الفصل العشرون من رواية "وبالحب اهتديت" بقلم سلمى خالد.
وبالحب اهتديت الحلقة العشرون
وبالحُبِ اهتديت
«هُدايا وهُداكِ وبينهما العشق»
سلمى خالد إبراهيم
استغفر الله العظيم وأتوب إليه 3 مرات
حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 7مرات
( قولهم مش هياخدوا وقت يا سكاكر♡)
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل العشرون
(قاتل طليق وجريمة جديدة)
"لا شيء يؤذي الإنسان سوىٰ الحقيقة... ولا شيء يسعده مثل الوهم."
غازي القصيبي
أحيانًا نرجو من أذاننا أن تصم عن الكثير من الحقائق لعل روحنا تهدأ من صراعها الدائم بين اختلافها وقوتها، فـهي تأتي واحدة تلو الأخرى، نرى فيها حقيقة أشخاص مقربون ولكن مع ثوب الحقيقة يصبحوا غرباء!
ألقىٰ نظرة خاطفة على غفران الواقف أمام المكتب، عاد بنظره سريعًا متمتمًا:
_ أنت روحت شوفتها؟
حرك محمد رأسه بنفيٍ يجيبه بهدوءٍ:
_ لاء لسه جيت أبلغك يمكن تحتاج القضية في حاجة.
تحرك نحو المكتب يحمل مفاتيحه سريعًا، ثم قال بهدوءٍ متوتر لغفران:
_ هسيبك ساعة وجاي يا غفران خليك في المكتب لحد ما أجي.
ضيق غفران عينيه بشكٍ يشعر بوجود خطبًا ما ولكن ظل صامتًا مانحًا إماءة صغيرة له، ليردف عاصم سريعًا بعدما حرك مقبض الباب:
_ يلا يا محمد.
انطلق الاثنان بخطواتٍ سريعة، ولكن عقل عاصم كان بعالمٍ أخر كيف سيخبر صديقه، كيف سيستقبل الجميع مثل هذا الخبر، هذا الخيط الأسود والأبيض معًا، يفكر لو كانت ناهد والدة فاطمة هي من قُتلت فمن أراد ذلك؟ من القاتل!
هذا السؤال ظل طيلة الطريق يفكر به حتى وصل لموقع الجريمة، تعجب من قرب المكان من شقة غفران فالفارق شارع واحد فقط، ترجل من السيارة وتحرك بإتجاه منزلًا لايزال يُبنىٰ يدلف بالطابق السُفلي أولًا وما أن وصل إلى حيث السُلم حتى وجد جثة ناهد ملقاة علىٰ الأرض غارقة بالدماء، أغمض عينيه بألمٍ فهي بالفعل والدة فاطمة، نعم يتذكر ملامحها القلقة على ابنتها بالوقت الحادث الخاص بها، وقعت ضحية لقاتل طليق!
_ لقينا معها بطاقتها الشخصية وشنطتها كمان وفيها فلوس يعني مفيش محاولة سرقة، القاتل كان يقصد يقتلها.
استمع لتلك الكلمات وشعر بتأزم الموقف ليردف مسقطًا بصره باتجاه ناهد ولكن جاهد ليصبح صوته جامد لعله يخفي تأثره:
_ أعمل اللزم يا محمد وأبعتلي نسخة من تقارير.
أومأ محمد برأسه ثم انطلق مع أحد الضباط ليكملان باقي التحريات بينما تحرك عاصم نحو الخارج عقله شاردًا بشيء واحد...
كيف سيخبر صديقه بوفاة عمته؟
***********
أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يتحرك، يسيطر على ملامحه لتصبح أكثر هدوءًا، حرك المقبض سريعًا ثم دلف للداخل ينظر لغفران الذي انتفض واقفًا يتجه نحوه قائلًا:
_ حصل إيه برة؟ فاطمة كويسة؟
نظر عاصم للقلق الظاهر بحدقتيه، ثم هتف بهدوءٍ:
_ أنت أخر مرة شوفت عمتك ناهد أمتى؟
تعجب غفران من ذلك السؤال، يضيق عينيه بشكٍ يزداد ناحية عاصم، ليردد بهدوءٍ:
_ بتسأل ليه؟
صك على أسنانه بغضبٍ يحاول ربط لجامه، يردف بصوت حاد:
_ أخلص يا غفران قابلتها ولا لاء؟
بقى يحدق به بهدوءٍ دون أن يردف بكلمة، يراقب انفعالات عاصم، ثم علّت شفتيه بسمة باردة، يردد ببرودٍ:
_لما أعرف السبب الأول.
رفع عاصم قبضة يده يلكم غفران بعنفٍ يزمجره بعنفٍ:
_ أنا هنا بحقق معاك مش صاحبك أخلص قابلتها ولا لاء!
وضع غفران يده على فكه بعدما تلقى تلك اللكمة، يتراجع للخلف من عنف ضربته كأنه يبث بها طاقته، أعاد استقامة جسده مجددًا ينظر لعاصم ببسمةٍ لم تتغير بل أزدادت برودًا:
_ كنت مستنى الجملة دي من وقت ما دخلت المكتب... مستني صاحبي يتعامل معايا إني متهم.
مسح عاصم على وجهه بعصبيةٍ تزداد بعدما ضربه ضميره، بينما استرسل غفران بنبرة خالية من التعبير:
_آه قابلتها.
أغمض عاصم حدقتيه بألمٍ، يهوي بجسده على المقعد القريب منه واضعًا وجهه بين راحتي يده يهمس باختناق:
_ ليه يا غفران ليه قابلتها!
لم يفهم ردة فعله فليس لها تفسير سوى أن هناك حقيقة واحدة فقط أخرى حول ناهد... قُتِلت!
أيعقل أنها قُتلت! وصول عقله لتلك النقط جعله ينطق بقلق:
_ هي عمتي حصلها حاجة!
_لقوها في عمارة لسه بتتبني قرب الشقة بتاعتك مقتولة!
نطق بتلك الكلمات بعدما نظر له، يرى أثر الصدمة عليه، عينيه اللتان تنطق بالكثير، جسده الذي اهتز بعدما وقعت تلك الكلمات على مسمعه، نعم جميع ردود أفعاله تثبت أنه بريء ولكن جميع الأدلة تدينه.
سيُسجن هذا حُكم الأدلة...نعم أنه القانون يا سادة يدين من يقع ضحية أدلة حمقاء ليست سوى بضع أوراق تحوي كلمات عقيمة.
نهض عاصم يقف أمام صديقه المضمور أسفل صدمة لن تنتهي، وضع يده على كتفه ليفيق وكأنه بعالم أخر، فنظر له بأعين متألمة وكأنها تصرخ وتستغيث بأن ما به كثير، هتف عاصم بصوتٍ مختنق:
_اللي قتل ناهد يا غفران عارف إنك معايا وعايز التهمة تثبت عليك!
_ هقتل عمتي وأم مراتي؟
نطق بتلك الكلمات الباهتة المستنكرة، ليرد عاصم بحزنٍ:
_ واللي هي متهمة في قضية قتل خطيبها يا غفران.
لم يتحمل غفران المزيد من تلك الكلمات ليزمجر بعنفٍ:
_ قولتلك مقتلتش مش هي القاتلة دي ضحية زيّ لمريضة نفسية.
نظر له عاصم بهدوءٍ يردد بكلماتٍ استفزازية لعله يتحدث بما يعلمه:
_ الأدلة بتقول إنها هي اللي قتلت يا غفران!
ضرب غفران المقعد بقدمه كأنه أسد ثائر، تزداد حدة كلماته كلما أتىٰ باسم فاطمة له:
_دي أدلة***** لو هتمشي وراها... بقولك ايه يا عاصم لو بتقول كده عشان أنطق حرف فمش هنطق حرف إلا لما أشوف فاطمة ومحدش يعرفها خبر موت عمتي إلا لما أكون جنبها.
تحرك عاصم من مكانه يقف بمواجهة صديقه يتمتم ببرود:
_ ولو قولتلك مش هتشوفها وهتفضل في الحجز.
تقدم منه فأصبح الفاصل بينهما مسافة صغيرة ولكنها كانت كساحة حرب مشتعلة بينهما، حرك فكيه بتحدٍ:
_ يبقى ههرب ومفيش مخلوق هيقف قدامي.
_ للدرجة دي خايف عليها؟
لانت ملامح عاصم عندما لاحظ تشبث غفران بها، يتأمل ملامحه بتعجبٍ، أطلق سؤاله بعدما رأى جنونه عليها بعد أن ألقى اتهمه عليها، ابتسم غفران بحزنٍ يجيبه بكلماتٍ مطعونة بالألم:
_ لما تقابل حد متقبلك بعيوبك وعجزك من غير مقابل هتعرف إن اللي بعمله ولا حاجة ليها.
رفع عاصم كفه يربت على كتف غفران، يردف ببسمة صغيرة:
_ أنا أول واحد عارف ببراءة فاطمة يا غفران بس محتاجك تتكلم عشان أساعدك واساعدها... القاتل مكمل ومش عارفين قتل مدام ناهد ليه.
أغمض غفران بألمٍ يحاول محاربة هذا الألم الموجود داخله، ثم قال بصوتٍ ضعيف:
_هاتلي بس فاطمة الأول.
حرك عاصم رأسه بيأسٍ من أن يتحدث، تشبثه كطفل صغير فقد أمه، تحرك باتجاه الباب كي يحضر فاطمة تلك الساحرة التي سلبت قلب غفران فلم يعد يرى غيرها حتى وإن وضع بجريمة قتل نهايتها إعدامه.
**********
وقف أسفل البنية تشهد عما فعله، نعم لقد أقحم صديقه نفسه بسلسلة من الجرائم لا نهاية لها، تقدم من الدرج يصعد للطابق المطلوب، يفكر بماذا ستكون ردة فعلها عندما تعلم برغبة غفران في مقابلتها، هل ستقبل أم سترفض وتهوي بصديقه دون أن تشعر؟، طرق الباب بهدوءٍ ينتظر فتحه ولكن ارتفع صوتها المرتجف خلف الباب كعصفور بسجنٍ يخشى الأقتراب:
_مـ... مين؟
أجابها بهدوءٍ كي لا تخشاه:
_ أنا عاصم يا مدام فاطمة صديق غفران.
بعد سماع تلك الجملة وجد الباب يُفتح على مصارعيه، تتلهف لأن تراه وتسمعه، ولكن خابت آمالها وعاد وجهها يشع بآلامٍ متفرقة، ترقرق عينيها بالدموع متمتمة:
_ فين غفران؟ مجاش ليه؟
زحفت بسمة طفيفة لشفتيه ما أن رأى لهفتها على صديقه، ليردد بجدية:
_ غفران مقتلش يا مدام فاطمة بس القاتل قدر يلعب في حاجات كتير عشان يوقعه، كأنه عارف إنه رايح لكامل.
حاولت السيطرة على دموعها المنهمرة، يرتفع صوتها مبحوح:
_ طب هنعمل ايه؟
اتسعت ابتسامة عاصم بعدما خشي أن تصدق فاطمة تلك التهمة على غفران فردة فعلها الأولى ليست سوى تصديقها لخدعة كان ضحيتها، أردف سريعًا:
_ حاولي تخلي غفران يتكلم رفض يقول كلمة إلا لما يشوفك.
داعبة تلك الكلمة قلبها، وحتى إن غبت يا عزيز قلبي فإن روحك ليست سوى روحي أُكمل بالحياة بها، ردت سريعًا بعدما طال صمتها:
_طب لحظة هعمل حاجة.
دلفت سريعًا تحضر ورقة صغيرة واضعة ثم ارتدت حذؤها وتقدمت من الباب، استدار عاصم تاركًا لها مساحتها إن أرادت فعل شيء أخر مردفًا بصوت هادئ محذرًا إياها:
_ على غفران بيحبك جدًا وأتعلق بيكِ أوعي تكسريه عشان متبقيش أنتِ والزمن.
استمعت لتلك الكلمات بخوف وسعادة، لا تعلم ماذا تفعل ولكن تريد رؤيته هذا يريح قلبها، أغلقت الباب وانطلقا نحو القسم الذي يعمل به عقلها شارد بما يحدث وسوف يحدث، لم ترَ الطريق رغم عينيها المراقبة له، فالراحلين بالسبيل غير مدركينه، أفاقت من شرودها على ارتفاع زجاج الباب يعلن وصولهما، ترجلت من السيارة تتحرك خلف عاصم حتى وصلت أمام المكتب، دلف عاصم أولًا ينظر إلى غفران الجالس على أريكة بجانب المكتب، يسند برأسه عليها، وقف عاصم يردف بسخطٍ:
_ قوم يا غفران بيه أوامرك اتنفذت.
فتح غفران عينيه سريعًا يسقط بصرها على فاطمة التي بهتت ملامحها، عينيها المتورمتان من البكاء شفتيها اللتان تضربهما حُمرة قانية ترتجفان أثر رغبتها بالبكاء مجددًا، نهض من مكانه يقف أمامها مباشرةً بأعينٍ مطعونة بآلام متفرقة تبحث عن أمل للاستمرار، همس لها بصوتٍ مختنق:
_ صدقتي إني أقتل؟
نظرت له قليلًا، تتأمل وجهه المتألم كلما طال صمتها، ولكنها قالت بألمٍ تبادله إياه:
_ ليه خبيت عليا حقيقتي؟ ليه لعبت بالنار يا غفران وخلتها تأذيك؟
علت شفتيه بسمة حزينة ضائعة وسط زحام الآلام، يجيب بألمٍ:
_ سألتك قبل كده لو حد هيأذيني هتعملي ايه قولتي هفديك بروحي... وأنا بفديكِ بروحي يا فاطمة.
حركت رأسها برفضٍ تنهمر دموعها دون توقف متمتمة بنصل مؤلم يمزق قلبها:
_ مش عايزاك تفديني... ومش عارفة افتكر حاجة صداع بيجيلي وبشوف ناس لكن مش مفيش ذكرى عايزة تظهر يا غفران...
ثم وضعت وجهها بين راحتي يدها تنحب بقوة مسترسلة:
_ يارتني افتكر يمكن ألقي حقيقة تنقذك.
ضمها لصدره لتنهار ببكاءٍ حاد تتشبث بقميصه وكأنه سيفر منها، بينما غادر عاصم فلم يعد له وجود، تقدم غفران من الأريكة حتى جلس عليها تدفن فاطمة وجهها بصدره، ظلت هكذا حتى هدأت حالتها يقبل رأسها تارة ويمسح عليها تارة أخرى، رفعت ذاتها عنه تنظر لعينيه بصمتٍ ولكن يملأها حزنٍ زحف كما لو كان كوباء ألتصق، بينما ردد غفران بهدوءٍ حاني:
_أنتِ عايزة ايه؟
انزلت بصرها للأسفل تجيبه بصوتٍ متعب:
_ عايزك في حياتي... و متكنش قتلت يا غفران وتقول الحقيقة وتدافع عن نفسك.
أمسك بوجهها ليجبرها على رفع عينيها له، ثم قبل جبينها يسند به على خاصتها هامسًا بحنو:
_ لو كنت مختار البُعد كنت قتلت لكن أنا طول الوقت بقولك مش هسيبك فـ قولي أنتِ... أقتل إزاي والقتل يعني بُعد؟
زحفت بسمة مطمئنة لها، تستكن دون التفوه بكلمة، ولكن قاطع سكينة تلك اللحظة صوت غفران متمتمًا:
_ تعرفي إن في اوقات لزمًا ناس تسبنا والموت بيختارهم.
انتفضت من مكانها ولكن أمسكها غفران سريعًا، لتهدر هي بخوف:
_ أنت بتقول كده ليه؟ حد هددك؟
قاطعها يشدها ليضمها سريعًا متمتمًا مغمضًا عينيه بألمٍ:
_ لا يا فاطمة محدش هددني بس...
انتظرت أن يكمل دون مقاطعة بينما استرسل غفران بحزنٍ:
_ عمتي ناهد توفت النهاردة.
تجمد جسدها كأنه قطعة خشبية لربما قطعة الخشب لينة عما حدث بجسد فاطمة، تستمع لكلماته التي سقطت كأنها قطع زجاج مكسور حاد مخيف يقطع بأنياطها، شعر بالقلق عليها فرفعها قليلًا بعدما شعر بتخشب جسدها قائلًا:
_ دا نصيبها وكلنا هنروح للربنا.
تجمعت دموع الانكسار، نعم تجمعت للمرة الثالثة على التوالي، رفعت بصرها نحو غفران واضعة يدها على قلبها هامسة باختناق من دموعها:
_ آآآه.. قلبي بيوجعني أوي.
أمسك كفها سريعًا الموضوع على قلبها، دون أن يتفوه بكلمة هي لحظة أنطلاقها، ولكنها وضعت كفه بموضع قلبها تسترسل هي بصوتٍ تمنى لو يصرخ:
_ حاسس بالوجع اللي حساه يا غفران... قلبي هيقف من الوجع.
أزاح يده يمسك بيديها الاثنتان متمتمًا بجدية:
_ خرجي اللي جواكِ.
ازداد انهمار دموعها وكأنها شلالات تهز رأسها بالرفض ولكن ضغط غفران عليها بقوة يحدث بحدة:
_ قولتلك خرجي يلا.
بتلك اللحظة انطلقت صرخة متألمة منها ليسرع غفران بضمها سريعًا وسط صرخة باكية عنيفة صدعت بأرجاء المكان، ينتفض جسدها بين ذراعيه المضمومة عليها، ظلت حالتها لوقتٍ ليس بهينٍ حتى أنهكها البكاء وهدأت نفض جسدها، تستكن على صدره، ظل صامتًا فهناك لحظات لا تدوّيها كلمة بل ضمة صغيرة دافئة، تفاجأ بصوتها المبحوح يعلو بهمس:
_ متسبنيش!
زاد من ضمها، يردف بحنوٍ:
_ ومين قال إني هسيبك.
_ يبقى احكي اللي حصل خلي عاصم يلاقي دليل برائتك.
نطقت بتلك الكلمات وهي تزيد من دثر نفسها بين ذراعيه، زفر غفران بحزنٍ يجيبها ببسمة تهندم كلماته:
_ متقلقيش يدخل وهحكي كل حاجة.
***********
"القبض على السفاح الأعرج بعدما أنهى بحياة كامل نور الدين"
وقعت تلك الجُملة على مسمع عامر أثناء جلوسه بالردهة أمام التلفاز يراجع أحد المواد بعدما بدأ بحصص المكثف، رفع بصره ينظر بصورة الظاهرة بالشاشة فكانت مشوشة للغاية ألتقطها أحدهم دون أن يعلم أحد في الخفاء، ضيق عامر حدقتيه قليلًا لعله يعلم تلك الملامح ثم انتفض من مكانه ما أن أظهرت ملامح غفران، أسرع باتجاه غرفة شقيقة جبران يطرق على الباب وما أن فتح الباب حتى قال برهبةٍ:
_ غفران اتقبض عليه!
اتسعت عين جبران بصدمةٍ يردف بصوتٍ حاد:
_ أنت بتعبط يا عامر؟
حرك رأسه بنفيٍ، تمتلأ حدقتيه بالدموع مردفًا:
_ في التلفزيون قالوا اتقبض على واحد أعرج وحطوا صورته.
شعر بالرفض لما قاله، هل يُعقل أن يسجن غفران بذنب لم يفعله ؟ هو يعلم أن شقيقه لن يفعل هذا إذًا كيف أصبح طرف بتلك القضية؟ اتجه لمكتبه وعقله يكاد يُجن من آلاف الاسئلة التي تتزاحم داخله، يمسك هاتفه، يتصل بعاصم فهو من أرده إذًا الجواب لديه.
_ أنت قبضت على غفران؟
نطق بسؤاله دون رد السلام، بينما زفر عاصم بحزنٍ يجيبه:
_ آه يا جبران أخوك كان في مسرح الجريمة وجيبته يتحقق معاه وفاطمة معاه دلوقتي.
أطبق على أهدابه بقوةٍ، يشعر بغصةٍ تقبض صدره، في حين استرسل عاصم بتوترٍ:
_ في خبر كمان أتمنى تقدر تتقبله.
_ قول يا عاصم ما هي شكلها لما بتغمض بتغمق مرة واحدة.
حاول السيطرة على أنفاسه المتوترة، يردف بهدوءٍ محزن:
_ عمتك ناهد لقوه مقتولة في عمارة جنب بيت غفران.
فتح أهدابه سريعًا بصدمة، يهدر بعنفٍ:
_ أنت بتقول إيه عمتي ناهد ايه اللي اتقتلت!
كاد عاصم أن يجيب ولكن انقطع الاتصال بينهما نظر جبران للهاتف فوجده نفدت بطاريته ليلقيه على الفراش دون أن يتحرك، ولكن صدع صوت عامر متمتمًا بصدمة:
_ عمتي ناهد اتقتلت؟
استدار جبران ينظر خلفه ولكن ازدادت صدمته عندما رأى يقين بجوار عامر جامدة لا تتحدث، انطلق نحوها سريعًا يردف بصوتٍ قلق:
_ أنتِ ساكتة كده ليه... اتكلمي عيطي!
لم تتحرك فقط عقلها يردد تلك الكلمات بأذنها دون أن تهتز، لا تعلم لماذا لم تبكِ؟ هل تجمد قلبها باتجاه والدتها؟ هل قسوة والدتها قست مشاعرها؟
عاصفة من الأسئلة جعلتها جامدة لا تسمع لأحد، صرخ بها جبران لتفيق ولكن نظرت له بجمود متمتمة:
_ عايزة أشوف فاطمة.
أومأ برأسه وتحرك يرتدي حذؤه، بينما تحرك عامر يجلس على الأريكة، يحاول استيعاب كم تلك الكوارث شقيقه بالسجن متهم بقضية قتل... عمته وُجدت مقتولة! فاق من شروده على صوت ملك تتمتم بصوتٍ حزين:
_ هو أنا زعلتك؟
قطب جبينه بتعجبٍ، يجيبها بنفي:
_ لاء، بتقولي كده ليه؟
نظرت باتجاه لوحتها متمتمة بحزنٍ:
_ مرضتش تبص على اللوحة.
كلماتها قصيرة للغاية، ولكن لا تتحدث هكذا إلا معه فقط هو من اعطاها الأمان، ابتسم لها بحنانٍ يجيبها ممسكًا اللوحة:
_ هاتي يا ملك هانم نشوف اللوحة.
نظر يدقق باللوحة فكانت ليدين تبسطان سبابتها ليتلامسا بعضهما بالنقطة التي اتصالا بها ضوء كالشمس يشع وسط ظلام حالك حول اليدين، تأملها بتعجب واضح متسائلًا:
_ معناها إيه يا ملك؟
اجابته بسعادة بالغة ممسكة بالأقلام بشدة من فرطة حماسها:
_ إعرفها يا عامر.
تعجب من تصميمها على أن يجيب، فعاد بنظره للوحة يدقق النظر بها فرأى اسمه مرسوم وسط اللوحة بالرسمة الأشعة ففطن أنها تقصده أنه هو النور، نظر لها مجددًا لتردف بإماءة:
_ أنت رجعت النور لملك.
زحفت بسمة مبتهجة لشفتيه، يتأمل اللوحة بحبٍ، ولكن انتكست ابتسامته وتتدرجت لأخرى حزينة، ينظر إلى ملك بحزنٍ ثم قال:
_ ملك مش عايزك تزعلي من اللي هقوله.
نظرت له باهتمامٍ تردف بعفوية:
_ عمري ما هزعل منك يا عامر.
مسح على وجهه، يشعر بمدى صعوبة ما سيقوله، ولكنه أخذ أنفاسه بصعوبةٍ متمتمًا:
_ والدتك ماتت.
لم تتحرك ولم تصدر ردة فعل، ظلت ساكنة تطلع لملامح عامر الحزينة، تشعر بشيءٍ يجتاح قلبها من ألم، لا تعلم كيف تخرجه ولكنها تتألم، لا تستطيع البكاء ولكن عينيها تريد ذلك، ظلت كما هي حتى إطفأ الحماس بعينيه، تنظر للوحة بألمٍ ثم نهضت تسير باتجاه غرفتها تلقي كل شيء باهمالٍ حولها اللوحة... أقلامها... كل شيء.
رأى عامر ردة فعلها وعلم بأنها تتألم ولا تدري ما بها وإلى أين يقودها هذا الشعور، غيرت ملك روتين يومها فهي بالعادة منظمة ولكنها ألقت كل شيء باهمالٍ تنطفئ عينيها بشكلٍ مخيف، نهض سريعًا يتحرك باتجاه غرفتها قبل غلقها الباب يردف بصوتٍ حزين:
_تعالي يا ملك برة عشان أعرف اتكلم معاكي.
_مش عايزة.
كلمة مقتضبة متألمة خرجت من فمها، بينما بقى عامر مكانه لا يعلم ماذا يفعل فإن أصر سوف تدلف ملك بحالة سيئة أيضًا، فقرر الحديث واقفًا على الباب بألمٍ:
_ أنا عارف أنتِ حاسه بإيه يا ملك... أنا برضو أمي سبتني وأنا صغير حسيت بحاجة بتقطع قلبي... وجع مخليني عايز أخلع قلبي من مكانه يمكن أهدى... بس ربنا أدانا دموع يا ملك... الدموع دي لما يجلنا احساس بيوجعنا كده بنسيبها تنزل... سيبي دموعك تنزل يا ملك...
أطلقت العنان لدموعها، تسيل بصمتٍ على وجنتيها، نعم لم تشعر بوجود والدتها معها ولكنها لا تريد ابتعدها، هي بحرب لم ولن تنتهي، ازدادت دموعها كما تزداد الأمطار لتصبح عواصف تضرب كل شيء حولها، وضعت ملك وجهها بين راحتي يدها تبكي بعنفٍ يعلو صوت بكائها، ليسمعها عامر بحزنٍ دون أن يتدخل فهذا أفضل لها، بل انطلق لباب الشقة يفتحه يجلس بالقرب منه منتظرًا شقيقه يعود.
************
ارتمت بأحضان والدتها تطلق شهقات عنيفة متتالية، لتضمها زينب بخوفٍ متمتمة بقلق:
_ مالك يا بنتي؟ حصل ايه؟
أجابتها بصوتٍ باكي:
_ عمار قالي أنه هيفضي الشركة ويسافر تاني يا ماما... محبنيش ولا فكر فيا!
قطبت زينب جبينها بدهشةٍ تعتريها صدمة، تتحرك مع ابنتها حتى وصلت لغرفتها تضمها باحتواءٍ لعلها تهدأ قليلًا، تردد بصوتٍ حاني:
_ ليه متكلمتوش؟
ظلت سيليا تنظر للأسفل دون أن ترفع بصرها، لتكمل زينب بهدوءٍ:
_طب احكيلي حصل ايه بينكم؟
ازدردت لعابها بألمٍ، تتساقط دموعها بصمتٍ، تمسك زينب بكفها بحبٍ تسترسل بحنانٍ دافئ:
_ يلا يا سيلا احكيلي حصل ايه؟
أخذت نفسًا عميقًا بعدما انطلقت شهقة قوية، فلم يعد هناك دافع لتخفي الحقيقة، أجابتها بصوتٍ مبحوح:
_أخر فترة كان بيتعب كتير... وقت ألقيه ماسك راسه من الوجع... ووقت ألقيه دايخ وواقع على الأرض مش عارف يقوم... وفي وقت أكلمه فيه مش بيرد عليا يبصلي ويسكت ويرجع يبص على اللي في ايده من غير ما يرد أي كلمة أو حتى يبين تعبير ولما أحاول اساعده يرفض ويتعصب.
تعجبت من طريقة عمار فهو من تقرب من ابنتها وطلب الزواج بها منها قبل عودتهما من الحارة فماذا حل به؟، نظرت زينب لإرهاق ابنتها الواضح لتزيح حجابها بهدوءٍ قائلة بنبرة جادة:
_ طب نامي دلوقتي ولما تصحي يحلها ألف حلال.
انكمشت سيليا بالفراش ولكن تسيل دموعها بصمتٍ، تنظر للظلام حولها بعدما انطفأت الأنور، بينما وقفت زينب بالردهة متمتمة بضيقٍ:
_ ماشي عمار أنا اللي هجيلك لما أشوف عملتك الهباب دي.
***********
لا تعلم أين تذهب فقط عقلها كان يفكر بكلمة جبران أن والدتها قُتلت، رفعت بصرها فرأت اسم الأخصائية مريم محمد، نظرت لجبران بغضبٍ ليسرع بالحديث متمتمًا:
_ لزمًا تبقي أقوى من كده يا يقين فاطمة زمانها عرفت وغفران دلوقتي في السجن.
تبخر الغضب ليحل صدمة مخيفة، ابتسم بحزنٍ يكمل حديثه:
_غفران متهم في قضية قتل فجبتك لدكتور مريم هتطلعي عندها وأنا هروح القسم أجيب فاطمة وأشوف غفران وأجيلك تكون قدرتي تخرجي اللي جواكي... لزمًا تتعودي تدي كل حاجة حقها حتى حزنك.
صمتت لم ترغب بالحديث، بل ترجلت من السيارة تصعد معه للطابق المنشود وما أن دلفت يقين للمكتب مريم حتى غادر جبران إلى وجهته، يفكر بشقيقه وماذا حل بهِ؟
وقفت أمام مريم بصمتٍ ملامحها مبهمة جامدة، تأملت مريم هيئتها ثم قالت بهدوءٍ:
_مالك يا يقين؟
أجابتها بجمود:
_ ماما ماتت.
أومأت مريم بتفهمٍ، لتردف بسؤالٍ آخر:
_ ولما عرفتي حسيتي بإيه؟
ابتلعت لعابها بألمٍ، علقت بغصةٍ متألمة، تنظر نحو مريم بمزيج ما بين الألم والجمود، تشير باتجاه قلبها:
_ دا وجعني ومش عارفة وجعني عليها ليه... ليه يوجعني على أكتر واحدة أذتني... ليه؟
_ مهما كان برضو دي والدتك.
نطقت بتلك الكلمات كما لو كانت قنبلة أُلقيت، اشتعلت عين يقين بالغضب تنظر نحو مريم بآلامٍ جُمعت عبر الزمن مجيبة:
_ لا مش والدتي مفيش أم تعمل اللي هي عملته فيا... دي كانت بتحرمني من كل حاجة... كنت لما أغلط كانت تأذيني بالكلام... علطول تقولي إني غبية وفاشلة ومش فالحة... ولما أرفض طلب تطلبه تضربني... دي كانت بتضربني قدام أي حد... أنا مبحبهاش وبكرهها.
نظرت مريم لدموعها المتحجرة تأبى النزول، فهمت ما تمر به، تحبها ولكن العائق ماضيها، لم تصنع ذكرى جيدة مع والدتها، فقدت الكثير بحياتها وأولهم نفسها لم تجدها إلى الآن، نظرت لها مريم بحنانٍ قائلة:
_ طيب ليه حسيتي بالوجع وليه عايزة تبكي؟
تبخرت دموعها المتحجر تسيطر عليها بطريقة مخيفة، مدت يدها تمسح وجنتها وكما لو كانت تبكي حتى جرحت وجهها بأظافرها، ترفض هذا الوقع بشدة، نهضت مريم تمسك بكفيها سريعًا قبل أن تكمل بجرح ذاتها، بينما قالت يقين بانهيار:
_ أنا مش بعيط عليها مش عايزة أعيط عليها أصلًا... معرفش قلبي وجعني ليه بس أنا مش عايزاه يوجعني!
حدقت في مريم بألمٍ متمتمة:
_أعمل ايه عشان ميوجعنيش؟
جلست أمامها بالمقعد، تجيبها بهدوءٍ:
_ اديله حقه أنه يزعل وبعدها مش هيوجعك.
لم تتحدث ولم تصدر ردة فعل،بينما استرسلت مريم بهدوءٍ:
_ أنا مش هقولك إنها والدتك والجنة تحت اقدام الأمهات وغيره من الكلام دا لأنك عارفة الكلام دا... لكن هقولك إن ربنا خلقك كده بتحبي والدتك بالغريزة بتاعتك... غصب عنك هتزعلي عشانها مهما أذيتك واتوجعتي منها هتلاقي نفسك بدافعي عنها لو حد اتكلم وحش عليها وممكن مدفعيش عنها بس هتضايقي عشانها... مشاعرك طبيعية يا يقين سيبيها تخرج، منعك لخروج مشاعرك في شوية... دموع والكلام هيخلي جسمك غصب عنه بيخرجها بكذا شكل مؤلم ومؤذي أكتر ومش هتعرفي تسيطري على نفسك وهتأذي أكتر ناس بتحبيها.
أمسكت مريم بكفي يقين لتوقفها أمامها مباشرة، تردد وهي تنظر لحدقتيها الزائغتان:
_ عيطي وخرجي اللي جواكي و خليكي عارفة إن والدتك عملت كده لسبب يمكن تعرفيه ويمكن لاء لكن في النهاية مفيش حد بيعمل حاجة من غير سبب ودافع يحركه لكده فحطي في دماغك كده وسيبي الغايب غايب لأنه لو ظهر هيوجع وبس.
كلماتها هدأت هذا الأعصار المخيف ولكن أشعلت أخرى متألمة، ظلت تتأمل حدقتي مريم اللتان تشير لها أن تبكي ولكنها فشلت ترغب ولا تفعل، همست بانهيارٍ واضح:
_ مش عارفة... مش عارفة.
أسرعت مريم بالحديث قائلة:
_ اهدي طيب تعالي معايا.
تحركت معها باتجاه اليمين في نهاية الغرفة، تراها تخرج لوحين خشبيين يغطي أحد وجهيها مسامير مرصوصة بشكلٍ منظم ومتخصص كي لا تنفذ بالجلد، وضعتهما على الأرض وأشارت ليقين قائلة بتوضيح:
_ دا أسمه لوح مسامير بنستخدمه عشان تقدري تخرجي مشاعرك كلها... كل اللي هتعمليه هتاخدي نفس وتخرجي براحة كذا مرة قبل ما تطلعي وبعدها تحطي رجلك اليمين براحة وبعدها رجلك التانية بشكل تدريجي وأنا هساعدك توزني جسمك براحة ومتخفيش منه مش هيعورك.
أومأت يقين تنفذ تعليماتها بدأت بأخذ انفاسها ثم زفرتها ببطءٍ تمسك بكف مريم الممدود ثم وضعت قدمها اليمنى على اللوح المسماري ثم بدأت بوضع الأخرى لتوزن جسدها عليها وبالفعل وقفت عليها، بدأ جسدها يتحفز قليلًا لتنظر لها مريم تراقب تعبيراتها قائلة:
_ قوليلي بقى لسه موجوعة على والدتك؟
كانت تمسك بكفيها لم تتركهما، تنظر لها بألمٍ، بدأت تلح رغبتها بالبكاء حتى تجمعت دموعها، تردف بألمٍ:
_آ.. آه.
_ ولسه بتكرهيها؟
نطقت لهذا السؤال بهدوءٍ تعلم مدى تأثيره عليها، حدقت بها يقين بصدمةٍ فلربما قالتها هي ولكن عندما وجهها أحد بالحقيقة ما قالته شعرت بالبغضاء، سالت دموعها بغزارة، تجيبها بألمٍ يزداد:
_ل.. لاء.
ازدادت قبضتها على كفي مريم، لتردف مريم بتحفيز:
_ عيطي يلا يا يقين يلا.
بدأت تبكي تزداد شهقاتها بشدة، حتى أصبحت صرخات متألمة احتضنتها مريم بشدةٍ تربت على ظهرها، في حين لم تتوقف يقين عن البكاء تخبرها مريم بأن تنزل قدمها بحذر فقد مرت دقيقة ونصف عليها وبالفعل تحركت يقين ولاتزال تحضتن مريم حتى جلست على الأريكة بجسدٍ منهك يهدم صمت هذه اللحظة صوت شهقاتها.
**********
_ أنا عايز أعرف ايه علاقة كامل نور الدين بـ غفران؟
نطق بتلك الكلمة بانفعالٍ، ينظر لعاصم بحدةٍ بالغة، في حين نظر له عاصم بهدوءٍ قائلًا:
_ الأفضل غفران اللي يحكيلك.
زفر جبران بغضبٍٍ، ليشير له عاصم بأن يتحرك معه نحو مكتبه وبالفعل سار خلفه حتى وصل للمكتب طرق عدة طرقات ثم دلف للداخل فوجد فاطمة تجلس على الأريكة بجوار غفران وجهها متورم من أثر البكاء تغمض عينيها بارهاقٍ يبدو عليها النعاس، نظر لهما جبران بألمٍ ثم دلف للداخل مردفًا:
_ ايه اللي حصل يا غفران؟
زفر غفران بمهلٍ ثم نهض قائلًا بهدوءٍ:
_ تعالى يا عاصم عشان احكيلك كل حاجة.
أغلق عاصم الباب وجلسوا ثلاثتهم بالقرب من المكتب، ليردف عاصم بهدوءٍ:
_ دا مش تحقيق رسمي يا غفران.
أومأ غفران برأسه يردف ببسمةٍ هادئة:
_ عارف يا عاصم... لما حكيت عن فاطمة أول مرة شكيت في الموضوع وروحت لجدي وقتها وسألته بدون ما حد يعرف وقالي الحقيقة إن فاطمة فقدت الذاكرة ومش فاكرة حصل ايه ودا خرجها من القضية والدكتور قال إن مينفعش تفتكر دلوقتي لأن نفسيتها مضطربة، وجت البلد عندنا وهو أصر أننا نتجوز رغم أنه عارف إننا مش طيقين بعض بس كان شايف حنية فاطمة وعرف إنها هتقدر تخرجني من الحالة اللي عيشت فيها بقالي اربع سنين... وكان وقتها معاه حق لأني بدأت أخد على فاطمة وأحب وجودها بس كنت بقاوح بعد اللي حصلي وبقنع نفسي انهم غدارين وجه في مرة شوفت فاطمة بدافع عني قدام الناس اللي كانوا مستكترينها عليا...
زفر قليلًا ينظر لفاطمة التي تجلس بعيدًا تغفل على الأريكة بارهاقٍ، فهي لا تعلم بهذا الأمر، استرسل بهدوءٍ متألم:
_ قررت وقتها أدور في القضية وخاصة إني عارف إن في دليل مختفي وبحثت عن أحمد وعلاقاته ووقتها حد من صحابه قالي إن سُهى كانت بتجري وراه كتير ولما روحت هناك سمعتها بتقول بصوت عالي إنها قتلته وقتها اتصلت بكامل قولتله إني هقابله عشان يعترف وإلا هفتح القضية تاني وبنته سهل تعترف.. بس رفض وقالي إن مش هي اللي قتلت وإن في حد هو اللي قالها تعمل كده عشان يخلى الجو ليها وهو برضو اللي نفذ ولما حاولت اعرف قالي مش في التلفون واتفق معايا على نفس اليوم وروحت الساعة 2 لقيته ميت والسكينة في رقبته نزلت عشان أشوفه وبسحب السكينة لقيته متلج معنى كده في حد جه قبلي بكتير وقتله فخرجت بسرعة ورميت السكينة ومشيت.
استمع عاصم لحديثه بهدوءٍ يحلل قوله، ثم تسأل مجددًا:
_ طب قابلت عمتك أمتى؟
أجابه بهدوءٍ:
_ بعد ما الخبر اتنشر عمتي ناهد رنت عليا وقالتلي أنها عايزة تشوفني... كانت خايفة أعرف الحقيقة من برة وفاطمة تتأذي وجتلي قبل ما يتقبض عليا بكام ساعة وقالتلي الحقيقة وأنا عرفتها إني عارف كل حاجة ومتقلقش على فاطمة وبعدها مشيت وسبتها لأنها قالت هتقابل حد تاني ومعرفش مين عشان متسألش بس الدواير كلها هتكون على سُهى وعيلتها لأن الخيوط كلها بتروح ليهم.
نهض متجهًا لجهاز الحاسوب متمتمًا:
_ الطب الشرعي هيثبت الجثة توفت من امتى لما يبعتوا التقارير... بس خليني أشوف معاد دخولك يا غفران ولو ثبت صحة كلامك مسائلة وقت وتخرج من هنا.
وبالفعل رأى شريط الفيديو فوجدها الساعة الثانية وقت دخوله قطب عاصم جبينه يعيد اللحظة التي تسبق دخول غفران فوجدها الواحدة والنصف، ترك الشريط يمر يركز على الساعة فلم يرَ ما حدث منذ الواحدة والنصف حتى الثانية قبل دلوف غفران، اتسعت ابتسامة عاصم متمتمًا:
_ في دليل يثبت إن حد لعب في شريط الكاميرات وإن في نص ساعة مقطوعة والتقارير لو أثبتت إن كامل مات قبل الساعة 2 يبقى هتخرج من القضية.
استدار غفران يتقدم من فاطمة يُقيظها بهدوءٍ هامسًا لها بأنه ليس سوى وقت ليغادر من هنا ويعود لها يحتضنها بحبٍ، في حين بقى جبران صامتًا يشعر بأن كل ما يحدث غريب، نظر نحو غفران الذي قال بهدوءٍ:
_ مالك يا جبران؟
حرك رأسه بنفيٍ متمتمًا:
_ مفيش بس قلقان عليك... أنت أخويا الكبير ومهما بعدنا فدمنا واحد.
أشار إلى أن الوصال بينهم قوي مهما تفرقوا، ابتسم له بهدوءٍ يردف ببسمةٍ هادئة:
_ متقلقش على أخوك... القضية محلولة أساسًا.
تنهد جبران براحةٍ ثم نهضوا لتغادر فاطمة مع جبران بعدما أشار لها غفران، في حين نظر عاصم نحو غفران بعد مغادرت الجميع قائلًا:
_ كان لزم يعني نعمل الفيلم الهندي دا عشان تنطق!
ضحك غفران عليه يجيبه:
_ ما أنا عارف إنك مكنتش هتجيب فاطمة فكان لزمًا اسكت لحد ما تجيبها وأطمن عليها.
ابتسم عاصم ثم أشار للعسكري بأن يأخذ غفران إلى الحجز فهي مسائلة وقت حتى يستطيع المغادرة فقط يظهر دليل برائته.
************
_ ها يا يقين أحسن دلوقتي؟
سألتها باهتمامٍ، بينما نظرت لها يقين بارهاقٍ تجيبها بإماءة:
_ أيوة.
عادت تسألها بهدوءٍ:
_طيب قوليلي لسه حاسه إنك بتكرهي والدتك ولا مضايقة منها؟
أجابتها بصوتٍ محشرج:
_ مضايقة منها عشان سبتني قبل ما تصلح اللي عملته واتعالج.
ابتسمت مريم براحةٍ تردف بكلماتٍ إيجابية:
_ بصي يا يقين أنتِ لسه على اتصال بوالدتك.
نظرت لها يقين بتعجب، لتسترسل مريم بتوضيح:
_ عشان تتواصلي مع والدتك لزمًا تعملي ليها صدقة جارية.. تدعلها بالرحمة دي طريقة تتصلي بيها مع والدتك وتتكلمي معاها اللي ملحقتيش تعمليه وهي عايشة أعمليه دلوقتي برضو وكله بيوصلها.
تعجبت من حديثها لتتمتم بتعجب:
_ وأنا استفاد إيه؟
ابتسمت لها مجيبة:
_ هتستفادي نفسك وراحتها... هتلاقي نفسك بتعملي الخير وصدقة وأنتِ مبسوطة وبتزيدي... كل إنسان جواه خير وشر و أنتِ جواكي خير كبير أوي بس مش عارفة تخرجيه وجه الوقت اللي تخرجيه فيه.
أومأت يقين بإيجابية، لتعود تستطرد مريم بعملية:
_ هتيجي الجلسة الجاية عشان نكمل؟
نهضت يقين بعدما أبلغتها بالموافقة، تتحرك نحو الخارج فوجدت جبران ومعه فاطمة، تقدمت فاطمة من شقيقتها ثم احتضنتها تسيل دموعها بصمتٍ بينما نظر لهما جبران ثم قال بهدوءٍ:
_ يلا بينا.
تحرك ثلاثتهم إلى الخارج عائدين للمنزل، فأصبحت يقين وفاطمة وملك بغرفة كلًا منهما تخفف عن الأخرى، بينما أنطلق جبران يكمل إجراءات الدفن الخاصة بناهد يعلن بوفاتها للجميع وأخبر والده بما حدث مع غفران، ولكن ما أن علم الجد جبران حتى نُقل للمشفى ورافقه خليل الذي أصبح بحالةٍ يرثى لها.
***********
علمت الثلاث فتيات بما حدث للجد وقرروا الذهاب جميعًا باليوم التالي وبالفعل انطلق جبران ومعه عامر والفتيات إلى المشفى التي يقبع بها الجد جبران وما أن دلفوا حتى وجد خليل بحالةٍ من الإنهيار التام، نظر له جبران بخوفٍ متمتمًا:
_ جدي ماله؟
نظر له خليل بأسفٍ ثم قال بصوتٍ مختنق:
_ دخل غيبوبة سُكر.
شهقت يقين بصدمةٍ، بينما أخذتها فاطمة باحضانها تربت عليها بصمتٍ، تشعر بأن ما يمرون به ليس سوى ابتلاء مخيف سيأتي يوم وينتهي، تصبر ذاتها بقرب مغادرة غفران بعد ظهور تقارير الطب الشرعي والتأكد من خروجه اليوم.
**********
وصل لبنية التي يقطن بها كامل نور الدين يجب أن يبحث خلفه لعله أخبر زوجته بشيء، يجب أن تنتهي قضية ناهد وكامل سويًا، ولكن ما يشتت انتباهه اختلاف طريقة قتل كامل عن طريقة قتل ناهد فهذا ما أثبته الطب الشرعي.
صعد للطابق المنشود ولكن رأى الباب مفتوح وصوت شهقات عالية يرفقها ضحكة بالشقة، تقدم بهدوءٍ نحو الداخل يزيح الباب قليلًا ولكن اتسعت عينيه بصدمةٍ ما أن رأى منيرة تفترش الأرض غارقة بدمائها تقف سُهى جوارها تارة تبكي وتارة تضحك وبيدها سكين ملوثة بالدماء!
"اشتركوا على قناتنا على تليجرام أو قناة واتساب ليصلكم أحدث الفصول والتنبيهات فور نشرها"
"اشتركوا على قناتنا على تليجرام أو قناة واتساب ليصلكم أحدث الفصول والتنبيهات فور نشرها"