الفصل الثالث من رواية "وبالحب اهتديت" بقلم سلمى خالد.
وبالحب اهتديت الحلقة الثالثة
وبالحُبِ اهتديت
«هُدايا وهُداكِ وبينهما العشق»
سلمى خالد إبراهيم
استغفر الله العظيم وأتوب إليه 3 مرات
حسبي الله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 7مرات
( قولهم مش هياخدوا وقت يا سكاكر♥)
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثالث
(زَوَاجٌ تَحْتَ اَلتَّهْدِيدِ)
إن الحياة مليئة بالرفض، ولكن عندما تصبح ذو حالة خاصة يصبح الأمر أكثر قسوة.. وأشرس ألمًا، تشعر بمدى انكسار قلبك، بل تستمع لصوت قلبك بتلك اللحظة التي يرفض بها منكسرًا متألمًا، ولكن هناك منا يتألم بصمتٍ.. وهناك من يسعى للانتقام مسقطًا انتقامه من الجميع بك وحدك!
صدمةٌ وقعت على رؤوسهم جميعًا، حركت فاطمة رأسها برفضٍ قاطع تتمتم بنبرة رافضة نافرة:
_ لالالا مستحيل يا جدو مش عايزة اتجوز غفران.. كل إلا كده!
استمع لكلماتها وشعر بنصلٍ يمزق بقلبه، هناك شيء يُدمَر من الداخل، نظر لها بجمودٍ يخفي ألمه منها أو بالتحديد من رفضها له، لِمَ تنظرون للإعاقة بنظرة نفورٍ دائمًا! نعم فلقد شعر بنفور صوتها منه، وكأنه وباء سيقتلها، لم يتذكر شيء سوى جملة خطيبته السابقة..
) مش هقدر اتجوزك وأنت اعرج كده!)
إلى هذا الحد وتسارعت وتيرة أنفاسه وقبض على عكازه بقوةٍ، لهيبٌ حارق بداخله تمنى لو كانت قريبة منه لأذاقها مرارته، رفع رأسه بكبرياءٍ مجروح، يهتف بجمودٍ قاسي:
_ أنا موافق يا جدي.
ابتسم جبران براحةٍ من موافقة غفران فقد ظن أنه سيرفض وسيقطع طريقًا طويل ليجعله يوافق، في حين نظرت له فاطمة بصدمةٍ، ليقابله بنظرةٍ سوداوية مخيفة يرسل لها رسالة صغيرة بأن القادم ليس سوى ظلامي.. ظلامي الأسود الذي وُضعت بهِ بسبب امرأة وحطمة قلبي امرأة أيضًا والآن أنتِ من ستتحملين كل ما فعله بِـ جنس حواء.
سارت رعشةٌ قوية بجسدها، تتراجع بخطواتها إلى الخلف، ثم نظرت لجدها مجددًا تهرب من نظراته المخيف وكأنه ذئبًا ينتظر لحظة مناسبة للانقضاض عليها، همست بنبرةٍ مختنقة تشعر برغبتها بالبكاء:
_ عن اذنك يا جدو عايزة ارتاح.
اومأ برأسه تاركًا إياها قليلًا حتى لا يضعها بمأزق الاختيار، ولكن ارتفع صوت يقين تردد برفضٍ قاطع:
_ جدو كله إلا الواد دا.. مش هنعمر مع بعض وأنا وهو هدغدغ البيت عليكوا..فنظرًا لسلامة الجميع أنا بقول نفضها سيرة.
رفع جبران حاجبه بغيظٍ من طريقتها، ثم قال بغرورٍ مانحًا إياها نظرة سخرية:
_ أعذرني يا جدي بس الأكيد يوم ما هختار زوجة ليا مش هختارها زي دي.
شهقت يقين بغيظٍ يشتعل بداخلها، ثم قالت بصوتٍ متعصب:
_ ومالها دي يا عينيا!
ابتسم جبران ببرود يجيبها:
_ مستنضفش أكون عينيكِ.. اللي زيك أخره يفضل في البيت حتى خسارة يشوف النور.
اتسعت عين يقين بصدمةٍ، تشعر بتمزق كرمتها، رمقته بنظرةٍ متألمة ترفق بسمة حزينة معها، تتذكر انها دائمًا الشخص الأغبى فلابُد أن تتحمل حديثه الفظ لغبائها الذي تُنعت بها دائمًا، همست يقين بنبرة متألمة:
_ عن اذنكم.
غادرت الغرفة سريعًا تحاول كبح دموعها شعر جبران بقليلٍ من الندم، ولكن أراد الانتقام مما فعلته بغرفته، عاد بنظره نحو جده الذي هتف بكلماتٍ ذات مغزى:
_ هيجي اليوم اللي هتندم فيها على كسر خاطر بني آدم.. وبالأخص هي هتندم يا جبران.. اتفضل امشي من وشي.
تحرك جبران من أمام جده يشعر بثُقلٍ على قلبه، لا يفهم لِمَ فعل بها هكذا! ولكن تذكر غرفته وما فعلته بها جعل من لسانه مثل المنشار.
تأمل الجد جبران وقفة غفران الثابتة، ثم ابتسم بسخريةٍ عليه متمتمًا بسخط:
_ روح وراها.. بس لو جه يوم وفاطمة حصل ليها حاجة أنا اللي هقفلك يا غفران.. فبلاش تخلي اليوم دا يحصل.
تأمل غفران نظرات جده الساخرة، ليبادله بأخرى ساخرة وكأنها رسالة له، ثم استدار يتحرك بعكازه وتلك العرجة واضحة، ولكن يرفع رأسه بشموخٍ وكأنه حجر لن ينكسر.
جلس الجد جبران على مقعده الخاص مصنوعًا من الجلد، ينحني عاتقه بتعبٍ وكأن هناك من وضع أثقال عليها، نظر نحو المقعد الموجود بمواجهته ثم تذكر حديثه مع ابنته..
( إزاي يا بابا اجوزها وهي فاقدة الذاكرة؟!)
قالتها ناهد بصدمةٍ وهي تنتفض من مقعدها، ليشير لها الجد جبران بأن تجلس مجددًا، يردد بهدوءٍ:
_ بنتك لما الذاكرة ترجعلها هتتجوز تاني؟
صمتت ناهد ولم تستطع الحديث فهي تعلم بوفاء ابنتها الشديد لأحمد، أكمل جبران بذات النبرة الهادئة:
_ صدقيني يا ناهد دا الحل.. بنتك لما ترجعلها الذاكرة هتتعب لزما يكون حد معاها.. وأنتِ مشغولة بملك ويقين مش هتعرف تقف معاها.. بنتك محتاجة رجل في حياتها.. وغفران على اد ما هو شخصية قوية بس في حنية الدنيا ولولا الحادثة اللي حصلتله كان زمانه متجوز اساس ومخلف..
صمت قليلًا يدرس تعبير وجهها، ليسترسل بتوجسٍ:
_ ولا أنتِ مش موافقة عشان العرجة؟!
شهقت ناهد بصدمةٍ من حديثه، لتجيبه سريعًا:
_ لالا ابدًا.. غفران ابني حتى فاطمة مش هتبص على الجزء دا فيه.. أنا خايفة بنتي تلومني على الفكرة دي.. وخاصة لما الذاكرة ترجعلها.. وغفران برضو لما يعرف إنها كانت مخطوبة لحد قابله وبتحبه هيحصل ايه!
مد والدها يده يمسك بكفها مربتًا عليه بحنوٍ، يتمتم بصوتٍ جاد:
_ صدقيني يا بنتي دا اسلم حل.. على الأقل لما ترجع الذاكرة غفران هيكون معاها وأنا متأكد من أنها هتحب غفران.
تنهدت ناهد بتعبٍ، ثم نظرت إلى والدها قائلة بأعينٍ مدمعة:
_ ماشي يا بابا.
ابتسم لها الجد جبران، ثم استرسل بجدية:
_ ويقين لجبران.
اتسعت عين ناهد بصدمةٍ، تحرك رأسها بنفي، تحدثه بتعجب:
_ إزاي يعني! دول مش طايقين بعض من اخر مرة بعد ما دخلت اوضته وبهدلتها.
نظر لها بنصف عين ثم قال بهدوءٍ:
_ ولا هي هتنسى بهدلتك ليها قدمنا..
تأملت ناهد حديثه والدها ثم حركت رأسها بنفيٍ فهي ابنتها وبالتأكيد ستنسى ما فعلته، فهي لم تفعل شيء سوى مصلحتها، استرسل والدها بالحديث في جدية تامة:
_ بنتك هتحب جبران وجبران هيحبها بس لزمًا تشدي على يقين شوية عشان توافق بجبران.. وكله لمصلحتها وأنا بنفسي لو حسيت إنها مرتحتش هطلقها منه.
تأملت حدقتي والدها التي تبث لها الأمان، ثم قالت بأملٍ:
_ أنا أول مرة فشلت فعلاج ولادي وكنت هخسرهم.. المرة دي هسيبك تتصرف يا بابا واللي شايفه صح أنا معاك فيه.
ابتسم الجد جبران براحةٍ، ثم قال برضا:
_ طيب خلي البنات يوافقوا .. وسبيلي أمر الشباب هخليهم يوافقوا.
اومأت ناهد بإيجابية، ثم نهضت تغادر الغرفة عائدة لابنتها ملك مجددًا، ولكن بقى هو يتأمل طيفها حتى اختفى يأمل بأن ما يفعله ليس سوى الصواب.
نهض من مكانه ما أن انتهى تذكره لهذا الحدث الهام، يحمل أوراق الحالة الخاصة بملك واوراق أخرى خاصة بأعماله من خزانته السرية والتي لا يعرف ارقامها سواه، غادر إلى المركز العلاج النفسي والذي يحمل قسم لمرضى التوحد، انطلق بسيارته سريعًا حتى وصل إلى مسقطه، ثم وصل للمقهى الذي يجلسون به ثلاثتهم، ودلف إليهم ولكن ما أن جلس حتى قال موجهًا حديثه إلى خليل:
_ اخر الأسبوع كتب كتاب غفران وفاطمة وجبران ويقين وأنامش هروح النهاردة لأني هكذا لكتب الكتاب.
اتسعت عين خليل بصدمةٍ، في حين نظرت ناهد إلى والدها بدهشةٍ من سرعة تنفيذه ولكن قاطع هذا الصمت صوت خليل متمتمًا:
_ إزاي وهما عارفين؟!
اومأ الجد جبران بإيجابية، ثم قال كي ينهي حديثه بهذا الأمر:
_ يلا أنا جبت الورق بتاع ملك اهوه.. روحي مع خليل للدكتور.. وأنا هنا هستنى اقابل حد عشان شغل.
فهم خليل رغبة والده في إنهاء النقاش ونهض بالفعل مع ناهد التي نظر لها فحركت رأسها بأنها لا تعرف شيء، ذهبوا ثلاثتهم إلى الطبيب ليتابع حالة ملك.
أمسك برأسه يحاول السيطرة على الصداع الذي داهمه، ثم نظر حوله فلم يجد أحد، بل لقى ذاته بالردهة يجلس على الأريكة بإهمالٍ، اعتدل بجلسته يتطلع حوله بتذكرٍ لِما حدث، وسرعان ما تذكر ما فعلوه، لتتسع حدقتيه سريعًا مما حدث، نهض من مكانه يبحث عن الباقية لعله يفهم سر وراء طريقتهم المتسمة بالسُكر، يبحث بالردهة فلم يجد أحد، فخرج إلى الحديقة الموجودة حول المنزل فوجد يقين تجلس على مقعد كبير مخصص للجلوس تبكي بشدة، فزع من رؤيتها هكذا وذهب نحوها سريعًا يردد بنبرة قلقة:
_ مالك يا يقين بتعيطي ليه؟!
نظرت له بأعينٍ تملأها الدموع، ثم قالت بصوتٍ مبحوح:
_ هو ليه كله بيكرهني!
حدق بها بصدمةٍ، ثم أسرع يسألها بدهشة:
_ مين قال أننا بنكرهك؟!
ابتسمت بحزنٍ تسيل دموع على وجنتيها، تنظر لتلك الشجر الموجودة أمامها، تجيبه بألمٍ:
_ افعالكم بتقول كده!
حرك عامر رأسه بنفيٍ يتمتم بصوتٍ جاد حنون:
_ لا بالعكس.. أنتِ عمرك شوفتي مني رد فعل وحش أو حتى من بابا يمكن غفران وجبران صعبين بس مش بنوصل أبدًا للكره، هو بس أول لما شوفتك اضايقت عشان استهزأتي بيا لكن بعد كده لما اتكلمتي معايا نسيت اللي حصل.. وهنبقى أصحاب صح!
قال جملته الأخير ببسمة متسعة، لتضحك يقين من بين دموعها، ترفع كفها لتزيل تلك القطرات الصغيرة، تهمس ببسمة هادئة، تمتلأ عينيها براحةٍ لطيبة قلبه:
_ هكون أسعد واحدة في دنيا إني عندي صديق زيك.
ابتسم عامر بفرحةٍ يتخللها القليل من الطفولية، يردد بصوتٍ يحمل السعادة:
_ أنا كان نفسي اصحاب بنات أوي.
رفعت يقين حذاؤها قائلة بنبرة متعصبة:
_ تصاحب ايه يا عينيا!
نهض عامر من أمامها سريعًا، يردد بفزع من رؤية الكعب الموجود بالحذاء:
_ مش هو.. مش هو اللي في دماغك.
نظرت له قليلًا ثم رمت حذاؤها على الأرض، هاتفة بحدة مزيفة:
_ بحسب.
رمقها عامر بنظرة مغتاظة، يتمتم بسخرية:
_ وأنا مالي أن دماغك آآ..
ابتلع باقي كلماته ما أن رأها تنحني مجددًا لتحضر نعلها، يسرع بتعديل كلمته متمتمًا بنظراتٍ بريئة:
_ دماغك زي الألماظة.
اخفت يقين ضحكتها تجلس مجددًا على مقعد، في حين فرك عامر يده بحماسٍ يردد بسعادة:
_ يلا يا يقين تعالي عازمك على توت.
ابتسمت يقين بسعادة هي الأخر قائلة بفرحةٍ:
_ اشطا يلا أنا نفسي فيه أوي.
نهضت يقين تسير معه ولكن لاحظت طريقته الغريبة في السير و لم تعلق.
منذ أن تحولت نظراته مع جده ولم تتغير إلى الهدوء بل تحولت إلى أكثر وحشية، يمسك بتلك الصورة لها، ولا تزال جملتها تتردد بعقله، أنه اعرج ولا يمكنها القبول به، دفع عكازه بعيدًا حتى اسقطه ارضًا بقوة، ثم تحرك بعجرته نحو السراحة، يفتح أحد ادراجها مخرجًا قداحة صغيرة، رفع الصورة أمام حدقتيه ثم اشعل القداحة لتلتهم النيران تلك الصورة التي تحمل وجه ابنة خاله المبتسمة بغرورٍ.
انعكست صورته وهو ممسكًا بالصورة التي لا تزال تتمسك بها النيران بالمرآة المكسورة ليصبح له نسخ كثيرة لملامحه المخيف ويده الممسكة بالنيران، نظر لانعكاسه لتلك النسخ، ثم قال دون وعي:
_ هتوافقي يا فاطمة بيا.. وهكسرك زي ما اتكسرت يا هناء!
لم يشعر بذاته وهو ينطق باسم أخرى، ولكن لم يعد يرى سوى أن بنات حواء جميعًا متمثلين في صورة هناء ابنة خاله.
( عايز تأكلني توت حرام!)
صاحت يقين بتلك الجملة بصدمةٍ وهي ترى عامر يتسلق شجرة ضخمة بها توت، انتفض عامر بخوفٍ من أن يراه أحد، ليهمس بغيظٍ:
_ أنتِ عايزنا نتقفش يا بت أنتِ! هناخد حبه ونمشي مش هنلمها كلها.
:_ بتقول ايه مش سامعة علي صوتك شوية.
قالتها بصوتٍ عالي كي يسمعها، لتتسع عين عامر بغضبٍ ولكن سرعان ما تحول للرعبٍ وهو يستمع لصوت رجل يهتف بحدة:
_ ألحق يا ابو محمد اللي بيسرق التوت أهوه.
ألقى عامر بنفسه على الأرض سريعًا، في حين صرخت يقين بفزعٍ وهي تراه يقفز بتلك الطريقة، لتهتف بغضب:
_ أنت ياض أنت مش تخلي بالك كنت هتعور.
نهض عامر سريعًا يردد برعبٍ:
_ انجزي قومي يلا قبل ما يجوا ويعورونا هما!
كادت أن تتحدث ولكن ارتفع صوت اطلاق النار لتنتفض بفزعٍ تصرخ قائلة:
_ اجــــــــــــــري.
ركضت يقين سريعًا تفر هاربة، في حين ركض خلفها عامر ولكن تفاجأ من سرعة يقين بالركض، وبالفعل استطاعوا الافلات منهم، لتقف يقين تلتقط أنفاسها تنحني بجزعها العلوي تستند بيدها على ركبتيها، تهتف بنهجٍ واضح:
_ هـ..هما لسه..بـ.بيجروا.. ورانا.
نظر عامر خلفه يلتقط أنفاسه هو الأخر بصعوبةٍ، ثم قال وهو يتحرك بخطواتٍ بطيئة:
_ لاء خلاص.. بس تعالي نروح بسرعة ليكونوا لسه ورانا.
وبالفعل تحركت معه يسيران بخطواتٍ بطيئة، حتى وصلا إلى المنزل ولكن كانا يضحكان بقوةٍ على ما حدث، دلفا سويًا إلى الردهة ولا تزال ضحكتهما ترن بالمكان، ولكن رأهما جبران ورفع حاجبه باستنكار يردد بغضبٍ مكتوم:
_ كنتِ فين؟!
رفعت يقين حاجبه باستنكار، ثم نظرت له بسخطٍ وعادت إلى عامر تبتسم بهدوءٍ متمتمة:
_ هطلع اوضتي يا عامر.. وشكرًا على اليوم اللطيف دا.
غمز لها عامر بمرحٍ قائلًا:
_ أي خدمة.
اشتعلت عيني جبران بغيظٍ شديد من تجاهلها وحديثها اللطيف لشقيقه عامر، هتف بغضب:
_ هو أنا مش بكلمك يا بت أنتِ!
لم تجيبه يقين بل ظلت تتجاهله تكمل صعودها على الدرج، لتنفجر طاقة الغضب بداخله، يردد بعصبية:
_ ما تـــــــــردي.
استدارت يقين ترمقه بنظرةٍ باردة متمتمة:
_ أنت مين عشان أرد عليك! وأنت ايه في الكون عشان تسمح لنفسك تسألني كنت فين ولا بعمل ايه! لما يبقى ليك صفة في حياتي يبقى تقعد تتكلم زي البغبغان.
اكملت يقين صعودها في حين همس جبران بأعينٍ مشتعلة من غضبٍ مخيف :
_ تمام يا يقين.. هخليكِ تعرفي أنا هكون بصفتي ايه في حياتك.. هخلي حياتك كلها في ايدي.
اختفت يقين من أمامه، في حين ركض عامر ليختبئ منه، ليرفع جبران هاتفه يتصل على جده مرددًا بعصبيةٍ ما أن اجاب:
_ ايوة يا جدي.. أنا موافق .
وصلت ناهد مع ابنتها ملك إلى المنزل آل جبران، تدلف ومعها شقيقها خليل، في حين بقى الجد جبران خارج المنزل يخبرهم أنه سيقوم ببعض الأمور الخاصة، صعدت ناهد مع ملك حتى اوصلتها لغرفتها، ثم اغلقت الباب ولكن لا تزال يدها على مقبض الباب، تنظر أمامها بشرودٍ وهي تتذكر والدها يعطيها ورقة صغيرة بأن تقنع يقين تلك الليلة بالموافقة وبالغد هو سيتحدث إلى فاطمة أن أصرت على رفضها..
أخذت ناهد نفسًا عميقًا ثم ذهبت إلى غرفة يقين تطرق الباب بهدوءٍ، بقت دقائق ثم فتحت يقين الباب لتتفاجأ بوالدتها تقف على الباب، نظرت لها بتعجبٍ هاتفة:
_ في حاجة يا ماما؟!
اومأت بإيجابية، تحدثها ببسمة طفيفة:
_ ايوة.
افسحت لها يقين الباب والدهشة تزداد بداخلها، فليس من عادة والدتها زيارتها بغرفتها منذ صغرها وهم بالقاهرة، جلست ناهد على الفراش تشير إلى يقين بأن تأتي لتجلس جوارها فامتثلت لها يقين وجلست جوارها تنتظر أن تتحدث والدتها التي قالت بهدوءٍ:
_ أنا عارفة إنك مستغربة إني اجيلك اوضة وأنا مش بدخلها كتير، بس عايزة اتكلم معاكِ في موضوع.
ركزت يقين انتباهها على ما ستقوله والدتها، في حين استرسلت ناهد ببعض التوتر:
_ أنتِ عارفة انك كبرتي خلاص ولزمًا افرح بيكِ وجبران ابن خالك اتقدم لجدك وهو سألني وانا وافقت عليه.
انتفضت يقين بصدمةٍ من حديثها تتمتم برفضٍ:
_ لالا أنا مش موافقة وكمان هو مش عايز.
نظرت لها ناهد بضيقٍ ثم قالت في محاولة امتصاص غضبها:
_ لا ما هو غير رأيه ووافق وكلم جدك خلاص.
نظرت لها يقين بعدم تصديق، تشعر باختناق من كون جبران هو زوجها، لن تتحمل اهانة أخرى، يكفي ما تتلقاه من الجميع، تحولت نظراتها لجمودٍ متمتمة:
_ وأنا مش موافقة.
نهضت ناهد تحدق بها بصدمةٍ، لتردد بلطفٍ كي توافق:
_ يا بنتي أنا قولت لجدك موافقين و..
قاطعتها يقين وهي تصيح بعصبيةٍ مفرطة:
_ وأنا مش موافقة.. ايه هتجبريني!
نظرت لها ناهد قليلًا، ثم قالت ببرودٍ:
_ آه هجبرك.
صدمة كست ملامحها وهي تتطلع لوالدتها، تحاول استيعاب ما تفوهت به للتو، هل ستجبرها!، عادت بنظراتها المليئة بالدموع مرددة برجاءٍ:
_ بس أنا مش عايزاه.. مش هعرف اعيش معاه.. ارجوكي ارجعي في كلامك.
:_ أنا عارفة مصلحتك كويس وهو مناسب ليكِ.
قالتها ناهد بجدية غير قابلة للنقاش، لتنفجر يقين وكأنها قنبلة صغيرة، تصيح بها وعينيها تذرفان الدموع بألمٍ:
_ بتعملي فيا كده ليه! أنا مش طيقاه بقولك.. وأنتِ تقوليلي اتجوزه! طب ازاي! ليه بتكرهيني كده! علطول بتسبيني لوحدي وعلطول بتقوليلي غبية وفاشلة! دايما بتهزي ثقتي بنفسي وتعدلي عليا كتير! ليه كل دا! ليه مش بتحبيني زي اخواتي!
اتسعت عين ناهد بصدمةٍ من حديثها، تشعر بحزنٍ نحو ابنتها التي فهمتها بطريقة خاطئة، ولكنها تحركت من أمامها قائلة بهدوءٍ تخفي خلفه حزنها:
_ بكرة هتعرفي قيمة اللي بعمله.
حدقت يقين أمامها تنظر للفرغ الذي تركته والدتها، تستمع لخطواتها التي تقترب من الباب، لتستدير لها سريعًا قائلة بنفورٍ:
_ أنا موافقة عليه بس خليكي عارفة الحاجة الوحيدة اللي هتخليني اوافق على جبران هو انك مش هتتحكمي فيا.
نظرت لها ناهد بصدمةٍ، لتكمل يقين بألمٍ ظاهر:
_ عندي اعيش في ناره ولا إني اعيش في جنتك.
نغزة قوية تملكت من قلبها، ترى النفور في حدقتي ابنتها، لا تعلم كيف جف حلقها ولكن لم تبتلع بداخلها سوى غصة أليمة قاسية، استدارت تغادر الغرفة سريعًا، تردد بداخلها:
_ هتعرفي اني بعمل لمصلحتك قريب.. مش هتكرهني.
ظلت حبيسة غرفتها طيلة النهار، تحاول استيعاب ما يفعله جدها بها، لِمَ هو؟ ظل هذا السؤال يدور بخُلدها طوال الوقت، تتطلع للنافذة الشرفة وإلى السماء التي بدأت ترتدي ثوبها الليلي الجديد، تنهدت براحة وهي تتذكر أن جدها لن يكون بالمنزل اليوم فلن تجتمع مع المدعو غفران، تقرر بذاتها أنها لن تغادر غرفتها، قاطع شرودها صوت طرقات على الباب، نهضت من فراشها تضع حجابها بإهمالٍ، ثم انطلقت لتفتح الباب مرددة وهي تحرك مقبض الباب:
_ ايوة ثوآآ..
صمتت برعبٍ وهي ترى بسمة غفران الخبيث أمامها، سارت رجفة سريعة بجسدها وهي تتراجع إلى الخلف، في حين تأمل غفران رعبها مرددًا بمكرٍ:
_ مش هتقولي لجوزك المستقبلي حاجة ولا ايه؟!
حركت رأسها برفضٍ تمتلأ عينيها بالدموع، تهمس بصوتٍ مرتجف:
_ لالالا مش عايزة.. مش عايزة.. أبعد عني.
تحولت نظراته من ساخرة إلى اخرى مخيفة شرسة، يهتف بتهديد صريح:
_ رفضك الصبح دا هعديه وبعرض عليكِ تاني انك توافقي إنك تتجوزيني.. بس خلي بالك لو كان ردك بالرفض هخلي صورك اللي وأنتِ بقمصان النوم..
تأمل اتسع عينيها بصدمةٍ تحجر الدموع بحدقتيها يكمل بنبرة متلذذة من رؤيتها هكذا:
_ آه نسيت اقولك إن خرجت من المكتب جدك وطلعت اوضتي قعدت حبة محترمين على اللاب عملتلك شوية صور جامدة.. المهم في حالة رفضك الصور دي تروح لجدك وأنا وقتها هقوله عرفنا ليه مش موافقة عليا.. أصلك خايفة لتتكشفي قدامي وتبقى فضحتك بجلاجل.. ووقتها هتجوزك غصب عشان اداري على فضيحتك قدام أمك وجدك واخواتك بس هتكوني خسرتي الكل بما فيهم نفسك.. ومش هتعرفي تخرجي من سجني يا فاطمة.. هيفضل سجني حولكِ لحد ما تموتي.
صمت قليلًا يرى معالمها المنكمشة بخوفٍ تعتريها صدمة، في حين استرسل غفران بخبثٍ وعينيه تتوحشان:
_ هتوافقي ولا نذيع؟!
ملأ الضعف معالم وجهها، تشعر بصداعٍ يداهم رأسها، لتمسك رأسها بألمٍ، تعلم أنه هو الوحيد القادر على هز ثباتها وقوتها المزيفة واظهار كامل ضعفها، بدأت تذرف الدموع بغزارة تردد بألمٍ:
_ أنت عايز مني إيه! سبني في حالي!
ضحكة ساخرة اطلقها ما أن استمع لحديثها، يجيبها بنبرة مخيفة:
_ متقلقيش يا حلوة كل دا هجاوبك عليه يوم كتب الكتاب..
ثم أضاف بخبثٍ وهو يستدير كي لا يدع لها مجالًا للتفكير:
_ تأخيرك في الرد بيدل على الرفض والرفض معناه نذيع!
:_ لاء موافقة بس ارجوك بلاش موضوع الصور دا!
اتسعت بسمته مكرًا ما أن استمع لجملتها، يكمل سيره مرددًا:
_ كده بدأتي تفهمي.
تركها يغادر إلى غرفته، في حين تحركت فاطمة تغلق الباب ولكنها جلست خلف الباب تنكمش على نفسها، تجهش بالبكاء بشدة، ينتفض جسدها رعبًا مما ستراه مع ذلك الوحش المخيف!
ظلت كلًا من يقين وفاطمة داخل غرفتهما بعدما وصل موافقتهما لجدهم، ترفض يقين رؤية أحد حتى عامر، في حين ظل جبران يلاحظ طريقة يقين وتعجب من موافقتها بتلك الطريقة، بينما اختفت فاطمة من أمام الجميع تعد الساعات التي ستنقلها بعدها إلى سجنها، في حين فهم خليل سر زواج الفتيات من اولاده وأيقن أن كلاهما يحتاج إلى الأخر ليكمل هذا الجزء الناقص بداخلهما، مر يومين بعد اعلان الموافق من الجميع الأطراف يستعد الجميع لحفل الخاص والعائلي الصغير لكتب الكتاب..
جلس غفران بعدما ارتدى حِلته السوداء بالكامل بدون رابطة عنق، يضع عكازه إلى جواره، يمسك بيد جده الذي كان وكيلًا لـ فاطمة، وبالفعل بدأت مراسم الزواج أسفل نظرات الجميع فمن كان من أهل القرية كان تمتلأ بالفرحة، بينما كانت ناهد تنظر لهما بقلقٍ تدعو الله أن ينجى بناتها، انتهى المأذون من كتب كتابه مختتمًا بجملته الشهيرة..
) بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير)
انفلتت يد غفران عن جده لينهض من مكانه مستندًا على عكازه، في حين جلس جبران مكانه الذي ارتدى حِلة كاملة فكان السروال من اللون الأسود والسترة من نفس اللون بينما كان القميص باللون الأبيض دون رابطة عنق مثل شقيقه، أتم مراسم الزواج الخاص به، وما أن نطق المأذون بجملته مختتمًا تلك المراسم حتى نهض الجد جبران يدلف إلى غرفة الخاصة بالفتاتين ليستعدان بها.
نظر لهما جبران ببسمة حنونة يتقدم نحو فاطمة مقبلًا جبينها بحبٍ قائلًا:
_ مبارك يا حبيبة جدك.
نظرت له فاطمة بأعينٍ تائهة، تبتسم بضعفٍ، تتباطأ ذراع جدها ليخرج بها جبران الأكبر إلى الخارج يتقدم نحو غفران الذي وقف يتأمل ملامحها الهادئة فلأول مرة يرى ملامحها بتدقيق، زحفت بسمة صغيرة لشفتيه وهو يتأمل فستانها الأبيض الهادئ للغاية، تلك الطقية الصغيرة الموضوعة فوق حجابها وكأنها من الأتراك، اعتراف جزء من قلبه بأنها أميرة في غاية الجمال ولكن لن يغير هذا من رأيه بهن جميعًا.
وقف أمامها يضع عكازه على الحائط أمام الجميع يتقدم بخطوةٍ عرجاء نحوها ثم أمسك وجهها بكلتا كفتيه في حنوٍ، يقبل جبينها وكأنه عاشق لها، لتعلو الزغاريد أمام الجميع، توهج وجه فاطمة بحُمرة الخجل، ليهبط غفران ببصره نحو حدقتيها يقترب منه حتى أصبح الفاصل بينهما بضع سنتميترات يهمس بنبرة مخيفة:
_أهلًا بيكِ في عالم غفران..
تحولت نظراتها من خجولة إلى أخرى مليئة بخوفٍ، ليسترسل غفران ببسمة منتقمة:
_ عالم الظُلم والعذاب لجنس حواء.
(صَفعةٌ مُؤلِمة)
الحياة ما هي إلا لحظات تمر علينا سواء رضينا أم أبينا، فهي مستمرة لا يوقفها شيء، ولكن من بين تلك اللحظات تمر علينا لحظة واحدة تصبح فارقة بحياتنا، تحول تلك الشخصية الحنونة الطيبة.. إلى أخر أكثر جمودًا وشدة ربما يصل الأمر للقسوة لا نشعر بما نفعله خشية من أن نقع بما وقعنا به سابقًا، ولكن لعل هناك لحظة تغيرنا كوننا أكثر جمودًا لأفضلنا حنوٍ.
أسرع بلف ذراعه حول كتيفها يضمها لصدره بعدما ارتجف جسدها بشكلٍ ملحوظ، يبتسم بهدوءٍ يخفي خلفها مكروه، يزيد من ضغط يديه كلما حاولت الابتعاد يهمس بصوتٍ وصل لمسمعها فقط:
_ اسمعي الكلام أفضل من الحركات العبيطة دي لأني مش هسيبك.
استكنت حركتها ولكن لا تزال رجفتها ظاهرة، هي لم تكن ضعيفة هكذا؟ ما الذي حدث؟
هبط غفران بنظره لفاطمة يتأملها بهدوءٍ، في حين بقيت هي لا تعلم ما هذا الشعور الغريب الذي داهمها ولكنها قررت أن ترفع رأسها لتنظر له وتراه عن قرب وما أن رفعت بصرها حتى التقت عينهما في لغة لا يفهمها سواهما، ظلت تتأمل ملامحه الهادئة، وجهه القاسي ولكن لِمَ شعورها أنه ليس هكذا تضاعف بداخلها! بينما بقى غفران عالقًا بحدقتيها، يتأمل تلك الطيبة المزروعة بداخلها، ليصبح الآن بين صراعين هما هي ليست هناء والأخر أنها هناء ولا بُد أن ينتقم..
قاطع تلك اللحظة صوت عامر يهتف بحماس يدير شاشة هاتفه لهما:
_ لقت حتة صورة ليكم خيال.. هبقى ابعتهالك يا غفران وأنتِ كمان يا فاطمة هبعتهالك بس هظبطها كده واعملها eidt (تعديل).
انتفضت فاطمة من مكانها بتوترٍ ممزوج بخجلٍ، ثم كادت أن تبتعد ولكن يد غفران كانت بمثابة أصفاد تقيدها، أومأ غفران لعامر وأشار له أن يغادر، في حين همس غفران بجدية:
_ اثبتي يا فاطمة أنا مش هاكلك.. وحاليًا أنتِ مراتي يعني مكانك الطبيعي هنا..
لم تعلق على حديثه، ليستفزه صمتها منذ أن رأها ليهتف بسخطٍ:
_ هي القطة كلت لسانك النهاردة!
ابتلعت لعابها بتوترٍ، وبدأت بفرك كفيها، ليزيد غفران من ضغطه عليها حتى اصدرت فاطمة تأوّه ضعيفة هامسة بضيق:
_ أنت بتوجعني كده!
:_ طلع ليكِ صوت اهوه!
قالها رافعًا أحد حاجبيه، في حين اشاحت فاطمة بوجهها بعيدًا رافضة الحديث معه، تأمل غفران طريقتها لبرهةٍ، ثم قال بهدوءٍ مخيف وهو يمد يده يدير وجهها قسرًا ولكن من يراه يظنه يدير وجهها بطريقةٍ لطيفة:
_ لما اكلمك متفكريش تعملي كده تاني.. وبلاش ترفعي من نفسك أوي وتشوفي نفسك وأنتِ ولا حاجة!
اختتم جملته الأخير بإهانة واضحة، لتلتفت نحوه فاطمة بذهولٍ من طريقته، ثم ضحكت ساخرة قائلة:
_ وأنا هستنى منك إيه وأنت مش شاطر غير في إهانة الست!
أمسك كف يدها يشدها له لتنفلت قدمها وتستند برأسها على صدره وكذلك يدها، ليقول بهمسٍ:
_ شاطرة.. وأنتِ الوحيدة اللي هتتحملي ذنب كل اللي حصلي.
رفعت رأسها عن صدره وهي ترى مكره في جذبها دون شعور أحد مستغلًا انشغل الجميع بقدوم يقين، ولكن لم تفهم المغزى من جملته، شعرت بوجود خطبٍ ما به، فدائمًا يريد فعل شيء ولكن لا يريحه، تنهدت بتعبٍ من اهلاك رأسها بهذا الكم من التفكير، وقررت أن تريح رأسها على صدره متناسية قليلًا ما تمر به تتأمل شقيقتها وهي تقف أمام جبران، ولكن ما أثار تعجب غفران هي حركة فاطمة فمن يراها يظنها ترتاح له ولم يكن يجبرها على الزواج، فماذا حدث!
*********
اغتصبت يقين البسمة وهي واقفة أمام جبران، تنظر له بحنقٍ مخفي، في حين قبض جبران على يد يقين بعدما سلمها له جده، يهمس لها باستفزازٍ:
_ اهدي على نفسك لحسن شميت ريحة شياطك.
حدجته يقين بنظرةٍ شرسة، تهتف بصوتٍ متعصب:
_ قسمًا بالله اطلع الشياط دا عليك وعلى الفرح كله وأخليها ليلة ولعة علينا.. أبعد عن وشي ياض أنت.
اغتاظ جبران من طريقتها، ليحسبها بقوةٍ نحوه، شهقت يقين بصدمةٍ، ثم وجدته يضمها، لتحاول أبعده بخجلٍ من تصفق الجميع لهم:
_أبعد عيب كده!
ابتسم جبران لطريقتها وهمس بأذنها:
_ أمال المأذون مهمته ايه هنا! ما عشان ميبقاش عيب.
لم تستطع فعل شيء لتقف ساكنة تخاف أن تنظر للجميع، وما كاد أن يبعدها جبران عنه، حتى وجدها تتشبث بسترته، تخفي وجهها بصدره قائلة بخجلٍ:
_ لاء.. أنا محرجة ابصلهم.
نظر لها بذهولٍ ولكنه ضحك بشدةٍ عليها، فقد لانت له تلك الحركة لا يعلم لِمَ شعر بسعادة من كونها تختبئ به، ضربت يقين على صدره تتذمر بحديثها ولا تزال تخفي وجهها به:
_ بطل تضحك عليا كده.. أنا مش طايقك بجد!
ابتسم بخبثٍ بعدما خطرت بباله فكرة ما، يقرر أن تصبح حياتهما كالقط والفأر، همس بأذنها بـ مكرٍ:
_ طب بما إنك مش طيقاني تعالي اخليكي مطقنيش أكتر.
تعجبت يقين من حديثه الماكر وما كادت أن ترفع رأسها لتنظر له، حتى وجدت ذاتها مرفوعة بالهواء، تشهق بصدمةٍ مما فعله، نظرت حولها بذهولٍ لتجدهم جميعًا يصفقون ويصرخون بسعادة لهما، وكأنهما تزوجا عن حب وليس زواج تقليدي..
غمز عامر نحو يقين يردد بضحكٍ:
_ اوعى يا ست يقين.. الحب ولع في الدرة.
التهمت السخونة وجهها، ليشع بحُمرة الخجل، دفنت وجهها برقبته تهمس وكأنها على وشك البكاء:
_ أخلص امشي من هنا ولا سبني امشي.. احرجتني يا اسمك ايه!
اتسعت عين جبران من حديثها، ولكنه قرر اكمل غيظها للنهاية، ليرتفع صوته قائلًا:
_ عن اذنكم يا جماعة بقى مش فاضيين.
فتحت يقين عينيها بصدمةٍ، ليتجمد جسدها من أثر كلماته، بقت على تلك الحالة حتى صعد بها جبران إلى غرفته التي أعدها جده لتصبح مجهزة لهما، وضعها على الأرض وقبل أن يفلت يده عنها كانت أسنانها قد التقطتها بعضةٍ قوية، ليصرخ جبران بألمٍ متمتمًا:
_ ابعدي يا بت.. ابعدي يا بت العضاضة.
ابتعدت يقين عنه بعدما وضعت كامل غضبها بتلك العضة، نظرت له بتشفيٍ هاتفة:
_ أحسن تستاهل.. عشان تبقى تشيل وتقل ادبك تاني.
نظر لها جبران بغضبٍ وقد اسودت عينيه بطريقة مخيفة، ثم عاد بنظرة إلى سترته وشعر باشمئزاز منها، نزعها عنه ثم نظر لذراعه ليجدها قد جُرح وبها بعض الدماء، عاد بنظره لها ليجد بوجهها الندم، كادت أن تتحدث قائلة:
_ أنا آسفة مكـآآآ..
قاطعها حينما قال بغضبٍ مخيف ارهبها وجعلها تتراجع للخلف:
_ أنتِ ايه كمية الغباء دي.. وجاية بكل بساطة بعد ما بوظي الجاكت بقرف بوقك ودراعي اتعور تقولي آسفة.. اصرفها من انهي بنك.. بقولك ايه يا بت أنتِ غبائك اللي بتشتغلي بيه مع الكل دا مش عليا.. واحمدي ربنا إني دخلتك اوضتي لأن مفيش مخلوق بيدخلها..
رأى دموعها تتساقط بشدة، تلتمع حدقتيها بصدمةٍ ممزوج بألمٍ حاد يعتصر قلبها، ليستدير جبران سريعًا كي لا يلين قلبه مسترسلًا باستهزاء:
_ وياريت تبطلي غباء شوية عشان أكتر من كده مش ضامن رد فعلي.. فبلاش تخليني ارمي اليمين عليكي وأحنا لسه مكتوب كتابنا.
ربما لو كان لانكسار القلب صوت لسمعه كل من بالكرة الأرضية، سقطت دموعها بصمتٍ، تضع يدها على شفتيها لتكبح تلك الشهقة المميتة من الخروج، في حين دلف جبران إلى المرحاض الخاص بغرفته ليبدل ملابسه هاربًا من نظراتها التي تيقظ ضميره وتقتله.
**************
وصلت فاطمة مع غفران إلى غرفتهما، تبتسم بحزنٍ وهي تتذكر حديث غفران لجدها قبل زواجهما..
***
:_ أنا وفاطمة متفقين أن مفيش تغيرات في الأوضة ولا فرح عايزينه حاجة هادية لكتب كتاب وخلاص مش ضروري فرح.
قالها غفران بهدوءٍ غير متناسب مع حديثهم المتحمس، وقعت الصدمة على رأس فاطمة كحجرة حادة، في حين نظر الجد جبران له متمتمًا بضيق:
_ يعني ايه مش عايز فرح ولا تغير اوضتك! وازاى هي توافق على حاجة زي كده!
نظرت له فاطمة بأعينٍ زائغة تشعر باختناقٍ مما يفعله، ولكن تتذكر تهديده لها لتصبح كفريسة سهل للصيد، ارتفع صوت ناهد وهي تنظر لغفران ولم يأت بتفكيرها شيء سوى أنه لا يرغب بأن يكون صاحب السخرية بالزفاف:
_ خلاص يا بابا مدام موافقين سبهم مع بعض وأنا كمان مش عايزة فرح كنت عايزة اقول نخليها على الضيق مش كده ولا إيه يا فاطمة؟!
ابتسم غفران براحةٍ ما إن انضمت له ناهد، في حين حل الذهول على ملامح فاطمة وهي تؤيد حديث غفران، وكأنها متفقة معه، ابتسمت بحزنٍ لهما ثم قالت قبل أن تنهض:
_ اللي أنتم شايفينه اعملوه عن اذنكم.
***
ازاح غفران الباب ثم وقف جانبًا يردد بجمود وهو يرفع عكازه يشير لها بالدلوف:
_ ادخلي مش هنقضي اليوم كله على الباب.
دلفت إلى غرفته بتوترٍ تشعر برهبةٍ من الغرفة، فألوانها متناسقة بين الأزرق الداكن والفاتح، تحمل طابع ذكوري، بها سراحة ولكن مكسورة مرآتها، وكذلك أريكة كبيرة وخزانة ملابس وسريرًا واسع كلهم مرتبين بعنايةٍ واضحة.
انتفض جسدها بخوفٍ بعدما أغلق الباب، يلقي عكازه جانبًا بنفورٍ، ثم جلس على الفراش ينزع حذاؤه عن قدمه العرج، تتغير ملامحه لألمٍ منها، لاحظت فاطمة تشنجاته، لتقترب منه قائلة بتوترٍ:
_ أنت كويس؟ رجلك بتوجعك؟
نظر لها بقليلٍ من السخط، ثم قال وهو ينهض مجددًا مقتربًا من الخزانة:
_ ياريت لو شوفتيني بموت متدخلش.. واللي هتعيشي معايا عليه.. إنك تسمعي كلامي وبس مفهوم.
تراجعت فاطمة بضيقٍ من طريقته، لتهتف بكلماتٍ ظهر بها ضيقها:
_ اتكلم معايا بطريقة احسن من كده؟ أنا مراتك على فكرة؟
استدار لها غفران يتطلع لها عن كسب، ثم ضحك بقوةٍ يردد باستهزاءٍ:
_ مراتي! أنتِ صدقتي نفسك وفاكرة نفسك ست وتتحبي.. أنتِ مفكيش شيء يتحب للأسف و كلها كام شهر واطلقك وارميكي زي رمية الكلاب.
تألم قلبها من حديثه، حتى لو لم تحبه ولكن لن تسمح له بأن يهين كرمتها، لتردد بسخرية مماثلة:
_ بجد! والله افتكر نفسي ست البنات وفيا كتير يتحب.. كفاية انك جريت ورايا عشان تخليني اتجوزك بطريقة حقيرة أوي الصراحة.. ودلوقتي مش معترف بيا.. متقلبش الآية يا غفران عشان هتخسر.
شعر غفران بغضبٍ من حديثها، ليتقرب منها بتلك العرجة ولكنه كاد أن يتعصر لتنتفض فاطمة تسرع نحوه لتسانده في محاولة لتقديم المساعدة، دفعها بعيدًا عنها لتقع هي على السراحة، تدلف يدها بالمرآة ذات زجاج مكسور لتنجرح بقوة، نظر لها غفران بعدائية واضحة ثم قال:
_ لو فكرتي تقربي مني تاني صدقيني هتندمي ندم عمرك.. أنتِ اخرك هنا عشان بس تتكسري زي ما اتكسرت منكم.
تركها حاملًا ملابسه، يغادر إلى المرحاض سريعًا يختفي به لعله يقدر على مواجهتها، لم يتخيل قوتها في الرد، في حين تأملت فاطمة اختفائه، ثم نظرت ليدها المجروحة ووضعت بها بعض المنديل الورقية ليقف نزيفها، وما أن خرج غفران حتى دلفت هي كي تعقم يدها جيدًا وتعالج جرحها، ثم خرجت من المرحاض ترتدي ملابس قطينة واسعة مكونة من بنطال و تي- شيرت كامل، وتركت شعرها العنان، ذهبت إلى الأريكة لتنام عليها تحاول الابتعاد عنه قدر المستطاع.
***********
صباحًا..
هبطت ملك ومعها ناهد إلى الردهة بعد ليلةً مرهقة بالأمس، يجلسان سويًا مع والدها وأخيه وابنه عامر، لتهتف تحية الصباح:
_ صباح الخير.
اجابوا عليها بهدوءٍ، ثم أتت سيدة تدعى أم عبده تضع لها قدح الشاي ولابنتها الحليب، لتبتسم لها ناهد قائلة:
_ تسلم ايدك يا أم عبده.
منحتها ابتسامة ثم ذهبت للمطبخ لتعد طعام الافطار إلى العرائس، فقد احضرها الجد جبران لتساعدهم بعدما أتت ابنته ناهد وبناتها، نهض الجد جبران يحمد الله اتباع للسنة بعد انتهاء من الطعام وقال بهدوءٍ:
_ لما تخلصي يا ناهد تعالي أنتِ وخليل الأوضة.
اومأت بإيجابية، في حين نهض خليل يجيبه وهو ينفض يده:
_ أنا خلصت أكل خلاص وجاي مع حضرتك.
وبالفعل ذهبا الأثنان لغرفة المكتب، بينما بقيت ناهد تتناول بهدوءٍ حتى ردد عامر بحرجٍ:
_ عمتو.
نظرت له ناهد ولكن تعجبت من الحرج الظاهر على ملامحه، ليسترسل عامر باعتذار:
_ أنا آسف على أول مرة جيتي فيها وصرخت بصوتي وقلقت ملك.
ابتسمت له بحنوٍ قائلة:
_ مش زعلانة منك يا حبيبي أنت ابني وعارفة انك متعرفش.
اسرع عامر بالحديث في حماس:
_بس متقلقيش قرأت كله حاجة عن مرض ملك وعرفت اتعامل معاها ازاي.
منحته نظرة رضا، تهتف بحبٍ:
_ ربنا يباركلي فيك يارب.. معلش خلي بالك منها لحد ما أشوف بابا.
اومأ عامر بجدية، بينما نهضت من مكانها لتذهب إلى والدها، نظر عامر إلى ملك ثم قال وهو يرى السماعات التي تضعها لتعزل الصوت مستندة على كتفها:
_ ملك.
لم تجيبه، ليعيد منادتها عدة مرات حتى استجابت له نظرت بحدقتيه ثم بدأت تدور بحدقتيها بعيدًا، ليتحدث عامر بتوتر:
_ أنا آسف يا ملك مقصدش اضايقك أول مرة جيتي فيها.
لم تجيبه ملك وظلت على حالتها تفرك كفيها، ليكمل عامر ظنًا أنها لم تسامحه:
_ أنا عارف انك مضايقة مني وزعلانة بس صدقيني مقصدش.. بصي هثبتلك إني مقصدش لما ندخل مدرسة.. اصل جدو ناوي يقدملك في مدرسة جنبي للثانوي المبنى جنب المبنى ووقتها...
:_ أنا مزعلتش منك أصلًا.
قالتها ملك مقاطعة حديثه، في حين ابتسم عامر بسعادة لاستجابته لحديثه، أسرع مجددًا ليحدثها قائلًا بحبورٍ:
_ طب بتحبي تعملي إيه!
نظرت له بأعينٍ زائغة ثم حولت بصرها بعيدًا مجددًا، تصمت لوقتٍ كان كفيل بأن يعطي لعامر اليأس من ردها ولكنها اجابت:
_ بحب ارسم.. الرسم حلو أوي وبحط اللي بشوف فيه.
اشرقت بسمة أخرى لوجهه، ليهتف بحماسٍ:
_طب تعالي ورهاني كده.
نهضت ملك معاه تضع السماعات خاشية من سماع صوتٍ ما، تسير بخطواتها الثابتة إلى الأعلى، بينما ابتسم عامر بسعادة وهو يرى استجابتها بعدما علم أن مريض التوحد يحب الحديث عن نفسه.
**********
:_ نسافر اربع شهور ازاي يا بابا أنا عايزة اطمن على البنات!
قالتها ناهد بذهولٍ من حديثه، في حين ردد جبران بحزمٍ:
_ أنتِ هتسافري مع اخوكِ عشان تشوفي مالك ومحدش هيعرف يحافظ على مالك غيرك.. وأنا موجود مع بناتك ولا أنا مش كفاية يا ناهد؟
نظرت له بحرجٍ تردد بكلماتٍ معتذرة:
_ لا مقصدش طبعًا.. بس ملك يعني أخاف اسيبها والدراسة خلاص فاضلها ايام وتدخل.
اجابها بهدوءٍ وسط صمت خليل:
_ متقلقيش عليها أنا موجود وعامر هوصيه عليها.
تنهدت ناهد بتعبٍ من قرارات والدها الغريبة، لتومأ برأسها في إيجابية، ثم نهضت تردد بحزنٍ:
_ طب هطلع اجهز الشنطة واطمن على البنات قبل ما امشي بكرة الصبح.
تحركت من أمام والدها بعدما منحها موافقة، في حين انتظر خليل خروجها ثم قال بدهشة:
_ أزاي يا بابا هتمسكها الشغل اللي في القاهرة؟ طب خليها تشتغل في الحسابات اللي في كوم شبين جنبنا.
حرك جبران رأسه بنفيٍ يردد بهدوءٍ:
_ لاء لزما ناهد تعتمد على نفسها وتخرج برة دايرة اللي حطت نفسها فيها.. اختك بتضيع نفسها وبناتها بخوفها الزيادة وبقت بتأذيهم من غير ما تحس.. أنت هتكون معاها عشان اطمن إنها مش لوحدها وبعد كده هقولك تعمل ايه.
تنهد خليل بحزنٍ على حال شقيقته، ثم تذكر أمر غفران ليهتف بقلق:
_ طب مش هتقول لغفران أن فاطمة كانت مخطوبة قبل كده وفقدت الذاكرة.. أنا خايف عليها من ابني لأنه معقد من البنات بعد اللي منها لله هناء عملته فيه.
صمت جبران قليلًا ثم قال بشرودٍ:
_ ابنك مش هيقدر يأذيها يمكن بيحاول إنه يأذي.. وأنا عارف أنه اجبرها تتجوزه بس عشان رفضته في الأول إنما لو فاطمة سكتت كان هو اللي قفل الموضوع.. فاطمة الشخص الوحيد اللي أثق فيه إنه يرجع لغفران عقله تاني وميبصش للاعاقة بتاعته.. بس لزما دا يحصل قبل ما الذاكرة ترجعلها تاني عشان وقت ما ترجع غفران يكون معاها.
منحه خليل نظرة قلق في حين حدث جبران بنقطة فارغة بشرودٍ واضح يفكر فيما سيفعله!
***********
ألمٌ بدأ يداهم جبينه، يشعر كمن ضرب على رأسه بمطرقة، فتح عينيه بصعوبةٍ، ثم نظر للنافذة ليجد الشمس في ظُهرها، تنهد بتعبٍ ثم مد يده لينظر إلى الهاتف فوجده قد نفذ شاحنه لينهض من على الفراش بهدوءٍ، يضعه بالشاحن وما أن اتصل بالشاحن حتى اشعله مجددًا ليرى أن الساعة قد قاربت للعصر، عاد يجلس على الفراش بإرهاق واضح، ثم ادار رأسه نحو الأريكة ليجد فاطمة نائمة عليه، لا يعلم كيف زحفت تلك البسمة له، ولكن رؤية حجم الأريكة التي لا تتسع له واسعة على حجم فاطمة جعله يبتسم.
تأملها قليلًا ثم نهض بترددٍ واضح، يقترب منها ببطءٍ يحارب ذاته بألا يقترب ولكن ملامحها الهادئة، شعرها المموج جعله يرغب بأن يلامسه، اقترب منها يتأملها بدقةٍ ثم لاحظ يدها المجروحة، تعجب قليلًا من جرح يدها فهو لم يقترب منها، وما كاد أن يُفيقها ليعلم سر هذا الجرح حتى تذكر دفعه لها بقوةٍ أثناء محاولتها لمساندته، نظر نحو المرآة ليجد تلك القطعة الملوثة بدمائها، ذهب نحوها وامسكها بيده يتأملها قليلًا، نعم يريد الانتقام ولكن لم يخطط أبدًا لأن يؤذيها جسديًا، أغمض عينيه وهو يعيش بهذا الصراع لا يريد أذيتها ولكن ألم جرحه مما حدث بالماضي جعله يرغب بقتل أي امرأة أمامه!
تسارعت وتيرة انفاسه يقبض على الزجاجة بقوةٍ ليجرح ذاته كما فعل بها، يريد أن يرى هل هذا الجرح سيؤلمها أم هو عادي؟، علت بسمة ساخرة شفتيه وهو يرى قطرات الدماء تتساقط من يده ولم يؤلمه هذا الجرح!
همس قائلًا بسخطٍ:
_ حتى وجع ايدي مقدرش يشيل وجع قلبي.
فتح يديه ببطءٍ ينظر لكفه المذبوح، ولكن شهقة خرجت منها وهي تقف أمامه تردد وهي تشير على دمائه:
_ د..دم ايدك.. اتـ.. اتعورت.
نظر لها ولملامحها الملتاعة، ولم ينطق بكلمة، بينما ذهبت فاطمة سريعًا تحضر علبة الإسعافات الأولية بعدما أفاقت من صدمتها، عادت تضعها على الفراش وتتقدم نحوه قائلة بتوجسٍ من أن يدفعها مجددًا:
_ أن بس هنضف الجرح مش أكتر.
لم يتحدث بقى ساكنًا، يتأمل رهبتها منه، أهذا يريحه أم لا؟ لا يعلم ما الذي يريد؟ نعم رَغِبَ بالانتقام ولكن هذا لم يشعره بالسعادة بل رهبتها منه ضايقته!
نزعت منه تلك الزجاجة بحذرٍ تخشى منه وعليه، ثم وضعتها جانبًا وهي تراقبه بتوترٍ من أن ينقلب حاله، سحبت يده لتجلسه على الفراش كي تستطيع تنظيف، وبالفعل بدأت مهمتها حتى وجدت اصابعه مذبوحة بقوة وكذلك بطن كفه، لتهتف بكلماتٍ منغمسة في توترها:
_ على فكرة لزما تروح المستشفى عشان تتخيط.
أغمض غفران حدقتيه ببسمة متعبة، يجيبها بنبرة خالية من المشاعر:
_ مش فارقة يا فاطمة.. لفيها وخلاص!
:_ هو أنت بتعمل كده ليه؟ ايه اللي يخليك تتجوزني غصب وتكلمني كده وتبهدلني وكمان مبهدل نفسك ومش عايز تعالج ايدك؟
قالتها بانفعالٍ شديد، تنظر لحدقتيه باحثة عن اجابة، في حين نزع غفران يده منها، يهتف ببرودٍ:
_ اجابة السؤال دا كفيلة تدمر حياتك فقومي من وشي ومتدخليش في اللي ميخصكيش.
عادت تمسك بكفه في عنفٍ، تحدثه بغضبٍ ظاهر:
_ لا بقى أنا مش لعبة تدخلني حياتك وتلعب بيها زي ما انت عايز! قولي سبب واحد يخليك تهدد بنت عمتك اللي من لحمك ودمك بطريقة قذرة كده!
نفض غفران يده عنها بقوةٍ لتعود وتنزف مرة أخرى، تسود حدقتيه بطريقة مخيفة، يردد وهو يقترب منها بملامحه التي تهجمت:
_ لا أنتِ لعبة في ايدي ولعبة غبية بتتحرك زي ما أنا عايز.. بدليل أنك صدقتي حوار الصور اللي ملهوش أصل ولا عملته.. ولو كنت رفضتي مكنتش هنفذ تهديدي لأنك في النهاية بنت عمتي..
اقترب من اذنها وسط صدمتها وجسدها المرتجف منه، هامسًا بطريقة غريبة:
_ ومراتي يعني ملك غفران.. ووجودك هنا عشان تتأذي وبس.
ابتعد عنها يتأمل ملامحها المتألمة، عينيها اللتان تلتمعان بدموعٍ، ثم همست بصوتٍ مبحوح:
_ ليه؟ ليه تأذيني كده؟!
تأمل ملامحها الباكية، وتذكر ملامحه التي بكت منذ اربع سنوات بعدما تلقى جرحًا قاسٍ من خطيبته السابقة، تلك الدمعة التي هبطت من حدقتيه أمامها عندما اشعرته بعجزه، زحفت بسمة ألم لمحياه هاتفًا بمرارة الماضي:
_ عشان نفس الأذى اللي اتأذيته زمان منكم.. بس للأسف واحد بس هيشيل المشاريب وأنتِ اللي اختارتي تشيليها مش أنا.
نهض من أمامها يسير بقدمه العرجاء نحو المرحاض، ولكن ببطءٍ كي لا يقع مجددًا أمامها، يدلف إلى الحمام تاركًا تلك الدمعة تهبط، ولكن لم يأبَ كبريائه أن يسقط دمعةً أخرى، تقدم نحو المرحاض يتطلع لعينيه اللتان تلونا بحُمرة، في حين بقيت فاطمة تتأمل اختفائه بدموعٍ متساقطة حتى نهضت لتبدل ملابسها.
***************
نظرت إلى نقطة فارغة بعيدة عن السرير، تجلس ضامه قدمها لصدرها، تتذكر كل كلمة ألقاها عليها، تتذكر والدتها التي قست بالحديث قبل زفافهما، تزداد ضربت قلبها بقوةٍ وكأنه يريد الصراخ ليخرج آهات بداخلها، فاقت من شرودها على صوت جبران الذي هتف بدهشة عندما نهض من نومه:
_ أنتِ ايه اللي مقعدك كده؟!
لم تنظر له بل نهضت دون أن تجيبه لتحضر ملابسها، ولكن اوقفها جبران بنبرة غاضبة ممسكًا ذراعها كي لا تخطو مجددًا تاركة إياه:
_ هو أنا مش بكلمك؟!
منحته نظرة نافرة، تجيبه نازعة يدها عنه:
_ عشان بقيت بقرف اتكلم معاك.
كادت أن ترحل تاركة إياه، ولكنه قبض على يدها بقوةٍ ألمتها، يهتف بنبرةٍ مخيفة:
_ عدي اللي قولتيه تاني!
ظهر الألم على ملامحها ولكنها نظرت بحدقتيه قائلة باشمئزاز:
_ بقرف اكلمك.. سمعت ولا اقآآآ..
دفعها بعيدًا عنه يتنفس بصوتٍ مسموع قائلًا بانفعال:
_ اخفي من وشي وإلا قسمًا بالله رد فعلي هيكون أسود نقطة في حياتك!
ركضت يقين إلى الحمام وهي تشعر بالذعر من ملامحه، تتسرب دموعها دون أن تشعر، بينما مسح جبران على وجهه ثم غادر إلى الشرفة ليتنفس قليلًا ولكن لم يريحه هذا الهواء، لذا قرر أن يمارس هوايته، انطلق نحو خزانته يرتدي ملابسه ثم غادر من الغرفة تاركًا إياها ولم يلاحظ ناهد التي رأته يسير مثل الإعصار.
دلفت سريعًا لغرفة الخاص بهما وهي تشعر بالقلق، لتجد ابنتها تجفف شعرها بعدما أخذت حمامًا تخفي خلفه حزنها، ولكنها تفاجأت بوالدتها التي هتفت:
_ أنتِ عملتي ايه في جبران خلتيه يخرج من الأوضة؟!
نظرت لها يقين بعدم استيعاب متمتمة:
_ خرج! خرج إزاي؟!
اشتعل الغضب بحدقتي ناهد قائلة بعصبية:
_ في واحدة مش عارفة جوزها خرج فين؟!
نظرت لها يقين ببرودٍ تجيبها وهي تجلس على الفراش:
_ آه أنا معرفش خرج في انهي داهية.
ازداد غضب ناهد بقوةٍ تتقدم نحوها بعصبية قائلة بغضب جامح:
_ احترمي نفسك وأنتِ بتتكلمي عن جوزك.. هفضل افهم في دماغك اللي زي الحجر دي لأمتى.. بطلي غباء شوية.
لم تتحمل يقين حديثها، مرّ شريطًا سريع لكل الحديث السيء عنها ثم حديث الأخرين ليكتمل بحديث جبران القاسي واختتمت هي النهاية بكلماتها، انتفضت من مكانها بغضبٍ قائلة بحدة دون ادراك:
_ ملكيش دعوة بيا.. اعمل اللي أنا عايزاه مش رميتني زي الكلبة ليه وخلتني مسواش حاجة يبقى متتكلميش معايا ولا تقولي غبية تاني لأني مش غبية
بدأ صوت يقين يعلو بانفعالٍ تردد بحدة دون وعي:
_ أنا مش غبية.. أنا مش غبية.. أنا مآآآ..
صمتت أثر صفعة قوية تلقتها من والدتها ولكن تلك المرة كانت أقوى لترى نزيف دماء من فمها، لم تستطع يقين وضع يدها مكان الصفعة ولكنها نظرت لوالدتها بصدمةٍ، للمرة الثانية تصفعها بقوةٍ أكبر عن ذي قبل، ادارت وجهها لتتقابل مع عيني والدتها التي قالت برجفة وهي ترى حدقتي ابنتها الممتلئتان بدموع:
_ اخر مرة اسمع صوتك يعلى.. وجوزك دا تشيليه فوق راسك لأنه هيستحمل غباءك وطريقتك ولو في يوم فكر يطلقك يبقى ملكش مكان بينا أنتِ فاهمة!
"اشتركوا على قناتنا على تليجرام أو قناة واتساب ليصلكم أحدث الفصول والتنبيهات فور نشرها"
"اشتركوا على قناتنا على تليجرام أو قناة واتساب ليصلكم أحدث الفصول والتنبيهات فور نشرها"