الفصل التاسع عشر من رواية "وبالحب اهتديت" بقلم سلمى خالد.
وبالحب اهتديت الحلقة التاسعة عشر
وبالحُبِ اهتديت
«هُدايا وهُداكِ وبينهما العشق»
سلمى خالد إبراهيم
استغفر الله العظيم وأتوب إليه 3 مرات
حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 7مرات
( قولهم مش هياخدوا وقت يا سكاكر♡)
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل التاسع عشر
( صدمة حقيقة.... وقتل!)
أنا هنا يا عزيزي ولكن قلبي نال الخذلان منك...
أيعقل معرفتك بالحقيقة... حقيقة جهلتها بعدما خانتني ذاكرتي وتاهت بين دروب الحياة... كيف لي تصديقك وكنت تمسك بي كما يمسك المُهرج بعروسة الماريونيت محركًا خيوطها كما يشاء داخل مسرحية كنت أنت صاحب السيناريو!
شُل تفكيره وتجمدت أعصاب، انتشر البرودة بتلك السرعة جعلته غير قادر على استيعاب الكارثة، رفع رأسه الموضوعة بين كفيه ينظر لملامح غفران الجامدة المتطلعة على كامل، يديه التي تلقي السكين جانبًا، ينهض من الأرض بعدما تلوث قميصه ببعض القطرات، لوهلة تمنى لو كان عامل بأي مؤسسة وليس ضابط يحقق العدالة، آهٌ منك أيها الزمن كيف لك الغدر بيّ وبصديقي.
أغلق عاصم حاسوبه ثم حمل متعلقاته يسير خارج المكتب وعقله شارد بـ غفران... إذا ذهب غفران إلى كامل هذا يعني معرفته بحقيقة فاطمة وبعض أسرار تلك القضية!
وصول عقله لتلك التقطة جعله يُجن، حاول الاتصال به ولكن فشل أيضًا في الوصول له، يردف عاصم بألمٍ:
_ سامحني يا صاحبي بس أنت مسبتليش فرصة أفهم منك يا غفران عملت كده ليه!
************
_ زي ما حضرتك طلبت يا باشا الاستاذ متكسر جوا ومش قادر يقوم.
زحفت بسمة خبيثة متشفية بعدما وقعت تلك الكلمات على مسمعه، يستلذ قلبه من الانتقام لـ حقها، أغلق الهاتف ووقف أمام إحدى الغرف بالمشفى ولكن ليست يقين بل انتظر الطبيب يغادر من غرفة نادر، فما كانت سوى دقائق خرج الطبيب ينظر لملامح جبران الجامدة يردف ببعض الأسف:
_ مع الأسف الضرب كان عنيف جدًا وسببله أضرار كتير كسر في ايده ورجله وشرخ في الجمجمة وعيب كمان صعب يتعالج منه.
ضيق جبران عينيه بعدم فهم لأخر كلمات الطبيب ليسترسل بشفقة:
_ مش هيعرف يتجوز بسبب عجز جنــ. ـسي.
اتسعت عيني جبران بصدمة فلم يتوقع حدوث له ذلك، ولكن عادت بسمة متهكمة تعتلي شفتيه متمتمًا:
_ الجزاء من جنس العمل.
استدار جبران يغادر من المشفى تاركًا خلف من يتجرع سموم أفعاله، يتصل بعامر يخبره بأن يستعد فقد حان الوقت لعودتهما إلى القاهرة.
************
تضع مشروب الشاي بالنعناع لهما، مشروبه المفضل وأصبح مشروبها المفضل أيضًا، زحفت بسمة هادئة لشفتيها وهي تتذكر حضوره بكتاب لكاتبها المفضل أدهم الشرقاوي، ولكن تلك المرة لن تقرأه وحدها كما يتركها بل قرر مشاركتها بقراءة هذا الكتاب الذي كان عنوانه "نبض" لا تعلم سر مشاركته تلك ولكن كونه يشاركها هوايتها المفضل يزيد من سرعة نبضاتها فيجعل من قلبها ساكنًا له، تحركت بالقدحين نحو الشرفة، تجلس على الأرجوحة الموضوعة بها بجوار غفران فكانت تتسع لهما، وكأنها صنعت خصيصًا لهما، لف غفران ذراعه حول كتف فاطمة وأراحت هي ظهرها على صدره، ثم نظرت له قائلة ببسمة تزين ثغرها:
_ممكن اسألك سؤال؟
تأمل حدقتيها القريبتين منه، وجهها المستدير ذو بشرة ناعمة، يومئ برأسه ينتظر سماع سؤالها، بينما رفعت فاطمة الكتاب تنظر له قائلة:
_ ليه عايز تشاركني حاجة مبتحبهاش... أنا عرفت أنك مبتحبش قراءة الروايات.
زحفت بسمة صغيرة لشفتيه، يرفع كفه باتجاه وجهها يلامس بشرتها بحنانٍ قائلًا:
_ قولتلك قبل كده أنتِ راحتي يا فاطمة.
أغمضت عينيها من دفئ يديه، فلم تشعر ببرودة الجو بعدما اندثت بين أحضانه تشعر بحنو كفه على وجنتها، ولكن فتحت عينيها بسؤالٍ أخر:
_ بس دي مش اجابة سؤالي؟
همس لها موضحًا:
_ في وجودك راحتي فأكيد هدور على راحتك.
ثم أكمل بعدما غمز بعينه:
_ و مبحبش أبقى مديون نسيتي؟
ضحكت بقوةٍ على كلماته الأخيرة، فدائمًا يسعى لفعل أشياءٍ تسعدها بالرغم من عدم فعلها شيء فقط اختارت وجوده بحياتها، صمتت عن ضحكتها عندما ردد غفران متأملًا بضحكتها:
_ تعرفي إن ضحكتك حلوة.
أصاب الخجل ملامحها، فمنحته نظرات خجولة، ثم ما كادت أن تفتح الكتاب حتى قال غفران:
_ فاطمة!
نظرت له بتعجبٍ، بينما أكمل غفران بهدوءٍ:
_ هو لو في يوم حد حاول يأذيني هتعملي ايه؟
قطبت جبينها بدهشةٍ من سؤاله، ولكنها أجابت:
_ هحاول امنع الأذى دا عنك... والأكيد هفديك بروحي يا غفران.
ابتسم لإجابتها ثم زاد من ضمها هامسًا:
_ عمري ما هسمح للأذى يوصلك.
اتسعت ابتسامتها مطمئنة، ثم فتحت الكتاب ليبدأ الأثنان بقرأت صُفحه وسط هدير المطر الضعيف بلحظةٍ سيتمنيا تكرارها.
***********
وأخيرًا جلست بصعوبة على المقعد الأمامي للسيارة، بينما جلس عامر وملك بالمقعد الخلفي، استدار جبران ودلف جالسًا بمقعد القيادة وانطلق بالسيارة سريعًا بعدما تأكد من استعداد الجميع، بقى الصمت يعم السيارة حتى ارتفع رنين هاتف جبران، ليمسكه سريعًا يجيب بهدوءٍ:
_ أيوة يا عاصم.
ردد عاصم بنبرة متألمة:
_ متعرفش غفران فين؟
أجابه بتعحبٍ من صوته وطريقة حديثه:
_ لا معرفش غفران فين اختفى بقاله مدة كبيرة ومحدش يعرف عنه حاجة.
أغمض عاصم عينيه يحاول التفكير فإذا ظل مختفيًا سيضطر لتفتيش بشكل رسمي، صمت قليلًا دون التفوه بكلمة ليردف جبران بتعجب:
_ في حاجة ولا ايه؟
نفى عاصم بهدوءٍ، قائلًا:
_ لا مفيش بس اختفى ومبيردش عليا.
أومأ بهدوءٍ ثم قال بنبرة جادة:
_ متقلقش هخلي يقين تكلم فاطمة وتعرف هو فين ويرد عليك.
لمعت عين عاصم بأمل متمتمًا بموافقة سريعة:
_ ياريت هستنى يرن عليا.
أغلق معه وهو ينظر للهاتف بتعجب، ثم اعطى الهاتف لعامر متمتمًا بهدوءٍ:
_ ابعت رسالة لغفران من رقمه الجديد يكلم عاصم.
التقط الهاتف سريعًا، وبدأ بكتبت الرسالة ولكن ردد بسؤالٍ متحير:
_ طب ليه غفران مدهوش رقمه أو أنت عرفته؟
زفر جبران باختناقٍ يجيبه بجهلٍ:
_ معرفش... غفران رفض أن الرقم دا يطلع برة حتى عاصم مينفعش يعرفه، ولو عاصم عرف غفران هيقلب وممكن يقطعنا خالص واحنا لما صدقنا أنه بدأ يثق فينا من تاني.
أومأ عامر بايجابية يتذكر رنين غفران عليه من رقمه الجديد واخباره بألا يمنح هذا الرقم لأحد وإلا لن يتعامل معه مجددًا؛ لذا لن يجازف ويمنح الرقم لأحد فهو يريد شقيقه أن يعود كما كان مجددًا.
بينما بقى جبران شاردًا بأخر مكالمة بينهما بعدما طرد هند وأميرة من المنزل ...
**
"مين معايا؟"
نطق بها بعدما رد على رقم مجهول الهوية، ليردف غفران بهدوءٍ:
_ أنا غفران.
رفع جبران الهاتف عن أذنه تنظر للرقم بتعجب، ثم قال بحيرة:
_ أنت جبت رقم جديد؟
زفر غفران بهدوءٍ يهمهم بالاجابة:
_ ايوة وهقفل الرقم القديم مدة... ومش عايز حد يعرف بالرقم دا يا جبران حتى عاصم.
تعجب من طلب غفران، تزداد الحيرة فتضرب رأسه لتعجز عن الإجابة، ليتمتم:
_ ليه يا غفران مش عايز حد يعرف؟
_ جبران دا أول طلب بلاش يكون أخر طلب بينا.
صمت غفران بعدما ردد بكلماته الحادة، بينما هتف جبران بتعبٍ:
_ طيب هي فاطمة معاك؟
أجابه بهدوءٍ:
_ آه.
استرسل جبران باختناق:
_ طب محتاج انها تكون مع يقين.
قطب ما بين حاجبيه بدهشةٍ ممزوجة بشك، بينما أكمل جبران سرد ما حدث ليقين، انتهى من سرد ما حدث ليردف غفران بعصبية:
_ دا واحد *** ويستاهل اللي *****.
صمت قليلًا كي يهدأ من انفعاله، بينما بقى جبران يغمض عينيه يشعر بألمٍ يفتك صدره، فتنهد غفران بعدما سمع اضطراب انفاس شقيقه متمتمًا بهدوء:
_ يقين دلوقتي هتبقى محتاجك أنت يا جبران اكتر من فاطمة وغيره... هتحتاج أنك تقبلها بعد اللي حصل دا فاطمة لو عرفت حاليًا هتتعب فبلاش وأنا لما صدقت مبقتش تتعب.
***
عاد من ذاكرته على صوت عامر يتمتم:
_ خلاص قولتله يا جبران وقالي هيتصرف.
أومأ له يركز بصره على الطريق، ولكن ما يقلقه صمت يقين إلى تلك اللحظة!
***********
قبّل مقدمة رأسها بعدما غفت، يشعر بالراحة في فوجودها، ذلك الجزء الناقص به أكملته بطريقتها دون تغيّر منها شيء، أحبها كما هي، ولكن اقتحم رأسه أسوء كابوس لتختفي بسمته ويحل الألم كما تفعل العواصف بالسماء الصافية، همس بغصةٍ مريرة:
_ سامحيني يا فاطمة بس مضطر أبعد عنك غصب عني.
أزاحها قليلًا، ينهض بهدوءٍ ثم يتجه للداخل محضرًا غطاء ثقيل ليدفئها، وانطلق للداخل كي ينهي ذلك الجدل الدائر حوله، بدأ بإبدال الخطوط بهاتفه ليدخل الرقم الذي يعرفه عاصم وما أن اتصل بالشبكة حتى أتته رسائل عديدة من عاصم الذي حاول الاتصال به، أخذ نفسًا عميقًا ثم أخرجه ببطءٍ ضاغطًا على كلمة اتصال بالشاشة، فكانت ثواني صغيرة وأجابه عاصم متمتمًا بانفعالٍ:
_ أنت كنت فين يا بني آدم؟
ابتسم بسخرية يجيب:
_ مستعجل على القبض عليا؟
أغمض عاصم عينيه يبقض على كفه الموضوعة على المكتب، يردد برجاءٍ:
_ أحكلي يا غفران ايه اللي وداك هناك؟ ليه مقولتش أنك عرفت حقيقة مراتك!
احتدت نظراته بشدة، يزمجر بعصبيةٍ:
_ مراتي خط أحمد يا عاصم والحقيقة الوحيدة اللي لزمًا تتعرف إن بنت كامل لزمًا يتقبض عليها.
ضيق عينيه بشكٍ ثم تمتم بهدوءٍ:
_ عرفت منين أنها بنته وأنا مقولتش؟
أجابه بتهكم:
_ علاقتي بكامل كانت توصلني أروحله البيت وأقابل بنته اللي اعترفت على نفسها بسرعة أنها هي اللي قتلت أحمد.
شعر عاصم بأن غفران وصل لعدة خيوط ولكن لابُد من أن يظهر كي يستطيع أخرجه من تلك القضية، استرسل غفران بهدوءٍ:
_ تعالى يا عاصم أقبض عليا... سلام.
أغلق معه يلقي الهاتف على الأريكة، ثم جلس جانبه يزفر بعنفٍ، ينظر للشرفة باتجاه الأرجوحة بألمٍ، عجبتُ لك يا زمان فعندما آتانا الأوفياء غادرنهم قسرًا، نهض يسير نحوها يجلس جوارها على مقعد صغير يتأملها لا يعلم أهي المرة الأخيرة أم أن للزمن رأي أخرى؟
***********
أغلقت تسجيل الفيديو ببسمةٍ حزينة، يتألم قلبها من كونها أضرت ببناتها بتلك الطريقة دون وعي منها، ولكن لابُد من اصلاح كل شيء وضعت تلك الفلاش بظرف صغير مكتوب عليه " بناتي" ثم وضعته بداخل صندوق للهداية كبير للغاية يحوي العديد من الأشياء المغلفة، زفرت بتعبٍ ثم انطلقت حاملة حقيبتها، تضبط حجابها جيدًا، وما أن تأكدت من هيئتها حتى غادرت الغرفة تنظر لشقيقها بحبٍ قائلة:
_ أنا خارجة مشوار يا خليل وراجعة.
اومأ خليل لها بايجابية يكمل متابعة الأوراق ولكن تعجب من تقدم شقيقته واحتضانها له مقبلة رأسه بحبٍ، نظر لها بتعجب قائلًا:
_ مالك يا ناهد فيكي حاجة؟
نفت برأسها مبتسمة، ثم تحركت بعيدًا عنه قائلة:
_ لا أبدًا أنا ماشية.
غادرت سريعًا تاركة إياه يتعجب من طريقتها، ولكن عاد للأوراق مجددًا ليكمل عمله.
**********
_ للأسف لحد دلوقتي متكلمتش يا عاصم بيه ورفضة تستجيب لكل محاولاتنا معاها.
اختنق صدره بعدما سمع تلك الطبيبة تردد بها على وتين، فنظر لها عاصم وجدها تضع الحجاب باهمالٍ، تنظر للسماء بشرودٍ ولكن عينيها تسيل منها دموع فكانت تقطر بانتظام، عاد بنظره للطبيبة قائلًا:
_ حاولي يا دكتور معاها في جريمة قتل حصلت وإن البنت دي تضرب بالنار وتترمي قدام بيتي يبقى أكيد معها خيط أقدر انقذ بيه صديقي من جريمة القتل.
قطبت الطبيبة جبينها قائلة باستفهام:
_ قصد حضرتك الوزير؟
اومأ عاصم بايجابية يجيبها:
_ أنا لزمًا انقذ غفران من جريمة قتل كامل نور الدين فحاولي معانا تاني أكيد البنت دي عندها...
قاطع حديثه صوت صراخ الفتاة ببكاءٍ حاد عنيف، يتشنج جسدها بشدةٍ، فأصبح كقطعة تمثال في صلبتها، ينتفض جسدها بقوةٍ ويرتطم بالفراش، أسرعت الطبيبة تحضر حقنة مهدئة ثم أتت إحدى الممرضات وأمسكتها معها لتحقنها بتلك المادة حتى هدأ جسدها من التشنجات وهدأت صلابته وغفت تمامًا.
تأمل عاصم ما حدث بصمتٍ، يشك بالأمر فهي سمعت اسم كامل واسم غفران هل تعرف أحدهما أم الاثنان معًا!، هي الآن معها خيط لحل تلك القضية ولابُد من أن تتحسن، لم يبعد نظره عنها بل ردد بهدوء للطبيبة:
_ حاولي معها تاني هي سمعت الاسمين ودا معناه إنها طرف في القضية ولزمًا تتكلم قبل ما يروح صاحبي فيها!
أومأت الطبيبة بهدوءٍ، بينما غادر عاصم سريعًا ليجلس بسيارته ولكن أتته رسالة بعنوان غفران، إذًا حان الوقت للقبض عليه! اسند عاصم رأسه على عجلة القيادة يغمض عينيه بألمٍ متمتمًا:
_ ملقتيش يا دنيا غير صاحبي!
***********
أغلق شاشة الـ ( تابلت) المدرسي الخاص به بعدما رأى جبران ويقين ومعهما ملك مرتدون ملابس خاصة بالخروج للمغادرة، فردد بتعجب:
_ أنتم ماشين ولا ايه؟
أومأ جبران بهدوءٍ يجيبه:
_ هنروح مشوار يا عامر.
وقع بصره على ملك الواقفة جوارهم بصمتٍ فتمتم ببعض التوتر:
_ طب واخد ملك ليه؟
رفع جبران حاجبه من سؤاله الأبله يجيبه:
_ ما اجتمع رجل وامرأة إلا وثلاثهما الشيطان.
زفر عامر باختناق نعم فإذا غادر سيتركهما وحدهما بالشقة وخاصةً أنه يكن لملك بعض المشاعر، نهض فجأة قائلًا بعجلة:
_ طب هلبس وأجي معاكم.
_ عامر أقعد ذاكر كفاية إننا خليناك تسيب دروسك وتكملها online عبر الانترنت.
عبست ملامح عامر بضيقٍ من عدم تواجده معهم، ولكن اقترب جبران من شقيقه يربت على كتفه بحنوٍ قائلًا:
_ أنا مقدر مشاعرك يا عامر بس لزمًا تركز على مستقبلك عشان ترتاح وتكمل في حاجة بتحبها.
لانت ملامحه قليلًا يومئ برأسه، بينما تحرك جبران بعيدًا نحو باب الشقة ولكن استمع لصوت عامر يردد بقلق:
_ طب متخليش ملك تشيل السماعات عشان متتعبش منكم.
لم يتحرك جبران ولكن زحفت بسمة هادئة لشفتيه يرد بكلمة واحدة:
_ متقلقش.
غادر ثلاثتهم من الشقة تاركين عامر يكمل باقي دروس استذكاره، يحاول الاجتهاد بعامٍ ذاق به مرارة التعب والقلق والخوف.
**********
وقف أسفل بنية غفران ومعه سيارة واحدة عادية لن يحضره كمتهم، ولكن أحضر عسكري واحد كي حتى يخفف عليه عبء القبض على صديقه، ولكن كلما تقدم بخطوة شعر بأن البرودة تزداد بجسده، ما هذا النوع من الألم؟
كان الأخر يجلس بالردهة يغمض عينيه بانتظاره، يعلم أنه سيأتي اليوم فلقد كُشف كل شيء ولكن لم تكشف لـ فاطمة، هل ستقبل ما سيقوله عاصم؟
_ مالك يا غفران من الصبح وأنت ساكت وقاعد كده؟
كلمات قلقة عليه، تجلس جواره تتأمله بخوفٍ عليه، زحفت بسمة صغيرة لشفتيه يجيبها بهدوءٍ:
_ مفيش يا فاطمة... مفيش.
ارتفع صوت الجرس لتتغير بسمته لأخرى متألمة، ينظر لفاطمة قائلًا:
_ ادخلي ألبسي طرحة.
تعجبت من طلبه ولكنها نهضت لتنفذ ما قاله، بينما تحرك غفران باتجاه الباب وما أن فتحه حتى رأى عاصم والعسكري جواره، ترك الباب ودلف للداخل قائلًا بتهكم:
_ تعالى يا حضرة الظابط اتفضل دا زي بيت صاحبك ميصحش تقبض عليا من الباب كده.
راقب عاصم انفعالات غفران فلم تكن عنيفة أو متعصبة بل باردة تمامًا، دلف للداخل والعسكري خلفه يردف بألمٍ:
_ ليه يا غفران تعمل كده؟ ليه تقتل؟ مقولتش ليا ليه وأنت عارف ان القضية بتاعتي؟
استدار غفران له ينظر له بحزنٍ استطاع دفنه الفترة السابقة دون أن يراه أحد، يجيبه بصوتٍ بالكاد استطاع اخراجه:
_ تخيل فجأة تعرف إن مراتك متهمة بقضية قتل خطيبها وفاقدة الذاكرة هيبقى إيه شعورك؟ هيبقى ايه شعورك وصحبك هو اللي عارف الحقيقة وأنت لاء؟
صمت عاصم عن الحديث بينما ارتفع صوت أخر مصدوم:
_ أنت بتقول ايه؟
أغمض غفران عينيه بألمٍ واضح، بينما تقدمت فاطمة منه تمسك بكفه قائلة بألمٍ يفتك برأسها:
_ أنت تقصدني أنا! أنا قتلت يا غفران؟
أجابه بهدوءٍ متألم:
_ لو جبولي مليون دليل أنك قتلتي مش هصدق يا فاطمة... بس في حد حاول يوقعك بقضية قتل... خطيبك.
اتسعت عينيها بصدمةٍ، تمسك برأسها بألمٍ واضح، ثم بدأ الدموع تغرق عينيها بشدةٍ، تحاول استيعاب تلك الصدمة جريمة قتل... خطيبها! ولكن هناك شيء يرفض عودت تلك الذكريات لماذا؟، ردد عاصم بهدوءٍ ليقطع محدثتهما فهدأت حالة فاطمة لعله يخبرهما بإجابة تريح قلبها:
_ تعرف من امتى؟
تأمل ملامح فاطمة التي تنتظر الاجابة أيضًا ولكن ملامحها باهته متعبة، فأجاب بغصةٍ مريرة:
_ وقت ما حكيت القضية شكيت في الموضوع وسألت جدي وحكالي.
تقدمت منه تنظر له بصدمةٍ تصطدم بها كحجرٍ حاد، نعم دائمًا يسألها بشكلٍ غري وعندا تتألم يغير مجرى الحديث، فهمت أفعاله غير المفهومة الآن فطنة حقيقة واحدة وأن حياتها معه ما كانت سوى خدعة، عادت تردف بصوتٍ مبحوح:
_ يعني أنت تعرف حقيقة معرفش عني وكنت بتلعب بيا!
ابتسم بسخرية على حاله، أهذا ما فهمته إذًا أنه لعب بها، تقدم العسكري يضع ال (كلابش) بيدي غفران فما كان منه سوى الاستسلام تمامًا ينظر لملامح فاطمة التي لا تزال متألمة، ولكن حركت رأسها برفضٍ بعدما رأت ما يفعله العسكري لتتمتم بخوفٍ لا تعلم سره:
_ هو بيعمل ايه؟ أنت هتاخدوا فين؟ عاصم أرجوك خليه يبعد عن غفران!
تأملها بألمٍ يكاد يفتك به، يمزق روحه فباتت مهترئة غير صالحة، رد عليها عاصم قبل أن يجيبها غفران:
_ غفران مطلوب القبض عليه في جريمة قتل كامل نور الدين يا فاطمة.
تجمد جسدها وتحجرت دموعها حقيقة أخرى تلقى أمامها عنه، فما الذي يقوله عن جريمة قتل؟ ثم ازدادت عينيها اتساعًا تتذكر رفضه لصديقتها وتكرره للابتعاد عنها، قطرات الدماء الموجودة بقميصه، وعودته بذلك اليوم متعب، أكان يسألها لأجل هذا وليس لبحثه! فمع من كانت تعيش إذًا هل هو غفران حقًا!
لم تتحمل ما فهمته لترفع بصرها نحوه بصدمة تردد بنبرة متألمة، عينيها تذرفان الدموع بغزارة، ولكن كانت دموع خذلان قاسي:
_ أنت مين؟ أنت غفران بجد ولا أنا كنت عايشة مع مين؟
_هو أنتِ مصدقة إني هقتل يا فاطمة؟
نظرت له بتشويش لا تعلم أين الحقيقة فقد خبأ جزء من حياتها مستغلًا فقدانها للذاكرة ولا تعلم لِمَ فعل هذا؟، أصبحت عينيها تمتلأن بدموع، تلك الغصة التي عادت مجددًا لها، أنفاسها التي بدأت بتهدج، كل الحقائق تهدم أسوار الأمان، نعم... إنها الآن بوادر لنوبتها!
حاول الضابط سحب غفران ولكن لم يتزحزح ظل ينظر لحالة فاطمة التي بقت عليها، ثم دفعه بعيدًا يقترب من فاطمة بعرجةٍ لم يتقبلها أحد سواها، هي فقط من أعادت الثقة له بعدما نفره الجميع، رفع ذراعيه الأثنان ثم تقدم منها حتى استطاع أن يضعها بين ذراعيه يضمها لصدره كي تهدأ حالتها قبل أن تتعمق بتلك النوبة، بينما كاد العسكري أن يتجه نحوه ليدفعه بعنفٍ ولكن أشار له عاصم بوجهة متألم أن ينتظر يكفي ما به، نظر غفران إلى رأس فاطمة الموضوع على صدره ثم همس بأذنها:
_ أهدى وخدي نفسك يا فاطمة... يلا شهيق زفير.
حاولت أخذ أنفاسها كما قال تغمض عينيها بعدما أحاطها بذراعيه المقيدتان بهذا ال(كلابش) ولكن دفئ أحضانه أنساه ما حدث، استكنت بداخله، هو أمانها ولكن ما فعله بها كان أقوى من أن تصدقه، انتهت تلك النوبة بسلام فابتعدت عن غفران سريعًا بعدما فاقت بينما ظلت نظراته تتعلق بها يبحث بداخل مقلتيها عن تصديقها له ولكن لم يجد، بل وجد نظرات غير مفهومة، ابتسم بمرارةٍ واضحة ثم قال بألمٍ:
_ أنا عملت كل دا عشان تكوني معايا العمر كله... عشان مش هعرف اسيبك... فهل أنا غبي للدرجة دي عشان اقتل وأبعد عنك بقيت عمري؟
استدار ينظر لصديقه بخذلان واضح جعل الأخر يغمض عينيه بألمٍ مما يحدث هو من يقبض على صديقه! هل قسوة الزمان تفعل به هذا تجعله يضع الأصفاد بيدي صديقه ليذهب به إلى السجن؟
نظر غفران للعسكري ثم قال بصوتٍ يعلن به انسحابه عن الجميع:
_ أنا تحت أمرك.
تحرك العسكري نحو يتحركان ببطء لأجل عرجته، ولكن هتف غفران بصوتٍ أرسل خناجر بقلبها:
_ هفضل أحارب عشانك يا فاطمة ولو في مليون دليل ضدي فهلاقي دليل واحد أثبت بيه برئتي !
تحرك غفران مع العسكري بهدوءٍ ظاهري ولكن بالداخل ليس إلا إعصار مخيف يدمره، سار عاصم خلفه واقعًا بين أما أن ينفذ ما قاله باليمين أو يخالف ضميره لأجل شعار الصداقة، ولكن هنا يحترق الضمير لأجل العدل والصديق.
أختفى الجميع أمام عينيها، تسقط أرضًا باكية بعنفٍ، تقبض على قلبها الذي يأن بألمٍ في صراخٍ عالي، حركت رأسها برفضٍ لكل تلك الحقائق تريد رؤيته لا تريد تركه، أيعقل أن يقتل! وإن قتل فهناك حقيقة أخرى لم أعلمها لربما كانت هي الحقيقة الأفضل بينهم.
***********
" أخصائي نفسي: مريم محمد"
قرأت تلك اللافتة فنظرت سريعًا إلى جبران الذي أمسك كفها بحنوٍ قائلًا:
_ أنتِ محتاجة تحكي اللي جواكِ لحد وأنا هحتاجها في مرضي عشان نعرف نعيش صح.
اغرورقت الدموع عينيها، تنظر له بألمٍ دُفن بها منذ طفولتها، نعم كانت تريد الذهاب لأحد الأخصائيين ولكن لن ترضى والدتها، تحركت معه إلى الداخل البنية ويصعدان للموعد المطلوب وإلى جوارهما ملك، أشارت المساعدة لها بأن يبقى هو جالسًا وتأتي معها يقين إلى الداخل، فامتثل لطلبها وجلس مع ملك التي تراقب المكان بحذر، بينما دلفت يقين للأخصائية التي ابتسمت لها بحبورٍ قائلة:
_ نورتيني يا مدام يقين... اتفضلي.
صافحتها يقين ثم جلست على المقعد بتوترٍ شعرت به مريم، لتحدثها ببسمة صغيرة:
_ قوليلي بقى مين سماكي يقين عشان اسمك لفت انتباهي؟
زحفت بسمة متوترة لشفتيها، تجيبها بتذكر:
_ بابا الله يرحمه هو اللي سماني كده عشان كان بيقول أنه عنده يقين بإني هحقق كل اللي معرفش يحققه.
أومأت مريم بتفهمٍ تسجل بعض ما قالته، لتضيف سؤالٍ أخر:
_ طيب وحققتي احلامه؟
ابتلعت تلك الغصة تتبدل معالم وجهها لأخرى متألمة، تجيبها بصوتٍ متحشرج:
_ لاء فشلت في كل حاجة في حياتي.
نظرت لها مريم باهتمام تحثها على الحديث:
_ مش يمكن نجحتي في حاجة وأنتِ مش شيفاها؟
حركت يقين رأسها برفضٍ تام، تذرف دموعها بغزارة، تجيبها دون النظر لها:
_ لاء أنا فعلًا فشلت في حياتي... مكنتش شاطرة في طفولتي ولما بعمل حاجة بتبوظ بعدها كنت بشوف في نظرتهم حتى لو منطقوهاش إني غبية وفاشلة وفعلًا هما معهم حق... دراستي فشلت فيها ولما حاولت أثبت إني مش فاشلة ودخلت ثانوية عامة بدل تجاري عشان كله شايفني منفعش غير في تجاري ولما دخلت فيها كان الموضوع أكبر مني بس حاولت و ذكرت بجد وعملت كل حاجة عشان أثبت نفسي بس فشلت وشيلت مادتين...
صمتت قليلًا تطلق شهقات باكية تحرقها، تتهدج أنفاسها فتلك الغصة قبضت صدرها فضاقت أنفاسها، أسترسلت بصوتٍ مبحوح:
_ والدتي بصتلي نظرة خذلان وبدل ما أثبت إني شاطرة وذكية أثبت إني فعلًا غبية و فاشلة زي ما بيقولوا عليا...
ابتسمت بألمٍ مريرة، تزداد دموعها انهمارًا، ترتجف شفتيها بعدما ضغطت عليهما ليبوحا عما تكنه داخلها:
_ أنتِ طلع معاكِ حق أنا فعلًا نجحت أثبت حاجة واحدة بس... وهي إن أنا فاشلة بجد.
صمتت عن الحديث لا تريد أضافة شيء أخر، بينما لحظت مريم الاجهاد الظاهر على معالمها لتردد بهدوءٍ:
_ بصي يا يقين مفيش انسان مفشلش في حياتي ومحاولش يثبت إنه شاطر... واللي قدامي إنسانة شاطرة وبتحاول وهتكوني في يوم انسانة مهمة... احنا هنكتفي بكده النهاردة وبكرة نكمل ايه رأيك؟
أومأت برأسها ثم نهضت لتغادر المكان بهدوءٍ، بينما همهمت مريم بحزنٍ:
_ ضحية جديدة من ضحايا الأهل والمجتمع.
********
عضت على شفتيها تكبح تلك الشهقة المتألمة، فكانت تبكي بعنفٍ تتأمل ابنتها الساكنة على الفراش بعد جرعة تم حقنها بها من قبل الطبيب، تحرك رأسها قائلة بألمٍ:
_ ليه تعملي فينا كده؟ أنتِ بنتنا الوحيدة ليه يا سُهى كده؟
تحركت منيرة من غرفتها تاركة إياها غارقة بظلام الغرفة، بينما جلست هي تتأمل تلك السكين المليئة بالدماء ثم أجهشت بالبكاء بعنفٍ.
************
تحرك غفران مع العسكري وعاصم بهدوءٍ يستجيب لكل أوامرهما، مما أثر عجب العسكري فقد ظن أنه سيقاوم، وصل أخيرًا للمكتب الخاص به، ليدلف عاصم ومعه غفران الذي تركه العسكري بعدما نزع عنه الأصفاد المعدنية وغادر، فجلس عاصم وردد بهدوءٍ:
_ اقعد يا غفران.
بسمة متهكمة علت ثغره متمتمًا:
_ أنا دلوقتي متهم يا حضرة الظابط ميصحش اقعد.
مسح على وجهه بعصبيةٍ مفرطة يزمجره بغضب:
_ عايزني أعمل ايه... أنا ماسك القضية وأنا معرفش ان صاحبي مستغفلني وراح لأبو البنت و قتـ...
صمت عن الحديث ولم يكمل، بينما حدق به غفران بهدوءٍ ولكن لم يكن سوى هدوء الألم من نعته بقاتل، فحرك فكيه ناطقًا:
_ كملها يا عاصم... وقتلته صح؟
تحرك عاصم ليقف بوجهه، يردد برجاءٍ:
_ أنا عارف إن في حاجة غلط بس الفيديو ظهر إنك أنت اللي قتلت يا غفران احكيلي حصل ايه عشان أساعدك.
تأمل عينيه اللمعتان بالرجاء وشعر بتصديقه له، ولكن قبل أن يفتح فاهه طرق العسكري الباب ثم دلف يؤدي التحية قائلًا:
_ عاصم بيه... محمد بيه منتظرك برة في حاجة بخصوص القضية جديدة.
أشار له عاصم بأن يدلف وبالفعل دخل محمد بهدوءٍ يتبادل السلام مع عاصم ثم وقفا بعيدًا عن غفران ليردد بصوتٍ جاد:
_ معلش هعطلك عن شغلك بس جالي بلاغ إن في جريمة قتل ولما روحت لقينا المقتول واحدة ست واسمها ناهد جبران والدة فاطمة محمد اللي كنت بتحقق في قضيتها!
"اشتركوا على قناتنا على تليجرام أو قناة واتساب ليصلكم أحدث الفصول والتنبيهات فور نشرها"
"اشتركوا على قناتنا على تليجرام أو قناة واتساب ليصلكم أحدث الفصول والتنبيهات فور نشرها"