الفصل الواحد والعشرون من رواية "وبالحب اهتديت" بقلم سلمى خالد.
وبالحب اهتديت الحلقة الحادية والعشرون
وبالحُبِ اهتديت
«هُدايا وهُداكِ وبينهما العشق»
سلمى خالد إبراهيم
استغفر الله العظيم وأتوب إليه 3 مرات
حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 7مرات
( قولهم مش هياخدوا وقت يا سكاكر♡)
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الواحد و العشرون
( حقائق أخرى)
أنا من اوقعته الحياة بأسرةٍ لا تتفهم معنى أبناء...
أنا من وُضعت بين قضبان أوهام أنني محبوب ولستُ منبوذ...
أنا من تلاشت ابتسامته بعدما صفعته قسوة الحياة...
أنا من خانني جميع من أحبهم وتركوني ألملم أشلائي الممزقة...
أنا من أراد شيء فانطلقتُ لكل ما هو شرعي وغير شرعي...
أنا من دمرته أسرته وحياته وكل شيء حتى أنتهى المطاف لفقدان عقلي...
صدع صوت السكين وهي تلطم بالأرض، يراها تنظر لوالدتها وللدماء حولها بدموعٍ تزداد حتى أغرقت وجهها المطلخ بالدماء، تجلس جوارها متمتمة بألمٍ:
_ليه سبتني زيه... ليه محبتونيش وسبتوني... سبتوني وأنا صغيرة وبعدتُ عني ودلوقتي سبتوني... حتى أحمد قتلته وقولت أروحله بس أنتِ منعتيني وهو بعد عني... ليه محدش بيحبني ومنبوذة من الكل... أنا بكرهني ومش عايزة أعيش تاني... ماما قولي لربنا ياخدني معاكم طالما بفشل علطول في إني أموتني...أنا مليش حد هنا...
أشفق عليها بشدةٍ ما الذي حدث بها، استمع لصوت رجال الشرطة يصعدون ولكن اشار لهم بهدوءٍ ألا يتدخلوا، تقدم نحو سُهى بحذرٍ كي لا يفسد الأدلة، يردف بصوتٍ حزين:
_ سُهى...
رفعت بصره نحوه بألمٍ، تزداد دموعها بالهطول متمتمة باختناق:
_ قولها إني عايزة أمشي معاها... هي علطول بترفض تخرجني معاها من وأنا صغيرة كانت عايزني اعتمد على نفسي ومخفش بس أنا بخاف...
اهتز قلبه من كلماتها، مريضة من سوء تربية... مريضة جهل أسرة عن سلوك التربية الصحيح... مريضة من مجتمع متنمر قاسي، حاول الحديث بثباتٍ ولكن استرسلت سُهى بشهقاتٍ تقطع حديثها:
_ هو أنت كمان مش بتحبني زيهم... طب قولي أنا وحشة ازاي ومتحبش ليه... هما اللي رفضوني وبعدوا عني... صحابي كان بيقعدوا مع فاطمة وأنا لاء حتى أحمد حبها وخطبها ورفض حبي ليه ولما حاولت معاه رفض... حاولت اسيبه مكنتش بكرهه أنا بحبه...
شعر عاصم بوجود خطبًا ما بحديثها، هناك جزء مفقود، كاد أن يتكلم ولكنها فقدت الوعي زفر باختناقٍ ثم نظر لأحد رجال الشرطة وأشار له بأن يكملوا عملهم، وانطلق نحو المشفى التي تقبع بها تلك الآنسة كما يطلق عليها فلم يعلم اسمها حتى الآن...!
***********
والغريب أن الغريب أحن وألطف..!
وقف أمام غرفتها بتردد هل يدلف لها ويعلم سرها أم يغادر بصمت، ولكن هناك حلقات كثيرة مفقودة بتلك القضية!
ثلاث جثث بثلاث قضية مختلفة... ليس لها سبب واضح للقتل... هل يعقل أن تقتل سُهى الثلاثة؟ وحتى وإن قتلت هل من الممكن أن تقتل والدتها؟
قطع وصال أفكاره المعقدة خروج الطبيبة من غرفة وتين التي يجهل اسمها حتى الآن، لتتفاجأ الطبيبة منه متمتمة باستفهام:
_ أهلًا عاصم بيه حضرتك محتاج وتين في حاجة؟
قطب ما بين حاجبيه نابسًا:
_ وتين؟
أومأت برأسها مبتسمة بهدوءٍ، تجيبه ببعض الأمل:
_ أيوة المريضة اللي حضرتك جبتها اتحسنت شوية واتكلمنا وعرفت ان اسمها وتين.
تهلل سريره يسأل متلهفًا:
_ يعني أقدر اتكلم معاها وأعرف مين عمل كده وإيه دخلها بقضية كامل؟
نفت برأسها سريعًا تجيبه بعملية:
_عاصم بيه أنا مقدرة جدًا إن القضية معقدة بس المشكلة إن وتين لسه حالتها مضطربة ولسه النهاردة أول يوم تتكلم فيه بعد ما أخدت أكتر من أسبوعين عشان بس تتقبل وجودي وتتكلم معايا... فأحتمال كبير متستجبش لحضرتك وتتنكس تاني.
زفر محبطًا مما قالته، ينظر لها بضيقٍ يتمتم بصوتٍ مسموع:
_ طب ممكن أحاول ولو حصل أي حاجة هوقف علطول محتاج أعرف علاقتها بكامل؟
لا يعلما أن هناك من يسترق السمع، يبتسم بسعادةٍ لما سيجنيه من مال بعد معرفته بسر تلك الفتاة وربطها بالقضية، اختفى تمامًا، بينما أومأت الطبيبة بيأسٍ ليدلف عاصم يراها تجلس على الفراش تضجع بظهرها الوسادة، كانت شاردة باللاشيء حتى فاقت على ظل عاصم امامها، ارتجف جسدها ما أن رأته ليردف عاصم بهدوءٍ قبل أن تخشاه:
_ أهدي يا آنسة وتين مش كده؟
امتلأ الرعب بحدقتيها ما أن نطق اسمها، تتراجع بعيدًا حتى كادت أن تسقط لولا نطقه بقلق:
_حاسبي هتقعي!
نظرت خلفها فوجدت ذاتها بالفعل على وشك الوقوع، فأسرع عاصم يتمتم بكلماتٍ دافئة ساكنة:
_ أنا لقيتك قدام بيتي بين الحيا والموت ووديتك المستشفى وبعدها جالي شغل وسبنا البلد وجبتك القاهرة... مقدرتش اسيبك هناك.
انحنى بجزعه العلو حتى أصبح مستوى وجهه بنفس الارتفاع خاصها يردف بهدوءٍ دافئ:
_ فالأكيد لو أنا عايز أأذيكِ مش هوديكِ المستشفى صح ولا إيه؟
صمتت عن الحديث ولكن هدأت ملامحها الملتاعة، تزيغ ببصره بعيدًا، بينما اعتدل عاصم بوقفته يرمقها بنظراتٍ مراقبة، ملاحظًا هدوئها، ابتسمت الطبيبة براحةٍ وشعرت بقوةٍ عاصم في فرض سيطرته فقررت الانسحاب بهدوءٍ حتى يستطيع إكمال تحقيقه.
:_ إيه علاقتك بكامل نور الدين؟
نطق بذلك السؤال بجمودٍ، يرتجف قلبها ذعرًا، تحرك رأسها برفضٍ قاطع عن النطق بالاجابة، بينما نظر لها عاصم بضيقٍ ثم قال:
_ آنسة وتين مش هينفع خوفك دا... في ناس وقعت في القضية ظُلم والقاتل لسه بيهرب وبيكمل في سلسلة جرايمه لحد دلوقتي 3 جثث.
اتسعت عين وتين برعبٍ، ينتفض جسدها ذعرًا منه، تنطق لأول مرة يسمع صوتها:
_ لالا مش عايزة أشوفه مش عايزة هيقتلني.
شعر بدخولها لحالتها السابقة فأسرع بالحديث قائلًا:
_ أهدي يا وتين مفيش حد هيجيلك... متقلقيش محدش يعرف بوجودك بالقاهرة واللي حاول يقتلك فاكرك دلوقتي مع الملايكة بتتحاسبي.
تنفست بسرعة كما لو كانت غريقة وانتشلتها تلك الكلمات من الغرق، بينما نهض عاصم من أمامها ولكن يزداد اختناقه كلما فشل في معرفة سر من أسرار تلك القضية، ولكن ارتفع صوتها مرددة برجفة واضحة:
_ مش هشوفه صح؟
تنهد يستدير ينظر لعينيها الملتمعتان بالدموع، أجابها ببسمة تبث الطمأنينة بها:
_ أنتِ في حمايتي... متقلقيش.
ظهر شبه ابتسامة تكاد تُرى، بينما غادر عاصم من الغرفة ليجد الطبيبة تتحدث مع أحد الممرضات فتقدم لها يردف سريعًا ما أن انتبهت له:
_ حاولي تمهدي ليها تتكلم وتثق فيا عشان أقفل القضية... لقينا جثة جديدة تاني.
حدقت به بصدمةٍ ولكن سرعان ما ادركت ذاتها لتجيبه بايجابية:
_ حاضر يا عاصم بيه هحاول معها.
كاد أن يغادر ولكن استدار يسألها مجددًا:
_ هو ممكن مريض نفسي يقتل والدته؟
نظرت له بهدوءٍ ثم أجابته بعملية:
_ على حسب يا عاصم بيه... مستوى المرض وصل لفين عشان أحدد هل فعلًا يقتل ولا لاء!
_ خلاص في مريضة متورطة في الجريمة هبعتلك التفاصيل بس عايز تقرير رسمي عشان بناء عليه نعرف ناخد خطوة.
نطق بتلك الكلمات ثم غادر المشفى بوجهٍ عابس مختنق، يركب سيارته متجهًا نحو القسم كي يكمل باقي تحقيقه في قضية جديدة ويرى هل لها علاقة بالجريمتين الأخرتان أم هي منفردة، يرسل لطبيبة المسؤولة عن وتين تقرير بالقضية وأشار لأحد زملائه بأن تنتقل سُهى للمشفى.
**********
لفحة من الهواء البارد تلامس وجهه، أغمض عينيه يستنشق تلك اللفحة باستمتاع، نعم اغتصاب الحرية أمرًا قاسي، تلك القبضان التي بقى خلفها جعلته يشعر بمدى الظُلم الذي يقع على من بداخله، فلم يفعل شيء واُغتصبت حريته بجريمة قتل لم يرتكبها ولولا صديقه من يمسك تلك القضية لأصبح بخبر كان...
فتح عينيه يسير ببطء، خطوات متعبة مرهقة كي يغادر لشقته حيث توجد معشوقته، ولكن رأى شقيقه يسر بخُطاه نحوه يحتضنه بودٍ قائلًا:
_ حمدلله على السلامة...
ابتسم له بهدوءٍ، يربت على ظهره برضٍ قائلًا:
_الله يسلمك يا جبران.
ثم أضاف متسائلًا عندما لاحظ اختفاء الجميع حتى صديقه لم يراه أثناء خروجه بعدما انتهت اجراءات الخروج:
_أمال فاطمة فين؟
حلقت سحابة الحزن على وجهه، ينظر نحو شقيقه بألمٍ مجيبًا:
_ قاعدة مع بابا وجدي في المستشفى.
قلقت ملامحه بشدة، يتمتم سريعًا:
_ ليه حصل ايه؟
سرد له ما حدث منذ وفاة ناهد حتى دخول جده بغيبوبة السُكر، زفر غفران باختناقٍ، يشعر بضيق صدره مما يحدث، أ لا يوجد وقت للتنفس دون عناء، تحرك مع شقيقه ليذهب إلى المشفى بعد جدال بينهما، يفكر بما سيحدث بعد ذلك.
جلس شاردًا بكل ما يحدث وما سيحدث، أيها المستقبل كم أنت مخيف! تخفي بداخلك أسرار لا نعلمها سوى بترتيب خاص من الله فتظهر ورقة ورقة وحقيقة حقيقة كلها واحدة تلو الأخرى حتى تكتمل لنا صورة لم نكن لنراها منذ البداية، فكنا نظن السوء بعدما أُصيبنا بالابتلاء ولكنها تصبح الأكثر خيرًا لنا بالنهاية الأمر بعدما تكتمل الصورة ولعل سورة الكهف خير دليل.
:_ يلا يا غفران ننزل.
حرك كتف شقيقه بعدما لاحظ شروده، فانتشله من تلك الواحة ينظر نحوه، ثم ما كاد أن يهبط من السيارة حتى قال جبران:
_ أنت سرحان لي ايه؟
ابتسم غفران بحزنٍ يجيبه بهدوءٍ:
_ في الدنيا..
ترجل من السيارة يدلف للمشفى بخطواتٍ متمهلة، لا يستند على كف شقيقه يريد الاعتماد على ذاته، رغم ما يشعر به من آلام بقدمه ولكن لا يريد، عزة النفس لن تنكسر فهي أخر ما تبقى له، صعد للطابق المنشود حتى رأها تجلس جوار والده تربت على كتفه ولكن دموعها لم تجف، تحرك صوبهما حتى استطاع الوقوف أمامهما، رفع خليل بصره وما أن رأى ابنه حتى نهض يرتمي بأحضانه باكيًا كما لو كان ابنه وهو والده، تفاجأ غفران من ردة فعله ولكن رأى فاطمة تشير ليده بأن يرفعها ليحيط والده وبالفعل امتثل لها وبدأ يربت على كتفه بحنوٍ يحاول تهدأته، بينما ردد خليل بكلماتٍ متألمة:
_ سلمت عليا وودعتني يا غفران... كانت بتحضني الحضن الأخير قبل ما تمشي وأنا معرفتش... يارتني كنت أعرف كنت منعتها ومخرجتش يومها.
زفر غفران بثُقل يزداد على صدره، يهمس لوالده بحزنٍ يحمل ثبات ظاهري:
_ ربنا يرحمها... ادعلها دلوقتي هي محتاجة الدعاء.
ظلت حالة خليل يرثى لها، بينما جعل الفتيات يبكين بصمتٍ بعيدًا، انتهى تلك الموجة الحزينة يخبر والده أن يعود للمنزل كي يستريح يرتفع بصوتٍ مسموع:
_ وأنت يا جبران خد الباقي وروحوا.
أومأ خليل بحزنٍ ليرتفع صوت جبران متمتمًا:
_ طب خد ملك معاك يا غفران عشان تفضل مع فاطمة.
نظر غفران له ثم قال بهدوءٍ:
_ لاء خليها معاك وفاطمة أنا هخلي بالي منها.
تعجب جبران من رفض غفران الغريب، ولكن تقدمت يقين نحوه تهمس بصوتٍ متعب:
_ مينفعش ملك تفضل مع فاطمة يا جبران خليها معانا.
أومأ جبران بهدوءٍ ينتظر أن ينفرد بيقين حتى يستطيع فهم سر عدم بقاء فاطمة مع ملك، غادر خليل لشقته يرفض بشكل قطعي أن يبقى معه أحد، بينما تحرك غفران مع فاطمة لشقته، واصطحب جبران يقين ومعه ملك وعامر وعاد بهم للشقة التي يقطنون بها.
**********
أغلق باب الشقة بهدوءٍ مخيف، ثم أمسك بكفها ساحبًا إياها نحو غرفتهما وسط ذهولها من طريقته فلأول مرة تراه هكذا، وقف أمامها تتشنج معالم وجهه من ألم قدمه، ثم دفن وجهه بعنقها بعدما نزع حجابها كأنه يختبأ من وحشة هذا العالم بها، في حين تفاجأت فاطمة منه وشعرت بالقلق عليه لترفع كفها تحاول رفعه عنه بعدما قيدها داخل أحضانه بذاعيه:
_ أ.. أنت كويس؟
_لاء.
إجابة صغيرة مختصرة نطق بها يزيد من أحضانه لها، يخبره بلغة جسده أنه لن يبتعد فقد حُرم منها لوقتٍ ليس بهينٍ، فعادت تهمس بحنوٍ:
_طب تعالى نقعد عشان رجلك.
استجاب لها بالفعل فقد اشتد الألم عليه، وتحرك معها للفراش حتى جلسا عليه، بدأت بالعبث بخصلات شعره الناعمة القصيرة، كأنها والدته، بالغرم من قلبها المنفطر لوالدتها ولكن حتى الحياة لم تعطهما فرصة ليحزنوا فجدهم بغيبوبة وزوجها يعاني...
_ أحسن دلوقتي؟
نطقت باهتمامٍ بالغ، بينما همس لها غفران ولايزال على وضعه:
_كنت محتاج الحضن دا.
زفرت فاطمة بارهاقٍ واضح، نعم جميعهم يحتاج لضمة لعلها تعيد طاقة أهدرتها الحياة، فهمست بحنوٍ:
_ عارفة يا حبيبي.
زحفت بسمة صغيرة لشفتيه فهي لأول مرة تهمس بتلك الكلمة، لم يعلق فهو الآن بحاجة للصمت، ربتت على ظهره تحثه على النهوض ثم قالت:
_ طب قوم بس خد حمام دافي عشان تشيل تعب الأيام اللي فاتت.
أومأ برأسه، يتحرك نحو المرحاض بارهاقٍ تدمي عينيه من شدة التعب، فتح الصنبور فانهمرت المياه فوقه، أغمض حدقتيه يسيطر على ذاته المتشتتة، ظل أسفل الماء حتى طرقت عليه فاطمة تتمتم بقلق:
_غفران أنت كويس؟
_ أيوة خارج دلوقتي.
أغلق المياه ثم أمسك بالمنشفة وجفف جسده، وبدأ بارتداء ملابسه ثم فتح الباب فوجدها تقف تهز قدمها بقلق بعدما ابدلت ملابسها لأخرى منامة سوداء قطنية تناسب هذا الجو المتقلب، ابتسم بارهاقٍ ثم تحرك معها يستند على كفها الصغير حتى جلس على الفراش وإلى جواره فاطمة، يدفن وجهه بها مجددًا، شعر بتوتر جسدها ورجفتها، خجولة... نعم إنها هكذا، زحفت بسمة متعبة لشفتيه ثم غرق ببحور النوم، بينما شعرت فاطمة بانتظام انفاسه التي تلفحها ولكن لايزال وجهها يشع بحُمرة الخجل، تربت على كتفه كما لو كان صغيرها وليس زوجها، حتى غفت هي الأخرى بتلك الليلة المتعبة.
***********
نظرت يمينًا ويسارًا بتوترٍ بالغ، تسير بخطواتٍ متأنية خفيفة كي لا يراها أحد، ثم فتحت باب الغرفة بهدوءٍ، تدث يدها بجيب سترتها لتخرج الهاتف، تنظر نحو "وتين" ببسمة لعوب، ثم همست وهو تشير بالهاتف نحوها لتلتقط بعض الصور:
_ أنا معرفش هما عايزين صورتك في إيه بس قبضت منك تمن حلو.
انتهت من إلتقاط تلك الصور، وخبئت سريعًا الهاتف بسترتها ثم غادرت الغرفة تتفقد إن كان هناك من رأها أم لا، ثم وقفت بعيدًا ترسل له الصور قائلة:
_كده ملكش عندي حاجة.
"تمام"
رأت تلك الكلمة المرسلة ثم أغلقت الهاتف ووضعته بحقيبتها تلك المرة، تلقي نظرة سريعة على ذلك الظرف المليء بالأوراق من فئة المائتين، ثم أغلقتها ووضعتها بخزانتها وانطلقت تكمل عملها لقضاء هذا اليوم الشاق.
**********
_ ممكن تساعدني أعملها صدقة جارية؟
استدار ينظر لها بدهشةٍ، يتأمل وجهها المتألم الحزين، فاقترب منها يهمس بحنوٍ:
_ متأكدة؟
أومأت برأسها بايجابية، تجيبه بصدقٍ:
_يمكن اللي بيني وبينها ذكريات وحشة بس هي أمي... الحقيقة اللي عمرها ما هتتغير مهما حاولت... وغصب عني لزمًا أعترف بيها وأوجها، فيمكن لما أعملها كده ارتاح.
تعجب من حديثها كيف لها الراحة فيما سبب لها السوء، فهمس بتساؤل:
_ ترتاح ازاي؟
اجابته ببسمة حزينة:
_ الدكتورة مريم قالتلي الصدقة الجارية مش للميت بس بتريح اللي بيعملها... بدخل الفرحة لقلبه وأنا محتاجة أرتاح يا جبران.
أومأ بتفهمٍ يجيبها ببسمةٍ حنونة:
_خلاص من بكرة نعملها صدقة جارية.
ثم أضاف متذكرًا ما حدث بالمشفى:
_ ليه ملك مينفعش تقعد مع فاطمة؟
نظرت له يقين ببعض التوتر، ولكن حسمت توترها بأن تخبر مقتطفات عن سر فاطمة لم يعلمه أحد متمتمة:
_ لأن فاطمة مريضة بانك اتاك من وقت موت بابا بس النوبة دي مجتلهاش لكن رجعت تجلها تاني لما أحمد خطيبها الأولاني كان هيسيبها لأنها ارتبطت بيه جدًا وعوضها عن بابا الله يرحمه بس خفت لما أحمد بعد عن الفكرة دي وقالها إنه مش هيسيبها ولما مات فاطمة فقدت الذاكرة ونسيت الجزء دا بس معرفش النوبة بتجلها ولا لاء وطالما غفران رفض يبقى معنى كده فاطمة بتجلها النوبة ومينفعش ملك تشوف فاطمة كده.
فهم الآن سر رفض غفران الغريب، أومأ متفهمًا فقد أخبره شقيقه بأمر أحمد فلم يتفاجأ بالأمر، ولكن بقى يفكر بحال تلك الفتيات، وما وصلوا إليه، دعى لعمته بالرحمة ثم أمسك هاتفه ليحدث بعض العاملين كي يكمل باقي الأعمال بدلًا عن جده.
**********
لمس فراش شقيقته بألمٍ، يذرف دموع قهرًا على فُقدانها، همس بحزنٍ:
_ كان نفسك تعيشي مع ولادك بعد ما خفيتي وترجعلهم بس ملحقتيش... هقولهم الحقيقة هقولهم إنك بتتعالجي عشان كنت عايزة ترجعلهم أحسن.
ظل على فراشها حتى غفى، يبكي بحزنٍ لفراقها، فهما تفرقا ثم عادا مجددًا لتقوى علاقتهما من جديد ولكن تلك المرة هي من فارقته وفارقت الجميع للأبد.
**********
" ظهور خيط جديد بقضية كامل نور الدين... وهناك فتاة ذات صلة به هل هي فتاة ليل أوقعته بشباكها وعندما رفضها قامت بقتله؟ حقائق مُخفاه خلف أسوار الغموض بهذه القضية والشرطة عاجزة عن ربط الخيوط وتحقيق العدالة"
تسارعت وتيرة أنفاسه بانفعالٍ واضح، ينظر لذلك الخبر المنتشر عن "وتين" صباح اليوم، كيف وصلت صورها للصحافة، ومن أعطى حق بنشرها وإساءة سُمعة تلك الفتاة، ارتفع صوت هاتف المكتب ليجبب عاصم سريعًا فبالتأكيد سيكون اللواء وصدق حدسه يجيبه بكلماتٍ رسمية مقتضبة:
_ حاضر يا فندم القضية دي هتخلص في أقرب وقت.
وضع سماعة بعصبيةٍ على المكتب، يغلق معه مزفرًا باختناقٍ، يشعر بأن هناك قيود كثيرة تزداد حوله، نهض يمسك بثلاث ملفات ومعها تقرير الطبيبة التي أشارت لعدم قتل سُهى لوالدتها وأن بنيتها الجسدية ضعيفة على أن تذبح رقبة بهذا العمق الظاهر بالتقرير المعمل الجنائي كما أنها لا تعاني من أي مرض يستدعي أن تقتل دون أن تشعر، نهض يراسل غفران عبر أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي "واتس أب" يخبره بأنه سيأتي له بالمساء اليوم.
**********
انتفض من مكانه ما أن رأى انتشار هذا الخبر، كيف لا تزال على قيد الحياة؟ هي دليل الوحيد ضده بقضية كامل نور الدين! هي الشاهد الوحيد بتلك القضية! مسح على وجهه بعصبيةٍ، ثم انطلق نحو خزانته يخرج سلاحه ينطلق سريعًا صوبها فلن يدع لها فرصة بأن تسجنه!
**********
لم يشعر بمرور الوقت وكيف أصبحت الساعة الخامسة عصرًا هل تآكل النهار بتلك السرعة، اعتدل بجلسته بعدما اختفت فاطمة، فكيف لم يشعر بنهوضها من جواره، تحرك من أعلى الفراش يسير باتجاه الردهة يبحث بعينيه عنها وما أن فشل برؤيتها حتى علا صوته المحشرج:
_فاطمة!
أتاه صوتها من المطبخ تجيبه بحبورٍ:
_ أخيرًا صحيت أنا قولت هتكمل لبكرة.
انطلق باتجاه المطبخ يقف على اعتابه، حك ذقنه التي نبتت بعدما بقى بالسجن لأيام دون أن يحلقها كما اعتاد، ثم قال ملاحظًا تورم حدقتيها من البكاء:
_ مش عارف نمت ازاي بس كنت محتاج أنام أوي... وأنتِ قومتي بالواجب.
غمز لها بعينيه، فاستدارت سريعًا تتحاشى النظر له بعدما غمرها الخجل، تشعر بتوترٍ من حديثه، فهي أيضًا شعرت بالأمان أثناء نومها، ولكن تخجل قولها له، فبالرغم من زواجهما لأشهر إلا أنهما لا يزالان زوجين بالقانون فقط، استدارت تكمل باقي ما تفعله، في حين اقترب غفران بمكرٍ مردفًا:
_ بتعملي ايه؟
أجابته بتوترٍ يزداد كلما استمعت لخطواته المقتربة:
_ بـ.. بعمل كيكة عشان تحلي بيها بعد الغدا.
اتسعت ابتسامته يقترب منها أكثر هامسًا بأذنها:
_ عايز أحلي بيكِ أنتِ.
شهقت بخجلٍ تترك ما بيده لتدفعه بعيدًا، تهمس بتوترٍ ممزوج بغضب زائف لتبعده:
_أطلع برة يا غفران خليني أخلص اللي بعمله.
انطلقت ضحكة قوية بعدما رأى توترها وغضبها منه، يشعر بتجدد خلاياه ما أن عاد لمسكنه، ثم ردد من بين ضحكه:
_خلاص هقعد هنا ساكت.
_وبأدبك!
نطقت بها بخجلٍ ممزوج بغضب، لتعلو ضحكته مجددًا يجيبها:
_وبأدبي يا كونتسة فاطمة.
ابتسمت برضا ثم عادت تكمل ما بدأته ليعود غفران بالحديث فإحدى الموضوعات يجذب انتباهها له لا يريد تركها للتفكير، يعلم أنها تفكر بوالدتها الراحلة ولكن هو أمر لن يتغير!
**********
طرق على باب غرفتها ينتظر خروجها كي يعطيها ملخصات التي جمعها لكل مادة دراسية، فقد اقترب موعد الامتحانات الخاصة بها ولابُد أن تعود وتهتم بأمور استذكارها، فُتح الباب ونظر لوجهها الحزين، فمنذ أن علمت بوفاة والدتها وهي لاتزال منطفئة... حزينة، يقتلها الألم، ليردف بحنانٍ:
_عاملة ايه يا ملك؟
لم تُجب اكتفت بتحريك رأسها بإماءة صغيرة، يضع عامر يده بمؤخرة رأسه يتمتم بحنوٍ لم يوقفه:
_ طب أنا جبتلك مذكرات وملخصات كل المواد عشان تذاكري خلاص فاضل شهر على الامتحانات أخر السنة.
_ مش عايزة.
نطقت بكلمتين مقتضبتان بائستان، تدمع عينيها باختناقٍ واضح، رأى حالتها وعلم أنها بحالة كآبة لابُد من أن تعود عنها، فأشار لها أن تغادر الغرفة قائلًا:
_ طب تعالي في الصالة نتكلم.
تحركت معه بخطواتٍ تظهر تعبها، تجلس على الأريكة بارهاقٍ واضح، بينما وضع عامر الأوراق عن يده متمتمًا بهدوءٍ:
_ ينفع تضيعي تعب السنة كلها عشان لحظة حزن ؟
سالت دموعها بصمتٍ دون اجابة، ليتمتم عامر بإصرار:
_جاوبي يا ملك؟
_ بس دي ماما.
نطقت بصوتٍ مبحوح، تتألم وتبكي، يرهقها هذا الجرح كثيرًا، زفر عامر بصوتٍ مسموع قبل أن ينطق بحنانٍ:
_ عارف إنها ماما يا ملك... ومقدر حزنك لأني فقدتها بوقت من الأوقات بس لزم نكمل... بابا قالي لو فشلت دلوقتي هتزعلها أوعى تفتكر أنها مش بتشوفك لاء بتشوفك وعارفة بتعمل ايه فلزمًا تكمل وتثبت إنك أدها... وأنا بقولك يا ملك عمتي هتزعل لو منجحتيش وكملتي.
نظرت للأوراق على الطاولة، تتأملها بحزنٍ واضح ليس لديها الطاقة للإكمال، بينما أكمل عامر بحنو:
_ يعني عايزة أنا وعمتي الله يرحمها نزعل منك؟
انتفضت سريعًا تنفي برأسها، بينما ابتسم عامر لها برضٍ تجيبه بحزنٍ:
_لا بس مش قادرة.
أمسك بالأوراق يقدمها لها يردف بجدية:
_مفيش حاجة اسمها مش قادرة... أمسكي وجربي وحاولي... خلي حزنك طاقة تكملي بيها.
أمسكت بتلك الأوراق وبدأت بنظر بها، بينما ابتسم عامر براحةٍ ما أن شعر بإندماجها داخل موادها الأكاديمية، يشعر بالحزن لأجلها، نعم هي أكثر شقيقتها تحتاج لوالدتها، أصبحت يتيمة الأب والأم، لايوجد من يراعها الآن سواه ولكن لابُد أن يصبح الرابط أقوى.
********
وقفت تنتظر أن يُفتح باب الشقة، تفكر بابنتها وحالتها التي تزداد سواء بعدما ابتعد عمار عنها، ولكن تفاجأت بوجه صباح الباكي، تقدمت نحوها بقلقٍ متمتمة:
_مالك يا صباح بتعيطي ليه؟
نظرت لها بأعينٍ مدمعة، تجيبها بشهقات:
_عمار عايز يسافر ومش راضي يقعد ولا يسمع مني.
زفرت زينب بغضبٍ من ذلك العمار، فهتفت وهي تتجه لغرفته:
_ خليكي هنا يا صباح وأنا هتصرف مع الواد دا.
طرقت الباب بهدوءٍ ولكن لم تجد استجابه فعادت تطرق بقوةٍ أكبر حتى فُتح لها الباب، نظرت لملامح عمار المكتئبة الحزينة، وتعجبت من رؤيته هكذا فإذا هو حزين لأجل الفراق لِمَ أخذ قرار به؟
حدقت به بتعجبٍ متمتمة بعدما أزاحة ستارة الغضب:
_ولما أنت زعلان ليه عايز تسيبهم؟
لم يجيبها ظلت ملامحه جامدة، لم تتغير تعبيراته المتألمة، تعجبت زينب من صمته لتعود متمتمة بغضب:
_ما ترد ولا القطة كلت لسانك؟
لا يزال على وضعه بل تركها يتجه نحو حقيبة سفره، يكمل باقي إعدادها ولكن لم تتحمل زينب طريقته الباردة التي أخبرتها بها سيليا لتصرخ بحدة:
_ أنا بكلمك يا محترم يا متربي ولا خلاص عشان بقالك شغل هدوس علينا!
انتبه لها ولصراخها بتلك الكلمات العنيفة، استدار ينظر لها بدهشةٍ من نطقها بتلك الكلمات، ولكن لا يزال صامتًا، مما جعل زينب تغضب أكثر فأمسكت بتلك الحقيبة التي يحملها وقامت بإلقائها على الأرض لعلها تثير غضبه فينطق لِمَ يتعامل بتلك الطريقة.
ولكن الغريب لم يغضب بل احتلت الصدمة معالم وجهه، شعرت زينب بالدهشة من صمته لتلك اللحظة، ولكنها هتفت بحدةٍ مخيفة يعلو صوتها بانفعالٍ:
_أنا غلطانة إني جتلك متستاهلش إن حد يفضل في حياتك.
تألم من تلك الكلمات الحادة القاسية، لماذا يراه الجميع هكذا، انطلقت صوب حقيبتها الملقاة جوار حقيبته لتحملها ولكن رأت بعض الأوراق لطبيب صديق زوجها، قطبت جبينه تمسك بتلك الأوراق لترى ما بها ولكن لم تفهمها، ليسرع عمار بأخذ تلك الأوراق منها يبعدها عنها بتوترٍ، نظرت له بدهشةٍ فلم تفهم ما المكتوب ولكن تعلم من هو الطبيب مجدي زايد فهو كان يتردد لمنزلهما كثيرًا ليزور زوجها، هتفت بتساؤل غربب:
_أنت تعرف دكتور مجدي منين؟
لم يجيبها وظل متحفظًا بصمته، لتومئ زينب بضيقٍ متمتمة وهي تغادر:
_ أنا هعرف بطريقتي.
**********
_ ساعة عشان تفتح الباب.
كلمات تحمل الضجر من عاصم بعدما تأخر بفتح الباب، ليبتسم له غفران ببرودٍ متمتمًا:
_ مش عاجبك أمشي.
حدقه بنظرة غاضبة يزيحه من طريقه قائلًا بعندٍ:
_ طب عند فيك هبات عندك النهاردة.
_ بات يا حبيبي.
نطق بتلك الكلمات بمكرٍ، ليشعر عاصم بتوتر منه قائلًا وهو يجلس على الأريكة:
_ هتعمل فيا ايه؟
اكتفي ببسمة باردة قائلًا ببرود:
_جاي ليه؟
رفع عاصم حاجبه باستنكارٍ يردف بحنق:
_ أنت يلا كنت في مندليف وأنا معرفش... مش في زفت قضية قتل ولزم أعرف مين القاتل...
نظر له غفران بجدية ثم قال وهو ينهض:
_ طيب اسيبك تفكر براحتك بقى وأدخل اريح...
_ غفران أنا مبهزرش في جريمة قتل جديدة ومدام منيرة أم سُهى لقيتها مقتولة النهاردة وكان المشتبه فيه سُهى.
تجمد جسد غفران بصدمةٍ، ينظر نحو عاصم الذي تتهجم ملامحه مرددًا:
_ أنت عارف إن سُهى مش هي اللي قتلت.
أومأ عاصم برأسه يضع ملفات تلك القضية أمامه، يردف بهدوءٍ:
_ عارف يا غفران تقرير الدكتورة بتقول إن جسم سُهى ضعيف من الأدوية المهدئة اللي بتاخدها ومتقدرش تقتل... اللي هيجنني إن طريقة قتل منيرة وكامل غير طريقة قتل ناهد.
قطب غفران جبينه تعجبًا، متسائلًا:
_ تقصد ايه؟
أمسك بصور الملتقطة لثلاث جثث، ثم أشار لغفران بصورة كامل ومنيرة قائلًا:
_ منيرة وكامل مدبوحين يا غفران... إنما مدام ناهد السكينة مضروبة في صدرها... دا غير إن لقوا السكينة اللي مسكاها سُهى عليها دم ناهد بس ومفيش أثر لدم منيرة عليها... ودا يديني احتمال ملهوش تاني.
نظر له غفران بجانب عينيه ثم عاد ينظر بالصور وقام بإخفائها ما أن استمع لصوت فاطمة تأتي قائلة:
_ عملتلكم شاي وكيكة تاكلوها.
اتسعت ابتسامة عاصم يمسك بطبق الكيك قائلًا:
_مع إن المنظر اللي بشوفه مش عاطفي بس ميمنعش نملى الخزان.
لكزه غفران بقوةٍ تأوه عاصم على أثرها يردد بحدةٍ:
_ أطفح وأنت ساكت.
كبحت فاطمة ضحكتها وتحرك نحو الداخل تغلق باب غرفتها تمسك بهاتفها تحدث يقين وملك لتطمئن عليهما، بينما نظر عاصم نحو غفران بضيقٍ مغمغمًا:
_إيه الغبوة دي... بتضرب ليه؟
حدجه بنظرة غاضبة يجيبه بغيظٍ:
_ ناهد تبقى أم فاطمة يا أنصح ناسك ولما صدقت بدأت تخرج من الحالة اللي هي فيها تقوم تحكي عليها وأنا عارفك رغاي.
حك رأسه ببعض الحرج، يجيبه بجدية زائف يخفي خلفها حرجه:
_أنا مكنتش هقول حاجة.
علق ساخرًا:
_ والله! تعالى نتنيل نكمل.
نظر غفران لباقي الأوراق، يردد بهدوءٍ:
_ قول الاحتمال اللي عندك.
ابتلع ما كان يلوكه، يجيبه بجدية:
_ بص هو احتمال بيزن على دماغي القضية كده فيها قاتلين... واحد قتل منيرة وكامل والتاني قتل ناهد و احتمال إن منيرة هي اللي قتلت ناهد لأن السكينة دي من طقم عندها في البيت وسُهى مخرجتش من البيت مفيش غير منيرة اللي خرجت من تفريغ الكاميرات والدكاترة اللي بيدوا سُهى المهدئات وكمان مفيش سبب لقتل ناهد غير إنها عرفت الحقيقة ومنيرة خافت لتفضح بنتها وقتلتها.
شعر غفران بأن حديثه صحيح، يتذكر محادثته الأخيرة معها، فهتف بتذكرٍ:
_ احتمالك بنسبة 70% صح.
رفع عاصم حاجبه بتعجبٍ يتمتم بدهشة:
_ ودا من امتى بتقتنع برأي؟
أجابه غفران بجدية متجاهلًا سخريته:
_ عمتي لما عرفت بقتل كامل خافت معنى ذلك إنها عارفة الحقيقة وعرفت مين قتل أحمد وخافت لاسم فاطمة يجي في القضية تاني وجت حكتلي عشان متصدمش ولما عرفت إني عارف ارتاحت.
صمت عاصم فلم ينتبه لهذا الجزء، ولكن زفر بضيقٍ متمتمًا:
_ كده اللي تعرف الحقيقة كلها منيرة وناهد والاتنين كانوا معاهم كل الخيوط.
رفع غفران بصره متمتمًا بإجابة أخرى:
_ أو سُهى.
نفى عاصم برأسه يردد بضيقٍ:
_ حتى لو سُهى صعب يتاخد بكلامها لأنها مريضة نفسيًا والقاتل يقدر يخرج من القضية بسهولة لزمًا دليل قو...
اتسعت عينيه فجأة ينتفض من مكانه، يتمتم بقلق:
_وتين!
قطب غفران جبينه متعجبًا يسأل:
_ مين وتين؟
بدأ عاصم بجمع الأوراق، يجيبه سريعًا:
_البنت اللي لقيتها مضروبة قدام بيتي... ليها علاقة بالقضية ولما سمعت اسم كامل اترعبت وانهارت فاحتمال اللي قتل كامل يكون هو نفسه اللي عمل فيها كده عشان يخلص منها فكده هي هتكون عندها خيط الحل الأخير والدليل الوحيد على القاتل.
تعجب من هرولت عاصم لينهض واقفًا يحدث بتعجب:
_ أنت مستعجل كده ليه؟
نظر له عاصم يجيبه متجهًا نحو الباب:
_حد سرب خبر عن البنت دي إنها عشيقة كامل وليها علاقة بيه ولو الخبر وصل للقاتل هيحاول يخلص منها.
تحرك عاصم مغادرًا بينما وقف غفران يفكر بكل ما مر بهِ وذلك القاتل المجهول، فمن يمكنه أن يدبر كل هذا ويقتل دون أن يغمض له جفن.
***********
_عاملة ايه يا يقين؟
نطقت بها مريم بعدما صافحتها بحبورٍ، لتجيبها يقين ببسمة هادئة لأول مرة تظهر:
_ الحمدلله يا دكتورة.
أشارت لها بالجلوس، تسألها باهتمامٍ:
_ طمنيني عليكي بقيتي أحسن؟
أومأت برأسها تجيبها ببعض الراحة:
_ أيوة روحت اتفقت مع مطبعة أنا وجبران عشان نعمل مصحف كصدقة جارية ولسه بفكر أعمل ايه تاني ليها.
ابتسمت لها مريم براحةٍ، تمتم بسعادةٍ:
_براڤو عليكي... وحاسه بإيه؟
تنهدت يقين براحةٍ تجيبها:
_ أيوة حاسه الحرب اللي جوايا هديت عن الأول مش مضايقة بالعكس أنا بقيت في سلام مع نفسي لما اعترفت إني بالرغم اللي أمي عملته مكرهتهاش ممكن مش بحبها أوي بس مكرهتهاش.
أومأت مريم بتفهمٍ ثم رددت بسؤالٍ:
_ كنتِ بتقولي إن الحرب هديت شوية معنى كده لسه جواكِ حرب تانية؟
نظرت لها يقين قليلًا ثم منحتها موافقة لحديثها لتتسأل مريم بجدية:
_ والحرب دي بتتكلم عن ايه؟
تنهدت يقين قليلًا تجيبها بحزنٍ:
_ أنا اتجوزت جبران بالإجبار من أمي وهو اتجوزني عند فيا بس كان بيعاملني حلو وباحترام خلاني انجذب ليه ويعني...
أكملت مريم عندما لاحظت توترها وخجلها:
_ وحبتيه؟
منحتها نظرة خجولة ثم قالت:
_ أيوة... كل مرة تحصل مشكلة هو بيقف جنبي في كل حاجة حتى إني أجيلك هنا هو ساعدني فيها بس أنا بحس نفسي مقدمتش حاجة... بحس نفسي عبء عليه وببقى عايزة أبعد وأسيبه بسبب الاحساس دا.
دققت مريم النظر بها ثم سألتها بتعفف:
_ هو إنتم تميتوا مراسم الجواز؟
نظرت لها بعدم فهم، لتوضح مريم بكلمات أخرى:
_ يعني بقيتي مدام ولا لسه آنسة؟
توهج وجهها بخجلٍ، تنظر لها بحرجٍ واضح، تنفي برأسه دون صدور صوت، لتسألها مريم بحنانٍ حتى لا تخجلها:
_ وهو محاولش؟
أدمعت عينيها باختناقٍ واضح، تجيبها بحزنٍ:
_ بيحاول بس أنا ببعد لأني بحس إني مش كاملة وخاصة بعد الحادثة اللي حصلتلي.
انتبهت لها مريم أكثر وصبت تركيزها على ما ستقوله بعدما طاف السؤال بعينيها ولاحظته يقين، لتجيبه دون ان تسأل:
_ السبب اللي خلاني أجي هنا إني اتعرضت لمحاولة اغتصاب.
فهمت مريم ما تمر به يقين، لتتمتم بهدوءٍ:
_ معنى كلامك إنها محاولة فاشلة وإنك لسه بنت بنوت؟
أومأت يقين ولكن تسيل دموعها بألمٍ، تحدث بصدق لمشاعرها:
_بس جوايا في حاجة اتكسرت... حاسه وكأني حيوانة جسمي بيتاخد مني غصب عني... كنت هضيع في لحظة بس اتلحقت... بقيت بحس إني منفعش رغم إني لسه زي ما أنا.
نظرت لها مريم بحزنٍ، حاولت السيطرة على مشاعر الشفقة التي ملأت قلبها نحو يقين، لتردف ببسمة هادئة:
_ هتفق معاكِ إن الموضوع صعب تقبله لكن مش مستحيل يا يقين... خدي وقتك في إنك تتقبلي الفكرة لكن لزمًا تعرفي إن جبران بيعشقك مش بيحبك بس... جابك هنا مخصوص لأنه عارف إنك تعبانة من الجزء دا وهيوتر علاقتكم ببعض.
نطقت بصوتٍ مبحوح:
_بس أنا من جوايا بحس نفسي مستحقهوش.
_ أنتِ بني آدمة من لحم ودم زيك زيه يا يقين... لكن تعالي نبدأ بنفسنا واشتغلي أطلبي منه إنك تشتغلي وحققي نفسك عشان تتغلبي على احساسك دا... بس أهم حاجة لزمًا تراعي حياتك الزوجية وتقربي من جوزك وهو هيكمل الباقي.
نظرت لها بعدم فهم، متسائلة:
_ يكمل ايه؟
ابتسمت مريم بهدوءٍ تجيبها:
_ هتعرفي لما تقربي منه وتديله فرصة لقربه ليكِ متمنعهوش.
أومأت يقين ببعض الخجل، ثم نهضت تلتقط أذنها كلماتها:
_ مفيش معاد لجلسة الجاية بس وقت ما تحسي إنك عايزة تيجي تعالي.
خرجت يقين تلتقي بجبران الذي ضمها بحبٍ، يغادران من العيادة وسط حديث جبران الذي انتبهت له يقين بحبٍ تشعر بتضخم مشاعرها ورغبتها بالإفصاح عنها ولكن لا تعلم ما الوقت المناسب!
***********
وصل أخيرًا للمشفى، تتضارب الأفكار برأسه كعاصفة هوجاء تطيح بالأخضر واليابس، صعد للطابقة المطلوب يتجه نحو الغرفة الخاصة بـ "وتين" ولكنه قابل الطبيبة المسؤولة عن حالتها، ليردف عاصم بهدوءٍ:
_ محتاج أدخل لأوضة وتين دلوقتي.
أومأت الطبيبة بتفهمٍ لرغبته برؤيتها بعدما انتشر خبر ظهورها بسرعةٍ مخيفة، فهذا سيوقع وتين بأزمة أخرى، وصلا كلاهما للغرفة ولكن رددت الطبيبة بهدوءٍ:
_ لحظة أنا هدخل الأول وبعدها حضرتك.
حركت مقبض الباب ثم دلفت للداخل بخطواتٍ هادئة ولكن حلت الصدمة بوجهها بعدما رأت السكين موجهة نحو رقبة وتين التي يتشنج جسدها من البكاء أسفل يده التي تكمم وجهها!
"اشتركوا على قناتنا على تليجرام أو قناة واتساب ليصلكم أحدث الفصول والتنبيهات فور نشرها"
"اشتركوا على قناتنا على تليجرام أو قناة واتساب ليصلكم أحدث الفصول والتنبيهات فور نشرها"