رواية وبالحب اهتديت الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم سلمى خالد

الفصل الثالث والعشرون من رواية "وبالحب اهتديت" بقلم سلمى خالد.

رواية وبالحب اهتديت الفصل 23 بقلم سلمى خالد

وبالحب اهتديت الحلقة الثالثة والعشرون

وبالحُبِ اهتديت
«هُدايا وهُداكِ وبينهما العشق»

سلمى خالد إبراهيم

استغفر الله العظيم وأتوب إليه 3 مرات
حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 7مرات
( قولهم مش هياخدوا وقت يا سكاكر♡)

بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثالث و العشرون
(انتهاء القضية2)

لماذا!
أكثر سؤالًا يبعث فوضى داخلية، يثير عاصفة مخيفة داخلنا، يصرخ جوفنا من ألم الجهل بالإجابة، لماذا يترك لنا من أذانا ذكرى تجعلنا أما نشتاق أو.. نندم!

وضع تلك القطعة المعدنية ( الفلاشة) بشاشة التلفاز وقام بتشغيل الفيديو الذي تركته لهم ناهد قبل وفاتها بساعات، وما أن فُتح الفيديو حتى ظهرت بملابسها التي تُوفيت بها تردد ببسمة باهتة، ملامح ضعيفة منكسرة لأول مرة يروها هكذا هزيلة الجسد وضعيفة الروح صوتها يرتفع بعد مرور خمس ثواني من الفيديو كانت صامتة بهم...

“ مش عارفة ليه سجلت الفيديو دا بس أنا عندي احساس إن مش هشوفكم تاني، والكلام اللي عايزة أقوله هيدفن معايا "

صمتت ناهد بالفيديو تستجمع قواها، بينما قبضت يقين على يد جبران بخوف ليحتويها بذراعيه دون تردد، بينما نظرت فاطمة إلى غفران بأعينٍ مدمعة ولكن همس لها بحنوٍ:

_ مهما سمعتِ خليكي عارفة إني هرسم الضحكة في ملامحك بعد ما نمشي.

منحته نظرة امتنان واضحة، ثم مالت برأسها نحوه تستند على كتفه ولكنه أزاح ذراعه ليحتويها بحنانٍ بالغ فلربما ما ستراه سيصبح صعبًا وتأتي نوبتها.

عادت ناهد تسترسل مجددًا بصوت مبحوح:

_ أنا آسفة... آسفة ليكِ يا يقين كان نفسي أقولهالك يا بنتي وأضمك ليا وأبوس راسك بعد ما سببتلك عُقد في حياتك ودمرتها بس عندي احساس إني مش هلحق اعمل كده... أكيد دلوقتي بتقولي سبتك ليه... صدقيني مكنش باردتي خالك خليل يشهد إني كل يوم اتحايل على بابا عشان يخليني أروحلكم ومكنش بيرضى متزعليش مني يا ضي عيني بس أنا كنت ضحية مرضي وأنتِ ضحيتي بس جبران هيعالج كل دا أنا متأكدة شوفته يوم كتب كتابك وهو بيتعامل معاكِ وبيخليكي بتقربي من حاجاته...

انهمرت دموعها كما ينهمر الشلال دون توقف، تنظر لملامح والدتها المتوهجة بالحُمرة، شهقاتها التي تعلو وسط حديثها، ازدادت قبضتها على كف جبران إلى أن ارتجفت بقوة، تسترسل والدتها بندمٍ يتقطر منها:

_ لو محدش من اخواتك شايفني فأفتحي الفيديو دا قدامهم دلوقتي.. أنا آسفة على كل قلم ضربته ليكِ وعلى العقاب اللي خليتك تشيله... على أحلامي اللي حطتها كلها فيكي وخليتك تشيلي فوق طاقتك... أنا مكنتش شايفة بعد حالة فاطمة وملك ومش قادرة اتكلم... أبوكِ سابني بدري ومكنش في غيرك سليم معندكيش أي صعوبة زي اخواتك بس أنا للأسف دمرتك... لو موت يا يقين متدعيش عليا يا بنتي وسامحيني... عرفي فاطمة إني بحبها ولو قسيت عليها في جواز غفران فعشان يكملوا مع بعض... سامحيني أنتِ كمان يا بنتي وملك أنا بحبك يا ملوكة ونفسي اعوضك ولو رجعت من المشوار اللي رايحاه بخير هعوضكم عن كل اللي حصل.

انغلق الفيديو وصمت الجميع فقط بكاء فاطمة ويقين على ما رأوه، ملك الجامدة ملامحها، ولكنها نهضت تتجه نحو غرفة لتنفرد بنفسها، سار خلفها عامر سريعًا يلحق بها بينما ابتسم خليل بألمٍ يردف بصوتٍ محشرج كي لا يبكي:

_ جدكم شاف أمكم بقى حبها مرضي ليكم... ولما شافتكم بتنهاروا حوليكم قسيت أكتر وعشان كده خلانا نسافر القاهرة وتتعالج عند دكتور عشان تفوق وترجع لحالتها الطبيعية قبل ما تدمركم... وجوازكم من بعض بهدف أنكم تتصلحوا وترجعوا لأفضل حالة... على فكرة هي بتحبكم وندمانة على اللي عملته وكان نفسها تعوضكم.

وضعت يقين وجهها بين راحتي يدها تجهش ببكاءٍ حاد عنيف، بينما دفنت فاطمة وجهها بصدر غفران تحاول السيطرة على نفضة جسدها التي أتت باستمرار، نهض خليل يحمل تلك الصناديق الصغيرة يعطيها لكل من غفران وجبران فكانا يحملان اسم زوجاتهما، ثم تحرك نحو عامر الذي ينظر بشفقةٍ على الباب المغلق وخلفه ملك تشهق بعنفٍ بعدما أطلقت العنان لدموعها، مد يده بتلك الهدية متمتمًا بحزن:

_ خد ابقى ايدها لملك لما تهدى وقولها من والدتها.

تركه خليل ثم دلف لغرفة شقيقته يجلس بها بعدما أعطى أمانتها لبناتها، يهتف بألمٍ:

_ نفذت أمانتك يا ناهد.

**********

هدأت شهقاتها قليلًا ليسحبها بعيدًا عنه كي يرى وجهها يتمتم بحنوٍ:

_ يلا بينا يا فاطمة نروح بيتنا.

أومأت برأسه تنهض معه بإرهاقٍ واضح، بينما بقت يقين جوار جبران تغفو بهدوءٍ بعدما أجهشت في بكاءٍ قوي على ما بعثرته والدتها بهذا الفيديو القصير.

ظلت مغمضة العينين منذ أن ركبت ذلك التاكسي وأصبحت فاقدة لشغف كل شيء، تشعر بيد غفران تحاول أن تدعمها ولكن لا تعلم سر ذلك البرد المنتشر بجسدها، عقلها مشوش بشدة تتذكر ملامح والدتها الذابلة كبتلات ورد جافة، ثم أصبح سؤال واحد يدور بعقلها
لماذا يا أمي لماذا بعثرتي شتاتنا بعدما لملمناه؟

لم تجد إجابة لسؤالها ولكن استمعت لصوته يخبرها بهدوءٍ:

_ قولي ربنا يرحمها ويغفر لها ويجعل مثواها الجنة.

فتحت عينيها بصعوبة بعدما أصابهما التورم، تنظر له بألمٍ متمتمة بصوت يكاد يُسمع:

_ ربنا يرحمها ويغفر لها يا غفران.

ربت على كفها ثم أشار صاحب سيارة الأجرة بأنهما وصلا للمكان المنشود استعدت فاطمة للنزول ولكن ردد غفران ببسمة غامضة:

_ استني يا فاطمة هنزل الأول.

تعجبت من طلبه، نجح بمهمة جذب انتباهها، ليترجل من السيارة ببطيءٍ كي لا يؤذي قدمه وتحرك بهدوءٍ محاولًا الثبات والسير دون إظهار العرجة، ثم فتح الباب لفاطمة التي ترجلت تنظر للمكان حولها بدهشة فهذا ليس الحي الذي يقطنون به، نظرت له بتساؤل واضح يطوف لحدقتيها ليجيبها ببسمة هادئة:

_ الصراحة اتشائمت من الشقة اللي هناك وكنت مأجرها لفترة لحد ما الشقة دي تجهز عشان دي هتكون شقتنا.

زحفت بسمة صغيرة لشفتيها تبتسم لمزحته اللطيفة بنسبة لها ثم صعد الإثنان حتى وصلا للطابق المنشود وما أن دلفت فاطمة تتأمل الشقة حتى شهقة بصدمةٍ، فكل ما كانت تخبر به غفران عما تحبه من كُتب أحضرها، حُلمها بمكتبة تُصنع بالردهة أصبح حقيقة، نظر له بأعينٍ ممتنة تكاد تدمع قائلة بصوتٍ مبحوح:

_ كل دا عملته عشاني!

تقدم منها يمسك وجهها بين راحتي يده يتأمل حدقتيها ثم مد إبهامه يزيل تلك الدمعة التي كادت أن تفر وتستدعي الأخريات يهمس بحبٍ:

_ وعدتك هرسم الضحكة لملامحك أخر اليوم صح ولا ايه.

غمز بإحدى عينيه لتنطلق ضحكة هادئة خجولة منها، أمسك كفها يسير بها نحو غرفة النوم تستمع لكلماته المتحمسة:

_ في بلكونة داخلية تعالي أوريكِ عملت فيها إيه.

لمس قلبها حماسه وتحركت معه تنتظر أن ترى ما فعله فما كان سوى ركن خاص بالتعبد، سجادة صلاة، أرفف عليها كتاب الله "مصحف" ومبخرة لتعطير المكان، ضوء خافت يساعد على القراءة دون أن يكون شديد ومزعج، ابتسمت لهذا المكان بسعادة، تقدمت تلامس اللوحات المطبوع عليها كلام الله، تشعر براحة غريبة تدفق لها، ثم أتى غفران من خلفها يهمس بحبٍ:

_ أدخلي اتوضي وصلي يا فاطمة وخرجي اللي جواكِ مع ربنا.

لم تنتظر دقيقة أخرى بعدما ألقى كلماته على مسمعها بل أندفعت نحوه تلف ذراعيها حول عنقه تحضنه بشدة هامسه له بامتنان:

_ أنا بحب وجودك في حياتي.

كلماتٌ صغيرة ولكنها كفيلة بأن تجعل قلبه ينبض بعشقٍ لها، ضمها له بحبٍ، ثم تحركت فاطمة لتبدأ طقوس صلاتها بحماسٍ ولكن معها غفران فرفضت أن تكمل الطقوس دونه.

*************

تململت بانزعاج من المكان الذي تنام به، فتحت عينيها بصعوبةٍ، تنظر حولها بتذكرٍ للمكان ثم أزاحت عنها الغطاء لترى جبران يغادر الغرفة بتنهدةٍ يخرجها مع اغلاقه للباب، همست بصوتٍ محشرج:

_ جبران.

انتبه لها سريعًا وأسرع اتجاهها يسألها باهتمامٍ واضح:

_ أنتِ كويسة دلوقتي؟

أومأت ببسمة باهته، تعتدل بجلستها على تلك الأريكة الناعمة الاسفنجية، تردد بارهاقٍ:

_ عايزة أروح لأوضتنا.

أومأ بتفهمٍ ثم نهض يدلف للشرفة التي يجلس بها عامر يمسك بكتابه لمراجعة أحد الدروس فقد اقترب شهر الامتحانات الخاصة به أخيرًا، هتف بجدية:

_ جهز نفسك يا عامر هنمشي دلوقتي وبلغ ملك.

أومأ سريعًا يتجه نحو الغرفة التي انفردت بها، يخبرها بأن تستعد وبالفعل غادروا من الشقة بعدما أخبروا خليل بمغادرتهم ومواعدة جبران بزيارته بالغد، وصلوا للشقة لتدلف يقين الغرفة سريعًا يتردد كل ما حدث بعقلها، بدأت بنزع حجابها، تنزع رابطة شعرها حتى ينسدل على ظهرها، مغمضة عينيها توالي ظهرها للباب، نظر لها جبران بصمتٍ بعدما دلف مغلقًا الباب خلفه فاستدارت له ما أن شعرت بوجوده، تبتسم بحبٍ قائلة:

_ ممكن أطلب طلب.

قطب جبينه يؤمئ برأسه سريعًا قائلًا:

_ طبعًا أطلبي اللي تحبيه.

تقدمت نحوه ثم قالت بهمسٍ:

_ ممكن تحضني؟

اتسعت عينيه بصدمةٍ، ينظر بحدقتيها اللتان تلتمعان بحبٍ له، فأمسك بكفها بحنو قائلًا:

_ أنا عارف إنك تعبتي النهاردة وكنت هعدي على دكتور مريم ب...

قاطعته متمتمة بنظرةٍ رغم ارهقها إلا أنها تشعر بالراحة:

_ أنا مش زعلانة يا جبران أنا راضية بكل اللي حصل أنا كنت بعمل الصدقات ليها من قبل ما أشوف اعتذارها.. ربنا بعتلي الفيديو دا يريح بالي ويبرد نار وجعي وإنها كانت مريضة ومكنتش في وعيها... يمكن معوضتنيش بس أنا فرحانة أوي وكمان عايزة أقولك حاجة...

نظر لها باهتمامٍ بالغ، لتسترسل هي بخجل:

_ أنا أول مرة أحب غبائي عشان دخلني اوضتك وبعدها جدي وماما اللي خلونا نتجوز... أنا بحبك.

لم يشعر بذاته سوى وهو يرفعها بضمةٍ قوية دافئة، بينما دفنت يقين وجهها بكتفه تبتسم بسعادةٍ له وأخيرًا أصبحت على أتم الاستعداد للاعتراف، أنزلها برفقٍ متمتمًا برضا:

_ مسمهوش غباء بقى اسمه أجمل صُدفة.

أومأت برأسها بخجلٍ ليغمز لها جبران يسترسل:

_ طب ايه؟

دفعته سريعًا قائلة بتوترٍ ممزوج بخجل:

_ روح اتوضا عشان نصلي.

اتسعت سعادته وانطلق للخارج نحو الحمام ليتوضأ، بينما استعدت يقين تبدل ملابسها وترتدي اسدالها وما أن أتى جبران حتى ذهبت هي الأخرى لتتوضأ ثم عادت ليصلي بها جبران في تضرع تام، يدعو بأن يصبحان زوجين صالحين وما أن اختتم الصلاة حتى قرر أن يختم تلك الليلة بصك ملكيته لتصبح زوجته أمام الله.

************

استمع لصوت ضحكتها أخيرًا، لا يعلم كيف تداعب قلبه بنظراتها رغم الشقاء الذي تحمله ولكن يحب الذهاب لها دوامٍ، طرق على الباب بخفة ثم سمحت له الطبيبة بالدلوف ليدخل بخطواتٍ متمهلة، يردد ببسمةٍ هادئة ما أن رأى وجهها الخجول:

_ عاملة ايه يا آنسة وتين ورقبتك كويسة؟

أومأت بخجلٍ تجيبه:

_ الحمدلله بقيت أحسن...

صمتت قليلًا ثم عادت تسترسل بارتباكٍ:

_ كنت عايزة أشكرك على وقوفك معايا وإنك لحقتني من حسين وأنقذتني من الموت.

ابتسم لها عاصم مرددًا:

_ الرب واحد والعمر واحد... ويمكن رد الروح ليكِ عشان في واحد غلبان عايز روحه تتردله برضو.

قطبت جبينها بعدم فهم، بينما كبحت الطبيبة بسمتها تردف لعاصم بغمز ماكر:

_ مطلعتش عشان القضية بس يا حضرة الظابط.

وضع يده بمؤخرة رأسه يردد بحرجٍ:

_ كلها دخلت في بعضها يا دكتورة وعديها هاه عديها.

لم تتمالك نفسها وانطلقت ضحكة خافتة تحاول السيطرة عليها، بينما شهقت وتين بعدما فهمت ما يرمي له حديثه، تتورد وجنتيها بخجلٍ، ولكنها تذكرت تاريخ عائلتها لتغيم سحابة من الحزن قائلة:

_ عن أذنك يا حضرة الظابط أنا تعبانة ومحتاجة أنام.

نظر لها عاصم بدهشة من تغيرها المفاجئ، حاول الحديث معها ولكن والته ظهرها تريح جسدها على الفراش ثم غطت ذاتها بالغطاء المشفى، أشارت له الطبيبة بأن يغادر وستعلم ما السبب، وبالفعل غادر عاصم ينتظر بالخارج، لتجلس الطبيبة بمواجهة وتين قائلة بحنوٍ:

_ ليه عملتي كده يا وتين؟

أدمعت عينيها تجيبها بصوتٍ متألم:

_عشان منفعش... أنا معنديش عيلة... أمي اتبرت مني بعد ما أخويا قال إني متجوزة من وراهم وأخويا طلع مجرم وقتال قتلة ومليش حد وهو عيلته مش هتقبل بيا خالص.

ابتسمت لها الطبيبة بحنانٍ تردد بهدوءٍ:

_ بلاش تخسريه... دا نقلك من البلد على القاهرة وكان كل يوم يطمن عليكِ يمكن في البداية كان عايز يعرف أنتِ لكِ علاقة بالقضية ولا لاء بس بعد كده اتعلق بيكِ وأعجب بيكِ وأنا بطبيعة شغلي بقولك إنه معجب وواقع.

نظرت لها وتين بحزنٍ متمتمة:

_ وأهلي؟

ربتت على كتفها تخبرها بحنانٍ:

_ قوليله وسبيه هو يتصرف وهيقدر يحلها.

أومأت وتين بايجابٍ، بينما غادرت الطبيبة الغرفة تنظر لتلك الشعلة المحترقة من القلق، يقترب منها بعدم فهم قائلًا:

_ عملت كده ليه؟

أجابته بهدوءٍ:

_ معندهاش عيلة وأخوها مجرم فطبيعي تخاف وأنت ظابط وكمان اسرتك ممكن ترفضها.

زفر براحةٍ يردد ببسمةٍ على محياه:

_ من حيث العيلة فمتقلقش، أم أسرتي فهجيب والدتي تشوفها وتتكلم معها كمان المهم هي مش رفضاني أنا كعاصم.

نفت الطبيبة برأسها مبتسمة له باحترامٍ، تردف بهدوءٍ:

_ طيب هي هتنام النهاردة وبكرة ممكن تكلمها.

أومأ بايجابٍ ثم تحرك يغادر المشفى.

********

صباحًا...

أغلقت مصحفها بعدما صدقت ثم نهضت تنزع أسدالها بعدما أضاء هاتفها يعلن عن انها التاسعة صباحًا، انطلقت باتجاه المطبخ بعدما رأت غفران لايزال يغفو، تُعدل طعام الافطار، بدأت بفتح باب الخزانة لتجدها مُعدة كما أرادت، زحفت بسمة طفيفة لشفتيها ثم تحركت تنهي الطعام بخفة...

انتهت من وضع الأطباق بالردهة كي يتناولاها سويًا، ثم ما كادت أن تنطلق إلى غرفتهما حتى رأت باب الخاص بغرفة المكتب مفتوح، قطبت جبينها بتعجب ثم غيرت مسار قدميها تتوجه نحوها وما أن فتحت بابها حتى اتسعت عينيها بصدمةٍ تتأمل ذلك اللوح الخشبي الكبير المعلق على الحائط وبه قطع الأوراق ممزقة بطريقة مميزة تعطي شكلٍ للعصر فيكتوري، بعض البتلات الورد الجافة الملتصقة بجوار كل ورقة، اقتربت منها لترى ما الكلمات المكتوبة فيها وسرعان ما أغرورقت الدموع حدقتيها، تتذكر ذلك الحادث بينهما عندما قام غفران بتمزيق كتابها....

نعم رأته يكمل تمزيق الكتاب لم يكن يمزقه ليحزنها؛ بل ليصنع لها لوحة بها كلماتٍ خاصة من الكتاب، مدت أناملها تلامس تلك الأوراق ببسمة مرتجفة، تشعر بتسارع نبضات قلبها...

_وقتها حسيت بالندم وخاصة دموعك اللي زودت الوجع..

استدارت تراه يستند على المقعد الموجود جوار الباب، يبتسم لها بحبٍ، يسترسل وهو يراها تتقدم نحوه:

_ فضلت أفكار إزاي أعوضك وفتحت الأكونت وعملت زي عامر بدور على حاجة بتحبيها ولقيت إنك بتحبي العصر الفيكتوري وقررت أقطع الورق بشكل خاص وجبت لوحة من الخشب وعملتها.

_ طب والكتاب اللي عليه إهداء أستاذ أدهم الشرقاوي؟

لف ذراعيه حولها يضمها بحبٍ كانت مرحبة بذلك بشدةٍ، تدثر ذاتها داخله، حرك فكيه ليشبع فضولها:

_ دا تعويض عشان الهدية اللي اتأخرت.

أخرجت ذاتها من بين ذراعيه أسفل عينيه المراقبة لها باستمتاع، تمسك بكفه قائلة:

_ طب يلا عشان نفطر.

تحرك معها يجلسان على الطاولة، ليتمتم غفران ببسمةٍ هادئة:

_ عايز المكس بتاعك.

نظرت له بدهشة ألا يزال يتذكر هذا السندوتش، غمز لها بعينيه لتضحك بخفة ثم بدأت بإعداده، تناوله عنها وما كاد أن يتناولها حتى تذكر دعوة صديقه له ليردد بهدوءٍ:

_ واحد صحبي كتب كتابه النهاردة وعزمني بليل فحابه نروح ولا...

أمسكت كفه تبتسم بحبٍ متمتمة:

_ حابه نخرج أنا وأنت أوي ونروح مناسبة سوا.

بادلها الابتسامة ثم عاد ليتناول السندوتش ولكن ارتفع رنين الجرس لينفخ بضيقٍ ينهض من مكانه كي يفتح الباب، بينما دلفت فاطمة الغرفة ترتدي ملابس أكثر حشمة مناسبة للزائر تلف حجابها باحكام، ثم وقفت تنظر من خلف الباب لترى عاصم يجلس جوار غفران يسحب السندوتش الذي صنعته له..

كبحت ضحكتها وهي ترى تذمر غفران على ما فعله عاصم ولكمه بغضبٍ ليعيد ويمسك بالسندوتش، تأوه عاصم متمتمًا:

_ إيه الغبوة دي... أنت طمعان في السندوتش ليه... دا حتى أكرام الضيف واجب.

علق غفران ساخرًا:

_ لا وأنت ضيف أوي مش معتبر نفسك صاحب البيت.

أومأ عاصم بتفكير يردد ببسمة بلهاء:

_ معاك حق أنا شايف إني صاحب بيت برضو.
وما أن نهض ليدلف المطبخ حتى أمسكه غفران من أسفل مأخرة رأسه يغمغم بغيظٍ:

_اصطبح وقول يا صبح عشان مزعلكش.

ابتسم عاصم بتوتر ثم قال بجدية زائفة:

_ نادي مدام فاطمة عشان جايلكم أنتم الاتنين.

رمقه بنظرةٍ غاضبة ثم تحرك باتجاه الغرفة يغمغم بحنقٍ:

_ أنا مهزق إني بدي اللوكيشن ليك.

رأى وجه فاطمة يشع بحمرة، تضع يدها على فمها كي تكبح ضحكتها، دون ارادة منه ابتسم لها وأشار لها هامسًا:

_ أكيد سمعتي.

أومأت برأسها تضبط أنفاسها بعدما سيطرة على نوبة ضحكها ثم تحركت مع غفران إلى الخارج ليجلسا سويًا، ليخرج عاصم هاتفه يفتح يردد قبل أن يفتح التسجيل:

_ أتمنى اللي تسمعوه دا ميأثرش عليكم وخاصة مدام فاطمة.

بدأ التسجيل بالعمل يستمع كلًا من فاطمة وغفران لما يردد حسين، اعترافه بجريمة أحمد... ثم جريمة كامل ثم منيرة ووالدتها... ارتعش جسد فاطمة، يزداد ألم رأسها تأتي مشاهد عديدة مختلفة أمامها وتختفي.

مد غفران يده يوقف التسجيل ثم أمسك بكف فاطمة يسألها بقلقٍ:

_ أنتِ كويسة؟

حاولت السيطرة على حالتها، تشعر بألم ولكن لابُد من أن تخفيه يكفي ما فعله لها، رسمت بسمة باهته لشفتيها تتمتم بارهاقٍ:

_ متقلقش انا كويسة.

رمقها بنظراتٍ شاكة ولكن لم يرغب بالجدل أمام عاصم، بينما لاحظ عاصم ما يحدث لينهض بهدوءٍ متمتمًا:

_ أنا عارف إنكم تعبانين بس هنحتاج مدام فاطمة عشان نقفل القضية بتاعتها.

نظر لها غفران بقلقٍ يزداد ثم ردد:

_ لا معلش يا عاصم مش...

قاطعته فاطمة ببسمة باهته:

_ مفيش مشكلة يا غفران خلينا نقفل الموضوع دا نهائي.

تناهد بيأسٍ، نعم هو يريد التخلص من هذا الموضوع، أومأ لعاصم الذي تفهم الأمر ثم غادر بهدوءٍ، تاركًا غفران يحاول إخراج حالة فاطمة الإرهاق التي وقعت بها، فأصبحت أسيرة لمشاهد محترقة تلهب روحها ألمًا.

**********

_ بتعمل إيه يا عامر؟

رفع بصره عن الكتاب ينظر لشقيقه بإرهاقٍ ممزوج بتوتر بعثره سؤاله، يجيبه سريعًا عائد بالنظر للكتاب:

_ بذاكر عشان فاضل أقل من شهر على الامتحانات بتاعتي.

أومأ جبران بتفهمٍ له، ثم قال بحنو:

_ ريح نفسك شوية يا عامر أنتِ هالك نفسك وبقيت تعبان.

أومأ بايجابية ولا يزال بصره مصوب باتجاه الكتاب يردد بصوتٍ جاد متعب:

_هخلص اللي ورايا بس وبعدها هرجع اريح تاني.

منحه نظرة مليئة بالشفقة، يعلم ما يمر به كل طالب يدلف بتلك السنة الدراسية المخيفة، فهي بالفعل تغير مصير حياة ولكن تغير معها نظرة... أمل.. شخصية كاملة تمنت النجاح.

تحرك صوب المطبخ حاملًا ذلك الصندوق الذي حصل عليه من والده، تظهر بسمته روايدًا روايدًا ما أن رأها تضع الأطباق على طاولة المطبخ بنظامٍ بدأت تعتاده بعد العمل معه، تقدم نحوها يردد بصوتٍ هادئ:

_ صباح الخير.

رفعت بصره نحو بخجلٍ تجيبه وهي تشير نحو الأطباق بتوترٍ:

_ صباح النور... تعالى عشان نفطر.

ابتسم لخجلها الظاهر، يجلس على المقعد جوارها ثم رفع الصندوق لها يردد سريعًا قبل استفسارها:

_ الصندوق دا من الهدايا اللي جابتها والدتك لكل واحدة فيكم وخالك بقى ادني صندوقك أدهولك.

قطبت حبينها بدهشة، ثم أمسكت بالصندوق وقامت بفتحه لتجد به بعض الأدوات الخاصة بالعناية بالبشرة كانت ترفضها والدتها أن تحضرها، ابتسمت للصندوق بهدوءٍ بالرغم من حزنها عليها إلا أن الموضوع لم يشكل عقدة كما كانت تمثلها، رفعت بصرها تنظر نحو جبران الذي يراقب حركاتها قائلة ببسمةٍ حزينة هادئة:

_ ربنا يرحمها ويجعل مثواها الجنة.

ربت جبران على كفها ثم بدأ الأثنان بتناول الطعام، يتحدثان عن عامر وما سيفعلوه معه بالأيام القادمة.

*********

انتهى غفران وفاطمة من تلك القضية ولكن أصبحت حالة فاطمة غير متزنة تقاوم رهابها وخوفها بصعوبةٍ تحاول التظاهر بالقوة ولكن ذلك يفوق طاقتها...

استعددت وأرتدت فستان يليق بمناسبة صديق غفران ثم غادرت الغرفة تنظر نحوغفران ببسمة متعبة بارعة في رسمها تتمتم بهمسٍ:

_ أنا جاهزة يا غفران.

استدار ينظر لها بقلقٍ يتمتم بنبرة جادة:

_ لو حاسه إنك مش قادرة مش مهم المناسبات تتعوض يا فاطمة.

نفت برأسها تجيبه بحبٍ ممسكة بكفه:

_ لاء أنا محتاجة أخرج معاك يا غفران.

بادلها الإبتسامة ثم غادرا سويًا نحو المكان المنشود، ظلت فاطمة شاردة باللاشيء، بينما انهمك غفران بالهاتف كي يصف له أحدهم المكان وبالفعل استطاع الوصول للمكان المنشود ولكن لم يجد مكان ليصف به السيارة فقرر أن يدور خلف ذلك النادي فلابُد من أن الجميع أتى بسياراتهم...

زفر غفران محتنقًا ثم قال:

_ معلش أنزلي أنتِ هنا وأنا هلف من ورا أركن العربية.

أومأت له ثم ترجلت من السيارة تقف بانتظاره، بينما أسرع غفران يقود سيارته خلف النادي كي يجد مكان وبالفعل استطاع أن يحظى بمكانٍ ويعود بخطواتٍ متعرجة إلى حيث ترك فاطمة وما أن عاد حتى وجدها تقف بتوترٍ اقترب منها ليشعر بأنها بصعوبة تلتقط أنفاسها، قطب جبينه يردد بقلق:

_ أنتِ متأكدة أنك كويسة؟

ابتسمت بتوترٍ تحاول السيطرة على حالها تومئ برأسها قائلة:

_ أيوة يا غفران يلا بقى عشان نلحق مراسم كتب الكتاب.

زفر بيأسٍ ثم تحرك معها للداخل، يسيران إلى حيث كتب الكتاب ولكن بدأت فاطمة بالاختناق أكثر نعم أنه مكان الحادث، هذا المكان الذي أعدته كي تصالح أحمد...لم تشعر بذاتها بتلك اللحظة تنظر للحشد من الناس متذكرة تلك الذكرى المخيفة جعلتها تفقد عامين من ذاكرتها...
أصبخ الألم أقوى برأسها كل ما كانت تراه مشوش أصبح واضح بذاكرتها، وضعت يدها على قلبها تشعر بغصةٍ تقبض على صدرها بقوةٍ تتهدج أنفاسها، ثم بدأت تدمع عينيها تحاول السيطرة على قدمها ولكن كانتا كالهلام، وقعت تجلس على الأرض تستند بيد والأخرى لاتزال تضعها على صدرها، بينما رأى غفران حالتها وأسرع يهبط جوارها يضمها كما يفعل من الخلف بعدما فرد ساقه العرجاء بعيدًا أمام الناظرين، حاوطها باحتواءٍ يضمها لصدره هامسًا لها بسرعة:

_ خدي نفسك شهيق.. زفير.. يلا.

توقفت مراسم الزواج وأصبح الجميع يتأمل ذلك المشهد!

   الفصل التالى   

"اشتركوا على قناتنا على تليجرام أو قناة واتساب ليصلكم أحدث الفصول والتنبيهات فور نشرها"

واتسابتليجرام
admin
admin
تعليقات