رواية خيوط النار الفصل الثاني عشر 12 بقلم نورهان موسي

الفصل الثانى عشر من رواية "خيوط النار" بقلم نورهان موسي.

رواية خيوط النار الفصل 12 بقلم نورهان موسي

خيوط النار الحلقة الثانية عشر

خيوط النار
الفصل الثاني عشر

في مخزن مهجور وسط صحراءٍ قاحلة...
الإضاءة بالكاد تُبصر طريقها، نور لمبة صفراء تتدلّى من السقف، تتأرجح ببطء مع نسمة خانقة، تُلقي بظلالٍ شاحبة على الوجوه المشدودة. الهواء مشبّع بالدخان، رائحته كثيفة، خانقة، وكأن المكان يحتفظ بذاكرة الدم والرصاص.
الهدوء ثقيل... سكونه يحمل تهديدًا دفينًا.
وقف "ماجد" في منتصف الغرفة، عضلات وجهه مشدودة كأنها توشك على الانفجار، وعيناه تلمعان بالغضب المشتعل، يرمق والده الجالس أمامه على طاولة خشبية قديمة، نظراته مسمومة، غاضبة، مشبعة بخيبة الأمل.
صرخ بصوت عالٍ، كأن نيرانه تبحث عن مخرج:
"الغبي اتْمسك! أنا قلتلك مليون مرة إنه غبي، وكان هيبوّظ كل حاجة!"
"فاكر نفسه انتصر على يونس... بس يونس طلع أذكى مننا كلنا. لعبها صح... ووقّعنا في بعض!"
بدأ يتحرك في أرجاء المخزن كحيوان جريح، يشدّ شعره بعصبية، خطواته تطرق الأرض بعنف، وكل كلمة تخرج منه تحمل جمرة جديدة من غضبه المتراكم.
تابع بصوت مخنوق بالغضب، وكأنه يُصارع اختناق الحقيقة:
"هخلّص على يونس بطريقتي، بس دلوقتي... زاهر بقى خطر، خطر كبير! أول ما يتشد، هيغني... ويقول كل حاجة! مواعيد، شحنات، أسامي!"
"ماينفعش أسيبه يتنفس!"
فجأة، نهض "عبد الصمد" من مكانه، وضرب بكفّه على الطاولة ضربة عنيفة ارتجّت لها الأدوات فوقها، وصاح بصوت يملأ المكان:
"فاهم أنت عملت فينا إيه؟ البضاعة راحت! العملية باظت! إحنا بنغرق... وكل ما نحاول نطلع من مصيبة، حد فيكم يشدنا لتحت!"
وقف "ماجد" في وجهه، يده ترتعش من شدة التوتر، عينيه دامعتان من الغضب المكبوت:
"عارف... عارف إني خربتها، بس إيه كان في إيدي؟ البوليس كان في كل حتة، ويونس قلب الطاولة علينا! لو ما كنتش هربت، كنت دلوقتي في التخشيبة!"
اقترب منه "عبد الصمد"، صوته هذه المرة لم يكن فقط غاضبًا... بل كان مجروحًا، يحمل خيبة أب كانت تضعفها الحقيقة:
"كان لازم تأمّن نفسك... تتصرف! مش تسيب الدنيا تولع وتيجي تقول لي: (ما كانش في إيدي)؟"
"دي مش لعبة عيال... إحنا في حرب!"
صرخ "ماجد" فجأة، وضرب الطاولة بقبضته، فتساقطت الأدوات فوقها، اهتز المكان، وكأن روحه تئن:
"أنا اللي شايل الشغل ده على كتافي من سنين! أنا اللي شفت الموت بعيني، وكلكم قاعدين مرتاحين!"
"ولا مرة حد قال: (شكراً يا ماجد)! الكل بياخد، الكل بيطلب، بس محدش فكر أنا بمرّ بإيه!"
ساد الصمت لحظة، قطعها صوت "عبد الصمد" بصوت ثقيل كأنّه يحمل وزن عُمرٍ بأكمله:
"الليلة دي لو ما اتلمتش... مش إحنا بس اللي هنضيع. كل اللي حوالينا هيتسحبوا معانا، واحد ورا التاني."
رفع "ماجد" رأسه ببطء، ونظراته مشتعلة، نار تشتعل تحت جلده:
"مفيش غير حل... يونس لازم يدفع التمن."
صوته كان أهدأ الآن... لكن هدوءه مخيف، كأنّه إعلان قرار لا رجعة فيه.
رفع "عبد الصمد" حاجبه، وصوته تسلل بنبرة قلق حذِر:
"إنت ناوي على إيه؟"
قال "ماجد" بصوت خافت، كل كلمة تخرج منه كأنها سمّ يُحقن في الظلام:
"هخلّيه يندم إنه اتولد... مش تهديد. دي وعد."
للحظة، ساد صمت عميق، كأنّ الهواء ذاته توقف ليستمع.
"عبد الصمد" كان يحدّق في ابنه، يحاول أن يرى ما وراء العيون... لكنه لم يرَ سوى نية حقيقية للدم.
سأله بصوت ثقيل، مملوء بالخوف والريبة:
"إنت بتفكر في إيه تاني يا ماجد؟"
ضحك "ماجد" ضحكة قصيرة، ساخرة، كأنها استهزاء بالعالم، ثم نظر إليه من طرف عينه:
"زاهر... هو سبب المصايب دي كلها. عارف عني كل حاجة، وبيتشقلب من أول همسة. أول فرصة تيجيلي، هخلّص عليه."
"مش هستنى لما يبيعنا لأول ظابط يعرض عليه صفقة."
ظهرت على وجه "عبد الصمد" لمحة صدمة... لكنها لم تكن صدمة كاملة. كان هناك في عينيه شيء من الرضا الخفي، كأن جزءًا منه وافق ضمنًا... لكنه قال بصوت هادئ، فيه تحذير واضح:
"اللعب مع زاهر مش سهل... لو هتضرب، اضرب صح، لإن لو غلطت... مش هيلحق حتى يدفنك."
فتح "ماجد" باب المخزن، وبصوته البارد كصقيعٍ قاتل قال:
"ما تقلقش... المرة دي، مش هسيب حاجة للصدفة."
خرج "ماجد" بخطواتٍ بطيئة، ثقيلة، كأن كل خطوة تُعلن بداية فصل جديد من الدم. عيناه كانتا نارًا مشتعلة، و"عبد الصمد" وقف ينظر خلفه، مزيجٌ من الخوف، والتوتر، وشعور أبوي خفي بأن ابنه... لم يعُد كما كان.
*******
على الجهة الأخرى...
أمام غرفة العمليات، كان الجو مشحونًا بتوتر ثقيل يخنق الأنفاس. القلق يلتهم القلوب ببطء، والخوف يسرق الكلمات من الحناجر. الجميع واقف على أطراف أعصابه، يترقّب، يتهامس مع نفسه، كأن الصمت في المكان أصدق من أي كلام.
"عائشة" كانت واقفة بجوار "مريم" و"خالتها"، عيناها لا تفارقان باب غرفة العمليات، وكأن نظراتها وحدها قادرة على اختراق الجدران والوصول إليه. قلبها كان يقرع بعنف، كأنّه يحاول أن يهرب من صدرها. أما "مريم"، فكانت مختنقة بالقلق، وجهها مبلل بالدموع، وعيناها شاردتان، تمسك بيد خالتها كطفلة تائهة تبحث عن الأمان.
فجأة... انفتح باب غرفة العمليات ببطء. خرج الطبيب، وخلفه سكون مميت. ملامحه كانت مثقلة، وعيناه منكسرتان كمن رأى الموت يمر أمامه. توقّف لحظة، ثم نظر إلى "عمر" و"زيدان"، وصوته خرج هادئًا... مكسورًا:
"للأسف... فقدنا المريض. القلب توقّف."
كأن الزمن توقّف، كأن كل شيء حولهم تجمّد.
"عمر" انهار فجأة على أول كرسي بجانبه، دفن وجهه في كفّيه، وكأنّه يحاول أن يختبئ من واقع مؤلم لا يستطيع مواجهته.
"زيدان" لم ينطق... عضّ على شفته السفلى بقوة حتى أوشكت على النزف، عيناه مغروقتان بالدموع، لكنه لم يسمح لها بالسقوط، بقي جامدًا، مشلولًا... كأن عقله يرفض تصديق الكلمات التي سمعها.
لكن أكثر من تحطّم... كانت "عائشة".
كلمتا الطبيب اخترقتا صدرها كسهمين مسمومين، شعرت أن روحها تُنتزع من بين ضلوعها، أن الحياة تتسرّب من أطرافها.
اصفرّ وجهها، بهتت ملامحها، وتجمّدت عيناها كأن الزمن توقّف داخلهما.
تمتمت، بصوت مخنوق، بالكاد يُسمع:
"يونس..."
كانت الكلمة أشبه بأنين، بحسرةٍ لا تحتمل، بنداء من أعماق الألم.
"مريم" التفتت إليها سريعًا، وعيناها مملوءتان بالدموع، لكنها لم تستوعب ما سمعته... كأنّها انفصلت عن العالم من حولها. نظرت حولها بذهن مشوش، لم تفهم، لم تُدرك.
لكن قبل أن يسود السكون تمامًا...
خرجت الممرضة فجأة من غرفة العمليات وهي تركض، وجهها مشدوه، وعيناها متسعتان بدهشة، أنفاسها متقطعة:
"دكتور النبض رجع بسرعة!"
لم ينتظر الطبيب ثانية واحدة، هرع إلى الداخل، وارتطم الباب خلفه، مغلقًا من جديد.
"عائشة" انفجرت بالبكاء، الدموع انهمرت كالسيل، سقطت على وجنتيها دون توقّف. وضعت يدها على قلبها، وبدأت تهمس، بصوتٍ مزيج من العياط والدعاء، صوت يمزّق القلب:
"ما تسبنيش يا يونس... بالله عليك، ما تسبنيش."
"مريم" كان وجهها شاحبًا، ملامحها متجمّدة، عيناها انقلبت، وركبتاها لم تعودا قادرتين على حملها.
وفي اللحظة التي كانت توشك فيها على السقوط، اندفع "زيدان" نحوها، أمسك بها قبل أن تهوي على الأرض.
صاح بقلق، وعيناه تمتلئان بالخوف:
"مريم! مالك؟ ردي عليّ!"
حملها بين ذراعيه كأنّها قطعة ثمينة قابلة للكسر، وركض بها نحو أقرب غرفة، وخلفه خالتها تركض وهي تصرخ:
"مريم! يا رب سترك!"
أراحها على السرير برفق، ونظر إلى وجهها الباهت، الخالي من أي حياة، وخزّه الخوف... شعور لم يختبره من قبل. قلبه ينبض بجنون، وكأنّه يُنذر بكارثة.
التفت إلى خالتها وقال بجديّة:
"خليكي معاها... هروح أجيب دكتور حالًا."
هزّت الخالة رأسها بسرعة، وجثت إلى جوار "مريم"، احتضنتها بذراعين مرتعشتين، ودموعها تنهمر في صمت، ولسانها يلهج بالدعاء دون انقطاع، تتوسّل، تتضرّع:
"يارب... يارب رجّعلي بنت أختي بخير، يارب رجّعليها سالمة."
بعد لحظات، عاد "زيدان" ومعه طبيب يحمل حقيبة طبية صغيرة. اقترب الطبيب من "مريم"، وبدأ يكشف عليها بهدوء، محاولًا أن يُخفف من التوتر المسيطر.
قال بابتسامة بسيطة، أراد أن يُعيد بها بعض الطمأنينة:

" متقلقوش.. دى حالة إغماء ناتجة عن الصدمة العصبية والضغط النفسي. هتكون بخير. هديها حقنة مهدئة"
أعدّ الطبيب الحقنة، وحقنها برفق. بدأت ملامح "مريم" تسترخي قليلًا، وبدأت وتيرة التوتر في الغرفة تخفّ تدريجيًا.
"زيدان" كان واقفًا بجوارها، ينظر إليها بعينين ممتلئتين بالخوف والحنيّة، كأنّها طفل صغير يحتاج إلى حماية العالم كله.
في لحظة، شعر أنه مستعد أن يظل بجوارها العمر كله، فقط... حتى لا تراوده تلك الرهبة مرة أخرى.
همس بصوتٍ خافت، فيه رجفة وخوف دفين:
"هتبقي كويسة يا مريم... بس ما تخوفيناش كده تاني."
الخالة نظرت إليه، وابتسامة باهتة امتزجت بشكر صامت في عينيها.
ثم عادت ببصرها نحو السماء، ويدها تربّت على يد "مريم" بلُطف، وهمست وكأنها تناجي ربّها:
"يا رب... رجّعلي ولاد أختي سالمين..."
*******
مرّت ساعة...
عائشة كانت جالسة على كرسي أمام باب غرفة العمليات، إيديها متشابكة بشدة، عيونها مثبتة على الأرض، ملامح وجهها شاحبة وكأن الحياة قد سُرِقَت منها. دموعها محبوسة في عينيها، وكأنها تخشى أن تفرّ من بين جفونها في أي لحظة.
خالتها كانت جالسة بجانبها، ممسكة بالسبحة في يدها، وشفايفها تتحرك في صمت، تدعو وتتوكل على الله. كان الدعاء هو ما يخفف عنها وعلى الأقل يُعطيها شعورًا وهميًا بالسيطرة في هذه اللحظة العصيبة.
عائشة، بصوتها المبحوح من شدة التوتر، قالت:
"العملية طولت أوي... ليه طولت كده؟"
زيدان رد بصوت هادئ، من غير ما يبص لها، وكأن الكلمات كانت تخنقه:
"الدكتور قال كل شيء حسب الحالة... لكن يونس قوي، هيعدي منها. لازم يعدي منها."
"الخالة" هزّت رأسها بحركة توحي بالرجاء، وصوتها خرج بتهدّجٍ واضح:
"ربنا كبير يا بنتي، يارب عديها على خير."
فجأة، انفتح باب غرفة العمليات بانسيابية بطيئة كأن الزمن نفسه توقف للحظة، وخرج الطبيب بخطوات مُتعبة. كان يرتدي الكمامة، لكن عينيه وحدهما كانتا تتحدثان... عينان غارقتان في الإرهاق، مثقلتان بما رأتهما خلف ذلك الباب المغلق.
في لحظة واحدة، وقف الجميع كأنهم تماثيل حُفرت من الصمت، لا صوت، لا حركة... سوى القلوب التي تخفق بذعر. كانت أنفاسهم معلّقة، وكل عين تبحث عن بارقة أمل في ملامح الطبيب، كأنهم يترقبون نطق الحُكم الأخير.
عائشة لم تتمالك نفسها، ركضت نحوه بخطوات مرتبكة، وكأن الأرض تهتز تحت قدميها، قلبها يضجّ بالخوف، وعيناها تلمعان بدموع على وشك الانهيار.
نادت عليه بصوت خافت لكنه يرتجف:
ــ "دكتور... طمّنا، بالله عليك... يونس كويس؟!"
كان صداها يرتدّ داخل الردهة كهمسٍ باكٍ، وكل من حولها كان يترقّب الإجابة كأنها حياةٌ أو موت. كانت اللحظة معلّقة بين الرجاء واليأس... بين انهيار وانفراج.
الدكتور نظر إلى العيون القلقة، وصوته كان هادئًا، لكنه حمل نبرة حازمة:
"العملية نجحت... لكن حالته لسه حرجة. محتاج يفضل تحت الملاحظة 48 ساعة على الأقل. النزيف كان شديدًا، وكمان توقف القلب اللي حصل... لكننا أنقذناه في آخر لحظة."
خالة يونس وضعت يدها على فمها، ودموعها بدأت تتساقط أخيرًا بعد أن كانت تماسك نفسها طوال الوقت.
عائشة، التي كانت تشتعل قلقًا، أخذت نفسًا عميقًا، وأحست برعشة في ساقيها، بينما كانت تمسك بذراع خالتها.
عائشة، بصوت مختنق، قالت:
"ممكن نشوفه؟"
الدكتور نظر إليها بتمعّن وقال بلهجة متفهمة، لكن حازمة:
"دقيقة واحدة بس، وهو لسه تحت تأثير التخدير. لكن لازم الراحة التامة."
كانت عائشة على وشك الدخول إلى غرفة العناية المركزة، حين اقتربت منها "مريم" بخطوات متعثّرة، تكاد تسقط من شدة الضعف والانهيار. كانت عيناها مغرورقتين بالدموع، وجهها شاحب، وكأن الحياة تُسحب من ملامحها لحظة بعد لحظة.
تعلّقت بعائشة وهمست بصوت مكسور، تخرج كلماته من بين أنفاسٍ لاهثة:
ــ "عائشة... يونس بخير؟ بالله عليكِ، طمّنينى..."
نظرت إليها عائشة بعينين ممتلئتين بالحزن، لكنها أجبرتهما على بثّ الطمأنينة، ووضعت يدها على يد مريم وربتت عليها بحنانٍ عميق:
ــ "متخفيش يا حبيبتي... هو بخير. الدكتور طمأنّا، وبيقول إنه خرج من الخطر واتنقل العناية. تعالي، تعالى نشوفه سوا."
سارتا معًا، مريم تستند على عائشة كأنها تتعلق بآخر خيط من الأمل. وصلا إلى باب غرفة العناية المركزة، وكان المكان يغلفه صمتٌ ثقيل، يخترقه صوت الأجهزة بإيقاع ثابت... كأنها تنبض بالحياة نيابةً عن المرضى. الإضاءة خافتة، والجدران باردة، والهواء مشبع برائحة المطهّرات والخوف.
دخلتا ببطء، وعيناهما تبحثان عن ملامحه. وهناك، كان يونس... مستلقيًا على السرير الأبيض، جسده ساكن، ملامحه شاحبة، وأنفاسه تُسحب من خلال كمامة الأوكسجين، بينما الأجهزة تراقب كل نبضة في قلبه.
وقفتا بجانبه، والدموع في أعينهما لا تتوقف. كانت مريم تتنفس بصعوبة، اقتربت من رأسه، وانحنت تُهمس له بكلمات متقطعة يملؤها الحب والرجاء:
ــ "يا حبيبي... إحنا هنا، جنبك... فوق، بالله عليك، متسيبناش كده."
عائشة من ناحيتها، شعرت بأن قلبها يكاد ينفجر من شدة الخوف. هذه اللحظة كانت تحمل من المشاعر أكثر مما تستطيع أن تحتمله. اقتربت منه، ومدّت يدها المرتجفة لتمسك بطرف يده... تلك اليد التي طالما كانت سندًا لها، والآن ترقد بلا حراك.
تمتمت بصوت خفيض، لكنه غارق بالإحساس، بصوتٍ خرج من أعماق قلبها:
ــ "يونس... أنا كنت جبانة، أوي... كنت بخاف من إحساسي، من الناس، من الدنيا كلها... لكن دلوقتي، أنا مش خايفة من حاجة. مش فارق معايا غير إنك تعيش... لأن... لأن أنا بحبك."
توقّفت لحظة، دموعها تسيل في صمت، وكأنها تطهر صدرها من كل ما خبأته داخله. مريم، التي سمعت كلماتها، نظرت إليها بصدمة ممزوجة بدموع الدهشة، لكن في أعماق عينيها... لم يكن هناك غضب، بل ارتياح غريب، وكأنها كانت تعرف هذه الحقيقة منذ زمن، وكانت تنتظر فقط أن تُقال.

عائشة لم ترفع نظرها عن يونس، وكأن عينيها تحاولان إيقاظه. شدّت على يده أكثر، وبصوت مخنوق من البكاء قالت:
ــ "حتى لو مش هتفتكر، حتى لو مش هتردّ... بس أنا كنت لازم أقولها. كنت لازم تعرف، حتى لو في لحظة غايب فيها عن الدنيا."
الصمت خيّم على الغرفة، لا صوت يُسمع سوى رنين الأجهزة، ونبضٍ ضعيف... لكنه مستمر. وفجأة، بدا أن الصوت تغيّر قليلًا... نبض القلب ارتفع بدرجة خفيفة.
رفعت عائشة نظرها بسرعة إلى الشاشة، وقلبها يتسارع بشدة، ثم شعرت بشيء... حركة خفيفة في يده. في البداية ظنتها وهمًا، لكن مريم شهقت وقالت بصوتٍ مرتجف
ــ "عائشة... إيده بتتحرّك!"
نظرت عائشة إلى يدها، وإذا بها تشعر بضغطٍ خفيف، لكنه حقيقي... يده تشدّ على يدها، كأنها تقول لها: "أنا هنا... سمعتك."
انفجرت الدموع من عينيها، لكنها هذه المرة كانت دموع الفرح، الارتياح، الرجاء:
ــ "كنت حاسة... حاسة إنك سامعني، يا حبيبي."
بدأ صوت الجهاز يستقر أكثر، إيقاع النبض بات أوضح، أقوى... كأن كلماتها كانت طوق النجاة الذي أعاده من الحافة.
مريم وضعت يدها على كتف عائشة، وقالت بصوت دافئ، متحشرج بالبكاء:
ــ "هو حاسس بيكي... أخويا عمره ما كان بعيد عنك، ولا هيسيبك."
وقفتا معًا بجانب السرير، تتشبثان ببعضهما، وعيونهما معلّقة بملامحه. ورغم أن الزمن في تلك الغرفة بدا وكأنه توقّف، إلا أن نبض قلبه... كان يقول: "أنا راجع."
ربما كانت هذه اللحظة، بحق، بداية كل شيء.
********
مرت يومان كانا من أصعب الأيام على الجميع، كأن الزمن توقف، والقلوب مشغولة بين القلق والخوف، غير مطمئنة ولا هادئة.
كانت عائشة جالسة أمام باب العناية المركزة، على نفس الكرسي الذي جلست عليه منذ اللحظة الأولى لدخول يونس إلى العمليات. لم تقم من مكانها، ولم تأكل، ولم تنطق بكلمة واحدة. كانت عيناها محمرّتين من السهر والبكاء، ووجهها شاحبًا، كأنها فقدت جزءًا من نفسها. لكن قلبها كان لا يزال متعلقًا به، ولسانها لا يتوقف عن الدعاء بصوت ضعيف وكأن كل كلمة تُخرجها من أعماقها:
_«يارب يرجعلي بالسلامة... يارب قومه ليا تاني».
كانت مريم جالسة بجوارها أغلب الوقت، تحت تأثير المهدئات، تنام كثيرًا في محاولات متكررة للنوم، وعندما تستيقظ، كان أول سؤال يطرحه ذهنها المرهق هو:
_«يونس فاق؟»
وكانت عائشة تجيبها بنفس النظرة الحزينة والهمسات الخافتة، بينما كانت كلماتها تتناثر بحذر:
_«لسه يا حبيبتي، بس إن شاء الله قريب».
أما عمر وزيدان، فكانا دائمًا يحيطان بهما، يحاولان تخفيف العبء عن عائلة يونس، يجلبان الطعام، يجيبون على تساؤلات الناس، يسهرون معهما إذا أرادا أخذ قسط من الراحة. ومع ذلك، لم يكن أي شخص قادرًا على تهدئة قلب عائشة، الذي كان يتفجر بالقلق والخوف.
الناس لم يتوقفوا عن القدوم؛ أصدقاء يونس من الداخلية، جيرانه من المنطقة، حتى أولئك الذين كانوا يعرفونه من خلال مواقف الجدعنة، جميعهم جاءوا ليطمئنوا عليه. كان اسمه يُذكر دائمًا بمحبة واحترام:
"يونس ابن الأصول... ربنا يعافيه ويعوده سالمًا."
في تلك اللحظة، اقتربت خالة يونس من عائشة، وهي تحمل بطانية خفيفة وعلبة عصير. كان صوتها مفعمًا بالحنان، تحاول إقناعها أن تأخذ استراحة من آلام الانتظار الطويلة:
_يا بنتي، قومي كلي لقمة وارتاحي شوية، شكلك كده هتقعي من طولك، كده مش هتعرفي تفضلي جمبه لما يصحى.
عائشة كانت عيونها معلقة على باب العناية المركزة، وكأنها لا ترى ولا تسمع شيئًا سوى صوت أجهزة يونس وأملها الذي لا ينفصل عن كل نبضة قلب تخرج منه. ردّت بصوت ضعيف، يملؤه الهم:
_مش قادرة أسيبه، يمكن يصحى وأنا مش موجودة... يمكن ينادي عليا وميلقنيش.
جلست الخالة بجانبها، وأخذت يدها بين يديها برفق، وكأنها تحاول أن تمنحها قوة مفقودة. همست بحنانها المعتاد، محاولة أن تواسيها:
_بس إنتي خلاص خلّيتي نفسك تعبانة، حتى هو لو شافك كده مش هيكون مرتاح، يونس يحبك قوية، مش منهارة كده
أجابتها عائشة بصوت هادئ، فيه الكثير من العناد، وكان ذلك الصوت يخفي وراءه قلقًا عميقًا وحبًا جارفًا:
_أنا مش منهارة... أنا بس مش هقدر أبعد. طول عمري بعدت... بعدت عن إحساسي، وبعدت عن قلبي... المرة دي مش هبعد، هافضل مستنياه.
تنهدت الخالة وهي تمسح برفق على حجاب عائشة، نظرت في عينيها بتمعن، فوجدت فيهما ألم السنين كلها، لكنها رأت في نفس الوقت حبًا صادقًا، حبًا نضج في قلب عائشة، وتبلور من خلال الخوف، وتأكد في أصعب اللحظات.
_ربنا يفرّح قلبك يا بنتي، ويقومه ليكي زي الأول وأكتر... بس لو تعبتِ أكتر من كده، مش هتعرفي تفرحي بيه لما يصحى.
عائشة، وقد شدّت البطانية من على ركبتها بعزم، أجابت بصوت حاسم، وكأن كلماتها كانت تحديًا للمستقبل:
_أنا كويسة... بس خليه هو يقوم، وساعتها أعمل اللي تقوليه.
سكتت الخالة لحظة، ثم نظرت إليها بتمعن، وكأنها كانت تستقرأ كل ما في عينيها. رأت في عينيها الألم، ولكن أيضًا القوة والحب الذي لا يتزعزع.
*******
في المخزن، كان ماجد واقفًا وحده في ركن مظلم، يضغط على شاشة الهاتف بأصابع مرتعشة، ووجهه مشدود، وكأن التوتر يعصره. كان يتكلم مع زاهر، المسجون، في مكالمة سريعة، لكن ملامح وجهه كانت تنطق بالقلق والغضب في آن واحد.
ماجد همس بصوت خافت لكن مليء بالعصبية، وكأن الكلمات تخرج منه وهي تشتعل في فمه:
"متقلقش... هلاقي طريقة وأخرجك من اللي أنت فيه، بس أهم حاجة دلوقتي بقك يفضل مقفول. ما تنطقش بكلمة... فاهم؟"

من الجهة الأخرى، جاء رد زاهر عبر الهاتف، وكان صوته مليئًا بالغضب، ومشبعًا بتهديد خفيّ، وكأن الغضب يشتعل في قلبه:
"أنا بحذرك يا ماجد... لو ما خرجتش من المصيبة دي، متتوقعش إني هشيل كل حاجة لوحدي. مش هسكت، وهتكلم."
ماجد وقف في مكانه، عينيه تضيقان، وكأن عقله يشتعل من الداخل. فجأة، ارتفعت نبرة صوته بشكل حاد، كأنه انفجر من مكبوت الغضب:
"قولتلك متقلقش! هخرجك في أقرب فرصة، وهريحك على الآخر... بس لو لعبت بديلك، ساعتها مش هتلحق تندم."
توقف زاهر عن الكلام لعدة ثوانٍ، وكأن الهواء بينهما أصبح ثقيلًا، مشحونًا بالتوتر. كان كل منهما ينتظر الآخر أن يخطئ، ويغفل عن شيء قد يكشف المستور. بعد لحظات، أغلق ماجد المكالمة بعصبية، وضغط الموبايل بقوة على الطاولة، كأنه يضيق على أفكاره في مكان واحد.
نظر إلى أحد رجاله الذي كان واقفًا وراءه، وقال بصوت هادئ، لكن مع ذلك كان يخرج منه نوع من السخط والغل:
"الوضع بقى خطر... لو يونس فاق، أول حاجة هيعملها هي إنه يحقق مع زاهر، وزاهر جبان... أول ضغط هيقلب علينا."
الرجل التفت إليه بنظرة ذات اهتمام واضح، فاقترب منه ماجد أكثر، ثم قال وهو يثبت نظره في عينيه بنظرة حادة، كانت تنبع منها رغبة في السيطرة:
"لازم نخلص منه في أقرب وقت... قبل ما يونس يصحى ويبدأ يربط الخيوط. عايزك تدخل حد من رجالتك جوه السجن... واحد شغله نضيف، ميبقاش ليه أثر، يخلص عليه في هدوء، من غير ما يسيب وراه ريحة."
الرجل أومأ برأسه بهزة خفيفة، وكان واضحًا أنه مستعد لتنفيذ الأوامر بدون تردد:
"تمام يا بوص... هيتعمل زي ما قلت، وسيبها عليا."
ماجد نظر إليه بنظرة طويلة، ثم أجاب بصوت هادئ لكنه مليء بالشيطانية، وعيناه تعكس تزايد الشر بداخله:
"لو خلصنا من زاهر... كل حاجة هترجع تحت السيطرة."
ثم قام ماجد بإشعال سيجارة، وأخذ نفسًا عميقًا، وكانت عينيه تلمعان، وكأن شرًا كامناً في داخله يزداد قوة. كان هذا الشر هو الذي يغذي طموحاته ويشعل رغباته الجامحة، وكل نفس يخرج من صدره كان يحمل معه تهديدًا لا يراه أحد سوى من يعيش في عتمة هذا العالم المظلم.
********
أمام غرفة يونس في المستشفى، كان الجو هادئًا، صوت الأجهزة الطبية يأتي من بعيد، يشكل خلفية خفيفة للمكان، بينما كانت مريم جالسة على الكرسي. عيناها تغرقان في الحزن، وجهها شاحب من التعب، ويديها ضامتهما في حضنها وكأنها تحاول أن تجمع نفسها من الداخل. كانت عيناها حمراوين من كثرة البكاء، وجفونها ثقيلة من السهر، كانت تراقب السقف بعينيها الزائغتين، وكأنها تبحث عن إجابة في الفراغ.
زيدان مر من أمامها وهو يلاحظها. لحظةً، توقف مكانه، وقلبه دق بقوة وكأن نبضاته تتسابق في صدره. لم يكن مجرد توقف عابر، بل كانت لحظة مليئة بالذكريات. تذكر أول مرة رآها، وهي خارجة من درسها، مرعوبة، وحين أنقذها، تلك اللحظة التي تعلق فيها قلبه بها. من تلك اللحظة، أصبح يراها في كل مكان، كل يوم كان يشعر أن الإحساس تجاهها يكبر، ويأخذ مسارًا أعمق.
ابتسم لنفسه، واقترب منها بحذر، محاولًا أن يخفف من الحزن الذي يغلف المكان. جلس بجانبها على الكرسي، وبميل طفيف من جسده نحوها، كانت ابتسامته خفيفة، لكن فيها دفء وحنية.
زيدان بصوت مرِح، محاولًا لفت انتباهها
_إنتِ يا شقية، قاعدة لوحدك ليه؟
مريم رفعت عينيها فجأة، وكان سؤال زيدان بمثابة مفاجأة. لم تتوقع أن أحدًا سيتحدث معها في هذه اللحظة، خاصةً وهو يختار تلك الطريقة المرحة. قلبها اهتز بشدة عند سماع صوته، لكنها لم ترد على الفور. نظرت له باندهاش، وصمتت للحظات، قبل أن تتركه يكمل كلامه.
زيدان اقترب أكثر، جلس على الكرسي بجانبها، ميّل بجسمه ناحية، وعيناه تطلقان ابتسامة صغيرة، كانت مليئة بالحنية. لم يكن هناك مجال للحديث عن المسافة بينهما، لكن كانت نبرته تخلع عن الجو ثقله.
زيدان بصوت فيه بعض المرح:
_معقول؟ مش فاكراني؟ ولا عاملة نفسك مش فاكرة؟
مريم شعرت بشيء غريب يمر في قلبها، وشعرت أن نبضات قلبها تسارعت. كان وجهها قد بدأ يتحمر من الخجل، ومن كل ما تذكرته عن تلك اللحظة التي التقت فيه به لأول مرة. كان صوت زيدان وأسلوبه لا يُنسى، لكن الكلمات كانت متوقفة في حلقها. حاولت أن ترد، لكن فمها ظل مغلقًا.
نظرت ناحيته بخجل، وعينيها يلمعان بشيء من التوتر والارتباك. أخيرًا، قالت بصوت خافت جدًا، يكاد لا يُسمع:
مريم:
_فاكراك...
زيدان ابتسم ابتسامة واسعة، وكأن قلبه ارتاح. كان يشعر بالاطمئنان لأنها ما زالت تذكره، وأنه يوجد في قلبها مكان له، حتى وإن كانت مشاعرها لم تُصرح بعد.
زيدان بصوت هادئ، وهو ينظر في عينيها:
_أنا معرفش إيه اللي خلاني أفتكرك في اللحظة دي بالذات... بس شكلك من ساعة اليوم ده مغابش عن بالي.
مريم نظرت له للحظة، ثم صمتت، لكن عينيها كانت تخبره بالكثير. رجليها كانت تهتز قليلًا من التوتر، ويديها بدأت تفركهما ببعض بشكل غير إرادي. شعرت وكأنها طفلة صغيرة أمامه، عاجزة عن التعبير أو المواجهة.
زيدان بحنان، محاولًا تهدئتها:
_متخافيش... أنا مش جاي أضغط عليكي، أنا بس... حبيت أطمنك، وأطمن إنك كويسة.
مريم هزت رأسها بإيجاب، كانت إشارتها واضحة أنها ممتنة لوجوده. في قلبها كان هناك شعور مختلط من الوجع والحزن، ولكن وجوده حولها جعلها تشعر بالأمان ولو للحظات.
لحظة صمت طويلة بينهما، كانت ثقيلة بالأحاسيس، وكل واحد منهما يشعر بأن في داخله شيئًا كبيرًا، يود أن يقوله ولكن الكلمات تعجز عن إخراجه. عينيهم التقتا، وكل واحد فيهم كان يرى في الآخر شيء خاص لا يمكن وصفه.
زيدان كان يراقب مريم بحنية، وعينيه تعكسان رغبة في أن يطمئنها، بينما هي كانت تنظر إلى الأرض بخجل، لكن شفتها بدأت تبتسم ابتسامة خفيفة، وكأنها بداية أمل، بداية لشعور جديد ربما يزهر بعد كل هذا الألم.
*********
في غرفة يونس بالمستشفى، كان الجو هادئًا للغاية. فقط صوت الأجهزة الطبية الذي يملأ المكان، ويقطع هذا الصمت بين الحين والآخر صوت جهاز نبضات القلب، الذي كان ينبض بحياة جديدة. كانت عائشة جالسة على الكرسي بجانب سرير يونس، يدها ممسكة بإيده، وعينيها ملتصقتين بوجهه كما لو كانت تبحث عن أي علامة تبين أنه استعاد وعيه. مريم وقفت جنبها، وزيدان كان واقفًا خلفهم، في حين أن الخالة كانت عند الباب، عينيها ملتصقتين بابن أختها وكأنها تراقب كل حركة في جسده.
بعد لحظات من السكون، بدأ يونس يحرك أصابعه ببطء. ثم فتح عينيه شيئًا فشيئًا، لكن نور السقف الخافت جعله يغلقهما ثانية، قبل أن يفتح عينيه نصف فتحه، يحاول أن يميز المكان من حوله.
عائشة، التي كانت تراقب بشدة كل حركة منه، شعرت بتلك الحركه في يده، فترنحت في مكانها، وصوتها اهتز وهي تقول بصوت مرتعش:
عائشة بصوت متقطع وبحب:
_يونس... يونس؟ إنت سامعني؟ فوق، فوق يا حبيبي...
يونس، الذي كان يحاول أن يركز نظره، بدأ ينظر حوله بتعب شديد. ملامحه كانت مرهقة للغاية، لكن شفتاه تحركتا بشيء من الجهد وهو يقول بصوت خافت:
يونس بصوت ضعيف:
_عائشة...
مريم، التي كانت تراقب عن كثب، انفجرت من الفرحة، وصوتها ارتفع وهي تجري نحوه:
مريم بفرحة غامرة:
_فــــــاق! خالتي يونس فاق!

الخالة، التي لم تحتمل المشهد، دخلت مسرعة وهي تبكي، دموع الفرح تتناثر على خديها، وجرت نحو يونس كأنها لا تصدق أنه عاد إليها.
الخالة بصوت مخنوق، مملوء بالفرح:
_حمد لله على سلامتك يا ضنايا... حمد لله يا رب!
زيدان، الذي سمع صوت مريم، اقترب بخطوات هادئة. عيناه كانت مليئة بالدموع المكبوتة، وهو يبتسم من قلبه، سعادة كبيرة في عينيه لأن صديقه، صاحب العمر، عاد للحياة من جديد. نظر إلى مريم التي كانت في حالة من الفرحة العارمة، وتضحك وتبكي في نفس الوقت، وهو يشعر بالسعادة التي تغمر قلبها.
مريم وهي تكاد لا تتمالك نفسها من الفرح:
_خوفتنا عليك يا بونس... والله خوفتنا... الحمد لله إنك رجعت بالسلامة من تاني.
يونس ابتسم، رغم التعب، وهو يمد يده ليضغط على يد مريم بلطف، محاولًا أن يطمئنها.
أما عائشة، فقد اقتربت منه أكثر، وضمت يده بين يديها، وبدأت تداعب وجهه بلطف. قلبها كان ينبض بفرحة لا توصف، كما لو أن قلبها قد عاد للحياة مع يونس.
عائشة صوت هادئ، مفعم بالحب:
_كل حاجة هتبقى كويسة دلوقتي... إنت معانا، وهتقوم وتبقى أحسن من الأول...
يونس، الذي كان يحدق في عينيها، شعر بشيء غريب. كان إحساسه بالدفء حوله، وتلك النظرة العميقة التي تبادلها مع عائشة جعلته يشعر بالأمان. شعر وكأن كل شيء سيكون على ما يرام طالما هي بجانبه. غمض عينيه برفق مرة أخرى، وهو يهمس بصعوبة، وكأن الكلمات تأتي بصعوبة بعد فترة طويلة من الظلام:
يونس بهمس، بصوت ضعيف:
_كنتي هنا... صح؟ كنت حاسس بيكي حواليا.
عائشة مسحت دموعها سريعا، لكن ذلك لم يخفِ مشاعرها. قبضت على يده بقوة، كأنها تحاول أن تكون مصدر القوة له، وقالت بصوت مليء بالحب والصدق:
عائشة بإصرار وحب:
_أنا ماسيبتكش لحظة، وعمرى ما هسيبك أبدا.
زيدان، الذي شعر أن المشهد أصبح مليئًا بالعواطف، تنحنح بلطف، وأطلق ابتسامة خفيفة وهو يحاول أن يخفف من حدة اللحظة:
زيدان بابتسامة مرحة، محاولًا تغيير الجو العاطفي:
_طيب، ما تهدوا شوية على الراجل، ده لسه راجع من مشوار طويل... لازم يرتاح شوية.
ضحك الجميع، ورغم الدموع التي كانت تملأ العيون، كان المشهد دافئًا ومليئًا بالأمل. كان الجو كله مشبعًا بالفرح، وكأن الحزن الذي كان يملأ المكان قد بدأ يتلاشى ليحل محله شعاع من الأمل. عائشة، مريم، الخالة، وزيدان كانوا جميعًا حوله، يشعرون أن الحياة عادت لتشرق من جديد. 

"اشتركوا على قناتنا على تليجرام أو قناة واتساب ليصلكم أحدث الفصول والتنبيهات فور نشرها"

واتسابتليجرام
Raghad Ali
Raghad Ali
تعليقات