ، يالا اخرجي بالعصير وأني هخرج بالجاتوه .
رأتها تقف كما هي بتوترها فلكزتها على كتفيها قائلة :
_ يالا ياداكتورة همي عاد علشان ميقولوش علينا قلالات الذوق .
حاولت أن تهدأ من توترها وعدلت من ثيابها وحجابها وحملت المشروبات بيدين ترتعش وهي تتهادى في خطواتها كي تتفادى الوقوع ،
خرجتا اليهم وفور أن رأتهم ألقت وجهها أرضاً من شدة خجلها ، ثم مرت على الرجال أولا بالمشروب حتى وصلت إلى زينب والتي فور وقوفها أمامها حتى نطقت بتكبير :
_ الله أكبر ماشاء الله ، عروسة كيف القمر ياولدي ، تعالي اهنه اقعدي جاري يامرت الغالي .
وتابعت حديثها وهي تنظر إلى عمران مرددة بابتسامة:
_ زينة الصبايا ياولدي دخلت قلبي من أول ماشفتها ، ربنا يبارك لك فيها ويتم لكم على خير ياضي عيني.
تحمحمت سكون بهدوء وأردفت بصوت خافت :
_ شكرا ياحاجة ، ده من ذوقك الجميل.
_لاااااا اني من اليوم تناديني بماما زيك زي رحمة وحبيبة يابتي.... جملة اعتراضية نطقتها زينب لسكون وهي تنظر لها بمحبة نابعة من قلبها وأكملت:
_ ده أني مستنية اليوم ده من زمان قوووي ياحبيبتي ،ده إنتي هتنوِري دارنا .
أنهت كلماتها وهي تجذبها من يدها تشدها الي أحضانها ، وبدور سكون شددت من احتضانها وهي تردد بطاعة:
_ حاضر ياماما الحاجة .
لم تستطيع النظر إلي عمرانها كي تراه أو تملي عينيها من طلته ، وظلت على خجلها وتوترها ،
أما هو لم تطلع عيناه فقط بل خصص كل حواسه لرؤيتها ، العين تنظر لطلتها ، والقلب يخفق غراماً لعبيرها والروح تستعد شوقا لحديثها ، فطلتها كالبدر ليلة تمامه ، وعبيرها زهره يفوح أبهى عطوره ، وحديثها المنتظر هو كل مناه وأماله ،
كان يتطلع الي كل انش فيها يتأمله ويحفره بداخله ،
فاق من شروده بها على جملة والده :
_ مبروك ياولدي ، مبروك يابتي ، نتوكل على الله ونقروا الفاتحة ، وزي ماتفقنا إن شاء الله هنكتب الكتاب بعد شهر من دلوك والجواز كمان تلت شهور .
رفعوا أيديهم جميعاً يرددون فاتحة الكتاب بأفواه منفرجة من السعادة ، بعد الانتهاء تناولوا المباركات بينهم مهنئين بعضهم البعض ،
وبعد حديث طال بينهم مايقرب من ساعة هتف سلطان وهو يقوم من مكانه :
_ربنا يتمم بخير وعقبال الليلة الكبيرة ، يالا ياأم عمران نتكل على الله إحنا ونسيبوا عمران مع عروسته شوي .
ردد مسعد قائلا :
_ ما لسة بدري ياحاج مستعجل على إيه ، قعدتك مايتشبعش منيها .
أما ماجدة تحدثت وهي تحتضن زينب :
_ طيب هما لو وراهم مصالح ومتعجلين يمشوا وخليكي إنتي ياحاجة أني اتونست بيكي والله .
شددت زينب من احتضانها مرددة :
_ اني الود ودي مسيبش عروسة ولدي وامشي وأقعد وياكم بالساعات والله ، بس علشان أمور الدار إنتي دارية بيها مبتنتهيش ،
واسترسلت حديثها وهي تقصد سكون :
_ متقلقيش ياعروسة الغالي هزهِقك مني زيارات لحد ما تقولي جاي يابوي منيها المرة الفاضية داي .
هزت سكون رأسها باستنكار وأردفت بنفي:
_ لا متقوليش إكده ياماما الحاجة ده إنتي تنوري في اي وقت وأن مكنتش الأرض تشيلك نشيلك فوق راسنا .
انفرجت أساريرها من ردها وازدادت ملامحها فرحة عارمة وهتفت:
_ تسلمي ياأم لساان بينقط شهد ياقمرة إنتي.
وظلا يودعان بعضهم حتى انقضي الجميع وأخيراً تركوا العاشق ومعشوقه يجلسون وحدهم في الشرفة الموجودة أمام عيناهم ،
دقات قلوبهم تسبقهم ويكاد يسمع كل منهم دقات الآخر من فرط سعادتهم ،
كانت سكون تجلس أمامه محبوسة الأنفاس ، تريد أن تنظر داخل عيناه ولم تستطيع أن تفعلها ، حينما استمعت إلي اسمه يخرج من بين شفتاه كترنيمات أعذب الألحان أغمضت عيناها وداخلها مغرم بسحر اللحظة التي انتظرتها كثيرا ، فهتف مناديا عليها بصوت مبحوح وهو يتعمق في النظر إليها:
_ سكوني ، ليه مبتطلعيش ليا مرايداش عيونك تسكن عيون عمران .
انقلب وجهها وازداد احمرار وتوهجا من ذاك العمران وكلامه ونبرته التي يتحدث بها وقررت أن ترفع عيناها سهما بسيطا كي تروي عيناها برؤيته ورددت بهمس:
_ له بس متوترة ومكسوفة شوي بس .
اقترب بمقعده قليلا منها ولكن مع حفظ المسافات وشبك كلتا يداه وهتف :
_ياااه كنتي فين من زمان ، استنيتك كَتييير ومكنتش متوقع إن يوم ملقاكي هتُبقى صدفة ، ومن يومها عيوني بتتلهف لشوفتك .
بللت حلقها الذي جف من كثرة عطشها إليه:
_ طيب انت متعذبتش كتير ياعمران ، أما أني استنيتك كتييير تاجي وكل مرة بشوفك قلبي ميبطِلش دقات وانفاسي بتبقي محبوسة لحد ما تفارق المكان .
اتسعت عيناه بذهول من اعترافها المفاجئ وردد بدهشة ارتسمت على معالم وجهه :
_ كيف الكلام ده ياسكون ، إنتي كنتي تعرفيني من زمان وعشقاني كمان وأني معرِفش ؟
تنهدت وبعيناي عاشقة أومأت له بأهدابها وتحدثت :
_ أعرفك من تلت سنين ، أول مابدات تدريب في المستشفي شفتك وانت قاعد مع الدكتور محمد ، كانت أول حاجة وداني تسمعها منيك ضحكتك على موقف بيناتكم بصوت عالي خلاني انتبهت ومن وقتها ارتبكت وركزت ودققت في صاحب الملامح ، ومن يومها ابتديت اركز مع الدكتور محمد وكل مرة بتاجي له زيارة بتاخد حتة من قلبي وياك وأنت خارج ، وكل يوم بيمر علي وانت مشايفنيش بتعذب وبحس إنك بعيد عليا ابعد من السما للأرض .
ضم حاجبيه وأغمض عيناه لوهلة من اعترافاتها ، وضغط بإحدى يداه على الأخري ثم فتح عيناه وهو ينظر لها نظرة عاشق :
_ يااااه تلت سنين ياحبيبي وانتي بتفكرى فيا ومستنية القدر يجمعني بيكي !
تلت سنين وانتي بتتلهفي لشوفتي واني مدراينش ،
وتابع كلماته وهو يشير على حاله بتنهيدة حارة:
_ ياه ده أني من أول عيني ماوقعت في عيونك من اول نظرة ومن أول همسة متحمَلتش ، كيف اتحملتي عذاب العشق ياسكوني كل السنين داي ؟
مرت الذكريات أمام عيناها وتذكرت كم اشتاقت له ولم تجده ، كم ودت رؤيته في أوقات حزنها وفرحها ولم تجده ،
خرجت تنهيدة من صدرها وأجابته :
_ كنت بصبر نفسي من المرة اللي بشوفك بيها للمرة اللي بعديها ، وكل مرة بشتاق فيها ومبشوفكش وتطول الغيبة بدعي ربنا يبعتك حدي علشان قلبي يهدى .
كان يحسد نفسه في تلك اللحظة عليها ، ود الآن أن يحتضنها ويأخذها بين ذراعيه كي ينسيها ألم الاشتياق ، فحقا مؤلم أن يكون حبيبك أمام عيناك ولا تستطيع حديثه ،
رأت نظرته المرتكزة عليها ويبدو عليها الشفقة ، فسألته :
_ مالك ياعمران بتبص لي إكده ليه ؟
اخذ نفسا عميقا ثم زفره وتحدث بوله من إحساسه بها :
_ تعرِفي نفسي أخدك بين أحضاني وأضمك لقلبي وأفضل أطبطب عليكي علشان أنسيكي أي لحظة خليتك تتعبي وتسهري وانتي بتفكرى في عمران .
ابتلعت انفاسها بصعوبة من كلماته الكبيرة علي بداية عشقهما وهتفت برجاء:
_ لااا ياعمران بلاش الكلام ده عاد مهتحملهوش ، خليني صابرة الشهور القليلة داي واني متماسكة ، ده أني انتظرتك كتييير لحد ما ربنا جبر قلبي.
أحس بخجلها وهداها مرددا:
_ من عيوني ياعيوني إنتي ، فات الكتييير مبقاش إلا القليل .
وهكذا حديث المحبين العاشقين أوله نظرة وأوسطة ابتسامة وآخره كلمة عهد أمنتهم باستكانة.
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
مرت الأيام على أبطالنا وهم منخرطون كل في وجهته ، فوجد قررت اصطياد سلطان وانتوت على أن تنول عمران في خطتها الواثقة من نجاحها تلك المرة ،
أما مكة انشغلت كثيرا في مذاكرتها بتركيز وجدية وفي نفس الوقت تحاول تطوير نفسها في مهنتها وأصبحت مقربة جدا لهند فهي تتابعها عبر الواتساب وطالت المحادثات بينهم وأغلب يومهم يتحدثون عن كل شئ في حياتهم فقد ارتاحت هند لها بشدة وأحبتها رغم صغر سنها ،
أما عن رحمة فهي تتابع عملها بشغف وباتت تحفظ طباع ذاك الماهر عن ظهر قلب ،
والان جالسة على مكتبها تفحص ملفات القضايا وتعيد ترتيبها ،
وأصبح ماهر يعجب بذكائها وبدأ يشعر بأنها جزء لا يتجزأ من يومه ، فهي أصبحت تأتي يومياً ثلاث ساعات إلي المكتب ،
وأثناء انهماكها في العمل دلف زميل لها في المكتب وألقى السلام وجلس مقابلتها وتحدث:
_ كيفك ياآنسة رحمة ، المكتب نور بوجودك كل يوم.
أجابته بمهنية وهي تقلب في الأوراق التي أمامها:
_ شكراً جدا يارامي ده من ذوقك بس .
شبك رامي كلتا يداه وأكمل حديثه وهو يحاول جذب انتباهها :
_ تعرِفي إنك مثال للبنت الذكية الطموحة اللي بتحب النجاح وعمرها ماتعرِف الفشل .
ألقت الاوراق من يدها وجذبت اللابتوب ورددت بإهمال وهي تنطلق بأصابعها عبر لوحته :
_ كلنا اهنه يد واحدة يامتر وبنكمل بعض وطريقتنا في الفكر نفس الذكاء لأن اللي مختارنا واحد .
نطق فاهه سريعاً:
_ إلا إنتي فيكي حاجة مختلفة تجذب اي حد أنه يشوفها فيكي .
الى هنا ولم تستطيع تجاهله فأغلقت شاشة الحاسوب وأردفت باستفسار:
_ يعني ايه كلامك ده يارامي ؟
انفرجت أساريره لأنه استطاع جذب انتباهها وهتف مصارحا إياها:
_ اني هقول لك على حاجة حاسسها من ناحيتك وياريت تفكِري قبل ماتردي علي ،
عدل من ربطة عنقه بتوتر وأكمل :
_ اني معجب بيكي من أول يوم شفتك فيه اهنه في المكتب وحابب نتعرف على بعض لو معِندكيش مانع ؟
كادت أن تجيبه إلا أنها بهت وجهها وما ت الكلام على لسانها فور ان رأته دالفا الي المكتب وهو يردد بغ ضب يصحبه البرود :
_ تاخد مستحقاتك وتمشي من المكتب فوراً .
انتفض ذاك الرامي من مكانه وردد معتذرا:
_ آسف جداً يافندم ،اني عرفت غلطتي وأوعدك مش هتتكرر تاني .
لم يعيره أدنى إهتمام ووجه أنظاره إلى رحمة آمرا إياها :
_ بلغيهم فوراً باللي قلته بخصوص الأستاذ وحصليني على مكتبي .
ارتعبت من نبرته ونظرته وفورا قامت بالاتصال عن المسؤول المالي عن المكتب وأبلغته ماأملى عليها ، وجمعت ملفاتها ورتبتهم ووضعتهم في درج مكتبها وأغلقته بإحكام فهي لن تتحمل الخطأ وتضع الأمور نصب عينيها ، فهي قد عشقت العمل هنا وأحبت التحدي داخل ذاك المكتب وستتعب لتصل ، دلفت بخطى ثابتة إلى المكتب وهدأت من حالها كي لايراها خائفة أو ضعيفة فهي حفظته عن ظهر قلب ،
وجدته يتحدث وهو مشطاط من الغضب :
_ إيه اللي أني سمعته ده ياآنسة هو المكتب بقي موعد للغراميات بتاعتك ولا ايه ؟
خطت خطوتان حتي اصبحت أمام مكتبه مباشرة ودافعت عن حالها :
_ أني معمِلتش حاجة والله يامتر ، اني كنت بتابع شغلي وبصيت لقيته بيتكلم إكده زي ما حضرتك سمعت لسه هرد عليه نفس الرد ده لقيتك قدامنا .
على نفس غضبه أردف بكلمات :
_ماهو لو حضرتك مصدرة الوش الخشب للكل وخصوصاً الشباب اللي في المكتب مكنش حد قدر يقول لك الكلام ده ،
وتابع حدته بسخط أذهلها :
_ لكن حضرتك ماشية تهزِري وترمي ابتسامات للي رايح واللي جاي علشان تجذبيهم ليكي وتتشافي .
اهتز جسدها بعـ.نف من كلماته وتشنجت عضلات وجهها وباتت لاتصدق ما رماها به ذاك الماهر وهتفت بعدم تصديق:
_ اني يافندم! تقصدني بالكلام ده ؟
واسترسلت دفاعها عن نفسها بملامة :
_ ايه اللي بدر مني يخليك تقول إكده ؟
قام منتفضا من مكانه وهو غاضـ ب مستكملا حدته باستفسار:
_ وحضرتك بقي رأيك ايه في إعجاب المتر بيكي ؟
طبعاً قلبك طار من الفرحة والسرور انك بقيتي محط أنظار الجميع مانتي مديرة مكتب ماهر الريان .
الى هنا ويكفيها فلن تتحمل إهانات منه وخاصة في تلك المسألة بالتحديد فهي ابنة سلطان المهدي وأخت عمران المهدي الأبية التي لم تتهاون في شرفها وسمعتها وهتفت :
_ له لحد اهنه متكملش يامتر اني رحمة سلطان المهدي يعني الخط المستقيم يحيد وهي يستحيل تعمل الغلط أو تخضع بالقول أو الفعل ، مش معني إني مديرة مكتب حضرتك إنك تهيني في سمعتي وأخلاقي أنا لا يمكن اسكت عن إكده أبدا حتى لو التمن اني أخسر أولى جولاتي واهمها كماني.
نظر إليها نظرة عميقة وهتف مفاجئا إياها :
_ تتجوزيني يارحمة ؟
تبدل حالها من النقيض الي النقيض وثار القابع بين أضلعها ينبض من كلمته التي نطقها فجأة ، وردد لسانها بخفوت :
_ حضرتك قلت ايه ؟
أجابها سريعا دون تفكير :
_ كلامي وعرضي واضح ، بطلب ايدك للجواز موافقة ولا عندك اعتراض ؟
أشاحت بيدها باندهاش من سرعة طلبه وأردفت بتعقل :
_ الحكاية دي مش عرض وطلب يافندم ، بناء على إيه نخطي الخطوة دي من غير مانحسب لها كويس أو أحس إني مهمة عندك مش مجرد مأذون وورقة وبيت يجمعنا عاد .
تحرك بخطواته المتريسة وجلس أمامها وبدأ بسرد رأيه قائلاً:
_ اني لمست فيكي الطموح وانك دايما جاهزة ومستعدة ومعندكيش حاجة تفرمِ لك وتوقفك عن نجاحك بمعني أصح بتحسبي الخطوة قبل ماتعمليها كويس قوووي ودي أهم الصفات اللي أحبها في شريكة حياتي وكنت بدوِر عليها من زمان .
اهتز فكها باستنكار ورددت بنفس تعقلها :
_اعذرني يافندم حضرتك بتتكلم عن احتياجك لآلة أو ماكينة atm تطلب فتديك مباشرة من غير نقاش ،مش بني ادمة تعيش معاك في بيت واحد فين كلامك عن المشاركة الزوجية عن احساسك باللي عايزها تعيش معاك ؟
تفهم كلماتها بعمق وشبك كلتا يداه ناطقاً بعملية :
_ بيعجبني فيكي إنك مبتنبهريش بالبدايات وحسبانك لكل الخطوات ، وهمشي معاكي على المثل اللي اختارتيه ماكينة "atm" عمرها مابتدي من غير مقابل ، أني هديكي البرستيج والشهرة والنجاح ، وانتي هتديني الاستقرار الهدوء وهتكملي معايا مشواري اللي بنيته ،وأظن اي ست مش محتاجة غير إن زوجها يحترمها ويقدر وجودها في حياته ويبقي لها السند اللي بجد مش مجرد حبة شعور لايودي ولا يجيب في الزمن ده .
كانت تستمع الي كلماته بتركيز ،حقا هذه أولى صدماتها في ذاك الذي دق قلبها لأول مرة في حياتها ، أمن الممكن أن تكون خدعت بالمنظر والهالة التي رأتها وشعرت بها في حضرته ؟
أمن الممكن أن حبس أنفاسها في وجوده وعندما تشتم رائحته تغمض عيناها من استمتاعها بأنفاسه في المكان كذباً !
كيف لذاك الماهر أن يخدع إحساسي الذي لم يكذبني يوماً ؟
لاااا يارجل عُدَّ حالك فأنا أعدك اني سأدخل معك تحدي التغيير واني سأجعلك تلهث ورائي دون أن أكل أو أمل ، فأنا ابنة حواء التي أخرجت آدم من الجنة أعدك اني سأحولك من النقيض للنقيض ،
ولكن تحمل أمامي واستعد لصد الهـ.جمات التي سأشنها عليك ولن أفشل فلن أعرف طريق الهزيمة يوماً ولن ولم أجربها ،
#كلمات_رحمة_المهدي
#بقلمي_فاطيما_يوسف
تفهمت كلماته ووعتها وحفظتها وبدأت اولى كلماتها في معركتها:
_ طيب فين كلامك عن الحب ، عن احتياجك ليا عن شعورك ناحيتي ؟
رأى حيرتها واستنتج انها ستشن مكر حواء عليه ولكنه أشفق عليها مما ستراه على يداه فهو ذو رأس متيبس ولن يفعل غير مايحلو له وأجابها بعقلانيته :
_ الارتياح والعيشة الهادية السوية هما أساس نجاح أي بيت مش اكتر ولا أقل .
رفعت حاجبها ونطقت على الفور :
_ طيب نفرق ايه بقي عن الحيوانات طالما مفيش حب مفيش لهفة مفيش حاجة تضيف لليوم روح ؟
قام من مكانه قاصداً إنهاء تلك الجولة فهو يحبذ أن تكون البداية بيده والنهاية أيضا بيده وهو يجيبها:
_ نشوف الموضوع ده بعدين اني هديكي مهلة تفكري ولحد ماتديني رد الشغل غير اي حاجه تانية وانتي عارفاني وعارفة طبعي كويس.
بنفس طريقته العملية قامت من مكانها وهي تناوله الملفات قائلة :
_ دي قضية عزام المنياوي اللي حضرتك طلبتها ونفذت كل اللي حضرتك قلت لي عليه بالظبط.
وتابعت حديثها بمهنية:
_ تؤمرني بحاجة تانية يافندم ؟
أمسك الملف بين يداه وادعي عدم الإهتمام لها ولطريقتها الذي لم يتوقعها بعد طلبه وأشار برأسه:
_ لااا مش محتاج اتفضلي على مكتبك .
لن تنظر إليه وخرجت من مكتبه وفور خروجها انكبت على الملفات وانهمكت في العلم وهي على دراية أنه يراقبها الآن من داخل مكتبه كي يرى رد فعلها ونظرات وجهها كي يحدد من اي طريق يبدأ معها كي يجعلها تخضع له تحت قوانينه ،
و بالفعل كان يراقبها بجدية وخالفت توقعاته وجلس يردد مع حاله :
_ مختلفة إنتي ايتها الأنثي عن باقي حواء ،
ولكنني لن أستكين حتي أجعلك تخضعين على اي حد سواء ،
وصار كل منهم يفكر وكل منهم يردد أمام الاخر سرا :
أعرفك بنفسي أنا ذلك الوحش الكاسر الذي لم ينحني ،
وأنا تلك الأبية التي لم ولن يُخلق من يجعلني أنكوي،
حسنا أيتها الأبية فلنري من سَيُرفع له القبعة علي حلبة المصارعة ،
لاتنتظر حتي تري فا أنا نا ر تخرق من يقترب وتكـ.سر العظام حتي تفترق فانفذ بروحك حتي لاتحــ.ترق ،
لاتقلقي فالوحش الكاسر عظمه شديد وقواه مصنوعة من حديد وقلبه وروحه باردتين كالجليد .
**************************
في مكتب الإعلامية هند علام تجلس هي واخيها يتحدثون في ذاك الأمر الذي لم ينفض ، فرددت له بحيرة :
_ يابني إنت حيرتني معاك كل يومين الاقيك جاي لي وانا مكنتش بشوفك غير كل شهر بالعافية تتابع معايا المحطة ، هي للدرجة دي مأثرة فيك وتخليك تيجي في اليوم اللي هي بتيجي فيه وتشوفها من ورا الستار ، ممكن أفهم في ايه بالظبط ؟
تنهد بحيرة من حاله فهو الآن أصبح معذب اسير العيون الزرقاء وهتف بنبرة متعبة:
_ شفتي حالي واللي جرالي ! أنا ذات نفسي مش مصدقني وبشفق عليا ،
أنا الفنان ادم المنسي اللي نص بنات مصر تتمني كلمة مني وقعت في غرام صاحبة العيون الزرقا وكمان معرفش شكلها ولا اي حاجه عنها ،لاا والأدهى انها حاطة سلك أشواك حواليها وممنوع الاقتراب ، شفتي متقفلة إزاي على أخوكي ؟
انهى كلامه بنظرة بائسة يائسة ، فقد أحبها ونفذ الأمر والأدهى من ذلك أنها لن تراه ولم تفكر به من الأساس ،
أشفقت أخته علي حالته وتسائلت بحيرة لحاله :
_ طيب وهتعمل ايه ياحبيبي ده إنت واقع لشوشتك خالص ؟
أجابها وتعبيرات وجهه تتبدل مابين ابتسامة وشرود وحزن وألم جميع التعبيرات بانت على معالمه في نفس اللحظة :
_ متتصوريش كل يوم احلم بيها حلم شكل واتخيل شكلها بكذا شكل ، مرة شقرا ومرة بيضا ومرة سمرا ومرة قمحية ، مرة بحسها بتحبني وعايزاني ومرة تانية بحسها بتتخانق معايا وكرهاني ، أنا بقيت بنام وبقوم ومش في دماغي غيرها ،
وتابع شرح إحساسه بتلك المكة وعلامات التعب بادية على وجهه :
_ هو معقولة أحب إنسانة من غير ماعرف شكلها أو اعرف تفاصيلها ،
أنا حبيتها في يومين لاااا في ساعة حتي كمان في لحظات هو معقول اللي أنا فيه ده ياهند ولا ده انبهار بنوع جديد معداش عليا قبل كدة ؟!
وعت لكل كلمة نطقها أخيها المعذب والمشتت فحقا مشكلته معضلة للغاية فكيف للمنتقبة والمطرب أن يتلاقىط ؟
هل ستحدث المعجزة وتتآلف قلوبهم وتتناغم أحاسيسهم ؟!
ومن منهم سيسحب الآخر لعالمه هو العاشق حتى النخاع لموهبته ومهنته ،ام هي العاشقة والمحبة حتى النخاع لنقابها وتدينها ؟!
وهتفت برفض :
_ انبهار ايه يابني! إنت بتهزر ؟
بعد كل الكلام ده وتقول لي انبهار ! ده إنت واقع وغرقان في جمال عيونها بس ، أمال لما تشوف اللي أنا شفته هتعمل ايه ، ياعيني عليك يا اخويا ده إنت داخل حرب العشق الممنوع بشراهة.
أشاح بكلتا يديه وامتعضت تعابير وجهه وردد ممتنعا:
_ يوووه ياهند هو إنتي بتصبريني ولا بتحتويني ، يابنتي هو أنا جاي لك ارتاح ولا تتعبيني اكتر ،
ثم تبدل وجهه من الامتعاض الي الحالمية وهو يسألها بفضول:
_ طيب قولي لي تسريبة صغنونة عنها ،بيضا ولا سمرا ، حلوة ولا وحشة ، هادية ولا مجنونة ، بتحب ايه وبتكره ايه ، ؟
اتكلمي وارئفي بحال اخوكي ياهند أرجوكي .
ضحكت بشدة من طريقته الصبيانية وتحايله ثم هدأت من نوبات ضحكتها وأجابته برفض قاطع:
_ شوف مش إنت أخويا وحبيبي بس إلا الأمانة ، أنا لا يمكن أخون إنسان ائتمني علي أي حاجة ، لا يمكن أخليها تفقد ثقتها فيا ، مستحيل يجي يوم عليا وأتفاجئ بيها تقول لي انتي مطلعتيش قد الثقة اللي انا اديتهالك ، وأنا بصراحة حبيتها وقربت منها وعجبني علاقتي البديئة بيها ، نوع مختلف من الصحاب ممرش عليا قبل كدة فيستحيل أعمل حاجة تخالف ضميري ،
وتابعت كلماتها وهي ترشده :
_ وبعدين يابني متفقدش عنصر المفاجأة ،يعني خليك كدة حب ودوب واتمني علشان لما تشوف نصيبك تقول كرمك يارب دي طلعت لي منين دي ؟
اتسعت مقلتيه من وصفها المخبأ وهتف مستفسرا:
_ ياه هي حلوة اووي كدة ؟
أمائت برأسها وعلى وجهها الابتسامه واجابته:
_ جميلة حد الفتنة ، فجهز نفسك للي هتشوفه علي ايديها .
اعتدل بجلسته وأكمل استفساراته:
_ بس انا شفت بنات حلوة كتيير جدا في الشكل مش مقياس ،
يعني هتفرق ايه عنهم ؟
أجابته بإبانة :
_ لااا دي تفرق كتييير أوووي ، جمالها طبيعي مش بوتكس ولا فيلر ، دي تصحي من النوم تشوفها تسمي عليها وهي قايمة بطبيعتها اللي خلقها بيها ربنا زي البدر ، أما اللي أنت بتتكلم عنهم كلهم عيرة تشوفها بالليل تنبهر تصحى الصبح تلاقي خلقة غير الخلقة .
تسائل مندهشا:
_ الله بتتكلمي كدة كأنك مش زي دول مانتي بوتكس وفيلر وبردو زي القمر مش مقياس يعني .
قامت من مكانها وجلست أمامه ورددت بتأكيد:
_ أه أنا زيهم بس انت عارفني بخرج بطبيعتي كتيير وبلغي الميكب كتيير ،اما اللي انت تعرفهم وتقصدهم كلهم من النوع اللي قلت لك عليه ،
واسترسلت حديثها وهي تضع الأمور نصب عيناه:
_ بس خلي بالك انك لو استمريت هتقدم تنازلت كتير اووي .
استوعب سؤالها واردف بنبرة جادة متجنبا مافهمه منها :
_ مش فاهم ياهند ، ايه اللي مكبر المشكلة في نظرك أوي كدة ، هي بنت وانا راجل يعني هيبقي فيه توافق اكيد طالما الحب موجود؟
أخذت نفسا عميقا وزفرته بشرود وهي تهتف :
_ مش ده اللي أقصده ياادم ، إنت شخصية بتفكير وهي شخصية بتفكير تاني خالص ،
هتقدر تغير شخصيتك وأسلوب حياتك عشانها ، ولا هتعلقها وتعلق نفسك بأحبال الهوا وخلاص.
بروح منهكة كن كثرة التفكير أجابها بحيرة :
_ مش عارف ياهند مش عارف ، بس كل اللي انا متأكد منه إني عايز أشوفها وأتكلم معاها وأعرف تفاصيلها ، وأشاركها يومها فهماني .
كادت أن تجيبه إلا انهم استمعوا إلي دقات تشبه الطبول علي باب المكتب ، هي علمت صاحبة الدقات وشفقت على حاله ، وفورا فتحت الباب وطلت صاحبة العيون الزرقاء تطل طلتها الملائكية وهي تردد بمشاغبة فور دلوفها:
_ هنودة حبيبة قلبى كيفك ياقمر اتوحش...تك
وكادت أن تكمل مشاغبتها إلا انها رأت أخر شخص لم تتوقع ان تراه فبهت وجهها وما ت الكلام على لسانها ...
↚
البارت التاسع
لكلِّ شدّة مُدّة، ولكل ضيقٍ مُتسع،
هكذا هي الحياة؛ يتعاقبُ فيها نهارٌ مُضيءٌ وليلٌ مُظلم ،تارةً يُخالجك الألم، وتارة يُصالحك الأمل، واللَّه دوماً في هذه وفي تلك معك
فالحمدلله في السراء وإن قصُرت، والحمدلله في الضراء وإن طالت .
هنودة حبيبة قلبى كيفك ياقمر اتوحش...تك
وكادت أن تكمل مشاغبتها إلا انها رأت أخر شخص لم تتوقع ان تراه فبهت وجهها ومات الكلام على لسانها ،
ورددت وهي تتراجع بخطواتها للخلف قليلا وعيناها مرتكزة على هند :
_ أنى متأسفة جداً ياأستاذة مكنتش أعرِف ان عندك ضيوف ،
واسترسلت وهي تدير وجهها للخلف تقصد الخروج:
_ أني همشي وهرجع لحضرتك كمان شوي تكوني فضيتي .
منعتها هند مرددة بصوت عال:
_ لااا تعالي ده أدم مش غريب تعالي ادخلي يابنتي .
أما هو وقت رؤيتها تسمرت عيناه عليها كانت ترتدي نقابها بلون البنفسج الذي جعلها أعذوبة في الرقة والجمال ، عيناه تفحصتها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها كي يهدأ قلبه ، ولكنه لم يهدأ بل اشتعل داخله نيـ.رانا فور رؤيتها ، فمجرد دلوفها للمكان حبـ.ست أنفاسه ،
لاحظت مكة عيناه المثبتة عليها وكانت محرجة بشدة ، ثم سألتها بعينيها عن ماذا تقصد ، فأجابتها هند وهي تشير إلى أخيها بمحبة :
_ ده ياستي يبقي أخويا ، ادخلي بقي مش حد غريب .
دلفت بوجه متعجب من تلك المفاجأة وجلست أمامه مع مراعاة المسافة ، لم ترفع عيناها ووجهت جسدها ناحية هند وتصنمت مكانها ،
أما هو ظل يردد داخله أمامها وقد نسي الزمان والمكان وكأنها وحدها الموجودة أمامه ،
فحقا ساحرة أنتي تلك الصغيرة ، لم أراكي وأنتي أمامي ولكني أشعر بأني أعرفك لا بل أحفظك ،
أأنتي من الحور العين أم أنكي من جنس حواء !
أريد أن أبحر في هواكي ، أريد أن أكتشفك ، أتعمق داخلك ، أحفظ أسرار الجمال التي تنبعث من عيناكي فقط ،
وجدت هند أن أخيها في عالم أخر ومكة اعترتها حالة من الحرج والخجل وشعرت بمدى حماقتها أنها أطاعت أخيها وأعلمته مجيئها فتحمحمت بابتسامة:
_ تحبي تشربي ايه يا مكة أجيب لك الشاي بالنعناع اللي بتحبيه ولا أجيب لك عصير.
فركت مكة يداها بتوتر من تحت خمارها ،
ولكن عيناه المرتكزة معها جعلته يشعر بخجلها وتوترها ولكنه أمسك هاتفه واصطنع أنه منشغل به كي يخرجها من حالة الخجل ، أما هي اجابتها برفض مصاحب بالشكر:
_ لاا شكراً يا أستاذة مش حابة أشرب حاجة ،
وتابعت حديثها وهي تسألها بخفوت :
_ أروح للأستاذة مروة أكمل اللي بديته وياها عن حلقة الحديد والصلب اللي حضرتك طلبتيها مننا وبعدين أعاود لك ؟
ألقت مكة سؤالها ونظرت جانباً ،أما أدم نظر لأخته مترجيا أن ترفض فهو لايريد ابتعادها عن مرمى عيناه الأن ، يريدها أمامه كي يشعر بها ويشتم أنفاسها بالمكان ويعبأ منها ما يكفيه حتى ترحل وتأخذ قلبه معها ،
رأت نظراته المترجية لها فأغلقت فمها وهي تدعي الغضب أمامه من أفعاله الصبيانية التي لاتليق بمكانته وأجابت مكة :
_ لاا ياموكة أنا عايزة رأيك في حاجة تانية لحلقة النهاردة الخاصة بيا ، أنا بقيت بثق في رأيك جداً ، مختلف عن باقي الأراء اللي حواليا ، كلهم منظورهم للحاجة زي بعضهم أما إنتي تفكيرك للشئ وانك بتتعمقي فيه بيبهرني .
شكرتها مكة بامتنان على رأيها :
_ جزاكي الله خيرا يا أستاذة ، والله كلام حضرتك وسام شرف ليا في أول طريقي .
تمددت ملامحها بسعادة ورددت :
_ جزانا وإياكي ياجميلة ، أنا متنبئة لك إنك هتبقي حاجة مختلفة وهتكسري الدنيا بإذن الله بأفكارك ومبادئك وخاصة إنك مختلفة فعلاً شكلا وموضوعاً ،
وكادت أن تكمل إشادتها إلا أنها جائها اتصال على هاتفها فوجدته زوجها فاستئذنت منها بلطف :
_بعد اذنك هرد على قرة عيني زوجي يعني وهرجع لك ما تقلقيش مش هتاخر عليكي.
اما هو فور ان قامت اخته تنفس الصعداء واحس بأن القدر يخدمه وبقيا وحدهم هي أمامه بنفسها وفورا انطلق لسانه:
_ ازيك ، أخبارك ايه .
كانت جالسة مكانها وتشعر بأن أعصاب جسدها مفكوكة من شدة توترها ، لم يحدث لها موقف كهكذا ولم تحاصر من رجل كهكذا،
وردت على سلامه باختصار:
_ في نعمة وفضل من الله.
قالت تلك الكلمات المعدودة وصمتت ، أما هو ردها أحزنه وطريقتها المختصرة أشعرته بمدي تعبه وحربه التي سيجهد فيها بشدة كي ينالها ، وردد وهو قاصداً النظر إلى عيناها كي يتشبع منهما وبالأخص أنها لم ترفعها ولم تنظر إليه ولو بالخطأ:
_ يارب دايما ، تعرفي انك كنتي في بالي النهاردة وأنا بصلي الفجر ، مش عارف بعد ماأديت الصلاة لقيتك جيتي على بالي .
فحقا يالك من رجل ماهر تعرف تجذب أي أنثى في الحديث ، تنتقى الأسلوب الذي يليق مع كل امرأة ، فرفعت أنظارها وهي تردد باندهاش:
_ايه ده هو إنت بتصلي والفجر كمان ؟!
لم يندهش من سؤالها فهو قد توقعه بقدر ما لفت انتباهه نظرتها المندهشة والمغلفة بالإعجاب وها هو استطاع جذب انتباهها وأجابها:
_ هو أنا مش مسلم زيي زيك والصلاة فرض عليا ، وهي دي اللي بتفرقني عن الكافر !
واسترسل حديثه وهو يدافع عن حاله أمامها :
_ إنتي ليه واخدة فكرة عني اني وحش وبتاع سكر وبنات ، دي الفكرة العامة اللي واخداها عن اي فنان عموما ؟
لم تعرف ماذا تجيبه فهي لم تريد الانخراط معه في الحديث ولكنها منذ يومان رأت فيديو له بمحض الصدفة وهو يلقي أغنيته الأخيرة وكانت معه إحداهن فانتابها الفضول وشاهدت المقطع ولم يخلف ظنها كحديثه ذلك وهتفت بما رأته عيناها بوضوح علها تكسب ثوابا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
_ سبحان الله كلامك عكس أفعالك ، يعني من يومين وأني بقلب عادي في watch it لقيتك في الفيديو وياك بنات وبتلمسهم عادي وبتقرب منهم والحركات اللي بتحصل في الفيديو كليب المعروفة من المطربين كلهم .
انفرجت أساريره لأنها أعلنت أمامه أنها تراه وتأتي بمقاطعه وتشاهدها وردد مدافعاً عن حاله :
_ إيه علاقة إني بصلي وبأدي عباداتي بالشغل دي نقرة ودي نقرة .
استفزها بكلامه ونطقت برفض:
_ هو اي شغل يجيب فلوس كتيير يبقي حلال !
إنك تلمس بنت وايدك تبقي في ايديها وممكن كمان تبقي في حضن...
وكادت أن تكمل كلماتها إلا أنها سكتت خجلاً مما كانت ستردده ، فأكمل هو بدلاً عنها:
_ مكملتيش كلامك ليه ؟ قصدك بيبقوا معايا في أوضاع بالنسبة لك حرام ، بس ده شغل وكمان تمثيل يعني مش حقيقي مش بيبقي في مشاعر ايه المشكلة في كدة ، ده شغل زي أي شغل عادي جداً.
لم يعجبها كلامه ولا أسبابه التي لاتمت بصلة للدين الإسلامي وتحدثت بكل وقار :
_ إنت حافظ مش فاهم على فكرة .
اندهشت ملامحه وهي رأت ذلك ولكن أكملت حديثها بتأدب :
_ يعني التمثيل حلال أصلا في وجهة نظرك ؟
يعني أنك تلمس ست وتستحل النظرة والكلمة والقرب منها وتقول تمثيل ده بالنسبة لك عادى وترجع بعد إكده من سهراتك تصلي وتأدي فرض ربنا وتقول دي نقرة ودي نقرة !
شعر بالراحة اجتاحت أوصاله وتسللت إلي قلبه ، هدوئها في الحديث رزقه السكينة ، كلامها وتعبيراتها المعترضة لم تكن فيها نظرة الاحتقار أو الكبر ، لم تكن من المجادلين في الحديث والمتعصبين لرأيهم ، ولكنه مقتنع أنه لن يفعل خطأ وبرر لها أسبابه :
_ يعني الدكتور اللي بيكشف علي المريضة وبيلمسها وبتنكشف قدامه ده مش حرام ؟
كل مهنة ليها أسبابها وليها خطواتها اللي متنفعش إلا بيها .
أخذت نفسا عميقا ولم تعرف كيف تجيبه كي تقنعه ان الطبيب غير المغني ولكن أكملت حديثها علها تخرجه من ذاك الطريق أو تكون نورا تهدى به إلي الطريق الحق:
_ هو الدكتور زي المطرب ! الدكتور قاسم اليمين أنه ميبصش على المريضة ولا يحل لنفسه يلمسها لمسة حرام ، انت متخيل قسم اليمين على كتاب الله ده يعني ايه ،
ومش معنى كلامي إن كل دكتور شريف في مهنته لاا كل مهنة فيها إللي بيراعي ربنا في مهنته وفي اللي بيخالف ضميره وربنا طبعاً شاهد ومطلع وكل حاجة بتتسجل عند ربنا سبحانه وتعالى فلازم الإنسان يروح له صحيفته نضيفة .
ردد بكلمات خرجت بتلقائية من شفتيه :
_ إنتي جميلة أوي يامكة عاملة زي الملاك اللي بينزل من السما يهدي العاصي .
استمعت أذناها إلى همسه ولأول مرة يغازلها رجل ولأول مرة تشعر بالخوف والسعادة في آن واحد ، واحمر وجهها خجلاً من تحت نقابها وأصبحت تجلس على الكرسي في حالة تتعجب لها أنقذتها هند بقدومها وهي تردد :
_ معلش اتأخرت عليكي حبيبتى يالا نبدأ حالا ،
ثم نظرت إلى أخيها قائلة :
_ ممكن بقي تقوم يافنان تتابع شغل المحطة والأوراق اللي عايزة تتمضي ولا ايه ؟
أخرجته شقيقته من حالة التيهة وود ان يمسك رقبتها ويختنـ.قها لأنها ستجعله يفارق تلك الجلسة المحببة إلى قلبه ، ولكن استأذن منهما ومنها بالتحديد:
_ حاضر هروح حالا ، ممكن نبقي نتكلم تاني لأن كلامك أثر فيا وحابب توضح لي وجهة نظرك أكتر .
انحرجت من طلبه الذي فاجأها به وأجابته :
_ اني مش باجي اهنه كَتييير هي مرة واحدة في الأسبوع بس ، لو احتجت اي استفسار ممكن تبعته للأستاذة هند وهي تبلغه لي وأنا هبعت لها الرد .
لم يريد تلك الإجابة ولم يعجبه ردها الذي حطم آماله في طريق الوصول إليها ، ولكن سيصبر فالمعـ.ركة تستحق فهي أعجبته وأحبها ومن الواضح أنها لن تشعر بمحبته لها إلي الآن ولكن سيفعل قصارى جهده إلي أن يمتلك قلبها وأشار برأسه بموافقة وألقى سلامه وغادر المكان ،
أما هي نظرت إلى هند متسائلة لها بملامة :
_ ممكن اسألك سؤال وتردي عليا بصراحة ياأستاذة ؟
توقعت هند سؤالها وتحدثت:
_ هتسأليني أنا جيبتك هنا عن طريق ادم أخويا ولا لا مش ده سؤالك.
هزت رأسها وهتفت بعتاب:
_ لو كان إكده يبقي مليش لازمة اهنه لأن وجودي وشغلي ملهمش عازة وقتها واني جايه لهدف تاني خالص عكس ماقلتي لي .
انصعقت هند من كلامها وهتفت برفض قاطع:
_ لا يامكة متفهميش غلط أنا أعجبت بشغلك جداً وانبهرت بيه كمان ولولا كدة مكنتش جيت لك لحد عندك ، إنتي فاهمة نص الموضوع غلط ،
وتابعت حديثها وهي تشرح لها ماحدث بكل صدق:
_ شفت لآدم الفيديو اللي نزل فكلمته إنه إزاي يجيب حد تاني يعمل معاه اللقاء وخاصة أن إحنا المسؤولين مسؤولية كاملة عن شغله ، بس وقتها شرح لي كل حاجة وعجبني شغلك اووي فقررت إنك تبقي من التيم بتاعي ومن ساعة ماشفتك وأنا حسيت انك اختي الصغيرة وحبيتك أووي ، أو ربنا وضع محبتك في قلبي من أول ماشفتك وبتلاقيني ببعت لك على طول على الواتساب وحبيت التعامل معاكي اووي .
تنفست براحة من ردها وتابعت استفسارتها:
_ طيب هو حضرتك قلتي لحد على شكلي أو وصفتيني لأي حد ؟
اتسعت مقلتيها بذهول وأردفت باستنكار:
_ لا والله العظيم يابنتي ، أنا يستحيل أعمل كدة ولا عمري هعملها مش علشان أنا منفتحة شوية ابقي جاهلة للدرجة دي في أمور ديني ، أنا احترمت تدينك ورب الكون يعرف إني معملتهاش ولا عمري هعملها متقلقيش ياموكة.
أحست مكة أنها صادقة فهي أيضاً تشعر بالارتياح ناحيتها فابتسمت لها ، وبدأن في الانشغال بأعمالهن .
________________________________
مضى شهراً على تلك الأحداث عمران وسكون يتقربان أكثر وأكثر وأصبحا جزءًا لا يتجزأ من حياة بعضهم ، أما رحمة وماهر فهما في لعبة القط والفأر مستمرين وهي تفهمته جيداً وأصبحت تجعله يستشيط ويستنكر أفعالها وبدأت تنشط شعور الإحساس لديه وبدات امتحانتها وابتعدت عن المكتب تماما مما جعله يجن في بعدها ولكنه لم يعترف بذلك،
أما مكة انخرطت في مذاكرتها وادم كل حين يراسلها عبر الواتساب حين يشتاق للكلام معها وهي مرة ترد باختصار ومرات لن تجيبه عن رسائله وتتعمد فتحها كي تجعله يبتعد عنها ولكنها شعرت أنه يكن لها شعوراً وإعجابا ولكنها ودت أن توأد ذاك الشعور بداخله فهما خطان متنافران ووجهتان متباعدتان وقصتهم ستفشل من قبل أن تبدأ ، ولكنه مصمم على أن ينولها فكانت في كل مرة تذهب إلي أخته يسافر لها كي يراها من خلف الستار ولا تشعر به ثم يعود بقلب يخفق سعادة وحزناً في أن واحد ،
أما عن وجد فهي تلاعبت على سلطان بمكرها كي تجعله يذوب عشقا بها ، رأته خارجاً من منزله قاصداً مزرعته فتحركت أمامه وهي متعمدة أن يراها دون أن تنظر إليها ، كانت تتغنج في خطواتها وما إن رآها حتى نادى عليها بصوت عال :
_ بت وجد إنتي يابت ، وقفي عنديكي .
افتعلت الهلع ورددت وهي تمتثل الخوف :
_ بسم الله الرحمن الرحيم ، ايه ده هو إنت ياابو عمران اتخضيت والله .
ثبت عصاه أرضا وهتف باستنكار:
_ وه شفتي عِفريت ولا ايه ! رايحة على وين بكير إكده ياوجد مش عوايدك تصحي بدرية اكده وتخرجي كمان ؟
مطت شفتيها بدلال واجابته:
_ هو إنت كنت تِعرِف عوايدي ميتي ومن مين ؟
أني بحب أصحى بدري وأتمشي ساعة الصبحية داي وبالمرة أجيب طلباتي اللي نقصاني وياي واني راجعة ،
وتابعت حديثها المصحوب بالدلال وهي تدعي الحزن :
_ مانت عارف بقي اني واحدنية ومحدش بيقضي لي حاجتي غيري .
اقترب منها بخطوات قليلة وأردف بصوت أجش وهو متأثر بحديثها :
_ خلاص يابت كلها شهرين بالكتيير وعمران ولدي هيتجوز واحنا وراه طوالي ومهتبقيش وحدانية يازينة الصبايا .
اقتربت هي الأخرى بخطواتها وكادت أن تتلامس عبائته الواسعة وهتفت بنفس الطريقة:
_ بجد ياحاج سلطان ؟
اني قلت أنت خليت بوعدك وياي ومبقتش رايدني .
رفع حاجبه باستنكار وردد بنفي:
_ كيف إكده هو فيه حد يرفص النعمة بيدة يابعيدة إنتي ، بس كل الحكاية أطمن على ولدي الأول وبعديها أشوف حوارنا ونتتموا الجواز على خير .
عندما ينطق إتمام زواج عمران تزداد نا.را ويشت.عل داخلها وتريد أن تطبق على رقبتهم جميعاً تميـ.تهم عدا عمران حبيبها ومعشوقها الأول والأخير ، ولكن هي كالحرباء تغير لونها تمويها لعدوها وعيناها وسط رأسها تري جميع الاتجاهات كي تصوب سهـ.مها ببراعة وتنـ.قض على فريستها ، فهدأت داخلة وتلون وجهها بالخجل المصطنع فمن ينظر إليها يشاهدها خجلة ولكن تلك علامات الغضب الساحق التى ارتسمت على وجهها ولكن خبأتها ببراعة داخل كلماتها لذاك الشائب:
_ اني قلت أنك رايدني النهاردة قبل بكرة ومهتقدرش على الانتظار وكل يوم أقول هياجي حداكي يابت ياوجد ويسبق بالجواز ويخيب أملي وانام ودمعتي على خدي ،
وأكملت بدمع زائف :
_ فيها ايه يعني لو نتممو زواجنا قبل ولدك هيجرى ايه عاد ؟
اتسعت عيناه باستنكار وردد برفض قاطع:
_ له مهنعملش شي واصل قبل فرحة ولدي الوحيد اصبري يابت فات الكتييير مابقى إلا القليل متتعجليش بالخير باقي هبابة وقت وتنولي المراد .
هزت كتفها وابتسم وجهها وتحدثت بسعادة مفتعلة ككل حديثها:
_ وإنت كمان مهتنولش المراد ؟
ده أني هدخلك الجنة على الأرض وهدوقك شهد وجد وهنسيك اسمك وسنك وهرجِعك ولا أحسنها شاب في التلاتينات بس أنت عجل ياحاج .
استطاعت أن تثير داخله بدلالها وتمكنت من اقتحام قلب ذلك الشائب ، وانخرط ورائها دون أي حسبان لأي اعتبارات وردد مفاجئا إياها :
_ لااا كتير اكده على يابوي ، بت ياوجد اعملي حسابك كتب كتاب ولدي كمان يومين واحنا بعديه بسبوع طوالي خلاص داي اخر قرار عندي .
انفرجت أساريرها فور ان نالت مرادها فألقت الفتيل الذي سيشعل الني.ران في ذاك المنزل وبالتحديد في قلب عمران الذي يعشق والدته وقررت الابتعاد عنهم طيلة الأسبوع حتى لايشك في أمرها أحدا فقد نفذت ماتريد ،ثم التفتت حولها يميناً ويساراً واستئذنت منه المغادرة :
_ طيب اني همشي بقي علشان محدش ياخد باله من وقفتنا في الوقت ده عاد ويجيبوا سيرتي بالباطل واني منقصاشي أني قافلة داري علي وكافية خيري شري ، فوتك بعافية ياحاج.
ردد سلامها :
_ وإنتي من أهلها ياوجد .
وتوجه كل منهم إلي طريقه بقلب يدق دقات مختلفة فدقاتها انتصار بأنها ستكن بجانب عمران ولن تجعله يسعد فهي لن تطوله ولكن لن تهنئ غيرها عليه ج ، أما دقاته هو بامرأة تعيد شبابه دقات مختلفة مستنكرة على ذالك الشائب .
______________________________
انتهت الاختبارات لدي كل من رحمة ومكة ،
اليوم ستذهب رحمة كي تواصل عملها بمكتب ماهر الريان ولكن يومياً وبشكل مستمر فقد أنهت دراستها وتفرغت لأولى مشوارها المهني ، وصلت إلى المكتب في الساعة الثانية ظهراً قبل موعد وصول ماهر بساعتين ،
فقد اشتاقته كثيراً ولكن دون أن توضح له ، أما هو يعاند حاله كثيراً فطيلة فترة غيابها يشعر بنقصان بدونها ولكنه لم يهاتفها مرة واحدة مما جعلها تحزن ، دلفت إلى مكتبها ونظرت إليه بمحبة فقد استوحشت أوراقه وقضاياه ، ثم دلفت الي مكتبه ومان إن رأت صورته الموضوعة على مكتبه نظرت إليها بتعمق ، نظرة عيناه فيها غموض مثير لاهي مبتسمة ولا هي حزينة ،
لاهي مخيفة ولا هي خائفة ، مختلف انت يارجل ، ماذا ورائك ؟
أقسم برب السماء وأشهده انك اقتحمت أسواري ولكن سأبدل نظرتك الغامضة إلى واضحة ، سأجعلك تنطقها دائما وأنت لاتريد ، سأستخدم معك مكر حواء كي تلين ،
وقفت متسمرة مكانها ترى الصورة والمكتب بأكمل وهي تتشبع منهم قدر الامكان ،
ثم نظرت إلى الساعة المعلقة على الحائط وجدت أنها شردت كثيرا ، بدأت في مهامها بالمكتب وبعد أن أنهت ترتيب الملفات قررت أن تغير من نظام المكتب كي تعطي طاقة متجددة للمكان ،
بعد نصف ساعة نظرت إليه باستحسان ثم قامت بتشغيل الجهاز المعطر للمكان وأزاحت الستار من على الشباك ودخلت شمس النهار أنارت المكتب وأدفئته ثم خرجت إلى مكتبها وبدأت في عملها ،
بعد قليل دلف كل من ماهر وجاسر ابن عمها ويبدوا أنهم عائدين من إحدى الجلسات ،
دلفا إليها وألقى جاسر السلام على ابنة عمه ، أما ماهر فور أن رآها أحس بشعور الاحتواء ونظر إليها بعيناي طفل فقد أمه ولكن من تحت نظارته السوداء القاتمة ،فهو انتقى ذاك النوع من العدسات خصيصاً كي لايري أحداً نظرة عيناه ،
ثم هتف مباشره دون سلام أو كلام :
_ بلغي الشؤون المالية تصرف مكافئة للمتر جاسر ، وإنت تعالى معايا على المكتب .
غمز لها جاسر بعيناه مع ابتسامة نامية على وجهه ودلف وراءه ، رأى ذلك الماهر تلك النظرة فور أن دلف مكتبه وعيناه نظرت إلى الكاميرات مباشرة ، وشعر للمرة الثانية بالغضب الشديد الذي لم يفسر معناه إلى الآن ،
أما هي ابتسمت على مشاغبة ابن عمها وأصبح الآن الذراع الأيمن لماهر في مكتبه ،
جلس جاسر أمامه مرددا بامتنان:
_ مش عارف أشكرك إزاي يامتر على المكافأة مكنش ليه لزوم نكلَف سعاتك يافندم .
أدار بالكرسي يمينا ويسارا وهتف :
_ مفيش شكر ياجاسر إنت النهاردة اديت مرافعة في المحكمة تستاهل ولازمن تاخد مكافئتك عليها وبزيادة كماني ، انت قدرت تثبت براءة الراجل من القضية من خلال شعرة القاتل الحقيقي ودي ثغرة محدش يتوقعها إلا محامي كبير وأنت ماشاء الله بقيت مكار القضايا ياجاسر.
حسس جاسر على صدره وهو يردد بامتنان:
_ كله بتوجيهات سعاتك يافندم وكلها حاجات اتعلمناها منك أنت الأب الكبير لينا ياماهر باشا.
هز ماهر رأسه بإشادة ثم أعطاه ملفا لقضية العمال المنفصلين قسراً من وظيفتهم وهو يدلي تعليماته:
_ اتفضل يامتر دي قضية العمال اللي انفصلوا من مصنع الحديد والصلب اجبارا لان الشريك اللي أخد المصنع مش عايزهم ، عايزك بقي توريني همتك وترجع للعمال دي حقها ومكانها في المصنع وعايزة اعرِفك على حاجة كمان ، إن القضية دي مفيهاش أتعاب العمال دول غلابة وقصدوني وكانو هيبيعو اللي حيلتهم علشان يوكلوني بس أنت عارف لينا قضيتين تلاتة في السنة لله واني حابك تاخد إنت الثواب ، وكمان القضية دي لو كسبتها هتفتح لك طاقة القدر أولا لأنها لربنا وثانيا لأنها بقت راي عام يالا يابطل وريني همتك .
أخذ منه الملف واحتضته بين يداه بسعادة غامرة وردد :
_ متقلقش يافندم هبذل قصارى جهدي وبإذن الله هرجِع للعمال دول حقوقهم على داير مليم والله المستعان ، ومننحرمش من كرم سيادتك يافندم .
ثم أكمل حديثه مستئذنا:
_ هستئذن اني تؤمرني بحاجة تانية ياباشا ؟
حرك رأسه بنفي:
_ لا اتفضل على مكتبك تابع اللي معاك ومتشغلش وقتك بشغل المكتب هخلي رحمة تكلف كل واحد بقضيته ، ومتنساش الميتنج بتاع بالليل مع الدكتورة عاليا ميعادنا النهاردة.
استمع إليه بتركيز ووعده بأنه لن يتأخر ثم انصرف وأغلق الباب خلفه ، استند ماهر بجسده على الكرسي وهو يدلك رأسه من الم الصداع ثم لفت انتباهه رؤية جاسر ورحمة يتحدثون بابتسامات عريضة على وجوههم ومن حركة شفاه لها استنتج أنه يداعبها وهي تستجيب لخفة ظله معها ولكن هو ابن عمها وفي منزلة أخيها لذالك لن يقدر على محاسبتها أو ملامها ، أحس بوخزة في قلبه وعيناه ترتكز عليهما ولم يستطيع تفسير تلك الوخزة ، ظل منتبها معهما حتى غادر جاسر وعادت هي الي عملها ، وجد نفسه يرفع سماعة الهاتف مرددا بصوت متعب :
_ تعالي حالا .
شعرت بالإجهاد في نبرة صوته فتركت مابيدها ودلفت إليه ، وجدته مسترخيا على الكرسي مغمض العينين بإرهاق فوقفت أمامه مرددة :
_ حضرتك كويس يافندم ؟
أجابها وهو على وضعه :
_ لا مش كويس ، اتفضلي اقعدي .
عرضت عليه مساعدتها :
_ تحب أساعد حضرتك بحاجة معينة ؟
ردد بتعب:
_ اه عايزك تطلبي الصيدلية وتجيبي حبوب للصداع وكمان هاتي الحبوب داي،
ثم فتح الأدراج وأخرج منها العلبة الفارغة وأعطاها إياها كي تحضر له مثلها وأكمل:
_ وكوباية قهوة كمان لأن دماغي مش مظبوطة وحاسس بالإرهاق .
انفتح فاهها على وسعه وتسائلت بدهشة وهي تقرأ محتوى العبوة :
_ هو حضرتك بتاخد منوم يافندم دي غلط على صحتك جامد يامتر .
فرك جبهته بيداه و أجابها:
_ معرفش أعيش من غيرها ، يالا بسرعة علشان مش قادر.
اعترضت رأيه ورددت بنصح :
_ هجيب لحضرتك القهوة وحبوب الصداع لكن المنوم لا .
اعتدل بجلسته وهتف منزعجا:
_ ايه اللي بتقوليه ده ياأستاذة إنتي هتفرضي عليا أوامر ولا ايه ! اتفضلي على مكتبك ونفذي اللي قلت لك عليه.
اعترضت رأيه ونطقت بتعقل :
_ أنا مديرة مكتب حضرتك ومن واجبي إني أحافظ على صحتك وحضرتك إكدة بتدمِر صحتك .
تأفف من ثرثرتها وأشار إليها مرددا :
_ يوووه من كلامك الكَتير اللي ملهش عازة واصل ، طب بسرعة هاتي الحبوب والقهوة اعمليها تقيلة ومتتأخريش علشان دماغي هتتفرتك .
رأت أن تقترح عليه اقتراحا جال ببالها :
_ طيب أني عِندي اقتراح ايه رأيك حضرتك تعمل لك ركن اهنه في المكتب ويكون فيه سرير ، نجيب مهندس ديكور يظبِط لك الدنيا وقت ماتحس بالتعب والارهاق ترتاح ساعة وتقوم نشيط بدل العلاجات عمال على بطال داي .
نظر إليها بتفحص وهتف بتعمق قاصداً ارباكها :
_ للدرجة دي خايفة عليا وعلى صحتي ياآنسة ؟
توترت من سؤاله ولكن تماسكت كي لا يظهر توترها وأجابته :
_ طبعاً ده حضرتك خط المحاكم ولازم نحافظ على صحتك ده إنت أستاذنا ومنك بنتعلم أصول المهنة .
رفع حاجبه معجبا بردها المغلف بالفطنة ثم أشار اليها بموافقة على ردها ،ثم طلب منها قهوته ، خرجت من مكتبه وهي تتنفس الصعداء وتنطلق أنفاسها الحبيسة في وجوده فهي تشعر كأنها مسؤلة عنه ولا تريد له الأذية ومن الواضح أنه وحيداً ليس له زوجة كما علمت أن زوجته ماتت منذ عامهم الأول ، وليس له أما أو أبا ويبدوا عليه التشتت لذلك التمست له أعذار لجموده ، أنهت تحضير قهوته ودلفت إليه بالدواء والقهوة ثم وضعتهم أمامه ورددت :
_ أجيب لحضرتك حاجة تانية يافندم ولا اكده تمام ؟
سألها عن طلبه منها فقد تركها شهراً بأكمله حتى أنهت امتحاناتها :
_ مقلتليش ردك على طلبي موافقة ولا لا ؟
استدعت الهدوء واصطنعت أنها لم تفهم شئ وسألته باندهاش مصطنع:
_ طلب إيه يافندم ، حضرتك أني لسه جاية النهاردة ومكنتش موجودة اهنه من شهر ومفكراش حضرتك طلبت مني ايه ؟
نظر إليها بنصف أعين ، فحقا ماكرة أنتي تلك الأنثى وعقلك عقل امرأة محنكة وليست بنتا صغيرة ليس لها في مكر النساء، فتحدث :
_ تمام هعمل نفسي مصدق انك مفكراش وهفكرك مرة تانية ، عايز أعرف ردك على لما طلبتك للجواز ، استنيتك كَتير بس قلت علشان امتحاناتك وأهه أديكي خلصتي على خير .
توترت من عرضه مرة ثانية ودق قلبها ، نحت مكرها جانباً وتحدثت بلسان الأنثى التي تود أن تُعشق ، تود أن ترى اللهفة في عين حبيبها لها ، تود سماع كلمة "أحبك" ، لديها أحلام الفتيات تريد حكواها لأميرها ، فهو يريد أن يحرمها من كل ذلك ، لاااا لن تستكين ولن تهدأ حتى تسمع أذناها تلك الكلمة وتطرب قلبها بها ، وليس فقط بل ستشعر بها كل لحظة في همساته ولمساته ونظراته ، فتحدثت وهي تتأنى وجعاً استشعره من كلامها :
_ خايفة أوافق أندم على موافقتي ، وخايفة أرفض أندم بردو على موافقتي ، إنت ناضج جداً وأني لسه في مرحلة الاحتياج ، إنت احتياجاتك غير احتياجاتي ، تفكيرك مختلف عن تفكيري وفي نفس الوقت مش قادرة أرفض ،
واسترسلت حديثها وهي تخرج كل مافي قلبها بصدق أحس به :
_ أني صادقة جداً في مشاعري وفي كلامي ومش حابة اللف والدوران علشان بحب الوضوح وخاصة في البدايات ،
كلمة واحدة منك تخليني أوافق وكلمة تخليني أرفض .
انتابه شعور يهدد الحصار الذي وضعه حول أعضاء الحس لديه وبالتحديد قلبه فقد وعد نفسه أن لايعشق امرأة ولا يسمح للعواطف أن تقترب من أسواره مرة أخرى وحاولت معه نساء غيرها ولكن لم تجدي محاولتهن نفعا وخاصة أنه كان صريحاً مع جميعهن ، أما تلك يشعر أمامها بأنه ليس رجلا قارب على مشارف الأربعين ، كان متفهما لكل كلمة قالتها فأشار إليها بعينيه أن تكمل فتابعت هي :
_ ايه احساسك من ناحيتي ياماهر ؟
استمع الى اسمه من بين شفتاها من غير أي ألقاب ، يا الله وكأنه لم يسمع اسمه بدون ألقاب منذ أن كان طفلاً من شفاه امرأة غير والدته ، كم كان له لذة أعطت روحه راحة حين سمعه منها ، لم يجيبها على سؤالها لانه تعمق في ملامحها وحركة شفاها وهي تنطق اسمه ويعيده في ذاكرته أمامها ، أما هي فسرت سكوته بأنه رافض حتى مبدأ الحوار في ذاك الموضوع وقررت إعطائه هدنة قبل الانقلاب عليه ، وقامت من مكانها وهي تردد بعملية :
_ تمام يافندم هروح أشوف شغلي ، عن اذنك.
ألقت كلماتها وخرجت من أمامه وهو لم يوقفها ولم يمنعها ، تائه في ملكوت حروف اسمه الذي استوحشه كثيراً ، أحس بالحنين وكأنه رجع طفلاً ونادته أمه كي تأخذه بين أحضانها ولكنه لم يستجيب لها وفضل اللعب مع أصحابه ، شبه ذلك بذاك الموقف منذ قليل ومن بعدها يندم على عدم تمسكه بالفرص التي تحيي قلبه ولكنه قرر إعطاء هدنة الآن لنفسه وبعد قليل من التفكير خرج من هالة الحنين وعاد إلى صلبه وجموده مرسومين على ملامحه وترك قلبه وأمره بيد رب العباد يقلبه كما يشاء فأنا أريد وأنت تريد والله يفعل ما يريد
_______________________________
مرت الأيام وكل في ملكوته هائم ،الى أن جاء اليوم المنتظر كتب كتاب عمران وسكون ، ذاك اليوم الذي سيشهد قلب السكون فيه انتصارا عظيماً حققه لها رب العباد ، كانت ترتدي فستانا باللون الأبيض القاتم ويزينها حجابا بنفس اللون وعلى رأسها تاجا من الورود ووجهها مزين بالمكياج الذي تضعه لأول مرة ، كان جمالها هادئا غير مفتعلا ، كان الجميع يجلسون حولها يهنئوها ويرددون التكبير عليها بأعين تلمع حبا ،
أما عند عمران ارتدى هو الأخر قميصاً باللون الأبيض وبنطالا باللون الأسود ومصففا شعره لأعلى بعناية ، وضع البرفيوم الخاص به بغزارة وارتدي ساعته ذات اللون الأسود المحببة إلى قلبه ، وهبط الأدراج وجد الجميع ينطلقون بالزغاريد فرحة بوحيدهم عمران ، وانطلقوا جميعا وبجانبه صديقه محمد الذي لم يتركه من بداية موضوعه ،
سمعت سكون وأهلها وصولهم بالتهليل والزغاريد المتعالية التي هزت أرجاء القرية ،
دق قلبها كثيراً وشعرت بأن قدماها لم تستطيع حملها بالرغم من نحافة جسدها الا إنها من شدة التوتر خجلة ،
صعدوا جميعهم وبدأوا بالتسليم والمباركات والجميع فرح لتلك الزيجة التي أدخلت الفرح والسرور على قلوبهم عدا تلك الوجد التي وقفت تتآكل سكون بعينيها وتود أن تلتهمها وتتخلص منها ، كانت تنظر إلى عمران بعيناي يكسوها الحزن وقلب مولع من حرمانها منه ،
استقر الجميع في أماكنهم بعد التسليم والمباركة ثم بدأ المأذون خطوات الزواج في موقف يهز القلوب سعادة وفرحا من جماله ،
أما عند سكون في الداخل كانت تجلس وسط اخواتها تشعر بالسعادة الطاغية على معالم وجهها ، فتحدثت مكة إليها بسخط :
_ كان لازمته ايه الميكب اللي داهنة بيه خلقتك ده ، يالا عاد عدي سيئات كتييير لحد الليلة داي متخلص ياسكون هانم .
ضربتها مها بخفة على كتفها وهتفهت لها بامتعاض:
_ الملافظ سعد يادبش إنتي ، الليلة كتب كتابها ومهتخرجش من الدار ومفيش حد هيشوفها يابقرة إنتي اكتمي عاد ومتبوظيش فرحتنا ، هي داي الف مبروك بتاعتك !
أشاحت برأسها بامتعاض مماثل ورددت بتعليل لرأيها :
_ وهو المأذون مش راجل ؟ ولا الرجالة اللي ماليين المكان برة دول عيرة وكلهم محرمين ياست مها ، انتم حرين هه اللهم بلغت وعميلت اللي علي .
ثم ابتسمت ومدت يداها وأخذتها بين أحضانها وهي تبارك لها بسعادة غامرة:
_ مبروك ياحبيبتي ربي يتمم لك على خير ياست البنات يابدر منوِر ياعمري إنتي .
رفعت مها حاجبها باستنكار قائلة :
_ والله ماكان من الاول يختي بدل سم البدن بتاعك داه ياللي مبتفهميش إنتي .
اخرجت مكة لعابها لها كي تغيظها وهتفت بحاحب مرفوع:
_ ملكيش صالح ياللي حاطة نقرك من نقري عاد ، هو أني عدوتك ياخيتي ولا حاجة ؟
مطت مها شفتيها بامتعاض واردفت:
_ والله يمكن بغير منك علشان إنتي أحلي مني ولا ايه عاد ياشبر واقطـ.ع إنتي .
نفضت سكون يداها بغضب من نقار كلتاهن الذي لم ينتهي وهدرت بهم :
_ وه هو داي وقته إياك منك ليها هتجننوني ، النهاردة كتب كتابي ياللي مبتفهموش ودماغكم متركبة شمال ، حرام عليكم اسكتوا بقي .
ربتت مها على ظهرها بحنان وهدأتها قائلة :
_ خلاص ياعروسة متكشِريش بنفك التوتر والخجل اللي مالي وشك وخلناكي نسيتيه اهه .
دلفت إليهم والدتهم وهي تشد سكون إلى أحضانها بفرحة مرددة :
_ الف مليون مبروك يابتي ربنا يجعله عريس الهنا والسعادة ياحبيبتي ، يالا ياغالية علشان تمضي المأذون واقف على امضتك .
هزت رأسها برفض قاطع وهي تهتف :
_ له ياماي مهخرجش قدام الخلق دول كلياتهم ، خليه يجيب دفتره وياجي اهنه واني همضي .
اتسعت مقلتي ماجدة وهتفت باستنكار:
_ وه عايزة المأذون يدخل اوضة البنات يامخبولة إنتي ، يالا اخرجي قدامي بلاش دلع بنتة عاد .
خرجت معها أختها معها وهي تشجعها ، وصلت إليهم وهي تلقي راسها أرضا من شدة خجلها وما إن رأتها زينب حتي قامت إليها واحتضنتها بحفاوة ورددت وهي تربت على ظهرها بسعادة:
_ مبروك يامرت الغالي عقبال الليلة الكَبيرة وتنوري داره ياغالية .
بادلتها سكون الاحضان بخجل وهي ترد عليها :
_ الله يبارك فيكي ياماما الحاجة منحرمش منيكي ولا من طيبة قلبك.
ثم خطت سكون ناحية الدفتر وعلامات الخجل على وجهها تغمره كألوان الطيف ،
رآها عمران وكعادته ظل ينظر إليها بمحبة وبعيناى لاتتمنى رؤية غيرها وبيدان تريد ضمها ولكن هدأ من حاله إلي أن يبارك لها بطريقته بعد قليل ،
مضت عقد القران بأيد مرتعشة من شدة خجلها ثم انطلق الجميع مهللين ومباركين لهم ،
بعد ساعة بالتحديد من عقد قرانهم انفض الجميع وهدأت الأجواء وانصرفوا جميعا عدا عمران ، خرجت إليه سكون بعد أن ابدلت ثيابها بأخرى مريحة وارتدت حجابا صفته بإهمال على رأسها ،قام واقفاً مكانه يستقبلها ببسمته الآسرة لعقلها ومد يداه إليها وهو يبارك لها وحدهم أخيراً:
_ مبروووك عليا إنت ياحبيبي.
ابتسمت برقة وأخفصت بصرها لأسفل خجلاً وردت مباركته :
_ الله يبارك فيك ياعمران.
تقدم بخطواته أمامها ثم أمسكها من يدها لأول مرة ،شعرت بدفئ يداها بين يداه وتمردت أعصاب جسدها عليها وشعرت بأنها في عالم الخيال ، ولكن ماإن ضغط على يدها كي يجعلها تشعر أنه حقيقة وليست خيال حتى أغمضت عيناها بنشوة من تلك اللحظة ، فهذه أول لمسة وأول اقتحام بين جسد العمران والسكون شعرته فقط من لمسة يد ،
ترك يداها ورفع رأسها أمام عيناه وهو يردد بعشق:
_ مش لو كان ده يوم دخلتنا كان احسن بردك ، اني عايز أخدك واهرب بيكي لمكان نكونو فيه وحدينا ، أنا وإنتي وبس ياحبيبي إنت.
ابتلعت انفاسها بصعوبة ولم تعرف بما تجيبه من شدة خجلها ثم انطلق لسانها بهمس:
_ متتعجلش كلها شهرين وأكون ملك يمينك وساعتها مفيش حاجة هتبعدنا عن بعض .
بعيناى تفيض غراما طلب منها :
_ قربي مني منفسكيش تسكني حضن عمران اللي حلم كتتتير يسكن حضنك وينسي فيه كل هموم الدنيا.
اهتز جسدها خجلاً وأدارت وجهها وهي تردد بخفوت :
_ له مش دلوك ياعمران مهقدرش اصبر لما نتجوز وابقي في دارك عاد .
لم يمهلها وقت أن تفكر أو تعترض فاحتضنها من ظهرها وهو يحاوط خصرها بتملك مرددا جانب أذنها بوله :
_ كيف إكده عايزة تحرميني من حضنك لااا ده إنتي بتحلمي ياداكتورة.
حاولت افكاك يداه من على خصرها وهي تردد بصعوبة فقد أُهلكت من قربه ورائحته :
_ بعد يدك ياعمران ميصحش إكده أمي ولا اخواتي حد يشوفنا .
أدار جسدها أمامه واحتضن وجهها بين كفاي يداه ثم ردد بتصميم:
_ وماله مايدخلوا عاد انتي مرتي على سنة الله ورسوله ، محدش يقدر يتكلم نص كلمة .
تلبكت بين يداه فعمران يحتضن وجهها ليس فقط عيناها داخل عيناه وكلها بين يداه ، ودت أن تنتزع الخجل وتلقي بنفسها داخل احضانها بل وتشدد عليه حتي تستقر بأمان وتعوض الحرمان الذي اشتقاته كثيرا ، فهي الآن في حضرة العمران ذائبة ، هائمة ، وفي شوقه متيمة ، لاحظ نظراتها الهائمة فهمس لها :
_ شايف في نظرة عينيكي شوق كبييير ونفسك تترمي في حضن عمران بس مستحية ، قربي ياحبيبي وأنا أنسيكي الدنيا باللي فيها .
كانت تنظر الي ملامحه تتشبعها داخلها حتي تحلم بتلك اللحظة حين يبتعد ، كانت تغمض عيناها وتستنشق رائحته داخل صدرها وتعبئها قدر المستطاع حتي تتنفسها حين يغادر ،
وهتفت بهمس مماثل له :
_ خايفة اجرب حضنك أترمي فيه ومطلعش منيه ، وابقي بعديها كيف السمك لما يطلع من الماية.
رمش لها بعينين هائمتين قائلا بتشجيع :
_ طيب متتكسفيش هو حضن عمران ماكان ولا عمره هيكون غير ليكي واني محتاجه أكتر منك ،
ثم مد يداه ولامس يداها وجذبها داخل أحضانه وخبأها داخله وهمس بجانب أذنيها:
_ جميييييل حضنك جميييل ودافي ، حاسس إنك كيف العيلة اللصغيرة اللي بين ضلوعي ياسكون ، أرجوكي متطلعيش من حضني وقت ماتكوني في بيتي ، ومتسبينيش مهما حوصل.
أحست بضياعه فشددت من احتضانه وهمست بجانب أذناه:
_ كيف أسيبك أو أهملك ياكل كلي ده إنتي حلم العمر ومني الأيام وأماني الليالي اللي عشت أعدها وأجهزها لقربك ياحبيبي.
بصوت هائم راجٍ لقربها :
_الله حبيبي طالعة منيكي وحاسسها كأنها ضافت ليا وصف جَديد كيف المسجون وأول ما يطلع من السجن اول حاجة يعملها يبص للسما بشمسها ونورها وياخد نفس طوييييل انه رجع للنور من تاني ، إنتي السما بشمسها ونجومها وقمرها وعتمته ياحبيبي.
ابتلعت انفاسها وتحدثت:
_ كان عندي حق إني أحبك واتمناك وكمان أستناك كتييير علشان قلبي دليلي وقال لي هو ده يابلاش .
كانا لقائهم الاثنان في هدوء ساحر بلمسات ساحرة وهمسات متيمة وأرواح عاشقة ثم هتف بمحبة:
_ يابختي بقلبك ياسكون ، طمني قلبك انه أختار عمران وهو بيوعده انه هيبقي أمين عليه حتي في عز غضبه وعصبيته عمره ماهيجرحه وهيحتويه وهو كمان يوعدني إنه يخلي باله مني وميقساش علي ولا يبعد عني ودايما ينبض ليا وحدي ومهما شفتي مني أفعال غريبة التمسي لي الأعذار وخليكي متوكدة إن عمران عاشق لتراب سكون مهما حوصل.
وفجأة وبعد أن أنهى كلماته المتيمة بها أبعدها عن أحضانه بحدة ورماها بعيداً عنه وكانها رثاَّ وهو ينظر لها نظرة غريبة جعلتها ارتعبت من طريقته وشعرت بالمهانة من حركته ، ومن شدته معها سقطت على الأريكة وهو على نفس نظراته التي أشعرتها بالخوف ، نظرات تراها لأول مرة ورددت باندهاش ....
↚
البارت العاشر
درست في الدنيا على يد الظروف أربع مواد
الحب , الأصحاب ,الأقارب , والزمن عندما يدور
الحب :
يعطي للغريب بلاد ليست بلاده ،والعاشق الذي يطغى قلبه على عقله يصبح رماد ،
الصاحب :
الذي بينك وبينه ملح وزاد ،أخلِص له لَكِنْ كُنْ حذِر حتى لاتُباع يوماً بالمزاد ،
القريب :
أعطه حقوقه واحفظ خط الابتعاد فكن بعيداً تصبح في عينه نجماً أصيلاً كالجواد ،
أما الزمن عندما يدور :
إن كان ضدك وعَلَت عليك أرخصُ العباد لا تحزن وترتدي السواد ،
عِش يومك ، واجعل الأمس مات ،
"إرتقي بنفسك فأخلاقنا أصعب الجهاد .
وفجأة وبعد أن أنهى كلماته المتيمة بها أبعدها عن أحضانه بحدة وهو ينظر لها نظرة غريبة جعلتها ارتعبت من طريقته وشعرت بالمهانة من حركته ورددت باندهاش :
_ مالك ياعمران ! ايه اللي عميلته ده ؟
فرك عيناه بحدة ثم نظر إليها بعينين قاتمتين ومن يراهم يبدو عليهما أنها تخرج نيــ.ران منهم :
_ مالي في ايه اني تمام اهه ، إنتي إللي مالك بتتكلمي معاي بطريقة صعبة إكده ليه ؟
فتحت فاهها بدهشة من طريقته المتغيرة من رمشة عين وانتباهتها:
_ إنت مش عارف عميلت ايه !
وأكملت عتابها :
_ إنت زقتني من حضنك بطريقة مهينة ومن غير سبب لااا وكمان بتسألني وكانك متعرِفش حاجة ، ممكن أعرف إيه سر التغير المفاجئ ده وعيونك بتطق شرار إكده ليه ؟
فرك جبهته بتعب بان على معالم وجهه ثم حمل هاتفه واستأذن منها معللا:
_ معَلش أني تعبان شوي هستأذنك هروح وهبقي أكَلَمِك .
وقفت مصدومة من رد فعله التي تغيرت في لحظة واحدة وعلامات وجهه وطريقته ونبرته التي تبدلت كليا واقتربت منه ورددت بقلق :
_ تعبان كيف يعني ! إنت كنت واقف ميه ميه دلوك ايه اللي حوصل فجأة إكده !
ثم أدارت جسدها وأعطته ظهرها وهتفت ودمع العين يلتمع داخل عيناها:
_ هو اني طلعت فيا حاجة مش عاجباك أو عميلت حاجة زعلتك مني عاد ، قولي إحنا لية في البداية ياعمران .
كان واقفاً متصنما يسمع عتابها وقلبه يتقطع داخله ، أحس بأن قدماه تسمرت مكانها ولم يقدر على الحراك وان لسانه ابتـ.لع ولم يعد قادراً على النطق ، لحظات من العجز يشعر بها وهو واقف مكانه ومتعحب من حاله ، قوَّي حاله واقترب خطوة واحدة ولامس أكتافها من الخلف وهو يردد باختصار:
_ لااا لااا مش إكده ،
واسترسل كلماته وهو يحمل هاتفه من على المنضدة منتويا المغادرة :
_ عن اذنك همشي دلوك وهبقى اكلَمك.
انصعق داخلها من تحوله من النقيض الي النقيض وخروجه بتلك بالطريقة المهينة لها ، شعرت بأنها في عالم أخر لم يستطيع حدسها أن يصدقه ، لقد تركها عمران في أول نصف ساعة من كتب كتابهم ، تركها باكية متعجبة مندهشة ، تركها تضرب بعقلها آلاف الأسباب كي تعذره بها ولم تجد له عذراً واحداً غير أنها لم تعجبه ولم يسترح لعناقها ، بل والأدهى طريقته المهينة التى تعامل بها معها فقد أزاحها وكأنها رثاًّ
ارتمت مكانها على الأريكة ودفنت وجهها بين يداها وداخلها يتحسر ألما ويحدثها غرابة :
_ كيف لك أن تفعل بي هكذا عمراني ؟
هل شعرت بالاختناق حين اقتربتني أم شعوراً بالنفور مني بين يداي ؟!
هل عطري وأنفاسي أشعرتك بالغثيان كي تبتعد عني وترميني كالخرقة البالية التي تشمئز منها الأعين أم ماذا عمراني ؟!
كنت بين يداك في لحظة أشعر من فرط سعادتي التي وصلت عنان السماء وعلى حين غرة القيتني إلي سابع الأرض دون رأفة بحالي العاشق لك ،
ألم تعجبك سكون عمران أم ماذا وجدت في قربها ؟
آلاف من التساؤلات والتخيلات كل ذلك والدموع تنهمر بين يداها تسقط كالأمطار من فرحتها التي دفنت وقتها ،
دلفت إليها مكة فوالدتها قد دلفت إلي غرفتها كي تنام من شدة إرهاقها عقب مغادرة عمران وأختها الكبرى غادرت هي وأبنائها إلى منزلها ، اندهشت مكة من شهقاتها المتعالية وهرولت إليها وارتمت تحت قدماها ونزعت يدها من على وجهها وهتفت بذهول :
_ مالك ياحبيبتي بتبكي ليه ياقلب أختك ، هو عمران لحق يتخانَق وياكي ويخليكي مموتة حالك إكده ؟
لم تجيبها سكون وهي تتفحم بكاءً ومكة تنظر إليها بهلع من منظرها ، جذبتها إلى أحضانها وهي تربت على ظهرها بحنو وتحاول تهدئتها :
_ بس ياحبيبتي بس ياغالية ، اهدي بس واحكي لي حوصل إيه يمكن إنتي مكبِرة الموضوع عاد ، احكي لي ياداكتورة وهدي أعصابك شوي .
حاولت سكون أن تهدأ من شهقاتها المرتفعة وتحدثت من بينها بكلمات منقطعة:
_ كان واقف قصادي عنيه هتلمع بالحب وكلامه بينقط عشق ومحبة ليا ،قال لي كلام خلاني تهت ودبت فيه اكتر ماني دايبة وعاشقة ، رسم لي نجوم في السما وأحلام مليانة هنا وبيت مستنيني أنوره ،رفعني فوق فوق السحاب وفجأة نزلني لسابع أرض ، حسيت كأني حاجة متسواش في نظره .
اندهشت مكة من كلامها وتسائلت بحيرة:
_ مفهماش حاجة واصل ! يعني عمل إيه ياسكون لده كله ؟
مسحت دموعها بكف يداها الصغيرتين وأجابتها وهي تومئ رأسها للأسفل بخجل :
_ كنت في حضنه يامكة ، الحضن الحلال اللي ياما حلمت بيه ولما حسيت بدفاه واحتوائه وحنانه فجأة رماني وبعدني عنيه كأني حاجة عفشة ، شفتي زي الطفل البردان اللي متدفي في حضن أمه وحنانها وفجأة طلعته من حضنها ورمته كيف هيحس وقتها ، أهو داي نفس احساسي .
اتسعت عيناها حيرة أكثر وهي تحاول أن تستعيب كلمات أختها وأكملت تساؤلها :
_ طيب مسألتيهوش ايه اللي خلاه يعمل إكده ياسكون ؟
غمغمت سكون بوجع امتلأ قلبها وجسدها بأكمله:
_ سألته قال لي تعبان شوي ، ولمسته كانت باردة وكأن كان بيتكهرب لما مسني وفجأة سابني ومشي واني دموعي على خدي ، شاف دموعي وقهرتي منه ومسألنيش ومطبطبش علي ، مقاليش معلش ياحبيبي ولا خفف عني ، هرب من الأول وسابني لوجعي يمو تني .
احتضنت مكة وجه سكون بين يداها وحاولت تهدأتها :
_ طيب التمس لأخيك المسلم سبعين عذراً فإن لم تجد له عذرا قل لعل له عذراً وأنا لا أعرفه ، يعني هو كان كويس هتلاقيه حس بصداع جاله فجأة وخلاه مش متحكَم في أعصابه وقال يمشي احسن أو حاجة تانية تعبته ومحبش يشغلك وياه،
ثم فرصتها من وجنتها بخفة وأكملت تهدئتها :
_ هو أني اللي هدافع لك عن عمران حب السنين إياك ! ولا ايه عاد ياداكتورة ،داي عمران اللي ياما فوقتك من نومك علشان بتنطقي وبتحلمي بيه ، ولا لما كنت أدخل عليكي والاقيكي ماسكة صورته وتايهة معاها وناسية حالك والدنيا باللي فيها ، ولما أجي أكلمك بيبقي هاين عليكي تمسكي في خناقي بسببه ،اطمَني ياقمر انتي وافرحي بكتب كتابك ياعروسة ومتسيبيش حاجة تنغص عليكي عشتك .
حاولت سكون أن تصدق الأسباب التي أدلت بها أختها وهدأت من حالها ،
أما مكة جذبتها من يداها تدعوها إلي صلاة ركعتين قبل أن تنام وتدعوا إلي الله أن يهدي قلبها ويقلل من روعها ، استجابت لها سكون فهي بحاجة إلي قربها من ربها ومناجاته كي يجعلها تنسي ذكرى مريرة كتلك ،
أحياناً تواجهنا مواقف يصعب على العقل تصديقها واستيعابها وننكرها بكل الطرق ونكاد نجزم انها لن تحدث مرة ثانية من شدتها ولكن المواقف تعاد من نفس الأشخاص حتي نعتادها وفي كل مرة الوجع يقل حتى نجزم انها اصبحت جزءا لا يتجزأ من واقعنا .
***********************
في نفس الليلة وبالتحديد في الساعة الحادية عشرة مساء ، كانت تلك الليلة شديدة البرودة حيث كانت الأمطار تتساقط والسماء تبرق لكن كان قلب ذاك العمران مولعا مما حدث ولم يشعر ببرودة الجو ولا بالأمطار الساقطة فوق رأسه حتي ابتل رأسه وهبط خصلات شعره الغزيرة على رأسه بفعل الأمطار وبيده دخان سيجارته ينفثه بشراهة واحدة تلو الأخرى ،
وصل إليه صديقه محمد وهو يرتعد بردا وبيده مظلته التي تحميه من الأمطار والأخرى يضعها في جيبه ، وجد صديقه يجلس في البهو الخارجي لحديقة منزلهم والأمطار تتساقط عليه من كل صوب وحدب ،
تحدث بذهول بشفاه مرتعشة:
_ هو إنت ايه مبتحسش يا اخي ! كيف قاعد اكده منيك للمطر والبرد ده من غير أي حاجة للدرجة دي حبها دفاك ودبلتها اللي مزينة يدك خلتك مدريانش ،
ثم تابع سخريته بتساؤل:
_ ياترى ايه الموضوع الهام والضروري اللي خلاك تصمم اني أجي لك في الليلة البرد داي ؟
أشار إليه عمران أن يجلس بجانبه ، ولكنه صعق مرددا برفض قاطع:
_ وه كانك اتجنيت ياعمران بيه ! بقي عايزنا نقعدوا في الطل ده ونتحدتوا ولا ايه !
وعهد الله افوتك وأروح لأمي اللي عاملة لنا راكية تدفي العفريت وحاطة براد الشاي عليها وقومتني من الدفا جارها يا هادم اللذات انت ومفرق الجماعات ،
وتابع بتهديد :
_ والله لو ماعملت راكية كيفها و سويت لنا عليها براد شاي لاهفوتك وأمشي منقصاش مرض هي وأقعد جارك اهنه وأني في عيانين في رقبتي .
التوى فم عمران بغضب وقام من مكانه ودخلا الإثنان الاستراحة وقام عمران بجذب المنقد ورص الأخشاب بجانب بعضها مع مراعاة التهوية وقام بسكب قطرات بسيطة من البنزين ثم أشعل لهيب الأخشاب وامتلأ الدفء في المكان وشعر صديقه براحة اغتالت جسده وبدأت عضلاته المتخشبة من شدة البرد تلين ، ثم قام بمساعدته ووضع الماء والشاي والسكر في ذاك البراد المخصص لذاك المنقد ،
جلس عمران بجانبه وأخرج علبة السجائر وكاد أن يقوم بإشعالها إلا انه خطفها من يداه وهو يردد بسخط :
_ مكفاكش اعقاب السجاير اللي مالية الجنينة برة داي وعمال تحر.ق في صدرك وتضر نفسك ، ناسي انك عريس وداخل علي جواز اياك ولازم تحافظ على صحتك ولا ايه عاد !
ألقى سيجارته ودهسها تحت قدماه ، اندهش صديقه من تصرفه ومنظره ثم ربت على ظهره مرددا بحنو مغلف بالقلق:
_ مالك ياصاحبي حالتك حالة اكده ليه ، ده إنت النهاردة يوم مميز بالنسبة لك طمني عنيك شكلك ميطمنش خالص .
أخذ عمران نفساً عميقاً ثم نطق بنبرة متعبة :
_ قلت لك مهتوفقش والدنيا مش هتظبط وياي طمنتني وقلت لي كلها خرافات وجمد قلبك وأديني أهه جمدت قلبي وحوصل اللي حوصل.
اعتدل محمد بجلسته ووجه كامل أنظاره إليه وتساءل متعجباً:
_ يعني ايه مش فاهم حاجة ، احكي لي بالظبط ياعمران ايه اللي جرى ؟
قلب عمران عينيه بإرهاق من شدة التفكير وتحدث بما يجيش في صدره من آلام :
_ كنت وياها زي اي اتنين طبيعين مكتوب كتابهم وقربت منيها وكنت طاير في السما وفجأة حالي اتبدل واتغير لقتني حاسس بدوخة غريبة وجسمي من جوة بيتنفض وقبل ما أحس بالنار اللي قادت في جسمي زقتها بعـ.نف لدرجة وجعتها ،
واسترسل وجعه وهو يدارى عيناه من صديقه خشية أن لايرى الضعف فيهما :
_ هتقول عني ايه دلوك وأني اتعاملت معاها بمنتهى قلة الذوق والقسوة !
داي من قبل ماأمشي وأفوتها فكرتني إني قرفان منيها وإنها فيها حاجة غريبة خلتني عميلت فيها اكده ، أنا حيران ومخنوق من حالتي اللي مفهمش ليها سبب داي ، ولا حتي عند الأطبا ، اني سيبتها ودموعها مغرقة وشها ومقدرتش أطيب خاطرها .
انزعج صديقه من حكواه وحزن لأجله كثيرا ولا يعرف ماذا يقول له ولا يوجد عنده تفسير لأي شئ ولكنه حاول أن يجعله يهدأ وألقى على مسامعه عبارات الاطمئنان التى دوما يلقيها عليه ثم أكمل :
_ إنت تكلمها دلوك وتحاول تبين لها إنك كنت تعبان وحسيت بالتعب ده فجأة وانك مشيت علشان متقلقهاش ، ودلوك حالا مينفعش تستني للصبح تفتكر إنها مش في دماغك ولا الحاجات اللي بتاجي في دماغ الحريم داي عاد .
استند بجزعيه علي ركبتيه وكور إحدى يداه وضمها في الأخرى ثم تحدث بوجع :
_ طيب هقول لها المرة دي إني تعبان وهصالحها المرة الجاية لو اتكررت هيحصُل ايه ! ده فاضل شهر واحد ونتجوز ياصاحبي وتبقي معاي علطول وأني زي ماني حاسس إني متربط ومتكتف ومقادرش والنهاردة اتوكدت مليون المية.
نظر إليه صديقه بحزن وأردف بصوت يملؤه التعجب :
_ تكونش مسحور ياعمران وحد عميلك عمل خلاك بالشكل ده ؟
رفع رأسه وأجابه باندهاش :
_ وه كلام إيه اللي بتقوله ده ياداكتور !
عيب عليك تصدق في الخرافات داي كله كلام فاضي .
حرك محمد رأسه برفض وردد بتصميم:
_ له مش خرافات عاد ياصاحبي السحر مذكور في القرآن ومش إنت أول واحد يجرى له إكده ،
وكاد أن يكمل إقناعه إلا أن عمران هدر به باستنكار :
_ وه خلاص خليته جرى لي واتأكدت اني اتسحرت بحق وحقاني .
أشار محمد بيديه كعلامة لتأكيد كلامه :
_ وليه لا إنت هتيجي أحسن من سيدنا النبي عليه السلام ، ماهو سُحر هو كمان .
حرك عمران رأسه برفض مرددا :
_ له داي أحاديث ضعيفة مهصدقهاش ومتحاولش تقنعني أني مبصدقش الحوارات داي ، هو على أخر الزمن أني عمران أروح لدجالين ومشعوذين علشان أشوف مالي ؟!
هز محمد رأسه نافياً لكلامه وأردف بنصح :
_ له مهنروحش لدجالين استغفر الله العظيم ولا هنعتب لهم عتبة الناس داي ،
أنا بقول أني والدتي تعرف شيخ زين قووي بيعالج بالقرآن واسميه صابر المداح راجل بيعرف ربنا والناس بتاجي له من كل مكان لجل ماربنا يشفيهم على يده ، وكماني ولا بياخد فلوس ولا أي شي بيعالج اكده لله .
قلب عمران الموضوع في رأسه ثم هتف بشرود :
_ وأني مين اللي هيعمل إكده يامحمد أني مليش عدوات مع أي حد ولا حتي أمي ليها عدوات مع أي مخلوق انت عارف ست طيبة وملهاش في مكر الحريم ولا عمرها زعلت حد وجيران النجع كلياتهم بيحبوها يبقي مين بقي اللي له مُصلحة يعمل فيا اكده .
_له فيه ياعمران ... جملة واثقة نطقها محمد بتأكيد وأردف بإبانة :
_ ليه متكونش اللي ماتتسمي مرت عمك اللي ناطة لك كل شوية ومنغصة عليك عيشتك ، مرة فاضية وحطاك في دماغها وهددتك كذا مرة .
اتسعت مقلتي عمران بذهول وردد بدهشة :
_ وجد ! معقولة تكون البت داي ! والله لو هي لاهيُبقي أخر يوم في عمرها ،
وتابع دهشته باستفسار:
_ طيب هو صابر المداح ده هيقول لنا مين بالظبط لو طلعت فعلاً مسحور ؟
أجابه محمد نافيا :
_ له مهيقولش بس هيدينا علامات منيها نعرفوا مين عمل إكده ،
إيه رايك أخد لك معاد عنديه وأروح وياك ولعله خير ياصاحبي.
استند عمران برأسه على الأريكة وهتف بدعاء وهو ينظر إلي السماء:
_ يارب ياصاحبي وميطلعش وهم في الاخر واللي اني فيه ده هيعذبني طول عمري .
طمأنه صديقه وهو يربت على فخذيه:
_ إن شاء الله ياصاحبي هتتحل وهتبقي عال العال ، إحنا جربنا كل حاجة إلا داي عمرنا مافكِرنا فيها ،
واستطرد حديثه وهو يقوم من مكانه منتويا المغادرة:
_ اني هروح دلوك وهسيبك تكلمها وهبقي أتصل بيك أبلغك بالمعاد .
فور أن غادر محمد هاتفها عمران واحس من نبرة صوتها أنها كانت تبكي كثيراً ،
ظل يعتذر لها كثيراً عما بدر منه وجلسا يحدثها اكثر من ساعة ويعترف لها أنه يحبها بل يعشقها كثيراً وأنها حبه الأول وبدونها حياته لا معنى لها حتى هدأت روحها واستكانت واتبعت طريقته المحببة إلى قلبها في الحديث وشعرت بمدى صدقه وأنه لم يكذب عليها وقضيا تلك الليلة في سعادة كل منهم يعشق الآخر بطريقته
_____________________________
أتى الصباح وسطعت شمس النهار تعلن عن ميلاد يوم جديد وأصوات العصافير تزقزق في كل مكان ورائحة الأزهار تنشر عطرها وتعطينا أكسيدا وفيرا نتنفسه ويعبأ داخل صدورنا فيشعرنا بالأمل والتفاؤل ،
استيقظت رحمة من نومها وأدت فرضها ثم هبطت إلى الأسفل وتناولت الفطور مع عائلتها المحببة إلى قلبها ثم انشغلت بأعمال المنزل التى لم تنتهي وبعد أن انتهت صنعت لنفسها كوبا من الشاي بالنعناع وذهبت بملف قضية الي الحديقة تراجعه كثيراً كي تستطيع حل اللغز ، فداخلها يسعد كثيراً وهي في حضرة ملف قضية وكأنه الأكسير المسؤل عن السعادة داخلها ،
وأثناء ارتشافها لمشروبها المفضل دلف إليهم ابن عمها يمشي بخطوات بطيئة كي لا تشعر به وخاصة أنها مندمجة بشدة مع ذاك الملف،
اقترب منها ثم اختطف الإناء من على فمها فجأة ، كانت قد وصلت إلى منتصفة وهو يردد بدعابة على ذهولها من حركته :
_ هشرب مكانك علشان أجرى وراكي ههه .
ضحكت بشدة على دعابته وهتفت وهي ترفع حاجبها باستنكار مصطنع:
_ وه إنت ياحضرة المحامي اللي بقي ليك شنة ورنة تصدق الخرافات داي ، لااااا ده إنت باين انك هيست منك خالص ياخوي.
كان مندمجا معها ومستمعا إلى خفتها بابتسامة عريضة على وجهه وفور أن نعتته بأخيها انزعج داخله وحزن وقرر الآن الاعتراف لها وردد وهو يتحمحم :
_ ياستي عادي أدينا بنهزِر شوي ،
اممم بقول لك ايه أني عايز أعترف لك بسر النهاردة واتكلَم وياكي في موضوع مهم عندك وقت تسمعيني ولا ايه ؟
أشارت على حالها بابتسامة أظهرت أسنانها البيضاء وأردفت بإبانة :
_ والله إنت ابن حلال ياواد عمى ، اني كمان عايزة اتحدت وياك في موضوع مهم بالنسبة لي اوووي وحابة آخد رأيك فيه .
ضم حاجبيه بعبس وردد :
_ حاجة ايه دي المهمة أووي اكده ، احكي إنت الاول يللا واني سامعك .
هزت رأسها برفض:
_ له احكي إنت الاول علشان اني موضوعي طويل .
_طويل طويل ،اني اطول أسمع بت عمي وهي بتحاكيني ... جملة اطرئية نطقها ذاك العاشق وأكمل بتعجل :
_ يالا احكي عاد واني سامعك ياحضرة الباش محامية .
ابتسمت بإعجاب على نعته لها وهتفت بسعادة:
_ كلمة باش محامية داي بتدخل قلبي وبتمزكني على الاخر ياواد عمي .
أشار بأصبعه علي عيناه وهو يهتف بحنو :
_ من عيون واد عمك يقولها لك علطول ياأجمل باش محامية وأحلاهم كماني، يالا اتكلَمي وأني سامعك .
توترت قبل بداية الحديث وشعرت بالخجل مما أوحى له انها تشعر به وتريده كما يشعر هو ، ثم أمهل قلبه الذي يدق الصبر وعيناه الانتظار و جعل أذناه صاغية في حضرة سماعها ، هي فقط من يود سماع صوتها المحبب إلي قلبه ،
هي فقط من بين نساء العالم من أحبها منذ طفولتها وخبأ عشقه لها بين ثنايا قلبه وروحه ،
هي فقط من يريد أن يحظى به وبالنسبة له يكون قد ملك سعادة العالم بأكمله ،
أما هي بدأت حديثها باستفسار:
_ بقول لك ياجاسر ؛ ايه رأيك في الاستاذ ماهر ؟
اندهش لتساؤلها وأصيب قلبه بالخذلان ولكن هدأ من بِدئ ثورة قلبه وأجابه متسائلاً بتعجب :
_ رأيي فيه من ناحية ايه بالظبط ؟
ابتلعت أنفاسها بصعوبة من شدة توترها وأردفت بتوضيح :
_ يعني من ناحية ظروفه الشخصية وطباعه إنت أقرب واحد ليه في المكتب وكمان دراعه اليَمين يعني .
اندلعت النيـ.ران وتأججت داخل صدره ولأول مرة يتحدث معها بتلك النبرة الجافة:
_ وإنتي مالك بتسألي عن ظروفه ليه يابت عمي ، مالك ومال شخصيته وطباعه إنتي ؟!
رأت حدته معها وأصيب جسدها بقشعريرة الرهبة من نظراته القاتمة التي تراها لأول مرة ثم تحدثت بتوضيح أكثر ولسانها يتلألأ :
_ بصراحة إكده هو طلب يتجوزني ووو...
كادت أن تكمل حديثها إلا أنه اعترضه وملامح وجهه امتعضت وتحولت من بين لحظة وأخرى الى صدمة تليها وجع يليها إحساس بالفقدان وكل ذاك في لحظات لااا في ثواني وملامح وجهه تتبدل مع بعضها ، ونطق لسانه معبراً عن حاله بصدمة :
_ عايز ايه! عايز يتجوزك يابت عمي ؟!
اندهشت من تحوله المفاجئ لها ومن نظراته وفي الآخر سؤاله الذي جعلها نطقت بذهول هي الأخرى :
_ وفيها إيه داي ياواد عمي هو أني مش بت زي كل البنات اياك ولا ايه ، ولا اني فيا حاجة شينة لاسمح الله تخليك تتغير اكده وياي ووشك يُنطق الف كلمة وكلمة !
لم يعير لكلامها أدنى اهتمام أو بالأحرى هو لم يسمعه من الأساس وهتف بنفس حدته :
_ من ميتة يابت عمي وهو طالبك للجواز ده إنتي بقى لك تلت شهور بتشتغلي عنديه يدوب ، ممكن أعرف فيه مشاعر مابينكم خليتكم بنيتوا القرار ده ؟
سألها بسؤال إجابته ستكون كالخـ.نجر المطـ.عون في قلبه العاشق لها ، سألها كي يَطمئن ويُطَمئن حاله أنها لم تفكر به ولم يعجبها ذاك البارد المتبلد المشاعر ، وسمع بأذناه إجابتها التي شطرت قلبه نصفين :
_ يعني حاجة شكل إكده بس لسه مش متوكدة من مشاعره ولا قادرة أتوكد من مشاعري بردك إذا كانت إعجاب ولا ارتياح ولا حتي حب .
ود لو يصـ.رخ في وجهها أن تصمت ولن تجيبه ، ود أن يفتح رأسه ويضعه بين يداه ويمحيها من ذاكرته ،
ود أن يـ.شق صدره ويقـ.تلع قلبه ويقـ.طع الشريان النابض بعشقها ، ولا أنه يسمع حيرتها في أنها شعرت بغيره وتمنته ، في أنها احتارت في رجل غيره أو جال بخاطرها من الأساس ،
لااااا ياعشق السنين لا يامجرى دمي منذ طفولتي !
رأت حالته التي تنم على غضبه وحيرته،
بالله لقد شعرت بوجـ.عه ينطقه وجهه دون أن يتحدث وسألته بحيرة :
_ مالك ياجاسر جرى لك إيه ياخوي شكلك متضايق اكده ليه ؟
ضـ.رب على المنضدة بحدة بالغة وقام من مكانه وتحدث وهو يستند بكلتا يداه عليها ووجهه قريب من وجهها بنبرة معترضة :
_ اخوي .. اخوي .. اني مش أخوكي ولا عمري كنت أخوكي يارحمة ، أني جاسر ولد عمك ده شئ والأخوة شئ تاني .
ارتعـ.بت من حدته وقلبت عينيها بخـ.وف من مظهره الغاضب ونبرته الجديدة كلياً عليها وتحدثت بحيرة :
__ وه هو فيه ايه عاد حوصل ؟
ومالك عامل اكده ليه اني عمرى ماشفتك بحالتك داي في عمري كله ؟!
ادار وجهه للخلف كي لاترى ضعفه أكثر من ذلك وهو يردد بنبرة مخذولة :
_ كل ده ومتعرفيش يابت عمي ! ده أني حالي واضح للأعمي إلا إنتي .
_ حالك ! كيف يعني ... جملة استفهامية نطقتها رحمة وعقب هو عليها باعتراف لها عما يجيش في صدره :
_ حالي اني عاشقك يابت عمي من وإنتي عيلة بضفاير لسه مخلصة الابتدائية ،
حبك بيجرى في دمي من سنين كنت فيهم وياكي زي ضلك اللي مهيفارقكيش ،
عشت سنين أحابي عليكي وأكون جارك وسندك في كل شي يخصك علشان تحسي إنك حاجة كبيرة ومهمة أوووي في حياتي، لااااا علشان تحسي إنك كل حياتي وبردو مدرياناش ،
وحاجات وحاجات كَتييير عايزة لها مووايل تتحكى فيهم عن أيامي ولياليا اللي عشتها اتمناكي ولما ياجي اليوم اللي اعترف لك فيه بحبي ليكي ألاقي منك وجيعة تقـ.طم ضهري يابت عمي .
كانت تستمع إليه ودموع عيناها تنهمر بغزارة على وجهها ، لم تتخيل يوما أن جاسر الذي كان بمثابة أخيها الأكبر يكن لها ذاك الشعور وتلك المشاعر بتلك الدرجة ،
يالك من قدر واثق الخطا قلبي عشق رجل لايعرف العشق وقلبه عشق امرأة لاتعشقه وتراه أخاً، ما هذا يا الله !
ثم أكمل بنفس الوجع عندما رأى الذهول والحزن من دموع عيناها :
_ كيف موصلكيش احساسي بيكي يابت عمي قد اكده كنت متداري ؟
أجابته بلوم :
_ ليه مقلتليش يابن عمي ، ليه استنيت السنين داي كلها وجاي دلوك تلومني على حاجة مليش ذنب فيها ؟
واجهها وهو يثبت عيناه العاشقتان داخل عيناها:
_ حال العاشق بيبان من كل تصرفاته وكنت فاكرك حاسة بيا وبقلبي وبشعوري ناحيتك .
حركت يداها بتعجب ورددت:
_ مانت عارف أني من صغري وياك وأنت كمان وإحساس الحب اللي بتتكلم عنيه محستهوش غير إنك اخوي .
ضغط على شفتيه بعـ.نف ولم يعد يقدر على التحكم في حاله وهتف :
_ أمال حستيه إزاي مع ماهر وهو أصلا ميعرفش يحب ؟
غـ.لـى الـد.م في عروقها ونسيت حال ذاك المتألم أمامها وتسائلت :
_ كيف مايعرفش يحب مش بني ادم ده وعنديه إحساس وقلب ود م إزاي مايحبش ؟
توالت الصفعات على قلبه المسكين منها ،لم يهمها وجعه منها ولم يهمها كسرة قلبه بسببها ولكن كل ما يشغل بالها هو ذهولها عن ذاك الماهر ووجد لسانه ينطق :
_ للدرجة دي لحقتي تحبيه ولحقتي تعلقي قلبك بيه في تلت شهور بسس !
شفتي منيه ايه خلاكي اتعلقتي بيه إكده ؟
نظرت للأسفل بسبب حماقتها وخذلانها له وعدم اهتمامها لأمر قلبه ،
لم تعرف بما تجيبه ولكنها مثله ونفس موقفه هو يعشقها دون أن يعلمها بذاك وهي تعشق ذاك الماهر دون أن تشعر بأي مشاعر يكنها لها ، إذا ماذنبها في تخبئته عنها كل تلك السنين !؟
لما ينظر إليها نظرة الاتهام تلك وهي لم تكن تعرف ؟
ثم سألته بدفاع عن حالها :
_ انت بتلومني على حاجة معرِفهاش منك ولا عمرك لمحت لي حتي بيها وبتتهمني على حاجة مليش يد فيها ليه ياواد عمي ؟
كنت المفروض اضرب الودع مثلاً وانجم عن حبك ليا ولا ايه ؟!
ربع ساعديه أمام صدره وهتف:
_ له ، خلاص ننسي اللي فات وأديكي عرفتي وأنا أولى بيكي من اي حد .
تشعب الغضب برأسها وتكاثر وهاجمتها نوبات من الذهول والحيرة وهدرت به لأول مرة:
_ ننسى ايه ياواد عمي ، هو قلبي ده حاجة مهملة اكده في وجهة نظرك ملهوش حق ولا اعتبار ؟
ولا أمر القلوب أصلا بإيدينا نبدل شخص مكان شخص بالسهولة داي عاد ؟
ولا هو اؤمر يطاع وينسي ويمهد نفسه لحاجة عمره ماكان يتخيلها ولا حتى اتمهدت له قبل اكده ، ولا هي بيعة وشروة وخلاص ؟
حزن داخله كثير وانـ.شق ذاك النابض بين ضلوعه وأصبح ينـ.زف جرحاً وألما وهتف :
_ بتسمي عشقي ليكي بيعة وشروة يارحمة ؟
قد اكده طلعت رخيص عندك ؟
كادت أن تجيبه بنفي وهي تحرك راسها ولكنه أشار إليها بيديها أن تصمت وأكمل هو :
_ عارفة أني اتأخرت ليه ؟
اتأخرت علشان اكون حاجة تليق بيكي وتفتخري بيا يابت عمي ،
اتأخرت علشان اجي لك كبير وحاجة تفرح قلبك وتخليكي طايرة من السعادة ،
كنت جاي لك النهاردة علشان أقول لك اني خلصت إجراءات مكتبي اللي هفتحه واطلب منك تسيبي ماهر ونبدأوا رحلتنا مع بعض ، ننجح مع بعض ونكبر مع بعض ونبني مكتبنا طوبة طوبة مع بعض ،
وأكمل بنبرة ولهة مغلفة بالعشق الجارف :
_ كنت جاي اقول لك إني عاشقك وباني لك في قلبي قصور سكنتها ضحكتك وملامحك وحزنك وفرحك وكل حاجة حلوة أو وحشة تخصك وعملت لك جدران قلبي حيطان تـبقى قصر عشقك يابت عمي ،
ياترى يابت عمي فات الأوان ولا لسه ؟
أنهى اعترافه المكتوم في قلبه وياليته لم يكتم وانتظر منها حكم الإفراج عن سنين العشق والتعويض عنهما ، ولكنه انتظر وانتظر وهو ينظر إليها بعيناي راجية ووجدها لاتنطق وليس لقلبه شفاعة عندها ولا لعشقه مأوى لديها ، أصيب بالخذلان اللامتناهي وتحطمت جدران قصرها بين ثنايا قلبه وأصبح مهشما ،
ثم قام من مكانه وهتف بحزن شديد :
_ خلاص يابت عمي جوابك بان من عنوانك بس أحب أعرِفِك ان طريق عشقك واعر أوووي وأوعر من طريق عشقي ليكي بكَتيير وياريت متندميش ولا على قلبك اللي لسه بادئ ينبض لساته قلب خضار ، ولا على عمرك اللي هتضيعيه مع إنسان ميعرفش الحب ولا عمره دق له باب ولا هيدق ، أينعم راجل محترم وعمر الغلط مايعرِف طريقَه لكن راجل عملي فوق ماخيالك يصوِر لك ، هنيالك شقاء قلبك يابت عمي وربنا يوفِقك .
أنهى كلمات وجعه وصار بين طرقات الحديقة مجروحا تسوقه دمـ.اء قلبه الموجوع ، كل خطوة يخطوها كأنه يمشي على الأشواك ولم يجبر قلبه ، شعوران مختلفان إحداهما السعادة الغامرة لقلبه قبل أن يتحدث معها وتسبقه خطوات الفرحة ، والآخر شعور التضاد وهو الحزن الشديد لقلبه بعد أن تحدث معها وتسبقه خطوات الحزن ،
ولكن هاهي الحياة تلقي صفعاتها المكبلة بالأشواك لدي الجميع .
**"*"*******************
في منزل مجدي زوج مها كانت جالسة مع أبنائها تلاعبهم فهي تعشقهم بشدة وهم لها بمثابة الحياة والروح والكيان ،
تقوم بجميع واجباتها كأم لديهم بكل حب وحنان دون شكوى أو كلل أو ملل ،
تعشق رائحتهم وتواجدهم معها في المكان واقترابهم منها ، هي أم بدرجة امتياز والجميع يشيد لها بذلك من هيئة أبنائها التوأم ذو السبعة أعوام ، تحدث أحد الأطفال لأمه بتلقائية:
_ عارفة ياماما مازن صاحبي باباه بيوديه كل الدروس وبياجي ياخده كمان منيها ، وبيقول لي كمان أنه بيوديه تدريب للكورة في النادي وبيحكي لي كتييير عن المدرب اللي بيدربهم وعارفة ياماما المدرب قال له إنه هيوديه نادي المحترفين علشان هو بيلعب حلو،
وتابع الصغير حكواه وهو ينظر إلى والدته بتمني :
_ هو ليه بابا مش بيقعد معانا ولا بيوديني الدرس ولا التدريب زي بابا مازن ، هو أني وحش اني وأخوي ياماما وبابا مش بيحبنا .
دب القلق في صدرها مع تنهيدة حارة خرجت من ثغرها مع انفطار قلبها وكأنه يريد أن يصرخ ألما من ذاك المتحجر ثم جذبتهم لأحضانها وهي تربت على ظهرهم بحنو وهي تردد بنفي:
_ له ياحبايبي باباكم بيحبكم قووي وميقدرش يستغنى عنيكم ، هو بس بيشتِغل كَتييير علشان يوِفر لكم عيشة زينة وأظن اهه مش حارمكم من حاجة واصل ياحبابيي.
تفهما الصغيران كلامها بعقل الأطفال الذي لم يعرف الخبث يوماً وردد الآخر :
_ تعرِفي ياماما إن عمي عامر حنين قووي علينا وبياجي علطول يطَمَن علينا ويلعب ويانا أني بحس أنه بيحبنا اكتر من بابا .
فور أن نطق اسمه أمامها علت أصوات ذاك النابض بين ضلوعها وتناوبت غُرَفُه عليها وتبادلا الدقات بعنف شديد ، فولداها محقين بكل شعور وإحساس لدي أبيهم التارك لهم ولم يعيرهم أدنى اعتبار ، لقد ملت من المطالبة بحقها معه وشعرت الآن بمدى الخزي لأجل أولادها فهم يشعرون بالأبوة تجاه رجل ثاني ،
دقت الذكريات تلج في عقلها كالمطارق من ذاك العامر الذي تتمناه سرا ولم تنساه يوما ،
ومن أين لها أن تنسى ومن يُنسيها ؟
لقد تعبت وطفح الكيل وقررت أن تواجه ذاك المتبلد المشاعر الذي تعيش معه ،
قضت ساعاتها المحببة من المرح واللهو مع أبنائها ثم أدخلتهم غرفتهم كي يستعدو للنوم فقد تأخر الوقت ،
بعد مرور وقت قصير شعرت بالصداع يداهم عقلها فقامت وصنعت فنجانا من القهوة وتناولت حبة للصداع معتادة على أخذه ولم تنزعه من حقيبتها الخاصة أي وقت ثم جلست تنتظر زوجها والذي دوماً يتأخر في مجيئه وتكون قد غلبها النوم ولكنها صممت تلك المرة على انتظاره ،
مرت ساعات ليست بالقليلة الي أن دقت الساعة الثانية صباحاً بعد منتصف الليل وجدته دالفا بإرهاق بين على جسده ،
ألقى مفاتيحه بإهمال ثم لاحظ وجودها في المكان فردد مندهشا:
_ مها ! إيه اللي مصحيكي لحد دلوك عاد ، ايه في مصيبة حوصلت ولا ايه ؟
تأففت في جلستها ثم استندت بجزعيها على ركبتيها ووطأت قليلاً وأردفت وهي تشعر منه بالخيبة:
_ الناس بتدخل تلاقي مراتاتها مستنياها وسهرانين مخصوص علشانهم بيفرحوا وبيحسو إن ليهم قيمة عند ستاتهم وأول شي بيقولوه في الحاجات داي شكر وكلمة حلوة ،
وتابعت كلماتها وهي تشير بامتعاض:
_ مش يقولوا في مصيبة حوصلت ! مهتتغيرش يامجدي مهتتغيرش واصل لحد مانموت .
انزعج الآخر من ثرثرتها كما ينعتها دوماً ثم تحدث باستنكار وهو يضرب كفا بكف :
_ وه ياصباح ياعليم يافتاح ياكريم ، هو إنتي عاكرة تخانقي دبان وشك عمال على بطال يابت الناس ولا ايه ؟
حركت رأسها بغل وأجابته بموافقة :
_ ايه ...
اتسعت عيناه واردف:
_ طيب ليه اكده إنتي معرفاش الساعة كام هو داي وقت خناق ونقار ونكد ؟
قامت من مكانها ووقفت أمامه وهي تردد بقلة صبر من بروده :
_ اني زهقت ،لاا مش بس اكده طهقت منك ومن برودك معاي ومن حياتي اللي بتنتهي وسط حيطان البيت ده وأني لحالي يامجدي ،
وتابعت حديثها وهي تطبق على ملابسها من أمام صدرها :
_ مبقتش طايقة نفسي ياناس ولا حتى خلجاتي داي ، وإنت ولا انت اهنه ومش بس اني دول عيالك كمان مهيحسوش إن ليهم أب بيحبهم وبيخاف عليهم وبيتمنى قعدتهم وشوفتهم وحضنهم ،
واستطردت باستفسار وهي تقترب منه :
_ إلا قول لي يامجدي هو إنت مبتشتاقِش لحضن ولادك زي أي أب !
ولا بتشتاق لريحتهم وقعدتهم وكلامهم !
ولا بتحس احساس الأبوة ناحيتهم وتهتم لأمورهم ومشاكلهم وتعليمهم ،
إنت أصلاً عارف هما شكلهم ايه دلوك وتعرف تفرق بينهم ولا لسه بتلخبط ما بينهم زي زمان ؟
احتدم غضبا من طريقتها وتحرك من أمامها وهو يردد بنبرة استيائية :
_ أبو الجواز على الخلفة على الحريم ، ده إنتي راضعة النكد وشبيتي وهتشيبي عليه يابو إنتي.
لم تعير صراخه ولا استيائه أدنى اهتمام وجرت ورائه ودلفت الى غرفته التي ينام بها دائماً ويتركها وأغلقت الباب خلفها كي لا يسمع صوتهما أبنائهم وهدرت به بروح منهكة:
_ هو انت ايه انت مش بني ادم زينا من لحم ود.م ! معندكش شعور أبوة ولا شعور بمرتك ولا شعور ألفة بالناس اللي عايشين وياك !
أني خلاص جبت أخرى منك ومن البرود اللي أنت فيه ومن الخنقة اهنه وسط حيطان البيت ده.
اعتلى صوته عليها واشتعلت عيناه غضبا وهدر بها :
_ متغلطيش ياحرمة إنتي والزمي حدك واتعلَمي الأدب وانتي بتتكلَمي مع جوزك ابو ولادك وإلا لو ناقصة رباية هعرِف أربيكي على كيفي اهه.
كأنه هواء يتحدث بالنسبة لها ولم تهتز لغضبه وصوته العالي شعرة واحدة ورددت بنبرة مماثلة يملؤها السخرية:
_ وه ! هو خدوهم بالصوت قبل مايغلبوكم ولا إيه ، وحق جلالة الله يامجدي لو مارعيت ربنا فينا وشفت بيتك ومرتك وولادك محتاجين ايه لا هـ.هد المعبد على اللي فيه ، اني خلاص الصبر زهق من صبري .
خرج من الغرفة وأمسكها من كتفيها وهدر بها وهو يهزها بعنف :
_ أه وهتعملي ايه بقي ياست مها هانم ؟
_هطلب الطلاق وهاخد ولادي وهسيب لك البيت.... جملة تأكيدية نطقتها تلك المها بنفاذ صبر ، سمعها واخترقت أذناه ورد عليها:
_ واني مش هطلق وأعلي مافي خيلك اركبيه وهتعيشي في البيت ده كيف الكرسي وكيف ماني عايز .
نزعت يداها من قبضته ورفعت رأسها ونطقت جملتها التي جعلت النيـ.ران تشب في صدره :
_ يبقي هخلعك وشوف بقي لما الصعيدي تخلعه مرة ايه اللي هيتقال عنيه .
اشتعلت عيناه بغضب من قوتها وكلمتها التى القتها علي مسامعه وجعلت غضبه واصل عنان السماء وعلى حين غرة هبط على وجهها بصفعة جعلتها ارتمت على الكرسي الخلفي ورائها من شدتها وتليها صفعات متوالية حتى شعر بالإنهاك فتركها وغادر المكان وهي تبكي الما ودموعا.
**"*"*******************
مرت الأوقات على أبطالنا مابين مجبور ومتألم ومابين سعيد وحزين ومابين متمني واخر لايبالي ،
تجلس وجد وهي تمسك هاتفها تناشد إحداهن :
_ طلعتي بوق على الفاضي وخلتيني أتغر بردك على الفاضي وإنتي ولا ليكي في الطور ولا الطحين .
اجابتها الأخرى بثقة :
_ له اني عمايل يدي متنزلش الارض واصل وانتي اللي معرفتيش تنفذي كويس يابت امبارح.
هزت الأخري رجليها بغضب وأجابتها وهي تاكل أظافرها بين أسنانها بغضب:
_ سيبك بقي من القنعرة الكذابة داي وغيري الصنف علشان ترجعي لعهدك تاني ، ويالا من غير سلام .
أغلقت تلك الوجد هاتفها ثم جلست تفكر كثيرا وكثيرا وقررت أن تفعل محاولة جالت بخاطرها لو كانت تلك السيدة صادقة فلتصدق حدسها وتفعل فعلتها تلك ومن الممكن أن تؤتي بثمارها ، وما جعلها تطمئن كثيرا رؤيتها لعمران من شرفتها ليلة كتب كتابه وهو غاضباً وعلامات الغضب على وجهه ظاهرة للأعمي ،
وبعد تفكير دام لأكثر من ساعة ورتبت ماذا تفعل وأنجزت خطتها أمسكت هاتفها وبدأت تنفيذ مانتوت عليه وضغطت على زر الاتصال وانتظرت الرد وإذا به يأتيها ،
وتحدثت وهي تغير نبرة صوتها بمهارة :
_ اهلا وسهلا ، كيفك ياداكتورة.
اندهشت سكون من تلك النبرة التي لم تسمعها من قبل ثم ردت سلامها وأكملت:
_ اهلا بيكي ، مين حضرتك ؟
قامت وجد من مكانها وتهادت في خطواتها وأجابتها :
_ أني واحدة اكده متعرفيهاش بس اعتبريني فاعل خير وركزي وياي في اللي هقوله لك ولولا إنك بت حلال مكنش ربنا بعتني ليكي .
قوست سكون فمها باندهاش من تلك الهاتفة لها ثم رددت :
_ إنتي عايزة ايه ياست إنتي أني مفهماش حاجة واصل.
ابتسمت تلك الوجد بخبث ثم أردفت :
_ جوزك اللي انكتب كتابك عليه مبيحبكيش واصل واخدك رهان بينه وبين حد مضايقه .
انفعلت سكون من كلامها ثم هتفت بحدة :
_ إنتي اتجننتي ياست إنتي ولا ايه ، مش عايزه منك خير واصل ومتكلمنيش تاني .
أنهت كلماتها وقبل أن تغلق الهاتف منعتها تلك الشمطاء مرددة :
_ طيب تحبي أثبت لك كمان وأقول لك إنه نفر منيكي يوم كتب كتابكم وسابك في اهم يوم بينكم ، داي حتى كمان مكملش نص ساعة وياكي وسابك وطفش علشان مطايقش وجودك وياه في مكان واحد .
شعرت سكون بأن الكون يدور حولها وأنها ستفقد وعيها من شدة الصدمة ، ضاق تنفسها من هول ماستمعت إليه حتى شعرت بالاختـ.ناق الشديد وكأن الهواء انعدم من المكان وعيناها متسعتان على وسعييهما ويداها ترتعش ونطق لسانها وهو يرتعش :
_ ان.ت.ي ب.ت.ق.ل.ي ايه يابني أدمة إنتي ؟
شعرت تلك الوجد بالانتصار فور ان تخيلت حالتها التي عرفتها من نبرة صوتها وأكملت طرقها على الحديد وهو ساخن :
_ طبعاً مش مصدقاني وليكي حق متصدقنيش ، طيب احلفي اكده إنه مش اللي قلته صح وحقيقي ، أو أني هعرف منين الكلام داي كلياته ياداكتورة ، افهمي كلامي زين ودوريه في دماغك قووي واخر حاجة كماني أحب أعرِفها لك من باب الخير ان عمران مليهش في الجواز ونافر صنف الستات بحالهم .
ألقت قنا.بلها وأغلقت الهاتف وهي تشعر بانتصار وضحكتها الخبيثة رجت أرجاء المكان بسعادة غامرة لأنها تيقنت من فراق الزوجان قبل بدايتهما وها هي أولى الصفعات التى ألقتها رياح العباد للعباد ليس فيها من الرحمة شئ فهي قات.لة ، مد.مرة ، انتقامها يؤثر مدى العمر على صاحبها وهي فقط مجرد كلمات ولكنها في الواقع ممي.تات