الفصل الخامس عشر من رواية "وبالحب اهتديت" بقلم سلمى خالد.
وبالحب اهتديت الحلقة الخامسة عشر
وبالحُبِ اهتديت
«هُدايا وهُداكِ وبينهما العشق»
سلمى خالد إبراهيم
استغفر الله العظيم وأتوب إليه 3 مرات
حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 7مرات
( قولهم مش هياخدوا وقت يا سكاكر♡)
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الخامس عشر
(خذلان)
تحولت لزهرة نبُتت من حب صغير... اهتمام كبير... وحنان ناعمة ولكن ذبلتُ عندما سُقيت الخذلان والألم فأعود أدراجي لما كنت عليه ولكن بندبةٍ لم تبرأ وقلب يحارب لأجل الوصل إلى الأمان الذي ضاع مجددًا بعد وُجِدَ بصعوبة.
نظرت للطعام الموضع على حامل معندي تمسكه بكفيها بحزنٍ يداهمها كلما تذكرت حال ابنتها الوحيدة، تنهدت بتعبٍ ثم تحركت نحو غرفتها تطرق الباب عدة مرات، ولكن لم تجد منها أي استجابة تعجبت من عدم ردها لتسرع بامسك مقبض الباب وما أن دلفت تبحث بعينيها عنها حتى تحولت معالمها المتعجبة من الاختفاء إلى أخرى مذعورة، سقط الحامل المعدني من يدها تصرخ بكامل قوتها، تتجه نحو ابنتها التي تحضن صورة أحمد ويدها النازفة عليها لتتلوث الصورة من أثر دماؤها.
أمسكت بهاتف ابنتها الموضوع على الكومدينو ثم اتصلت على زوجها بيدٍ مرتعشة حتى آتاها اجابته لتردف بشهقات متتالية:
-ألحقني يا كامل سُهى انتحرت!
************
وقفت بالشرفة تستند بيدها على أسوارها، تسيل دموعها بغزارةٍ بعد شجارهما الغريب وتركه للغرفة، ازدادت قبضتها على الأسوار إلى أن أن كاد جلدها أن يتمزق من شدة ضغطها عليه، تزداد شهقاتها بقوةٍ، لا تعلم من أين شعرت بغصة الألم بقلبها ولكنها خارت قوتها تجلس على أرض الشرفة تضع يدها على صدرها تجهش ببكاءٍ حاد متمتمة:
- ليه يا جبران تعمل كده... ليه كل ما أحاول اعترف بحبي ليك ترجعني مليون خطوة لورا... ليه تضيع الأمان اللي أول مرة أحسه بحياتي معاك.
ظلت على حالها لوقتٍ طويل لا تشعر سوى بنبضات قلبها التي تطرق ألمًا بصدرها، تحملت على نفسها ثم نهضت تسير نحو الخزانة ترتدي ما يتناسب مع مغادرتها للغرفة، ثم توجهت نحو الباب تسير نحو الأسفل، لا تعلم كيف حملتها قدماها إلى الحديقة المرفقة للمنزل، جلست أسفل الشجرة التي اعتادت الجلوس معها لتشهد عن خذلان جديد ولكن ذو طابع قاسي، ازدادت برودة الجو فكان شهر ديسمبر أكثر الشهور صعوبة في الشتاء هذا العام، لم تضم جسدها لتدفئه بل تركت تلك البرودة تسير بداخلها لعلها تبرد نيران الألم المشتعلة داخلها.
*********
مد كفه بسُترة ثقيلة تدفئ الجسد بهذا الشهر البارد، يعلو ثغره بسمة صغيرة ظاهرها حنو ولكن باطنها خبث كبير، رفعت بصرها لمن يعطيها السترة، للحظة تمنت لو كان جبران ولكن تألم قلبها من انطفاء الأمل بعدما وجدت نادر من يقف أمامها.
أدارت وجهها للجانب الأخر تخفي دموعها من مسقط عينيه عليها، بينما ردد نادر بحنوٍ زائف:
- خدي دي يا يقين عشان هتبردي كده.
:_ شكرًا مش عايزة.
لم ترغب بأخذ شيء منه، أصبحت تنفر الجميع الآن، ولكن بدأ نادر بهندمة السترة ورفعها ووضعها على كتفها لتنتفض يقين بخوفٍ من حركته تنظر لنظراته المتعجبة منها ويده التي تشير لها بأن تهدأ تلتقط أذنها كلماته الهادئة:
_ أهدي أهدي أنا بس كنت عايز اساعدك عشان الجو صعب النهاردة ومفيش بنت تتحمله.
لم تشعر بالراحة كل ما كانت توده هو الفرار من أمامه، تحركت بعيدًا تنزع عنها سترته تضعها على أول مقعد قابلها بالردهة، ثم صعدت نحو الأعلى أسفل نظراته الماكرة ليهمهم بخبث:
_ معلش الحلو محتاج تاكة عشان يقع تحت ايدي.
***********
بـ 6 صباحًا...
صعد الدرج بجسدٍ منهك أثر مبيته في السيارة ليلة أمس، يفكر بما فعله مع يقين يرى أنها خاطئة بردها عليه ولكن ردة فعله كانت أقوى، دلف للغرفة بهدوءٍ يبحث عنها بعينيه فلم يجدها بها، تعجب قليلًا وانطلق إلى المرحاض المرفق بالغرفة فلم يجدها، ألقى نظرة عابرة بالشرفة ولكن بلا فائدة، تمكن منه الضيق ما أن تركت الغرفة وقرر الذهاب إلى عامر فهي تحب الجلوس معه وبالفعل انطلق نحو غرفته يطرق على الباب بعصبيةٍ واضحة، فتح عامر الباب ينظر إلى جبران بدهشة قائلًا:
_ اتمنى يكون سبب مقنع لخبطتك اللي زي أمن الدولة دي.
تهجمت معالمه بغضبٍ واضح، يردف بكلماتٍ مشتعلة من العصبية:
_ يقين عندك!
قطب عامر جبينه بتعجب، يجيبه:
_ وايه اللي هيجيبها عندي!
تحولت معالم الغضب إلى أخرى مصدومة يردف بنبرة تحمل بعض القلق:
_ يعني مقعدتش معاك من امبارح بليل ولا راحت لفاطمة؟
نفى برأسه ما سأله، يجيبه بحيرة:
_ لاء يقين فضلت كتير في المطبخ بتحضر الغدا من وقت ما رنيت وبعدها لما لقت الساعة قربت طلعت تقريبا تبدل الهدوم ورجعت تاني خدت الأكل وطلعته فوق ومظهرتش من تاني وغفران وفاطمة رجعوا ناموا علطول متجمعناش خالص امبارح.
ثم أضاف بشكٍ:
_ هو أنت اتخانقت معاها إمبارح؟
زاغ ببصره بعيدًا، يشعر بالقلق عليها، ليعيد عامر سؤاله بإصرار:
_ أنتم اتخانقتوا إمبارح يا جبران؟
زفر جبران بضيقٍ ثم سرد لشقيقه ما حدث معه لتتسع عين عامر بصدمةٍ من ردة فعل جبران، نظر له بعتابٍ مردفًا:
_ مش هقول إني أصغر منك يا جبران والمفروض أن دي نصيحة منك ليا بس اللي عملته غلط وكل الغلط عليك.
نظر له بحنقٍ يردف بتبرير:
_ بقولك إيه أنا مغلطتش... راجع جعان ومرضتش اتغدا مع جدي عشان أكل معاها تقوم عاملة أكل زي كده! دا مكنش يتحط في البوق.
حرك عامر رأسه بيأسٍ ثم قال:
_ حتى لو مكنش المفروض تقولها كده... يقين كانت واقفة بتعملك أكل من بدري وريحته كانت جميلة مفهوش حاجة على فكرة معرفش إزاي الأكل مش حلو وكمان تقدير لوقفتها وتعبها كنت قولتلها يسلم تعبك بس مش قادر أكل وكنت روحت في أي حتة كلت ورجعت أو عزمتها على أكل أو عرفتها بشكل تاني إن الأكل فيه مشكلة ما عشان تاخد بالها المرة الجاية وتعدله وكمان الكل عارف في البيت برجوعك ليه محطتش احتمال أن حد من الحنش اللي هنا عمل حاجة في الأكل ولاسيما أنها سبته في المطبخ.
تخلل لقلبه بعض الندم من أن يصبح حديثه صحيح، ليسترسل عامر بنبرة ساخرة:
_ خلي بالك من مراتك يا جبران العين عليها جامد لو قسيت هتسيبك علطول.
شعر بوجود خطبٍ ما، وأن عامر يعلم ما لم يعلمه، نظر له بتدقيق ليفهم تلك الشفرة التي يتحدث بها ولكن أفاقه عامر سريعًا:
_ تعالى ندور عليها يلا.
انتبه للوضع الذي به وقرر أن يسأل لاحقًا، تحرك مع عامر ليبحثان عنها وبالفعل بحثوا بكل ركن بالمنزل ولم يجدوها، لينظر له عامر مجددًا بحيرة:
_ أنت دورت عليها في اوضتكم كويس!
اومأ جبران برأسه وقد بدأ ينهش قلبه القلق، يحاول التفكير أين يمكن أن تذهب، تحرك جبران نحو الأعلى يستغل نوم الجميع، يدلف لغرفته مجددًا ينادي باسمها بقلقٍ واضح:
_ يقين أنتِ هنا؟
لم يجد استجابة، الفراغ فقط ما يسود الغرفة، رفع بصره للأعلى ينظر للسماء بقلبٍ ينبض خوفًا:
_ يارب أنا عارف إني قسيت في رد فعلي بس مقصدش عقلي مكنش فيا وقتها.
اختنقت الكلمات بحلقه وشعر بغصةٍ تؤلمه عندما أتى بعقله اختفائها وتركها له إلى الأبد، أصبحت جزءًا لا يتجزأ عن يومه، نهض ليغادر الغرفة ويذهب مع عامر إلى خارج يبحث عنها ولكن صوت أنينها باسمه بألمٍ واضح من خلفه، استدار ينظر سريعًا بأملٍ فلم يجد شيء، زفر مختنقًا من أن تكون تهيؤات فعاد ليغادر ولكن عاد أنينها مجددًا يردد اسمه، استدار مجددًا يتحرك نحو الشرفة ليرى إذا كان الصوت حقيقي أم لا؟، دلف للداخل ولكن لم يجد شيءٍ أيضًا.
زفر باختناقٍ متمتمًا:
_ روحتي فين يا يقين بقيت بسمع صوتك وأنتِ مش موجودة.
استدار عائدًا إلى الداخل ولكن قبل أن يتحرك رأى يد خلف الأريكة الموضوعة بجانب الشرفة، تحرك سريعًا نحو الأريكة لـ تتسع عينيه بصدمةٍ من رؤيتها ملقاه على الأرض، تتلون وجنتيها بحُمرة قانيةٍ وجسدها يرتعش من البرد.
أسرع نحوها يحملها على ذراعيه ولكن تأوهت بشدةٍ وكأنه قام بصفعها وليس حملها برفقٍ شعر جبران بانفطار قلبه من صوتها ولكن لابد من أن يتحرك بها، فكلما تحرك خطوة أنّت بألمٍ واضح، وضعها أخيرًا على الفراش ثم ما كاد أن ينزع حجابها حتى طرق عامر الغرفة يقف بالخارج كي لا يستثار جبران قائلًا من خلفه دون أن يزيح الباب:
_ ايه يا جبران كل دا عشان تيجي!
انتبه جبران لصوته وردد بقلقٍ:
_ أنا لقيتها يا عامر بس مغمى عليها شكلها وقفت في البرد امبارح في البلكونة ومش قادرة تتحمل حركة واحدة... فرفعتها بالعافية للسرير.
اتسعت عيني عامر يزيح الباب قليلًا، ليجده يجلس جوارها ولكن ملامحه مختنقة كطفل صغير لا يعلم ماذا يفعل، هتف عامر بهدوءٍ:
_ لزما تجيب دكتور يا جبران لو سبتها كده هتتعب.
صمت جبران فهو بين نارين إما أن يدع ذلك الطبيب يدلف لغرفته ويقاوم ذلك الوسواس القهري بألا يدلف أحد غرفته أو يترك يقين بتلك الحالة، ارتفع صوت عامر مجددًا برجاء:
_ جبران انت شايفها بتترعش ووشها دبلان إزاي مش هينفع تـ...
_ هات الدكتور يا عامر.
اتسعت ابتسامة عامر من موافقة جبران له يتحرك سريعًا لإحضار طبيب جار لهم، في حين تأمل جبران ملامحها الباهتة ليجدها تجاهد فتح عينيها، تنظر له دون وعي متمتمة بهمسٍ متألم:
_أنا مـ... موجوعة يا جبران.
همسها المتألم قبض قلبه بقسوةٍ، مسح على وجنتها الساخنة متمتمًا بحنانٍ بالغ:
_ حقك عليا يا حبيبة جبران... هجبلك دكتور يا يقين خلاص بس استحملي معايا.
ابتسمت بوهنٍ ثم رددت بضعفٍ كشحوب الأموات:
_ طب وو... وجع قـ.. قلبي مش هتعالجه!
تأملها بندمٍ ممزوج بحزنٍ واضح وشعر بالخزى مما فعله معها، أيقن معنى أن يخبرنا الرسول بأن النساء كالقارورة ولابد من معاملتها برفق، مسح على وجهها ثم قبّل جبينها قائلًا بهمس نادم:
_ هعمل المستحيل بس أشيل وجع قلبك يا حبيبة جبران.
*********
نظر للحقائب الموجودة بين يديه بسعادةٍ أنه استطاع شراء الاغراض المنزلية بمفرده، يتحرك بطريقٍ طويل الذي سيؤدي بالنهاية للشقة التي يقطن بها، ولكن ظهرت فتاة من الشارع جانبي اصطدمت بعاصم ليسقط الأثنان سويًا على الأرض فوق حقائب الخضروات التي احضرها، تأوه عاصم بألمٍ ثم نظر للحقائب أسفل تلك الفتاة ولما حدث للخضروات، فاشتغلت عينيه بعصبية بعدما انتهت فرحته بضياع ما اشتراه من تلك الفتاة التي تحمل وجه خمري، شفتيها الصغيرتين ولكن كانتا باهتتان للغاية، وعينيان كحلاء بشكلٍ مميز ولكن تغرقها الدموع وبعض العلامات أثر ضرب عنيف تلقته ولكن لم يلاحظها لفرط عصبيته ، زمجرها بغضب:
_ أنتِ عامية يا بت أنتِ؟
انتفضت تلك الفتاة سريعًا كمن لدغها عقرب، تفر هاربة سريعًا وكأن هاربة من شيءٍ ما، بينما تعجب عاصم من حركتها وشعر بأن خلفها شيئًا ما حدسه يخبره بذلك، زفر مختنقًا مما حدث يردف بضيقٍ:
_ اصطبحنا اهوه.
عاد يجمع الخضروات بالحقيبة مجددًا ثم تحرك عائدًا إلى المنزل، ولكنه نظر إلى حيث ركضت تلك الفتاة وعاد إلى المنزل مجددًا.
**********
:_ يعني ايه هربت؟ اختك هتفضحنا يا حسين لزمًا تخلص عليها وإلا فضحتنا هتبقى بجلاجل وسط الخلق.
قالتها والدته بأعينٍ قاسية لا تمس للأمومة بصلة، بينما بادلها حسين تلك النظرة بل أشد قسوة يردف بصوتٍ جاد:
_ هجيبها ياما بس صبرك عليا أول لما تقع تحت ايدي هشرب من دمها اللي جبتلنا العار.
نهض من مكانه يحمل هاتفه يتصل بأحدهم قائلًا بنبرة جامدة:
_ تجيلي حالًا ومش عايز مخلوق يعرف باللي وتين عملته... عشان لما تموت نقول ماتت في حادثة... سلام.
أغلق سريعًا ثم نظر لوالدته التي أشارت له بأن ينطلق في الشروع بقتل شقيقته دون أن يظهر بداخلها أي مشاعر للخوف على فلذ كبدها.
********
_ يا أستاذ جبران إزاي اكشف وأنا واقف على الباب كده لا حضرتك راضي تدخلني ولا عايز تخرجها.
زفر جبران بضيقٍ من ذلك الطبيب الذي يرغب بدلوف لغرفته، لم يستطع السيطرة على غضبه بعدما آتى وقرر أن يخطو بقدمه للداخل، في حين مسح عامر على وجهه بنفذ صبر مما يفعله جبران ليردف بضيقٍ:
_ جبـــــران يقين تعبانة كده وأنت بقالك ربع ساعة بتناهد الدكتور سيبه يكشف.
كاد أن يرد بعدما تمكن منه الغضب ولكن صوتها يتأوه جواره انتشله من تلك الحالة ليجعله ينظر لها بقلقٍ عليها، قبض على كفه بطريقةٍ مخيفة يحاول منع نفسه بصعوبةٍ من قتل الطبيب، ليردف بصوتٍ مختنق وقد بدأت معالمه بتحول:
_ خمس دقايق يا عامر وإلا هفقد السيطرة على نفسي ووقتها الله يرحمه الدكتور.
ازدرد الطبيب لعابه من نظرات جبران المخيفة، بروز عروق وجهه ورقبته، يديه التي تنقبض على نفسها بطريقة مخيفة، ولكن دفعه عامر سريعًا بفزعٍ بعدما استدار جبران يوليهم ظهره ليبدأ الطبيب بالكشف عليها بتوترٍ بالغ حتى انتهى سريعًا وبدأ بكتبت الدواء ولكن يديه المرتعشة لم تستطع فهتف بخوفٍ جامعًا اشياؤه قبل أن تنتهي الخمس دقائق:
_ هبعتلك الدوا مع حد من الصيدلية ولزمًا تاخد حمام سخن يفك عضم جسمها، وهتعوز كمدات عشان حرارتها هتعلا بليل وتتغطى كويس أوي وتشرب حاجات دافية زي ينسون ونعناع وحلبة.
_ اطلع دلوقتي.
كلمتان ولكن كانتا بمثابة إشارة لحالة الاعصار التي كادت أن تهب بالغرفة، ركض كلًا من عامر والطبيب للخارج بينما استدار جبران ينظر لهما بعيني حمروتان بشدة، أنفاسه المتهدجة من أثر انفعال شديد، ولكن اختفائهما جعلاه يهدأ قليلًا يحاول السيطرة على نفسه سريعًا ليساعد تلك طريحة الفراش، وبالفعل تحرك نحوها بعدما ارتفع صوتها بأنينٍ متألم، يحملها برفقٍ ولكن لم يجد نفعًا فأخذت تتأوه بشدةٍ كي يتركها، ولكن هتف جبران بصوتٍ مبحوح:
_ عشان خاطري استحملي بس شوية.
تحرك بها نحو المرحاض يضعها داخل البانيو برفقٍ يبدأ بنزع حجابها ثم عبائتها برفقٍ وسط رعشتها من البرد وأنينها المتألم، نهض من مكانه ينطلق نحو الباب الغرفة ليغلق جيدًا ثم عاد ليقين مجددًا وبدأ بمساعدتها في ازاحت ملابسها كي تدفئ جسدها ونزع منه ذلك الألم وبالفعل بدأ ألم جسدها بتزحزح، ليهتف جبران متحاشيًا النظر لها فهو يعلم ما الذي ستفعله أن علمت بما فعله:
_ خلاص يا يقين ولا لسه.
همهمت بتعبٍ دون وعي، فسيطرة الألم عليها جعلها لا تشعر بشيء، مد يده بالمنشفاة ليغطي جسدها سريعًا ثم حملها مجددًا ولكن تلك المرة لم تأن بشدة كما كانت، وضعها على الفراش وأبدل المنشفة بملابس دافئة ودثرها أسفل الفراش جيدًا، ولكن استمع لصوت الباب يطرق مجددًا نهض من مكانه يتحرك نحو الباب وما أن فتحه حتى رأى عامر يحمل كيس الدواء قائلًا بتعجب بعدما رأى ملابسه ووجه المبتل:
_ الدوا أهوه وهخلي فاطمة تعمل شوربة خضار ليها.
أومأ برأسه بصمتٍ، ثم تحرك للداخل مجددًا يضع علب الدواء جانبًا يقرأ بورقةٍ ما هي تلك المواعيد وفرأى واحدة منها لابد من أخذها قبل الطعام، نهض يحمل كوب الماء وأمسك بحبة الدواء بعدما افرغها من الشريط وهمس بحنو:
_ يقين... اصحي يا حبيبتي عشان تاخدي الدوا.
حركها برفقٍ شديد، لتفتح عينيها بإعياء قائلة:
_ م...مش قـ قادرة.
وضع يده أسفل رأسها يتخلل أصابعه بخصلات شعرها المبتلة ثم رفعها رأسها برفقٍ ليساعدها على أخذ الحبة قائلًا بحنان دافئ:
_معلش يا حبيبتي عشان تخفي علطول.
أبتلعت تلك الحبة ومن خلفها ارتشفت بعض للماء ثم أعادها جبران مجددًا على الوسادة، وتحرك ليبدل ملابسه كي يستطيع الجلوس معها دون أن يضرها.
***********
طرق الباب بخفةٍ عدة مرات، ينتظر خروج فاطمة من الغرفة ولكن تفاجأ بوقوف غفران أمامه، نظر له متعجبًا يردف:
_ في حاجة يا عامر؟
زفر عامر ببعض الارهاق متمتمًا:
_ لو ينفع فاطمة تنزل تعمل شوربة خضار ليقين عشان عندها برد ومحدش في البيت هيعرف يعملها.
أومأ غفران بايجابية ثم تسأل باستفسار:
_ طب جبتولها دكتور؟
أشار عامر بنعم ثم غادر ليتحرك نحو غرفته ويعود لمذاكرته، بينما أغلق غفران الباب خلفه، ثم وقف بالقرب من الأريكة حيث تجلس فاطمة تندمج بقرأتها مع الكتاب، ليردف بهدوءٍ:
_ عامر جه وبيقول لو تقدري تعمل شوربة خضار ليقين عشان عندها برد.
انتفضت فاطمة من سماع اسم شقيقتها تنظر له بخوفٍ عليها قائلة:
_ كانت كويسة امبارح؟ برد ايه اللي يجيلها؟
ربت غفران على كتفها برفقٍ مردفًا:
_ طبيعي يجيلها برد احنا في شتا وممكن تكون وقفت في البلكونة امبارح وخدت برد اعمللها بس شوربة الخضار وعامر قالي جبولها دكتور يعني مفيش حاجة كبيرة.
زفرت فاطمة ببعض الراحة ثم تحركت تضع حجاب هذا الـ ( الاسدال) على رأسها وهبطت إلى الأسفل كي تعد ما تتناوله شقيقتها أسفل عينين تودان أن تطلق سهامًا لتقتلها.
***********
_ طمني يا دكتور بنتي عاملة ايه؟
قالتها بنبرةٍ تحمل شهقات عنيفة أثر بكائها، ليجيبها الطبيب بهدوءٍ:
_ نزفت كتير أوي لكن الحمدلله عوضنا الدم وهتتنقل أوضة عادية لكن دي حالة انتحار يا مدام ولزما ابلغ.
اتسعت عينيها بخوفٍ شديد على ابنتها لتنظر إلى زوجها الذي ابتسم بهدوءٍ مرددًا بعملية:
_فاضي اكلمك يا دكتور في كلمة.
أومأ برأسه يسير مع كامل إلى غرفته ولكن توقف الطبيب فجأة ينظر بذهولٍ نحو كامل ولكن ربت كامل على كتفه يبتسم له بخبثٍ حتى أومأ الطبيب يبادله الابتسام ثم غادروا إلى مكتبه، بينما سارت منيرة نحو الغرفة التي ستنقل بها ابنتها تاركة زوجها ليتصرف بتلك المشكلة.
**********
ابتسم بهدوءٍ ما أن رأى خليل أمامه، ترك الباب ثم عاد للداخل يردف بسخرية:
_ لحقت قالتلك! وسبتها لوحدها كمان يا فرحتي بيكم!
نظر خليل بعتابٍ إلى والده ثم قال:
_ حضرتك عارف أن ناهد بقت أفضل من الأول واتحسنت واشتغلت على نفسها لحد ما اتغيرت بجد وتقدر تقعد لوحدها وتشيل شغل لوحدها بس ليه مقولتليش من الأول يا بابا... حضرتك عارف لو غفران عرف بأن فاطمة كانت مخطوبة وهي اللي قتلت خطيبها هيحصل إيه!
جلس على الأرض ينظر إلى خليل بهدوءٍ محمل بغموض مجيبًا:
_ متفكرش فيها كتير وسبني اتصرف أنا يا خليل...
ثم أضاف ساخرًا:
_ اعتقد لما سبتكم تتصرفوا ضيعتوا احفادي كلهم.
زفر خليل بضيقٍ من طريقة والده ولم ينطق بكلمة، فيكفي اختتمه بتذكيره لما يحدث مع ابنائهم ولم يستطيعوا أن يحلوا الأمر.
**********
طرقت الباب بحذرٍ كي لا يسقط منها الحامل، تنتظر أن يفتح لها جبران وبالفعل كانت ثوانٍ معدودة حتى فتح يبتسم بهدوءٍ لها قائلًا:
_ معلش تعبناكِ.
نفت برأسها سريعًا مرددة:
_ لا طبعًا دي أختي ربنا يقومها بالسلامة... لما تقوم بقى هبقى أشوفها.
نظر لها بامتنان لاحترامها عادته وعدم سيطرته على اعصابه من دلوف أحد غيره إلى الغرفة، فأغلق الباب وتقدم بالحامل نحو يقين ثم جلس جوارها وهمس بحنوٍ ملامسٍ وجنتها:
_ يقين يلا قومي عشان تاكل وتاخدي العلاج.
همهمت بتعبٍ واضح، فمد جبران ذراعيه ويرفعها كما يُرفَع الرضيع عن فراشه، أنّت يقين بألمٍ ولكن هدأت عندما تركها جبران وحمل طبق الشوربة وبدأ بطعمها وسط سقوطها في غفوات سريعة من الإرهاق، وما أن شعر جبران بعدم مقدرتها على الاكمال قام بعطائها الدواء ثم دثرها أسفل غطاء ثقيل وجلس جوارها يضع يده على وجنتها وجبينها من حين لأخر ليطمئن بأنها بخير ولم ترتفع حرارتها.
***********
أغلق غفران هاتفه يبتسم ببعض السعادة، في حين دلفت فاطمة تنزع عنها حجابها فهتف غفران بتساؤل:
_ عملتي الشوربة؟
أومأت برأسها تجيب:
_ أيوة اديته لجبران وسبته معها عشان لو طلبت ادخل هتقوم عركة.
ضحك غفران على حديثها، ولم ينفِ ذلك لعلمه بما يفعله جبران، ولكن ردد بسعادةٍ بالغة:
_ عاصم صاحبي جاي بكرة بليل كده عشان يبارك لينا على الجواز.
لاحظت نظرات السعادة المكنونة بحدقتي غفران، لتبتسم له بودٍ قائلة:
_ طب خليه يجي على الغدا وياكل معانا كلنا.
استحسن الفكرة وأومأ لرأسه مردفًا:
_ خلاص هقوله يجي بكرة.
***********
دلفت الغرفة تنظر لشقيقتها بسخطٍ بعدما رأت تهجم معالمها، تغمغم بسخرية:
_ لسه قالبة وشك!
حدقت بها في غضبٍ، تنتفض من الفراش وبراكين الغضب تنفجر من عينيها قائلة:
_ عايزاني اعمل ايه! روحت بوظت الأكل وطلبت دليفري عشان جبران ياكل معايا وفي النهاية سابني وخرج ومعبرنيش.
حدقت بوجهها المنفعل ثم قالت بخبثٍ:
_ اتقلي بس شوية وهنلاقي حل بس الصبر...
نظرت لها أميرة بتعجبٍ وشعرت بأن شقيقتها تضمر شيء ما، في حين أكملت هناء بمكرٍ:
_ دا الصبر مفتاح الفرج ولا إيه!
حركت رأسها توافق شقيقتها فيما تقوله، ثم قررت الانتظار لتعلم ما الذي ستفعله بعائلة آل جبران.
********
وقف عامر أمام المرآة يهندم ملابسه ليغادر إلى مراجعة خاص بالنصف الأول من العام الدراسي الذي يقوم به المعلمون ويحاكون امتحانات نصف العام حتى يستطيع الطلاب الاحتفاظ بالمعلومات لوقتٍ طويل، استدار ليرتدي حذاؤه ثم حمل حقيبته وما أن فتح الباب حتى وجد ملك تقف أمامه تنظر للأسف وبيدها سندوتش، تعجب من رؤيتها هكذا ليردد بقلق:
_ أنتِ كويسة يا ملك؟ محتاجة حاجة؟
استمعت لصوته القلق عليها ولكن لم تستجيب له، ليعود عامر بسؤالها مجددًا فحركت رأسها بنفيٍ تتحرك بعيدًا ولكن تقدم عامر منها سريعًا حتى اعترض طريقها هامسًا بحنو:
_ قوليلي عايزة حاجة طيب؟
صمتت ولم تجب عليه، ليزفر عامر بحيرةٍ قائلًا:
_ طب تعالي عشان اوديكي اوضتك لأني خارج لمراجعة.
بتلك اللحظة رفعت ملك بصرها نحو مرددة:
_ بس أنت مكلتش!
رمش بأهدابه عدة مرات من ملاحظتها لعدم تناوله لشيء منذ الصبح، ولكن ما زاد دهشتها وسعادته معًا قولها وهي تمد كفها:
_ أنا بعرف احط الجبنة على العيش وعملت السندوتش دا ليك.
نظر ليدها التي تمسك السندوتش ثم تناولها عنها يبتسم بسعادةٍ قائلًا:
_ دا أحلى سندوتش جبنة في حياتي.
خجلت نظراتها بعدما استمعت لكلماته، ثم تراجعت للخلف كي تعود لغرفتها، بينما نظر لها عامر ثم قرر تناول السندوتش رغم عدم رغبته بتناول شيء.
*************
انقضت تلك الليلة بصعوبة على جبران بعدما ارتفعت درجة حرارة يقين ولكن استطاع السيطرة عليها بعدما قام بالكمدات واعطائها الدواء.
فتحت أهدابها بكسلٍ، تنظر لضوء الشمس الذي يغرق الغرفة، نظرت جوارها فوجدت جبران يغفو بعمقٍ، قطبت جبينها بتذكر ما حدث، فكانت تقف بالشرفة ثم شعرت بدوارٍ حاد يفتك برأسها، وألم عنيف ينتشر بأنحاء جسدها، ومن ثم لم تر شيء بعدها.
ضيقت عينيها قليلًا لتعلم أ ما فعله جبران معها حقيقي أم كان أوهام هل حملها ووضعها في الفراش، ثم اتسعت عينيها عندما تذكرت مساعدته لها في الاستحمام نفضت سريعًا تلك الأوهام قائلة برجاءٍ:
_ يارب تطلع أوهام.
نظرت له ثم حركته برفق متمتمة بصوتٍ مبحوح أثر استيقاظها:
_ جبران!
انتفض جبران من مكانه ينظر لها بقلقٍ، يضع يده على جبينها ليتأكد من حرارة جسدها ولكن كانت بصحة جيدة، فزفر براحةٍ ثم قال:
_ بقيتي أحسن؟
نظرت له قليلًا ثم قالت:
_ هو حصل إيه؟
تناهد جبران ببعض الارهاق الظاهر، ثم اجابها:
_ اغمى عليكي في البلكونة وجبت دكتور عشان يكشف عليكي لأنك كنت بتتوجعي من أي حركة وبعدها مشي وعامر جاب العلاج واختك فاطمة عملت شوربة عشان تاكليها.
ضيقت عينيها قليلًا متسائلة:
_ بس مفيش حاجة تاني؟
قرر جبران حذف هذا الجزء الخاص بأخذها لحمام ماء دافئ، ليردف بهدوء:
_ آه وحرارتك عليت فعملت كمدات.
زفرت يقين براحةٍ وهي تريح ظهرها للخلف ولكن ما هي إلا دقائق حتى انتفضت تصرخ، تنظر لجبران بوجهٍ يشع حُمرة أثر خجلها، تردد بحدة:
_ الهدوم دي لبستها إزاي؟
لم يجد جبران محل من الكذب، وخاصة اعجابه بحُمرة وجنتيها ليردف بمكر:
_ هدومك كانت مبلولة جبت طقم مكانه وساعدتك تلبسي.
شهقت بخجلٍ مما تفوه به، تدمع عينيها من الحرج، بينما ضحك جبران عليها بشدة بعدما أخفت وجهها بالغطاء، ليردد ببضع كلمات كي يخفف خجلها:
_ متخفيش مشوفتش حاجة كنت مغمض.
_ بجد!
كبح ضحكته بصعوية يجيبها بجدية:
_ آه عيب عليكِ أنتِ بس كنت عايزة مساعدة لكن عملتي كل حاجة.
لم تخرج رأسها بل ظلت على وضعها، بينما نهض جبران من جوارها ينظر للساعة فوجدها الثانية عشر ظهرًا، أمسك بحبة الدواء ثم قال:
_ خدي الدوا دا على ما اجيب الأكل واجي.
مدت يدها من أسفل الغطاء وأخذت الحبة بينما تحرك جبران لخارج الغرفة ليحضر لها بعض الطعام.
*************
صرخة عالية صدرت منها بعدما تلقت صفعات قاسية من شقيقها، تنظر له برعبٍ واضح، وجهها الذي ينزف الدماء بعدما تلقت ضرب بطريقة وحشية منه، حدجها حسين بنظراتٍ مليئة بالقسوة، يقبض على خصلات شعرها بعنفٍ قائلًا:
_ بقى بتتجوزي من ورانا وتجبلنا العار يا فا*** يا بنت*** ... بس خلاص هغسل عارنا دلوقتي.
نظرت له بوجهٍ شاحب، تصدر أنين ألمًا، تحاول تبرير موقفها قائلة بضعفٍ:
_ محصلش والله ما حصل.
دفعها على الأرض بذلك المنزل القديم البالي، فتراجعت للخلف، تحاول رفض ما سيفعله ظُلمًا بها، تذرف دموعها بغزارة لتسيل على وجهها المتورم والممتلئ بكدمات زرقاء وخضراء، رفع مسدسه بوجهها قائلًا بسخطٍ:
_ هصدقك وأكدبهم وأكدب البطاقة الشخصية بتاعتك صح!
حاولت الحديث مرة أخرى ولكن كانت تلك المرة صوت الرصاص ما يدوّي بمنزل لتستقر بصدر وتين، أخرجت شهقة متألمة تنظر لشقيقها بخذلان ترى اختفاؤه وتركه لها بعدما ألقى بكلماتٍ بذيئة عليها، ليستقر برأسها أخر شيء لقد خذلتني عائلتي فلِمَ الحياة!
************
وقف عاصم أمام منزل صديقه يتنظر أن يفتح له الباب، ينظر للساعة فوجدها في تمام الثالثة عصرًا، فتح غفران الباب يبتسم لصديقه بسعادةٍ قائلًا:
_ نورت يا عاصم تعالى ادخل.
دلف عاصم يسلم على صديقه يردد بحماس:
_ فين الغدا؟
حدق به بغيظٍ ثم ضرب على ظهره قائلًا:
_ ادخل يا عاصم ادخل عشان محدفكش برة البيت.
دلف عاصم بتذمر عليه، ثم تقدم للردهة حتى جلس على الأريكة، ليتمتم غفران بسخط:
_ هروح أشوف فاطمة خلصت الغدا ولا لسه.
اتسعت ابتسامتها ما أن رأه يتحرك بعكازه نحو المطبخ، يجلس باريحية على الأريكة ينتظر قدومه، بينما دلف غفران إلى فاطمة مستفهمًا:
_ خلصتي يا فاطمة؟
اومأت برأسها بنعم، تبتسم له بحبورٍ قائلة:
_ خلاص بس هحول على السفر وبعدها اقعدوا كلوا وهطلع اقول لعامر ينزل معاك لأن جبران مش عايز يسيب يقين وهي لسه تعبانة وخد الغدا فوق.
اومأ برأسه وتحرك إلى صديقه ليجلس إلى جواره بينما بدأت فاطمة بوضع الأطباق على الطاولة تنظر نحو الردهة فلم ترَ ملامح عاصم بسبب وضعية جلوسه فكان يوليه ظهره، زفرت بعبوسٍ وأكملت وضع الأطباق ليرتفع صوتها قائلة:
_ الأكل جاهز يا غفران.
توقف عاصم عن الحديث، تتجمد خلايا جسده من سماع صوتها، نعم أنها هي... أنها تلك الفتاة التي فاقدة الذاكرة، همس باسمها:
_ فاطمة!
"اشتركوا على قناتنا على تليجرام أو قناة واتساب ليصلكم أحدث الفصول والتنبيهات فور نشرها"
"اشتركوا على قناتنا على تليجرام أو قناة واتساب ليصلكم أحدث الفصول والتنبيهات فور نشرها"