رواية وبالحب اهتديت الفصل الرابع عشر 14 بقلم سلمى خالد

الفصل الرابع عشر من رواية "وبالحب اهتديت" بقلم سلمى خالد.

رواية وبالحب اهتديت الفصل الرابع عشر 14 بقلم سلمى خالد

وبالحب اهتديت الحلقة الرابعة عشر

وبالحُبِ اهتديت

«هُدايا وهُداكِ وبينهما العشق»

سلمى خالد إبراهيم

استغفر الله العظيم وأتوب إليه 3 مرات

حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 7مرات

( قولهم مش هياخدوا وقت يا سكاكر♥)

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الرابع عشر

( هل الحب يكفي لإكمال الحياة؟)

غريبًا أنت أيها الحب، فأنت لست كما نظن شعورًا خيرًا فقط، بل أنك تحمل نصيبًا من الشر أيضًا لتطيح بحياة البعض وتزهر حياة الأخرين، فنغادر تلك الحياة حاملين ذنب من أحببناهم سودنًا ولم يحبونا بل أحبوا غيرنا، فليت الحب خيار وليس إجبار لَمَا وصلنا إلى خلف قضبانه من خذلان وألم.

تداهمنا الدهشة عندما نصادف تشابه صغير بين شيئين أو شخصان أو غيرهما، فما بالك بتطابق المعطيات دون النظر لها، تلك الحالة وُضع بها غفران بعدما استمع للاسم الذي نطقه عاصم، يقطب جبينه بتعجبٍ مما سمعه، ولكن لم يخبره جده أو والدتها بأن فاطمة تعاني من فقدان ذاكرة هي تتعامل مع الجميع ببساطة شديدة، نفض تلك الشكوك من رأسه ينظر نحو عاصم الذي أنهى احتسائه للشاي ثم قال محاولًا الابتعاد عن تلك الشكوك:

_ طب هتعمل ايه بقى؟

زفر عاصم بتمهلٍ، يغرق بدوامةٍ ضخمة من التفكير، أغمض حدقتيه ثم فتحهما يجيبه ببعض الشرود العالق به:

_ مش عارف يا غفران بس الحال الوحيد أن فاطمة ترجعلها الذاكرة عشان تحكلنا تفاصيل الحادثة ونعرف منها مين اللي عمل فيهم كده ونقدر نفتح القضية تاني.

نظر له غفران ببعض التعجب، يتسأل بحيرة:

_ هو مش أنت معاك الدليل التقارير الحقيقية ما تقدمها وتفتح القضية تاني؟

حرك عاصم رأسه بنفيٍ، يجيبه بصوتٍ مختنق:

_ القضية هتتقفل ضد مجهول يا غفران... الشاب اللي لعب في الفرامل العربية مختفي وزي ما قولتلك لزما فاطمة ترجعلها الذاكرة عشان نقدر ناخد اقولها وكمان التقارير اللي معايا اتسرقت ومقدميش غير الحلين دول والاتنين مختفين وكأنهم مقطوعين من شجرة.

ثم أضاف ساخرًا بعدما تذكر التهديد الذي تلقاه:

_ ومتنساش إن سبب وجودي هنا القاتل نفسه.

اومأ غفران متفهمًا حديثه، يشعر بالمأزق الذي وقع به صديقه، ولكن لم يطل الصمت بينهما يرتفع صوت عاصم لتغير مجرى هذا الحديث:

_ ها فكرت إزاي تصالح مراتك؟

ابتسم غفران من ذكراها، ترتسم صورتها أمام عينيه، لاحظ عاصم تغير حالة غفران من ذكرها ليبتسم بسعادةٍ لصديقه فقد ازهره الحب، رفع كفه يحركه أمام وجه غفران ليفيق فاستجاب له غفران ونظر له ولا تزال البسمة عالقة على ثغره يجيبه بإماءة صغيرة:

_ ايوة عرفت إزاي هصالحها ظبط كام حاجة كده بس يارب تظبط معايا وتعجبها.

*********

دلفت للمطبخ تقف به لصنع طعام مميز إلى جبران، تتهرب من تلك الأفكار التي تغزو رأسها عن أميرة، رفعت قطعة البانية عن الزيت بعدما أخذت اللون المطلوب تحدث نفسها بصوتٍ عالي:

_ بطلي تفكري يا يقين... هو هيرجع تكوني عملتي أكل اللي بيحبه وحطتيه في الأوضة وتستقبليه كويس.

أقنعت ذاتها بتلك الكلمات أثناء صنعها للطعام حتى انتهت من صنعه نظرت له برضا بعدما وضعته باطباق الخاصة بالتقديم، ثم نظرت لملابسها التي أصبحت مليئة بالرائحة الطعام، انطلقت نحو غرفتها سريعًا وكي تعد ذاتها قبل أن يحضر جبران، في حين راقبتها أميرة بعدما غادرت بمكرٍ ثم دلفت تمسك بأحد التوابل وغمس الطعام بها وتغير طعامه لأسوأ ما يمكن تذوقه، انتهت من أفراغ التوابل ذو مرارة ( قرنفل وقرفة وزنجبيل) ثم ابتسمت بمكرٍ قائلة:

_ لما نشوف جبران هيكون رأيه إيه في أكلك يا ست يقين.

***********

أغلق باب غرفته بالمفتاح، يتضعه بجيب سرواله يتأكد من عدم دخول أحد أثناء غيابه عن المنزل لاحضار ملك، تحرك نحو الأسفل يتطلع للساعة الموجودة بشاشة الهاتف، تنهد براحةٍ بعدما وجد أنه لايزال يحمل وقت لإحضارها، مد يده لمقبض الباب ولكن اوقفه صوت يمقته بشدة:

_ رايح فين يا عامر؟

أغمض عامر عينيه بضيقٍ، يجيبه ولا يزال يوليه ظهره:

_ وأنت مالك!

_ تؤ تؤ عيب يا عامر تكلم ابن خالك اللي أكبر منك كده اظاهر محتاج اكلم خالو عشان اشتكي من ابنه اللي بيستقبلنا زي الزفت.

أعتصر عامر مقبض الباب من طريقة نادر المستفزة، ولكن اشتعلت الشاشة مجددًا ليجد أن الوقت يمر ولم يذهب لإحضار ملك، فتح الباب سريعًا كي يغادر ولكن امسكه نادر من كتفه ببرودٍ قائلًا:

_ مش عيب تسيب الأكبر منك وتمشي من غير ما تقوله آسف!

لم يتحمل طريقته الباردة، فأسرع يستدير بملامح متهجمة يزمجره بعنفٍ:

_ أكبر مني أكبر مني ومش محترم نفسه... عامل يبص لدي ويرخم على دي وكل دا ساكتلك وأنت معندكش دم... تافه ومش شايل مسؤولية ولا تعرف معناها وابعد عن وشي.

كاد أن يغادر المكان ولكن دفعت نادر القوية جعلته يقع على الباب يتأوه من غدر ضربه، ضحك نادر باستمتاع بعدما رأه على الأرض، ولكن لم تكتمل ضحكته بعدما تلقى لكمة قوية على وجهه جعلته يصرخ بألمٍ، يتلامس موضع الألم بقلق من أن يترك علامة بوجهه، نظر له عامر بشرارٍ يتقدم منه ليكمل ما بدأه ولكن صوت الهاتف أفاقه، نظر للشاشة فوجد أن الساعة تقدمت والآن هو موعود وقوف ملك أمام المدرسة.

اتسعت عينيه بصدمةٍ، يشعر بالمأزق مع ملك فهي أصبحت لا تأمن إلا بوجوده ما الذي ستفعله لوحدها بتلك اللحظة ولايزال أمامه اربعون دقيقة لكي يصل إلى المدرسة، اندفع باتجه الباب سريعًا ليغادر المنزل ركضًا يقفز قلبه رعبًا من أن تختفي ملك مجددًا كما حدث بالمرة السابقة!

اعتدل واقفًا بعدما افترش الأرض، يبتسم بمكرٍ بعدما أتم خطته هامسًا:

_ كان لزمًا يا عموري أشد ودنك شوية عشان هتقرفني الأيام الجاية وأنا بحاول مع يقين.

ازدادت بسمته خبثًا بعدما علم بفهم عامر لحركاته مع يقين، فشعر بأنه سيرهقه لذا كان ولا بُد من وضع خطة لإبعاده عن طريقه، تحرك نحو غرفته، ولا يزال عقله يفكر بما سيفعله مع يقين فعلى ما يبدو هي الأسهل في الوصول لها.

*********

انتبهت للهاتف الذي بدأ يضيء ويطفيء يعلن عن اتصال أحد بها، تقدمت نحو الهاتف تمسك به فكانت صديقتها (سُهى) ابتسمت بحبورٍ ثم أسرعت تجيب عليها:

_ سُهى حبيبتي عاملة إيه؟

ابتسمت سُهى بحبورٍ مماثل ثم قالت:

_ الحمدلله.. طمنيني عليكي عملتي ايه مع جوزك؟

صمتت فاطمة دون أن تجيب، لا تعلم بماذا تخبرها؟ فلم ترغب بإفشاء سر غفران أبدًا لأحد لذا تمتمت بكلماتٍ ذات معنى عام:

_ الحمدلله أهي ماشية... المهم قوليلي بتعمل ايه وبتشتغلي ولا لسه؟

ابتسمت سُهى على مضض بعدما شعرت باخفائها لما يحدث بينها وبين زوجها، لتجيبها بعدما اغتصبت بسمة لتظهر على شفتيها تضبط خروج الكلمات:

_ لا يا حبيبتي قاعدة في البيت مش محتاجة شغل... كده كده شغل بابا موفر لينا كل الخدمات.

أومأت فاطمة بفهمٍ دون أن تشعر بطريقتها التي تحاول اغاظتها لتجيبها بحبورٍ:

_ ربنا يزيدكم يارب يا سُهى... كنـ..

قطعت حديثها عندما رأت غفران يدلف إلى الغرفة، لتردف ببسمةٍ علت ثغرها:

_ معلش يا سهى هقفل دلوقتي وهبقى اكلمك.

أغلقت سريعًا مع صديقتها دون انتظار حديثها، تذهب نحو غفران تشعر بتردد من أخذ عكازه خاشية من أن ينفرها، شعر غفران بترددها ليمد كفه بالعكاز قائلًا:

_ معلش يا فاطمة امسكي العكاز عني.

نظرت فاطمة لمعالم وجهه المبتسمة، لتبادره الابتسامة ممسكة بالعكاز ومن ثم كفه لتصبح هي كعكازٌ له، يتحركان نحو الأريكة ليستريح عليها، فلم تعد حواء ضلع مفقود فقط بآدم بل وهي أيضًا عكازًا له أينما ذهب ستصبح الظل الذي يبقيه حيّا.

جلس غفران على الأريكة ينزع عنه حذائه يردف ببسمة هادئة بعدما انشغلت فاطمة بوضع العكاز جانبًا:

_ حضرللنا سندوتشات سريعة كده يا فاطمة وألبسي عشان نخرج.

قطبت جبينها بتعجبٍ، تستدير باتجاهه متمتمة بدهشة:

_ ليه يا غفران؟ هنروح فين؟

_ أعملي بس اللي قولتلك عليه.

تعجبت من رده ولكن ما باليد حيلة، تحركت نحو الأسفل كما أشار، تتضارب افكارها مع بعضها لفهم ما الذي يرغب به غفران، ولكن ذلك الصوت الذي تشمئز منه عاد مجددًا يصدع خلفها:

_ غريبة يعني مش قاعدة مع غفران ليه؟

لم تجيبها بل أكملت ما تصنعه بهدوءٍ، تتجاهل ما تفعله هناء، بينما ابتسمت هناء بمكرٍ تقترب منها تنتشل أحد السندوتشات التي صنعتها تقضم منها ببرودٍ أسفل نظرات فاطمة المغتاظة من حركتها، ليرتفع صوت فاطمة قائلة:

_ جعانة أوي كده اعملي لنفسك.

أبتعلت ما كانت تمضغه، ثم نظرت للسندوتش بتقييم متمتمة بتجاهلٍ لحديثها:

_ شايفة اخدت منك السندوتش بدون ما تحسي وفي لحظة...

رفعت بصرها لتلك التي علا ملامحها الترقب مما ستقوله، لتبتسم بمكرٍ خبيث:

_ أقدر أخد جوزك برضو واللي كان خطيبي زمان.

ضحكت فاطمة بسخرية على طريقتها، تسحب منها ذلك السندوتش متمتمة:

_ والله لو عايز يرجعلك كان عملها زمان بس أنتِ اللي مش بتشوف واعتقد محتاجة تروح لدكتورين... دكتور نظر والتاني مخ واعصاب عشان شكلك تعبان.

عادت فاطمة تكمل ما تفعله، تضع السندوتشات بعلبة صغيرة ذات غطاء محكم، بينما اشتعلت هناء غضبًا من ردها ولكنها حافظت على بسمتها ترد لها الصاع صاعين كي تنجح خطتها:

_ لو زي ما بتقولي كده... ليه غفران لحد اللحظة دي سايبني عايشة معاكم عادي و ممكن اتكلم معاه... ليه مطردنيش...

ظلت تراقب وقع كلماتها عليها، وبالفعل ضربت وتر حساس بداخل فاطمة لتتوقف ثانيتين عن العمل ولكنها أكملت لتسترسل هناء بخبثٍ:

_ إلا إذا كان لسه بيحبني وبيحارب نفسه ميرجعليش... أنا بقول أنك أنتِ اللي محتاجة دكتور نفسي بس بعد اللي غفران هيعملوا فيكِ باي يا لذوذة.

تركتها هناء ولكن بإعصار يدور داخلها، فلم يصبح هناك وصف لحالتها التي تحولت رأسًا على عقب بعد كلماتها، أدارت رأسها تنظر على مدخل الخاص بالمطبخ تهتف بقلق:

_ يارب يطلع كلامك كدب وغفران ميكونش عايز يرجعلك بجد.

نفضت تلك الأفكار وحملت العلبة بين يديها لتصعد إلى الأعلى ولكن لم تستطع السيطرة على شرودها مما تفوهت به تلك الحية، أغلقت باب الغرفة لتجد غفران يبدأ بارتداء حذائه مجددًا، وضعت العلبة جانبًا ولكن انتبهت لصوت غفران قائلًا:

_ يلا البسي ويلا بينا.

ارتجف قلبها مما سيفعله، هل سيفعل بها شيءٍ؟ انغمس علقها بذلك البئر المظلم، تلتف كلمات هناء حول عقلها في شكل دائرة مفرغة، إلى أن انتفضت من مكانها تنظر نحو غفران الذي حرك كتفها برفقٍ بعدما لاحظ شرودها، قطب جبينه بتعجبٍ من ردة فعلها معلقًا:

_ أنتِ كويسة يا فاطمة؟ حصل حاجة تحت؟

نظرت له بشحوب حاولت اخفائه، تجيبه بصوتٍ خافت:

_ لا محصلش حاجة... لحظة هجهز.

تحركت من أمامه سريعًا تسحب فستان من اللون اللافندر ومعه حجاب باللون الأبيض تسير نحو الحمام لتستطيع تبديل ملابسها، بينما ضيق غفران عينيه بشكٍ وشعر بوجود خطبٍ ما، زفر باختناقٍ فعلى ما يبدو سيعاني بالفترة القادمة، تحرك نحو الأريكة ينتظر خروجها ليذهبان إلى حيث خطط.

**********

شعر بصعوبةٍ في التقاط أنفاسه، ينظر حوله بخوفٍ من عدم وجود أحد، تبخرت طالبات المدرسة، تحرك بأنفاسٍ متهدجة نحو الحارس الخاص بالمدرسة متمتمًا:

_ عم مسعد هي ملك خرجت؟

أجابه عم مسعد دون اهتمام:

_ المدرسة كلها روحت يا استاذ.

اتسعت عين عامر بصدمةٍ، ينظر حوله بقلقٍ من اختفائها، تحرك حول المدرسة لعلها ذهبت إلى الجانب فلم يجدها، فوقف يمسح على شعره حتى كاد أن يقتلع من جذوره، يردد بقلقٍ واضح في تزايد:

_ روحتي فين بس يا ملك؟

ظل يتحرك إلى الشوارع الجانبية يبحث عنها بحرصٍ، ثم تذكر تلك العمارة التي جلست بها المرة السابقة عندما عجت المدرسة بالطالبات فأسرع ينطلق نحوها بهدوءٍ حتى وصل إليها يدعو الله أن تكون هناك، كاد أن يتقدم ولكن ارتفع صوت شهقات عالية ببكاء، اتسعت ابتسامته يسرع في خُطاه نحوها ليجدها تجلس على السلم تضم قدمها لصدرها تبكي بشدةٍ، أسرع نحوها يجلس جوارها لترفع رأسها بعدما دفنتها بذارعيها، فأردف بسعادةٍ ممزوجة بالراحة:

_ أخيرًا لقيتك يا ملك.

نظرت له بلومٍ شديد، تتمتم بأعينٍ لا تزال تقطر بالدموع ولكن العتاب كان سهامًا قاسية تحرقها:

_ أنا خوفت أوي يا عامر... وكنت لوحدي ومكنتش معايا.

شعر بنصلٍ يمزق به ما أن استمع لكلماتها، ينظر لحدقتيها اللتان لاتزالان تهطلان بالدموع، ثم قال بندمٍ يغلفه اعتذار:

_ آسف... آسف وحقك عليا يا قلب عامر مقصدش المرة دي وحصلي حاجات كتير عشان اجي هنا... كانوا بيمنعوني عنك بس مفيش حاجة تبعد ملك عن عامر صح ولا إيه؟

تأملها بحبٍ ينتظر اجابتها، بينما كانت نظراتها بريئة للغاية تتوقف دموعها عن الهطول ولكن لا تزال هناك دمعة تسيل كاد أن يرفع كفه لزيح دموعها ولكن تراجعت ملك إلى الخلف كي لا يلمسها، تذكر عامر أنها لا تحب أن يمسها أحد ليردد باعتذار مرة اخرى يضع كفه خلف رأسه بحرجٍ:

_ آسف تاني نسيت أنك مبتحبيش حد يمسكك.

بدأت تتلون وجنتي ملك بخجلٍ، تتحاشي النظر له، تجيبه بصوتٍ خافت:

_ ميس قالت عيب ولد يقرب من بنت لو هو مش جوزها أو اخوها أو باباها أو جدها أو خالو...

ثم نظرت نحوه تستكمل بخجل:

_ وأنت مش دول يا عامر.

نظر لها قليلًا يرى خجلها منه الشديد، ثم ضيق عينيه قليلًا متسائلًا:

_ يعني مثلا مثلا هاه لو ينفع أمسك ايدك هتخليني امسكها.

فركت كفها بتوترٍ منه، تشعر بالكثير من المشاعر داخلها ولكن لا تفهم سرها، أجابته بعفوية:

_ أنا مبحبش حد يمسك ايدي أو يقرب ليا بس أنت عيب مينفعش.

اتسعت ابتسامة عامر من ردها وشعر بأنها لم ترفضه هو بل ترفض عدم احلال امساكها له، نهض من مكانها يشير لها أن تنهض، يسحب تلك السماعات التي تضعها على أذنها ثم تقدم ليضعها لها دون لمس قائلًا قبل أن يغطي أذنها كاملة:

_ هنخليها مش عيب يا قلب عامر بس الصبر نخلص من السنة المعتقل دي.

أكمل وضع السماعة أسفل تحاشي ملك للنظر له، تسير معه بصمتٍ دون التعليق بكلمة، بينما تحرك عامر معها وعقله لا يفعل شيء سوى التفكير بملك وعدم رفضها له.

************

وصل كلًا من غفران وفاطمة إلى الأرض زراعية بعيدة نسبيًا عن المنزل، يداهمه التعجب من حالة فاطمة الشاردة، تقدم من شجرة توت ضخمة ثم وضع حقيبة التي حملها ينحني قليلًا ليفتح سحابة الحقيبة ويخرج منها تلك القطعة من القماش الكبيرة ليفردها على الأرض، تعجبت فاطمة مما يفعله ولكنها تقدمت منه لتساعده بفرد القماشة ثم قال بهدوءٍ:

_ يلا أقعدي وبصي على الغروب يا فاطمة ريحي اعصابك شوية.

حدقت به قليلًا ثم زفرت بتعبٍ من كثرة التفكير ونقلت بصرها لأشعة مزدوجة اللون بين الأحمر والبرتقالي غطت الأرض والزرع تعطي لون مميز لهذا المنظر الخلاب، وغرقت بهذا الشكل ولكن لم تندمج سريعًا بعدما وضع غفران كتاب مغلف أمامها، نظرت له قليلًا بدهشةٍ، بينما ردد هو ببعض الحرج لأول مرة يفعل هذا مع فتاة:

_ يعني كان عليا كتاب ليكي وكان لزما أرد الدين دا وأنا مبحبش أبقى مديون فجبتهولك.

ضحكت بخفوت على طريقته ثم أخذت الكتاب تزيل عنه هذا الغطاء الخاص بالهدية، اتسعت عينيها سعادة ما أن رأت نفس الكتاب الذي مزقه غفران بالمرة السابقة، نظرت له بسعادةٍ ترسل له امتنانها له بينما قال هو يشير نحو الكتاب:

_ افتحي أول صفحة يا فاطمة.

نظرت له بجانب عينيها مصحوبة ببسمة صغيرة تعطيه رسالة صغير ( ما المفاجأة التالية) أشار بعينيه نحو الكتاب لتمد كفها تفتح الصفحة الأولى وسرعان ما اتسعت عينيها سعادة من رؤية اهداء خاص لها من الكاتب أدهم الشرقاوي شعرت بنوعٍ من البهجة، نظرت له قليلًا ثم قالت بصوتٍ جاد ولكن عينيها تنطق فرحًا:

_ كده أنت ادتني هديتين واحدة الكتاب والتانية الإهداء ابقى فكرني بيها بقى عشان مبحبش ابقى مديونة برضو.

غمزت له بإحدى عينيها تبتسم له بسعادةٍ، بينما ضحك غفران على طريقتها وجلس جوارها على الأرض واضعًا عكازه جانبًا يمسك حقيبته ويخرج منها جهاز الحاسوب الخاص به ليبدأ بمشروعه الخاص بالزرع، بينما أمسكت فاطمة الكتاب تفتح صفحته بحبٍ تنظر للكتاب تارة ولغفران تارة أخرى ثم حركت رأسها برفضٍ لما قالته هناء هامسة بنفسها:

_ متخلهاش تضحك عليكي يا فاطمة غفران أكيد ليه اسبابه متحوليش تبوظي اللحظة دي.

****♡****

اندفعت نحو الأريكة بارهاقٍ واضح بدا ظاهرًا على معالمها، تضع الحقيبة جانبًا، تنظر نحو شقيقها بعبوسٍ مطالبة بالراحة:

_ هو مينفعش اخد يومين أجازة... الشغل يزهق أوي وأني أقرأ كل حرف قبل ما أمضي وافهمه والاجتماعات اللي احضرها دي صعبة يا خليل.

ضحك على عبوسها، يجلس إلى جوارها ممسكًا كفها بحبٍ أخوي يربت عليه بحنوٍ، مردفًا:

_ ما جه بفايدة اهوه وبقيتي سيدة أعمال على حق.

ضحكت بتعبٍ واضح عليها جعل خليل يشفق على حالها، ينظر لها بحزنٍ على ما وصلت له، ضغط على كفها برفقٍ لتفيق من شرودها الغارقة به بعدما اختتمت حديثه بالضحك، نظرت له بأعينٍ ذابلة كبتلات الورد الجافة، تبتسم بحزنٍ واضح قائلة:

_ البنات وحشوني أوي يا خليل... بس المرة دي مش حب مرضي دا مشاعر الأمومة اللي جوايا طالبة تشوفهم لو مرة واحدة اطمن عليهم... في حاجات عايزة تتصلح بيني وبينهم.

أشفق على حالها، وبادلها الابتسامة يردف بصوتٍ يتخلله الاشتياق:

_ والله يا ناهد وولادي وحشوني كمان... بس متقلقيش أنا متأكد من أن غفران وجبران وعامر هيقدروا يحموا البنات.

ما أن ذكر اسم غفران حتى تبدلت ملامحها لأخرى متوترة، تتحاشى النظر له، ولكن أجبرت ذاتها على أن تسأله لتطمئن قليلًا:

_ عايزة أسألك على حاجة بخصوص غفران... هو لو خبينا حاجة على غفران ممكن يحصل حاجة لو عرف؟

تعجب من سؤالها عن غفران بتلك الطريقة ليجيبها بأسفٍ:

_ قولي ممكن ميحصلش ايه... غفران سمه وناره اللي يخبي عليه ويعرف بالصدفة وقتها بس اللي هيقع تحت ايده هيموت.

انسحبت الدماء من وجهها وبهتت ملامحها، يقفز الرعب من عينيها بينما لاحظ نظراتها ليمسك كفها قائلًا بشك:

_ مالك يا ناهد كل ما تيجي سيرة غفران أو فاطمة وشك يقلب جامد؟

أغمضت عينيها بندمٍ على موافقتها لوالدها لهذا الأمر ولكن فتحتهما قائلة:

_ هقولك بس متقولش لبابا يا خليل.

نظر لها بعدم ارتياح، لتسترسل ناهد بخوفٍ:

_ من سنتين كده فاطمة قابلت زميل ليها وهو أعجب بيها واتقدملها هنا ووفقت عليه بس معملناش خطوبة عشان خطيبها يتيم الأب والأم بس في راجل رباه وهو توفى فلبسنا دهب بس ومحدش عرف بالموضوع غير صحابها وقولت مش مهم أعلن دلوقتي هعلن لما نكتب الكتاب بس...

صمتت قليلًا تشعر بالخوف مما ستقول، بينما نظر لها خليل بصدمةٍ يشعر بذهولٍ مما تفوهت به، يردف بلومٍ:

_ بقى بنتك اتخطبت ولا قولتيلي وكمان لما اتجوزت غفران محدش قال يا ناهد... دي اخرتها برضو

ابعدت عينيها عنه بينما استرسل خليل بحزنٍ من افعال شقيقته:

_ وخطيبها راح فين؟!

أدمعت حدقتيها بخوفٍ يزداد، ترتعش يديها بشدةٍ قائلة:

_ اتقتل!

اتسعت عين خليل بصدمة أكبر، لتسترسل ناهد برعشة في صوتها:

_ وفاطمة اللي قتلته!

انتفض خليل من مكانه بعد سماع تلك الجملة، بينما شهقت ناهد ببكاءٍ مرير على ما يمر به بناتها، هدر خليل بعصبية:

_ أنتِ بتستعطبي يا ناهد مين دي اللي قتلت! فاطمة! وإزاي أصلا بنتك متقبلة اللي عملته ومتحبستش؟

حاولت السيطرة على شهقاتها تنظر له بوجهٍ يشع بالحُمرة، متمتمة بصوتٍ شاحب:

_ الموضوع مش زي ما أنت فاهم..

صمتت لوقتٍ دون التفوه بكلمة أخرى صوت شهقاتها فقط الذي يعلو، بينما عاد خليل يجلس جوارها ينظر لها برجاءٍ قائلًا:

_ عشان خاطري يا ناهد قولي حصل ايه بظبط عقلي هينفجر من التفكير هي عملت كده إزاي؟

أجابته بصوتٍ مبحوح:

_ فاطمة كانت بتصالح خطيبها وطلبت أنه يقابلها في مطعم وهي بتسوق العربية معرفش حصل معها ايه... بس أحمد اتخبط بالعربية بتاعتها وفاطمة كانت كان مغمى عليها ولما راحوا المستشفى لقوا أحمد مات وفاطمة جالها انهيار عصبي ولما صحيت وافتكرت أحمد وهو غرقان في دمه وقعت من على السلم وفقدت الذاكرة وخرجت بكفالة ومتابعة مع دكتور نفسي عشان حالتها النفسية مش كويسة بس اتلغي الجزء اللي فيه أحمد من حياة فاطمة يجي من سنتين... فاطمة عايشة لحد دلوقتي في 2022 يا خليل.

كان يستمع لها بصمتٍ، لم يتحرك له جفن، يتأمل ملامحها الباهتة من الحزن، أغمض عينيه بقوةٍ لا يريد رؤية شيء أخرى يكفي تلك المصيبة، ولكن صوت ناهد المرتجف:

_ أنا عارفة انك هتشوفني كدابة ويمكن مشاركة في الجريمة دي بس صدقني يا خليل أنا مش كده.

فتح عينيه سريعًا يسحب شقيقته لأحضانه متمتمًا بحنوٍ:

_ قطع لسان اللي يقول عليكي كده يا ناهد... بس كان لزم أعرف من الأول بُعد المسافات بينا خلانا مش عارفين حتى أبسط الأموار عن بعض.

بكت ناهد داخل أحضان شقيقها، ولكن لم يكن بكاء عادي بل كانت تبكي من عاصفة مشاعر سلبية هاجمتها، ربت عليها بحنوٍ حتى بدأت تهدأ ثم ارتفع صوت خليل مجددًا:

_ المشكلة دلوقتي في غفران... هنقوله إزاي أن مراتك فاقدة الذاكرة ومتورطة في قتل خطيبها اللي ميعرفش برضو أنها كانت مخطوبة!

ابتعدت عن احضانه تنظر له بخوفٍ على ابنتها تردف بقلق:

_ هو غفران ممكن يعمل فيها حاجة؟

حرك خليل رأسه بنفيٍ يجيبها بقلقٍ مماثل:

_ الحاجة الوحيدة اللي هتخلي غفران ميعملش حاجة في فاطمة هو أنه يحبها من قلبه بجد يا أما فاطمة هتتأذي منه ومحدش هيعرف يلومه يا ناهد لأنكم السبب وخبيتوا عليه من الأول.

نظرت له بصدمةٍ ثم وضعت وجهها بين راحتي يدها تحركها برفضٍ قائلة بنحيب:

_ أنا عملت في بناتي ايه بس!

************

وصل جبران إلى المنزل يشعر بحماسٍ لرؤية يقين، يتقدم بخطواته نحو الباب ليدلف إلى المنزل، ثم نظر بالردهة فلم يجدها فظن أنها بالأعلى انطلق نحو الدرج ولكن اوقفه صوت أميرة الأتية من المطبخ وكأنها تنتظره فهي بكامل اناقتها ترتدي بنطال جينز وفوقه بلوزة من اللون الجنزاري وحجاب تضعه باهمالٍ، ثم تمتمت بمكرٍ بين يديها حامل معدني عليه اطباق للطعام المفضل له:

_ حمدلله على سلامتك يا جبران... أول لما عرفت من يقين أنك جاي حضرتلك أكل بتحبه عشان تاكله.

ابتسم جبران على مضض يجيبها ببسمةٍ باهتة:

_ الله يسلمك يا أميربس يقين أكيد برضو مستنياني.

تركها سريعًا يصعد للأعلى، بينما وضعت أميرة الطعام على الطاولة قائلة بمكرٍ:

_ هتنزلي يا جبران هتنزلي.

وصل جبران لغرفته فوجد يقين تجلس على الأريكة بمنامة ذات لون بيج عليه أحرف باللون البني، ترفع خصلات شعرها لأعلى، ابتسمت من حضوره قائلة:

_ أخيرًا جيت استنيتك كتير.

ابتسم لها جبران يضع حقيبته جانبًا ثم قال بصوتٍ متحمس من رؤية الطعام:

_ايوى بقى دا أنا جعان من الصبح.

ابتسمت له بينما انطلق جبران إلى المرحاض ليغسل كفه ثم عاد يجلس على الأريكة دون تبديل لملابسه وما كاد أن وضع لقمة بفمه حتى بصقها سريعًا تشمئز معالمه قائلًا بضيق:

_ ايه الطعم دا يا يقين؟

تعجبت من ردة فعله تنظر للطعام بحيرة ثم أمسكت بلقمة لتتناولها ولكنها لم تتحمل الطعام فكان مُرّ بطريقةٍ تثير الاشمئزاز، نظرت له بتوترٍ قائلة:

_ والله ما عارفة طعمه غير كده... إزاي أنا عملته حلو!

تغيّرت معالمه ينظر باتجاهها بعصبية، يردف بصوتٍ عالي قليلًا:

_ حلو ايه وزفت ايه؟

تضايقت من حديثه وصوته لتردف بضيق:

_ في ايه يا جبران لكل دا؟ اتكلم حلو شوية!

ارتفع ضغط دمه مثل البركان ليزمجر بعصبية:

_ هو أنتِ ليكِ عين تبجحي!

اتسعت عينيها من رده لترد بعصبية:

_ ايه ابجح دي؟ مكنتش غلطة يعني؟

ضحك ساخرًا على حديثها يردف بسخطٍ:

_ غلطة! لا ما هو باين من ساعة ما اتجوزنا واحنا مفيش في حياتنا غير الغلط... دا حتى ابسط حقوقي إنك تعملي أكل عدل مش عارفة تعمليها... أنا انزل لأميرة أكل أكلها.

نظرت له بصدمةٍ تسرعه نحوه لتمسك ذراعه قبل أن يغادر الغرفة قائلة:

_ لو خرجت ليها يا جبران صدقني في حاجات كتير هتتغيّر

نظر لها ببرودٍ ساخر ثم أزاح كفها يغادر الغرفة تاركًا إياها تنظر به بخذلان، ترتجف يداها من غصةٍ قبضت على صدرها.

************

تأملت صورته بألمٍ، تذرف الدموع بغزارة ولكنها ابتسمت فجأة بضحك وهي تنظر لتلك الآلة الحادة ( موس) تردف بسعادةٍ جنونية:

_ مش هسيبك يا أحمد سُهى هتجيلك يا حبيبي... خلاص محدش عايزني هنا فأنا هجيلك لأن دلوقتي أنت هتتقبل سُهى وهتحبها لأن مفيش غيرها عندك.

اختتمت حديثها وهي تغرس تلك الآلة بوريدها لتذبح يدها وتقطع وريدها بقوةٍ، اندفعت الدماء لتلوث الصورة وملابس سُهى التي أنّت بألم ولكن لا تزال دموعها تهطل وبسمتها موجودة، إلى أن شعرت بخمول يسير بجسدها ثم سحبة سوداء تغطي عينيها لتسحبها لعالمٍ أخر!

   الفصل التالى   

"اشتركوا على قناتنا على تليجرام أو قناة واتساب ليصلكم أحدث الفصول والتنبيهات فور نشرها"

واتسابتليجرام
admin
admin
تعليقات