رواية وبالحب اهتديت الفصل الخامس 5 و الفصل 6 بقلم سلمى خالد

  الفصل الخامس من رواية "وبالحب اهتديت" بقلم سلمى خالد.

رواية وبالحب اهتديت الفصل الخامس 5 و الفصل 6 بقلم سلمى خالد

وبالحب اهتديت الحلقة الخامسة

وبالحُبِ اهتديت

«هُدايا وهُداكِ وبينهما العشق»

سلمى خالد إبراهيم

استغفر الله العظيم وأتوب إليه 3 مرات

حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 7مرات

( قولهم مش هياخدوا وقت يا سكاكر♥)

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الخامس

(ذِكْرَيَات وَجَفَاءٍ!)

أن الزمن كفيل بتبخر تلك البسمة الناعمة العالقة بثغرك، تعطيك أخرى تعيسة يظهر عليها البؤس، فتنظر بالمرآة هل هذا أنا؟ هل هذه بسمتي التي أخبرني الجميع عنها أنها جميلة؟ ماذا حدث لها!

بذلك الوقت يتألم قلبك من ملامحك التي نهشها الحزن، وعينيك اللتان يطوف بهما تعاسة، ثم تبحث وسط كل ذكريات عن سبب ما أصيبت بهِ، فتجد أن أقرب ما لقلب أخلى بوفائه لك، وخذلك بوقتٍ انتظرت أنت به يده لتعاونك ولكنها كانت يد تضمرك أسفل خذلانٍ قاسي.

هبط من أعلى الفرسة الخاصة به، بعدما أخذ جولة بها، يعيده إلى الاسطبل الخاص بـ الأحصنة الخاصة به والذي ورثه عن والدته، فكل واحد من ابنائها ورث جزء الذي يفهم به، وجبران يعشق الأحصنة، أغلق الباب على فرسه باللون الأسود وبه غرة من اللون الأبيض، من ينظر لهذا الحصان يظنه مغرورًا كمالكه.

أمسك بالجزر واقترب من الحصان يطعمه إياه، يتذكر حديث يقين له وكلماتها الأخيرة، لا يحب طريقتها تلك في الابتعاد، يريدها دائمًا بحاجته، يريدها أن تظل له، يريد أن يخبرها عن كل شيء عنه وتصبح هي بئر أسراره.

تنهد من ذلك الفكر الغريب، وقرر المغادرة عائدًا إلى منزله ليرى ما ستفعله يقين، ولكن قرر السير على اقدامه كي يهدأ من نفسه ويخرج ما بقى له من انفعال، حتى وصل إلى المنزل شاردًا، صعد إلى غرفته ودلف إليها ينظر بها باحثًا عنها، ليجدها تقف في الشرفة، تعجب قليلًا من وقفتها تلك وذهب نحوها ليرى ما الذي يوقفها هكذا، ليجدها شاردة غير واعية لوجوده.

مد كفه يضعه على كتفها ليحركها بهدوءٍ ولكنها انتفضت من مكانها تنظر للفاعل، ما أن رأته حتى حاولت جمع شتات نفسها كي لا تبكي أمامه، فهو هددها بالطلاق ووالدتها اخبرتها أن طلقها لتطردها من المنزل، الآن هو قشة النجاة التي ستحميها.

تعجب جبران من اطالة نظرها له، ثم لاحظ احد وجنتيها التي عليها أثار صفعة قوية، وشفتيها السفلى المجروحة، تأمل ما حد ولكن تسارعت أنفاسه بقوةٍ، يقبض على يديه بعنفٍ لضبط انفعالاته ولكن هيهات وقد برزت عروق رقبته، وتحولت حدقتيه للونٍ مخيف لا ينم على خير، هتف متسائلًا يشير بيده نحو الصفعة:

_ مين عمل فيكي كده؟

أدمعت عينيها بصمتٍ ثم هبطت ببصرها إلى الأسفل، تخفي انكسارها الداخلي عنه، لا تريد أن يراها هكذا، ليردد جبران بعصبيةٍ مفرطة:

_ وعز وجلالة الله لو ما نطقتي لهكون قابل البيت عليه واطيه.. مين عمل كده؟!

صرخ بجملته الأخيرة مما جعلها تتفض بوقفتها تتراجع إلى الخلف بعيدًا عنه، نعم أنه كما قال عامر وحشًا مخيف، ولكن هل هذا الوحش كاملًا أم جزءًا صغير منه؟، حركت رأسها بنفيٍ قائلة بذعرٍ:

_ مفيش حد مفيش..

مسح جبران على وجهه بغضبٍ، يحاول السيطرة على انفعالاته، ثم تقدم نحو بهدوءٍ يمسك كف يدها المرتعش، يدخلها إلى الغرفة كي لا تبقى بالشرفة، يجلسها على الفراش وهو بجانبها متمتمًا بحنوٍ:

_ عرفيني بس مين عمل كده عشان اخدلك حقك.

أغمضت عينيها سريعًا تكبح دموعها من الهطول، ثم حاولت رسم بسمة صغيرة، قائلة بأعينٍ تمتلأ بالحزن:

_ أنا كويسة اهوه مفيش حاجة.. ممكن مقولش اسم ولا أي حاجة.

تعجب من اصرارها على عدم النطق، لحاول الحديث معها بلطفٍ قائلًا:

_ أنا جوزك يا يقين وواجبي احميكي.. فكرة إني اخرج وارجع ألقي مراتي مضروبة بالقلم دي كبيرة أوي في حقي.

التمعت حدقتيها بألمٍ جارح بقلبها، تبتسم ساخرة على جملته الأخيرة، لتعلق بسخطٍ:

_ مراتك وجوزك! هي مش برضو مراتك اللي هددتها بالطلاق عشان عفويتها.. سوري غبائها

نظر لها جبران بتدقيقٍ، ليبرر ببرودٍ:

_ دا على أساس متجوزين بعض عن حب مش مجبور في الجوازة دي!

اشتعلت عينيها بغضبٍ من حديثه، لتهتف بعصبية تنهض من مكانها تبتعد عنها:

_ طالما مجبور ومش طايقني يبقى الأحسن أننا نتعامل على أننا أغرب وياريت منتكلمش وصدقني لو هموت مش هطلب منك النجاة ابدًا.

تركته لتغادر الغرفة تاركة إياه يشعر بغليان الدماء في عروقه من حديثها الأبله، في حين سارت نحو الردهة بخطواتٍ غاضبة حتى وصلت إلى الردهة، وما أن رأت عامر حتى كادت أن تبتسم ولكن رأت ملك معه لتتحول بسمتها بأخرى حزينة، استدارت تغادر الردهة تقف بالحديقة المرفقة لهذا المنزل العريق، تذرف دموعها بصمتٍ، تخبئ جسدها بشجرة توتٍ كي لا يراها أحد ويسألها عما هي به.

***********

وقفت بترددٍ أمام غرفة ابنتها الثانية، تطرق بخفةٍ تنتظر أن يفتح الباب، وبالفعل كانت دقائق وفتح غفران الباب بهدوءٍ، ابتسمت له ناهد قائلة بحبورٍ:

_ صباح الخير يا حبيبي.

اومأ برأسه بإيجابية، يفسح لها المجال متمتمًا بهدوءٍ:

_ صباح النور.. اتفضلي.

دلفت ناهد ببعض الحرج، ليغلق غفران الباب يشير لها بأن فاطمة تجلس بالشرفة، تحركت ناهد باتجاه ابنتها تبتسم برضا عنها، تردد بحنو:

_ صباح الخير على أحلى عروسة.

ادركت فاطمة وجود والدتها لتمسح وجنتيها سريعًا قبل أن ترى والدتها دموعها، ثم نهضت تتقدم نحوها لتحتضنها سريعًا مخفية وجهها بها:

_ وحشتيني يا ماما.

تعجبت ناهد من فعلت ابنتها، لتزيحها عنها قليلًا تطلعت بوجهها في تدقيق لترى أثر دموعها، قلقت بشدة عليها لتهتف بقلقٍ واضح:

_ عملك حاجة! ضربك أو عمل حاجة غصب؟!

انتفضت بصدمة من حديثها تحرك رأسها بنفيٍ سريعًا، تجيبها:

_ لالالا يا ماما معملش حاجة من دي.. بس طبعه صعب شوية وأنا مش عارفة اخد عليه.. وعشان كده بعيط.

تنهدت ناهد براحة، ثم امسكت بيدها تتحرك بها نحو المقعد ليجلسان سويًا تردد بحنوٍ ظاهر:

_ أنا عارفة يا بنتي أن طبيعة جوازكم جت بسرعة، وأنها مكنش مترتب ليها، بس جوزك على قد كده غلبان وطيب، هو يمكن عصبي حبتين لكن دا بسبب اللي حصله زمان من الحادثة وأن خطيبته سابته

نظرت لها فاطمة بتعجبٍ، قائلة:

_ خطيبته سابته إزاي؟

عضت ناهد على شفتيها بضيقٍ من ذاتها أنها لم تكن ذات صلة بوالدها وشقيقها كي تعلم ما حدث لغفران، فأجابتها بقليلٍ من الحزن:

_ ماهو عشان بقالكم 15سنة مش بتيجوا البلد ولا عيال خالك بيجوا فعشان كده متعرفيش تفاصيل.. غفران كان خاطب بنت خاله وهي سبته بعد اعاقته ومن يومها حابس نفسه ومش عايز يكلم حد.

استمعت فاطمة لحديثها وفهمت سر الدائم لرغبته بالانتقام، لتسترسل ناهد بتأكيد:

_ بصي يا حبيبتي حطي جوزك جوا نن عينكِ عشان هو اللي هيكمل معاكي.. اعرفي طبعه وهحاولي تتماشي معاها.. حببيه فيكِ وعرفيه قيمتك.. الست الشاطرة اللي تكسب جوزها وهو بقى حلالك يعني تعملي اللي عايزاه.

خجلت فاطمة من حديثها، لتظل ناهد تعطيها نصائح عن اكمال حياتها مع غفران، لتختتم حديثها بتحذير:

_ أوعي اسمع أن في طلاق.. أنا بناتي ميطلقوش ابدًا فاهمة يا فاطمة اوعي في يوم ألقكي مطلقة أو عايزة طلاق صدقيني وقتها مش هبقى أمك ولا اعرفك.

تأملت فاطمة حديث والدتها بصمتٍ ثم تذكرت كلمة غفران لها أنه سيطلقها بعد وقت من زواجها، حاولت فاطمة الحديث بنبرة متلعثمة:

_طب افرضي يا ماما مش متفاهمين وآآ..

قاطعتها ناهد بحدةٍ قاسية:

_ إياك يا بنت بطني تطلقي.. لو في يوم هتطلقي يبقى اعتبريني موت.

انتفضت فاطمة بذعرٍ قائلة بخوف:

_ بعد الشر عنك يا ماما.

ربتت على يدها بحنوٍ ثم نهضت قائلة بنبرة هادئة:

_ أنا ماشية واسمعي اللي قولت عليه.. اكسبي جوزك.

غادرت ناهد الغرفة تاركة ابنتها أمام موجة عاتية لن تقدر عليها، دلف عليها غفران ليراها شاردة ولم تشعر به، نظر لها ببعض التعجب ثم قال بنبرة جامدة دون اهتمام:

_ يلا عشان ناكل.. أم عبده جابت الأكل.

تحرك بعكازه نحو الغرفة ولكن اوقفته فاطمة وهي تقف خلفه مباشرةً، تردد بألمٍ:

_ أنت ليه بتعمل كده!

توقف غفران يستشعر الألم الذي بها، يبتسم ساخرًا على حاله، فكان هذا سؤاله لخطيبته منذ اربعة سنوات، ليجيبها كما اجابته:

_ عشان شايفك متستحقيش إني اعاملك حلو.

تعترف الآن أن كلماته جارحة لحد الموت، لا يمكن بأن يصبح لإنسان أن يكون بتلك القسوة، استدار ينظر لوجهها المشع بحمرة، شفتيها اللتان ترتجفان من كلماته اللاذعة، دموعها التي تهطل دون توقف، علا ثغره بسمة ساخطة ثم استدار يغادر، هامسًا بمرارةٍ وصل لمسمعها تلك الكلمات:

_ كل حاجة بتتعاد باختلاف حاجة واحدة.. وهو أني بقيت مسخ بسبب مريضة نفسية.

***********

بقى واضعًا يده على عينيه، ينتظر ان تخبره ملك بأن يزيل يديه، حتى طال الوقت ليهتف بضجرٍ:

_ يلا يا ملك زهقت.

وقفت تتطلع للوحاتها بتأكيدٍ أن كلها موضوعة على الطاولة بطريقة منظمة وصحيحة، ثم قالت بنبرة ثابتة:

_ افتح خلاص.

ازاح عامر يديه سريعًا بسعادةٍ غمرته، ينظر للوحات الموضوعة بطريقة منظمة، ولكنه لاحظ أن بكل لوحة شيء يكمل الأخر، ليهتف بتعجب:

_ هي كل لوحة ليها معني صح! وبيكمل بعضه؟

اجابته وهي لم تحرك بصرها عن اللوحات:

_ آه صح.. كل لوحة بتدي معنى عشان في النهاية تدي جملة كاملة.

اومأ عامر بفهمٍ، ثم بدأ يتطلع للوحات مجددًا وحاول أن يتطلع للوحة فكانت بها طفل يبكي وسط اسرته، ثم الثانية اسرة تضرب ابنها بقسوةٍ، ثم الثالثة طفلًا يظهر عليه وكأنه يرتجف بخوفٍ، ثم الأخيرة كانت لشاب يقف وسط الناس يطلعهم بخوفٍ ويظهر عليه وكأنه يرتجف، ثم كهل أيضًا خائفًا من الناس، تعجب من كون تلك اللوحات تدل على معنى واحد، ليردد عامر بتعجبٍ:

_ هو المعنى للوحات دي خوف أو عدم أمان وسط الناس أو عيلة حاجة زي كده.

لم تتحرك ملك أو تستجب له، بل اجابته بتلك الجملة ولا تزال حدقتيها عالقة باللوحات:

_ من لم يجد الأمان وسط اسرته سيظل يرتجف إلى الأبد..!

لا يعلم هل ما اتته بتلك اللحظة صدمة أم دهشة أم ماذا؟ فهو ظن أن ناهد أكثر حنو على ملك دون اخواتها، لم قالت ملك تلك الجملة، نظر لها عامر قليلًا ثم قال بحيرة:

_ ليه ليه عملتي حاجة زي كده؟ هو أنتِ مش بتحسي بأمان وسط عيلتك؟

لأول مرة ترفع ملك بصرها عن اللوحات وتتطلع نحوه بشدة، ظلت لدقائق بتلك الحالة ثم حملت اللوحات في صمت تضعها فوق بعضها ثم صعدت لغرفتها تاركة إياه يتأمل ظلها الذي يختفي رويدًا رويدًا .

*************

وقفت تنظر إلى حقيبة سفرها التي أعدتها، تتذكر حديثها ليقين ونظراتها التي ألمت قلبها عندما شعرت بأنها خذلتها، تنهدت بحزنٍ ثم قالت برجاءٍ:

_ يارب حنن قلبهم عليا وقويني اقدر اسيبهم.

أغلقت مصابيح الغرفة وقررت أن تغفو مبكرًا كي تسافر سريعًا، لن تسلم عليهن فهي تكره لحظات الوداع مؤلمة لقلبها بشدة، باتت تنفرها بعد فراق زوجها.

***********

وقف اربعتهم أمام جدهم بعدما أخبرهم بأن يحضروا على الفور، والآن يقفون ينتظرون أن يخبرهم جدهم لِمَ اوقفهم هكذا بغرفة مكتبه، نظر لهم جدهم بتفحص تعجبوا لأثره، ثم قال وهو يخرج اربع حقائب لهم قائلًا:

_ دول هدوم خروج شيك تلبسوها وتخرجوا الليلة عشان تعرفوا بعض أكتر.

نظر غفران جده بضيقٍ، في حين شعرت فاطمة بألمٍ من نظراته لجده، ظلت تتأمل حركاته لعله يوجد شيء شفع له ويدفعها لأن تستمر بتلك الزيجة وخاصةً بعد تهديد والدتها، ولكن لم تجد، شعر بها غفران ونظر لها بطرف عينيه وشعر بدموعها التي تتمسك بها ألا تهبط أمامهم، تنهد غفران ببعض الضيق لا يريد أن يميل لها، مد يده يأخذ الحقائب الخاصة بهما، ثم نظر إلى فاطمة متمتمًا بهدوءٍ بعدما نكست رأسها:

_ يلا يا فاطمة عشان نلحق نروح.

تحركت معه في صمت، في حين بقت يقين تشعر بالضيق مما يفعله جدها، لتهتف باختناق:

_ أنا مبحبش الخروج اصلا لو هو عايز يخرج فهو حر.

تضايق جبران من كلماتها، فلم يستطع أحد أن يحدثه بتلك الطريقة من قبل، بينما تأمل الجد جبران ثم قال بهدوءٍ:

_ مينفعش يا يقين أنتِ دلوقتي بقيتي زوجة ولزما تكوني مع جوزك في أي مناسبة.

لا تعلم كيف تفر من ذلك المأزق لتردد بنبرة جامدة لا تشعر بمن جُرح جوارها:

_ خلاص خليه يعتبرني متوحدة لأني مش هخرج معاه ولا عايزة حاجة تجمعني بيه اساسًا.

ضرب الجد جبران على المكتب بعصبيةٍ مفرطة، ينظر لها بحدةٍ قائلًا:

_ اللي بتتكلمي عليه دا جوزك.. يعني تتكلمي بأدب أنتِ فاهمة.. وهتخرجي معاها وهتعملي كل اللي يقولك عليه ولو حصل إنك عصيته أمره وقتها بس هطلقك منه وابقى دوري بقى على حد يستحملك.

نظرت لجدها بصدمةٍ، لم تتخل بيومٍ أنه سيلقي بكلماته اللاذعة عليها، اغرورقت الدموع حدقتيها ثم قالت بصوتٍ مبحوح:

_ عن اذنكم.

:_ تطلعي تجهزي فاهمة.

قالها الجد بنبرة تحذيرية، تحركت يقين من أمامهم بقلبٍ منفطر، تشعر بأن هناك من يطعنها باستمرار، بينما داخل المكتب، ردد الجد بجدية متطلعًا نحو جبران الواقف بملامح ممتعضة يحاول السيطرة عليها:

_ اطلع اجهز يا جبران.

نظر له جبران قليلًا، ثم قال بهدوءٍ بعدما سيطر على انفعالاته :

_ بعد اذنك يا جدي.. مش حابب حد يدخل في علاقتي بـ يقين، سبونا احنا نتعامل مع بعض يكفي اتجوزنا واحنا مجبورين على بعض.. فـ في التعامل أنا هعرف اتعامل معاها.

نظر له جده قليلًا ثم اومأ برأسه وتركه يغادر الغرفة، وما أن صعد حتى سمع شهقاتها تعلو، شعر بحزنٍ عليها ومنها، ولكن لن يدخل بجدال معها، دلف للغرفة واخذ حقيبته وبدأ بإعداد نفسه، بينما جلست يقين أمام المرآة تلف حجابها تنتهي منه في عجلة، تنهض من مكانها وهي ترفض الحديث معه لذا منعت بكائها حتى تستعد قبل أن يحدثها.

خرج جبران من الحمام يتطلع لها في صمت وما أن رأها اعدت نفسها، ابتسم بسخطٍ عليها يعلم رغبتها الدائمة بالفرار منه، فما أصعب شعورًا أن ينفرك أحدهم بكل الطرق، أدار مقبض الباب ثم قال وهو يغادر الغرفة:

_ يلا.

*********

أغلق الباب بهدوءٍ دون تفوه بكلمة، ثم نظر بالحقائب ورفع أحدها يمدها لها قائلًا بهدوءٍ عكس طبيعته:

_ دي شنطتك روحي غيري في الحمام ولا تحبي هنا؟!

فركت كفيها بتوترٍ بعدما نظرت لسده الممدودة ثم قالت بتوترٍ:

_ لو مش حابب تخرج مفيش مشكلة أنا اصلا مش حابة اخرج.

تجمد جسده لدقائق، سمع تلك الجملة قبل اربع سنوات وهي تردد بقسوةٍ دون رحمة( وأنا لو تقبلتك كزوج مش هتقبل إني اخرج مع واحد اعرج)، بدأت عروقه بالظهور، حتى ألقى الحقيبة بوجهها، يردد بحدةٍ:

_ اخلصي البسي مش هفضل طول الليل بتحايل على سيادتك..

ثم اضاف بسخطٍ وهو يراها تهبط على الأرض تمسك بالحقيبة وتدخل محتواها بعدما وقع تعض على شفتيها لتكتم شهقتها المتألمة:

_ لحسن كمان جدك يقول بشدلك ضوافرك وأنتِ نايمة وبعذبك.

أدمعت عين فاطمة بشدة، لم تستطع الرد فقد تخشى أن تندفع منها كلمات فيطلقها فتصبح منبوذة من والدتها، لا تريد أن يحصل معها ذلك، حملت الحقيبة ودلفت إلى الحمام بصمتٍ في حين تعجب بل دُهش غفران من صمتها العجيب هذا فقد توقع ردها! ما الذي حدث إذا؟

نفض تلك الأفكار من رأسه واعد نفسه جيدًا وبالوقت الذي انتهى فيه كانت فاطمة قد خرجت بعدما اعدت نفسها، نظر لها بتقييم ثم غادر المكان في هدوءٍ، يسير معها بطريقٍ مظلم إلا من ضوء القمر، ليهتف غفران بكلماتٍ ثابتة:

_ هنروح اخر الشارع دا عند ارض زراعية خاصة بينا هنقعد فيها شوية ونمشي.

وبالفعل وصل إلى هناك وجلس على صخرة وضعها بها، بينما وقفت فاطمة تراقب طريقته بصمتٍ، ويتردد حديث والدتها كثيرًا بأذنها، ثم كلماته الدائمة عن ظلمٍ تلقاه من حواء، إلى هنا وبدأ عقلها التحليلي بالعمل حتى صدع صوتها في سؤالٍ مندفع:

_ هي بنت خالك عملت فيك ايه بظبط يخليك تعاملني كده!

تجمد جسده من سماع حديثها، فقط ذكر اسمها أو سيرتها يجعل من جسده متحفزًا للقتل، نهض من الصخرة يستدير نحو فاطمة التي تملكها الذعر من هيئته المخيفة وكأنه سيقتلها بالفعل!

**************

اوقف السيارة الخاصة به أمام الاسطبل الخاص به، يردد بكلماتٍ هادئة:

_ عايزة تروحي فين؟

:_ مش عايزة اروح معاك في حتة أنت فاهم.

قالتها بعصبيةٍ واضحة، في حين تأمل جبران عصبيتها ثم قال بنبرة غريبة هادئة مخيفة للغاية:

_ أنا هسكت المرة دي عشان طريقة جوزنا جت سريعة وملحقناش حتى نعرف بعض.. وهسكت برضو عشان 15 سنة دول كانوا كفيلين يغيروني وأنتِ متعرفنيش.. بس المرة الجاية لو لمحت طريقتك دي معايا صدقيني هنسى كل اخلاقي وهتعامل معاكي على انك راجل وقابلي مني واستحملي.

توترت يقين من طريقته وقررت الصمت، في حين أعاد جبران سؤاله مرة أخرى لتجيبه وهي تشيح بوجهها بعيدًا:

_ أي حتة.

صمت جبران قليلًا ولم تعجبه طريقتها ولكنه سيتحمل تلك المرة، هتف بجدية وهو يفتح باب السيارة:

_ طب أنزلي.

رضخت لأمره دون تفوه بكلمة، وهبطت من سيارته تسير معه في صمت، إلى أن دلفت إلى الاسطبل تعجبت من دلوفها إلى الاسطبل وظلت تنظر حولها حتى اختفى جبران من امامها، تملك منها الرعب تنظر حولها بخوفٍ، تحاول التحرك سريعًا لتلحق به وهي لا تعلم أين هي، لم تجده لتبدأ انفاسها بالخروج عن السيطرة، ولكن ما جعلها تصرخ بألمٍ عندما شعرت بشيءٍ يغرس اسنانه بقدمها فلم يكون سوى ثعبان صغير!

رواية وبالحب اهتديت الفصل السادس

رواية وبالحب اهتديت الفصل السادس


( تَجَاهُلٌ )

بكل انسان صفحة لا يعلمها أحد، يخفيها عن الجميع راغبًا بحماية هذا الكيان الذي صنعه بعد جروحٍ دامت لسنوات، تتوحش ملامحه عندما يقترب منها أحد، فما رأيك يا عزيزي عندما يوجهه بها ويمزق هذا الكيان ببضع كلمات أثبتت أن لجروحه نزيف خفي لا يزال يقطر بروحه لهاوية الموت!

توحشت عينيه بطريقةٍ مخيفة، يتقدم نحوها بخطواتٍ عرجاء بطيئة، بينما تراجعت فاطمة بذعرٍ من نظراته، تشعر بسرعة ضربات قلبها، ليهسهس غفران بنبرة محتدة:

_ مين قالك على الموضوع دا؟

حركت رأسها برفضٍ للحديث، تتراجع من أمامه سريعًا، ولكن طريقته لا تعلن عن كونه سيتراجع، استدارت كي تركض هاربة منه، ولكن دقائق كانت تشعر بقبضته وكأنها أصفاد من حديد، يسحبها بقوةٍ بالغة جعلتها تشهق فزعًا منه، لتسقط أرضًا امام قدميه، نظر لها غفران بعدائية واضحة، ثم هبط لمستواها بعدما مد قدمه العرجاء كي يستطيع الوصول لمستواها، يمد يده يمسك بفكها السفلي بعنفٍ ألمها، يتطلع لعمق عينيها، ثم اقترب منها لتلفح أنفاسه وجهها، متمتمًا بنبرة هامسة مخيفة:

_ سيرتها لو اتفتحت تاني! هتشوفي الوحش اللي عايش جوايا.. فعايزة تموتي بالحياة فكري تسألي تاني!

ارتجف جسدها من تهديده الصريح، تحاول ابعد نظرها عن عينيه المخيفتان، ولكن كفه القابض على فكها، انفاسه الساخنة التي تحرق وجهها جعلتها تنظر له قسرًا، ازداد غفران من ضغطه على فكها حتى تأوهت فاطمة بقوةٍ، ينتفض جسدها من الألم، تمسك بكفه لتبعده عنها، ابتسم ساخرًا عليها ثم دفع وجهها عن يده وكأنها وباء سيعديه، في حين نهض غفران يلقي بنظرة ساخطة ثم قال وهو يحضر عكازه:

_ انجزي وقومي مش فاضي لمعاليكِ خلينا اوصلك واغور من هنا.

أغمضت فاطمة عينيها بألمٍ، تشعر بآلام منتشرة بوجهها، نهضت من مكانها تحاول كبح دموعها حتى لا تظهر، بينما تحرك غفران عائدًا إلى المنزل ولكن تشتعل نيران حارقة بداخله، يلقي نظرة عليها من حين لأخر ليتأكد من كونها تسير معه ولا يحدث شيء!

*********

هرب ذلك الثعبان الصغير من أمامها، بينما جلست هي على الأرض تذرف الدموع على ما تشعر به من آلام، تحاول رؤية مكان هذه العضة القاسية، مسحت دموعها بعدما شعرت بخطواتٍ أتية، تنهض سريعًا من الأرض كي لا يلاحظ شيء، ثم ما كانت إلا دقائق حتى سمعت جبران يهتف بقلق:

_ بتصرخي ليه يا يقين؟!

ادارت وجهها بعيدًا، تعض على شفتيها بألمٍ، فقد بدأت تشعر حرقان غريب بجلدها، تهمس بأنين خفي:

_ مفيش.

تعجب جبران من اجابتها، ثم قال ببعض الشك:

_ يقين أنتِ كويسة؟!

صمتت ولم تجيبه، فقد بدأ جسدها بالهذيان، تحاول تحريك قدمها المصابة ببطءٍ كي لا تشعره بشيء، بينما شعر جبران بأن بها خطبًا ما، ليتقدم نحوها سريعًا تراجعت يقين سريعًا مبتعدة عنه، ولكنها اطلقت صرخة صغيرة مكتومة من ألم قدمها، انتفض جبران سريعًا يتقدم نحوها متمتمًا في قلق:

_ مالك يا يقين بقالي يجي ربع ساعة بسألك وأنتِ مبترديش؟

سارت رعشة بجسدها تشعر بآلامٍ منتشرة بقدمها، يتصبب جسدها عرقًا، تنظر له بأعينٍ مشوشة، ليثقل جسدها شيءٍ فشيء، شعر جبران بجسدها الذي يهوي، ليسرع بإمساكها، بينما نظرت له يقين قبل أن تزداد الضباب على عينيها تتذكر حديثهم جميعًا، ابتسمت له ولا تزال كلماتهم عالقة بذهنها، لتهمس بضعفٍ:

_ قولتلك لو بموت مش هطلب مساعدتك!

لا تعلم كيف قالت جملتها وكيف فقدت قوتها هكذا، ولكن سقط حمل جسدها على ذراعيه، صُدم جبران مما حدث وشعر بوجود شيءٍ غريب، ليسرع بحملها سريعًا متجهًا نحو السيارة، واضعًا إياها بالمقعد الأمامي، وانطلق بخفة ليجلس على مقعد القيادة، يدير محرك السيارة سريعًا ليسرع إلى أقرب مشفى لهما، يحمد الله على أن معه السيارة، بدأت رعشة جسد يقين بالوضوح، بهمس دون وعي:

_ مش غبية.. أنا تعبت.. مش غبية.. غصب عني.

ظل جبران يستمع لهمهماتها، يشعر بمدى تأثير تلك الكلمة عليها، ولكن وصلت السيارة إلى مشفى بعيدة عن القرية، لترجل جبران سريعًا حاملًا يقين على ذراعيه، يدلف بها إلى المشفى واضعًا إياها داخل سرير الطوارئ ثم أخرجوه كي تبدأ المشفى بإجراء اللازم، بقي جبران بالخارج يشعر بقلقٍ عليها، نعم يعترف ان طريقتها تعصبه ولكن لا يرفضها هي، زفر بتعبٍ يتطلع للباب الذي أغلق عليها، وهو واقفٌ بعيدًا.

ابتسم بسخرية على حاله فلو كان عاشقًا لها، ماذا سيحدث له!، تحرك ذهابًا وايابًا وقد جن عقله من حديثها الأخير، إلى أن رأى الطبيب يخرج من الغرفة، ليتقدم نحوه متمتمًا بقلق:

_ طمني يا دكتور هي عاملة إيه؟

حدق بها الطبيب ثم سأله بجدية:

_ حضرتك مين؟!

اجابه جبران بنفذ صبر:

_ أنا جوزها ممكن اعرف مالها؟!

أومأ الطبيب ثم اجابه بعملية:

_ المدام جت في الوقت المناسب، قرصها تعبان والسم كان بدأ ينتشر في جسمها ولأن جسمها ضعيف شوية الأعراض ظهرت بوضوح ودا ساعدنا و الحمدلله مقعدتش وقت اكبر من كده ولحقنها ودلوقتي هتفضل معانا للصبح لحد ما نطمن عليها وتقدر تمشي بكرة.

تحرك الطبيب من أمامه ثم غادر بينما وقف جبران يشعر بصدمةٍ من حديث، كانت بدقائق ستصبح جثةً ليس بها حياة، تألم قلبه وشعر بسكاكين ضميره تنغرس به، وظل ينتظر انتقال يقين إلى الغرفة وبالفعل وجدهم يخرجون بها على فراش متحرك ( التروالي) لتصبح بغرفة عادية، وصل لها جبران إلى الغرفة ودلف بخطواتٍ هادئة يتأمل ملامحها الباهتة، وجهها النائم وخصلات شعرها المتمردة من طقيتها الطبيبة الزرقاء، جلس على المقعد بالقرب من فراشها، وبدأ بتأمل ملامحها، ثم رفع كفه بتردد يقربه من كفها حتى لمسها، تمسك بها قليلًا وكأنه يعتذر، لا يعلم على ماذا ولكن يحمل نفسه كامل الذنب.

***********

دلف غفران إلى المنزل تاركًا تلك المسكينة تسير بآلامٍ انتشرت بقلبها، ولكن قبل ان يصعد غفران إلى الأعلى استمع لصوت عامر يأتي نحوه بعدما انتبه لوجوده يهتف بسعادة:

_ اخيرًا جيت دا أنا بعتلك الصور بتاعت كتب كتابكم.

اومأ غفران ثم صعد سريعًا تاركًا إياه، في حين حدق عامر به ثم همس بسخط:

_ بقى دا منظر عريس.. اعوذ بالله من دي اشكال.. الحمدلله الذي عافني مما ابتليت.. يارب أبقى عريس منور كده يوم فرحي وبزغرط كمان.

قاطع تذمره على طريقة شقيقه دلوف فاطمة بملامحٍ باهتة شاردة، تتحرك دون وعي، قطب عامر جبينه بدهشة، ثم اتسعت حدقتيه فجأة قائلًا بفزعٍ:

_ بت يا بطة الواد دراكولا دا عمل فيكِ ايه بظبط! ما أنا عارفه ميعتقش حد إلا لما يعلم عليه بنكده.

ابتسمت له فاطمة بحزنٍ، تجيبه بنبرةٍ حزينة:

_ عادي يا عامر مش فارقة أوي.. لما نكون أنا واخوك بنحب بعض تخاف.. إنما اللي بيني وبين غفران اتحكم عليه من أول لما مأذون جوزنا بالإعدام.

شعر عامر بمدى حزنها، ولمس قلبه نبرتها التي ارتجفت من الحزن، ليهتف بجديةٍ مزيفة كي يزل عنها حزنها:

_ تفي من بوقك.. اعدام ايه بس.. دا أنتم بكرة هلقيكم بطفحونا فراشات.

ضحكت بحزنٍ على حديثه، متذكرة تهديد غفران الصريح بالطلاق، في حين ردد عامر بحماسٍ مفاجئ حتى يخرجها من تلك الحالة:

_ جبتلك هدية جوازكم يارب تعجبكم.

نظرت له فاطمة باهتمام، في حين أسرع عامر نحو الأريكة الموجودة بالردهة وحمل صندوق هدية لها، ثم تقدم نحوها يقدمه لها قائلًا ببسمة طيبة:

_ يارب تعجبك الهدية.

ابتسمت له بامتنانٍ شديد، تمسك الصندوق بحبٍ، قائلة بنبرة تحمل القليل من السعادة:

_ مش عارفة اقولك ايه يا عامر بجد.. حقيقي أنت أحسن حد قابلته في البيت دا.

خجل عامر من حديثها، ليردد وهو يشيح بيده لها:

_ بس بقى بتكسف.

ضحكت فاطمة على طريقته، بينما أشار لها عامر بأن تفتح الصندوق مرددًا بحماس:

_ طب مش هتفتحي الصندوق؟

اومأت برأسها ثم أمسكته وبدأت بفتحه لتكشف ماهية تلك الهدية، وسرعان ما اتسعت عينيها فرحًا، تتأمل ما داخل الصندوق، ثم رفعت إحدى الكتب مرددة بسعادة بالغة وقد تبخر حزنها:

_ أنت عرفت منين إني بحب القراءة.. حقيقي كنت محتاجة كتب أقرأ فيها وروايات.

كانت تحدثه وهي تتأمل محتويات الصندوق بحبٍ، بينما اجابها عامر ببعض الحرج:

_ دورت على صفحتك على الفيس وقلبت فيها وعرفت انك بتحبي القراءة.

اومأت تؤكد حديثه، تتحدث وكأنها ترى حبيبًا لها:

_ القراءة دي زي الإدمان كده.. بتاخدك لعالم تاني.. بتقدر تخرجك من مود زعلك.. تقدر تسحرك بدون ما تحس.. دي عالم تاني بتاخدك ليه عشان تشيل اللي مزعلك.. أنا بعشق الكتب وريحتها كمان وكل ما يخص الكتب والقراءة.

نظر لها بذهولٍ من حبها للكتب، في حين حملت فاطمة الصندوق تنظر له بامتنانٍ قائلة:

_ أنا حقيقي بشكرك على الهدية الثمينة دي.. وهطلع اقرأ أول رواية فيها النهاردة.

ابتسم لها عامر، وشعر برضا عن الهدية بعد ردة فعلها، فقد شعر بأنها ليست ذات اهمية، ولكن هي من منحته قيمتها من ردة فعلها، عاد للأريكة مجددًا ينتظر عودة يقين كي يعطيها هديتها، بينما صعدت فاطمة تحمل هذا الصندوق، تنطلق نحو الحمام سريعًا كي تبدل ملابس وتبدأ بقراءة هذه الكتب متجاهلة غفران تمامًا وكأنه غير موجود.

***********

انكمشت ملامحها بانزعاجٍ واضح، تفتح اهدابها بعد سماع صوت المنبه بهاتفها، نظرت للساعة ثم نهضت بتكاسل، فهي الثانية بعد منتصف الليل، تحركت نحو خزانتها وحملت ملابسها تستعد للذهاب قبل أن تفيق بناتها، ترتدي ملابسها بقلبٍ منفطر لأجلهن، ولكن هكذا حكم والدها ولن تفعل سوى ما يخبرها به، انتهت من ارتداء ملابسها وحملت حقيبتها تغادر الغرفة بهدوءٍ، تنظر للطرقة الفارغة يملأها السكون، ثم انطلقت نحو الأسفل في الخفاء تتأمل شاشة الهاتف لترى ما تبقى من وقت لتصل السيارة التي ستنقلها إلى القاهرة، وما كانت إلا دقائق حتى أتت السيارة ودلفت بها بأعينٍ تمتلأ بدموع، تحاول السيطرة على ذاتها وقلبها النابض بالخوف من ترك المنزل ولكن ما باليد حيلة، انطلقت السيارة وبقت ناهد عينيها معلقتان على الطريق تسير نحو طريقها الذي لا تعلم منه هواية.

************

الانسان يصبح نصف ميت أثناء نومه، ولكن عندما يعود للواقع تبدأ مركز الاحساس لديه بالعمل، شعرت بيد تمسك كفها، لتتحرك اهدابها ببطءٍ متكاسل، حتى فتحتهما، تنظر لما يقبض على كفها حتى وجدته جبران قد غفى مكانه ولا تزال يده على كفها، حاولت سحب يدها ببطءٍ بعيدًا عنه ولكن شعر بها وفتح عينيه يتطلع لها ببعض الألم الذي أصاب رقبته، أزاح يده يضعها على رقبتها يحاول تدليك موضع الألم، قائلًا وهو ينظر لها:

_ أنتِ كويسة؟ احسن دلوقتي؟

نظرت له بهدوءٍ، ثم قالت تزيح نظرها عنه:

_ آه الحمدلله.

تضايق من حركت تجاهلها له، ثم نهض من مكانه ليحضر الطبيب وقبل أن يمسك بمقبض الباب عاد يستدير نحو يقين التي تفاجأت من عودته لها فجأة بخطواتٍ متأنية أثارت توترها، ابتلعت لعابها وهي تنظر لعينيه المسلطتان عليها، ثم قالت بتوترٍ:

_ هـ هو أنت بتقرب كده ليه؟

لم تتغير ملامحه ولكن ظل يقترب حتى وصل إليها يقف أمام فراشها، ثم بدأ ينحني بجزعه العلوي ليقترب منها، بينما ضربت السخونة وجنتيها، تتراجع للخلف بظهرها، إلى أن قابلتها وسادة الفراش فلم تعد تستطيع التراجع، رفع جبران يده لها ولكن انتفضت يقين من مكانها تضع يدها على وجنتها وكأنها تحميها.

توقف عن الحركة ينظر لها بتدقيق، يشعر بالضيق من ظنها به، ليهتف بنبرة هامسة مختنقة:

_ أكيد مش همد ايدي عليكي يا يقين!

ابتسمت بحزنٍ تحاول كبح دموعها التي بدأت بظهور، ثم قالت وهي تنظر للأسفل بنبرةٍ مبحوحة:

_ بس أنت قولتلي إنك هيجي يوم وتمد ايدك عليا.

رمش بأهدابه بصدمةٍ، لم يتوقع أن تصدق حديثه بتلك اللحظة، فلم تكن سوى لحظة عصبية مما تفعله، أكمل رفع يده يدخل خصلات شعرها داخل تلك القبعة الطبية، يحاول اخفاء ما يظهر منه، ثم همس بصوتٍ هادئ:

_ أنتِ مرات جبران.. يعني جوهرة لزمًا يتحافظ عليها وميحقش لحد يشوف اللي من حقي.. واللي يحاول يبص عليها يتخزق عينيه.

ارتجف جسدها أثر لمسات يده التي تخفي شعرها، نبرته الهامسة الغيورة، نعم أحبت تلك النبرة وتلك الطريقة، ابتعد عنها جبران ثم انطلق إلى الخارج الغرفة يبتسم بهدوءٍ عندما رأى وجنتيها المتوردتان، يبحث عن الطبيب إلى أن وجده ليأتي به ويخبرهما أنها يمكنها المغادرة.

وقفت يقين بتروي كي تبدل ملابسها، ليقف جبران معها قائلًا بجدية:

_ تعالي عشان اساعدك.

جحظت عينيها بصدمةٍ مما تفوه به، تتراجع للخلف قائلة:

_ تساعد مين!

نظر لها بتعجب، ثم اجابها:

_ اساعدك تغيري؟

شهقت بفزعٍ تردد وهي تتراجع لأخر الغرفة:

_ ت.. ايه يا خويا تغيرلي! ليه جالي شلل سداسي قدامك ما أنا بتحرك اهوه.

تأمل طريقتها وخجلها ثم ضحك بخفةٍ عليها، وقرر مغادرة الغرفة وهاتفًا بمكر:

_ أنا هخرج بس خمس دقايق لو مخلصتيش هدخل اساعدك.

غمز لها ضاحكًا ثم غادر الغرفة، بينما لطمت يقين على صدرها قائلة بصدمة:

_ غشيم وقليل الأدب الاتنين!

*********

انفاسه المشتعلة بضيقٍ منها، فهي منذ أن استيقظ وهي تمسك بالكتاب في اهتمامٍ بالغ، تحرك عينيها على سطوره بشغفٍ واضح، زفر باختناقٍ من تجاهلها لا يطيق التجاهل، وأيقن أن التجاهل يصنع المعجزات.

انتبها لها وهي تضع الكتاب جانبًا، تنهض من مقعد الشرفة، تقف أمام المرآة تضبط حجابها بإحكام، ثم ما كادت أن تغادر حتى ارتفع صوت غفران الحانق:

_ رايحة فين؟!

لم تستدر نحوه بل ظلت توليه ظهرها تفتح الباب بهدوءٍ قائلة بجمود:

_ هعملي حاجة اشربها.

تركته بعدما القت جملتها، تهبط من أعلى الدرج، تاركة إياه يشتعل من الغضب، دلفت إلى المطبخ لتجد أم عبده واقفة تعد طعام الغداء، ابتسمت لها قائلة بحبور:

_ عاملة ايه يا طنط؟

منحتها ام عبده بسمة فرحة، تجيبها بودٍ:

_ بخير يا حبيبتي.. طمنيني عليكي وعلى جوزك عاملة ايه معاه؟

ابتسمت فاطمة بحزنٍ فمنذ أن رأت والدتها مرة ولم تراها مجددًا، اجابتها فاطمة ببسمة حزينة:

_ الحمدلله يا طنط.. ادعيلنا.

ربتت أم عبده على كتفها، تمد يدها لترفع وجهها قائلة بحنان:

_ ليه بس نظرة الزعل دي!

لم تجيب فاطمة، بينما اومأت أم عبده بإيجابية، متمتمة:

_ خلاص يا حبيبتي متقوليش.. بس عايزة اعرفك حاجة جوزك حنية الدنيا فيه.. اسأليني أنا عرفاه من زمان.. بس اللي منها لله بنت خاله من يوم ما سبته بعد الحادثة والاعاقة اللي حصلتله وبقت واضحة وهو مبقاش يطيق أي ست تمشي قدامه..

نظرت لها فاطمة بعجزٍ، تهتف بألمٍ:

_ ازاي كلكم شايفينه كده وأنا لاء؟

منحتها بسمة رضا، ثم قالت بحكمة:

_ عشان إحنا عارفين الصورة القديمة والجديدة، إنما أنتِ مشوفتيش غير الجديدة بس فعشان كده معندهوش رصيد حلو عندك.. بصي يا حبيبتي أنا متأكدة أن غفران هيعمل حاجة حلوة ليكي وهتحسي بيه.. بس لحد ما يعمل كده راعي ربنا وعالجي جروحه بطيبتك وحنيتك وأصلك بنات الناس بيعملوا دايمًا بأصلهم وأنتِ أصلك طيب.. وبرضو مع الوقت هتلاقي نفسك بتحبيه.

تأملت فاطمة حديثها، وشعرت بمدى صحته، رغم ان تلك السيدة لم تحصل على تعليم بمدراس ولكن مدارس الحياة كانت كافية لمنحها دورسًا عن التعامل مع البشر، فاقت من شرودها على صوت عامر الهاتف بقلق:

_ مالها يقين؟

خرجت فاطمة سريعًا من المطبخ تشعر بقلقٍ على شقيقتها، لتجد جبران يساندها إلى الداخل، اقتربت منها سريعًا ولم تلاحظ المسافة المنعدمة بينها وبين عامر وجبران، تتأمل ملامح شقيقتها الباهتة قائلة:

_ مالك يا حبيبتي حصلك ايه؟

ابتسمت يقين بحبٍ لها، تتأمل خوفها عليها الذي اسعدها واشعرها بأنها مرغوبة، لتهتف بحبٍ:

_ أنا كويسة يا فاطمة.. متقلقيش عليا يا حبيبتي.

تأملت شكلها قليلًا بقلقٍ لا يزال ظاهر، ليردد جبران ببسمةٍ هادئة:

_ متقلقيش أنا هاخد بالي منها.

نظرت له فاطمة بامتنان، ثم عادت لشقيقتها تمسح على احدى وجنتيها قائلة:

_ خلي بالك على نفسك يا وجه الأرنب.

ضحكت يقين بضعفٍ على لقبها، بينما لاحظ جبران تغير حال يقين ما أن بقت مع شقيقتها فاطمة وحدثتها ببضع كلمات وقرر الصمت يراقب افعال تلك المجنونة، صعد بها إلى الأعلى بينما دلفت فاطمة تعد لها مشروبها الخاص( نسكافيه).

**********

ضرب على جبينه بغيظٍ يردد بنهرٍ:

_ نسيت اديها الهدية.

تحرك عامر نحو الأريكة يحمل من عليها صندوق يشابه صندوق فاطمة باختلاف اللون، يحتوي على مجموعة خاصة بالعناية بالبشرة فهي تعشق مثل تلك المنتجات وكانت تتمنى أن يمنحها أحد إياها كهدية، تأمل عامر الصندوق، ثم لاحظ دلوف جبران إلى المطبخ، فأسرع إلى الأعلى حاملًا الصندوق وما أن وصل حتى طرق على الباب بخفةٍ سمحت له يقين بالدلوف ليهتف عامر بسعادة تاركًا الباب مفتوح:

_ حمد لله على السلامة.. فضلت سهران طول الليل لغاية ما أغمى عليا على الكنبة وجالي الغضروف منكم ونمت.

ضحكت يقين على حديثه المتحسر ويده الموضوعة على رقبته، بينما تقدم عامر يضع الصندوق على الفراش حيث تجلس قائلًا ببعض الحرج:

_ جبتلك هدية جوازك.

اتسعت ابتسامة يقين سعادة، ثم تأملت الصندوق لتفتحه بلهفة حتى اتسعت عينيها بسعادة قائلة:

_ شكرا يا عامر بجد شكرا.. دي أول مرة تجيلي هدية من حد عشان مناسبة.

ظن عامر أنها تمزح، بينما أكملت يقين بمرارةٍ:

_ عشان دايما غبية وببوظ الدنيا قدامهم فكانوا يعقبوني إني مخدش هدية.

صُدم عامر من حديثها، وكذلك الواقف على اعتاب الغرفة، فأي شخص يحصل على هدية لو بسيطة، ليتمتم عامر بمرحٍ مزيف:

_ بطلي هزار يا سوسة.. عارف أن الهدية مش كبيرة ومش حلوة وبتجبري بخاطري.

رفعت بصرها بأعينٍ تغرقها الدموع، تتحدث بصوتٍ مبحوح:

_ أنا بتكلم بجد يا عامر.. أنا محدش كان بيجبلي هدية.. ولما ماما كانت تجبلي واعمل حاجة غلط تعاقبني وتاخد الهدية مني واتحرم منها وتديها لبنت جارتنا في نفس سني.

لم يستطع عامر الحديث بذلك الوقت، بل لا يوجد ما يتفوه به معها، مسحت دموعها سريعًا تعبث بالصندوق قائلة بحماسٍ حاولت اظهره:

_ الله يا عامر حلوة أوي الهدية.. الواحد حاسس أنه نتن في البيت دا.. بس عرفت منين يا سوسة إني بحب منتجات البشرة.

هندم عامر ملابسه قائلًا بغرورٍ:

_ مصدري الخاصة.

لم يكمل جملته معها بعدما أمسكه جبران من كتفه بقوةٍ قائلًا بهمسٍ مخيف:

_ هو أنا مش قولت محدش يدخل الأوضة بتاعتي ويلمس حاجتي.

انتفض عامر بخوفٍ منه، ينظر له بتوترٍ مجيبًا:

_ مـ...ما يقين قاعدة فيها!

نظر جبران إلى يقين التي تتابع المشهد باهتمامٍ تنتظر الاجابة بطريقة عجيبة، بينما عاد بنظره إلى عامر قائلًا بنبرة مخيفة:

_ شكلك عايز علقة من بتوع زمان.

اتسعت عينيه ذعرًا، يحرك رأسه بنفيٍ، ليدفعه جبران بقوةٍ غاضبًا، يردد بعصبيةٍ مخيفة:

_ أقل من دقيقة لو لقيتك في وشي مش هتقوم من مكانك حي.

زحف عامر سريعًا يخشى من تحول جبران الذي حدث، فذلك الوسواس القهري من لمس أو الاقتراب من اغراضه يحوله تمامًا لشخصية ذات عصبية مفرطة، ارتجف جسد يقين من تحول جبران المفاجئ، وابعدت نظرها عنه، بينما تقدم جبران من الصينية التي وضعها جانبًا عند دلوفه دون أن يشعر الأثنان، ثم اقترب من الفراش ووضعها جوار يقين يردد بنبرة هادئة نسبيًا:

_ أنا طلبت من أم عبده شوربة وفراخ عشان تقدري تاكليهم.

اومأت برأسها بإيجابية، ثم بدأت بتناول الطعام في هدوء تتجنب الحديث معه، زفر جبران باختناق من قلة حديثها معه، ونهض من مكانه تاركًا إياها تكمل تناول طعامها، بينما اوقفته يقين وهي تزيح الصينية جانبًا تتسأل بتردد:

_ هو.. هو أنت مجوبتش ليه على سؤال عامر؟

**********

صعدت تحمل مشروبها الخاص، تبتسم بسعادة وهي تتذكر ما وقفت عليه بتلك الرواية، دلفت إلى الغرفة لتجد غفران يجلس على الفراش مستندًا بيده على العكاز وكأنه كان واقفًا وجلس للتو، تجاهلته ودلفت للشرفة وبدأت ترتشف من المشروب وأمسكت كتابها تكمل القراء، ولكن انفصلت عن عالمها وهي تستمع لصوت غفران المخيف لا تعلم سر ارتجافها ولكن لهجته لا تحمل الخير:

_ ايه اللي وقفك جنب عامر وجبران بالشكل دا تحت؟

استمعت لحديثه وعادت تتذكر شقيقتها وأنها وقفت معهم بتلك اللحظة، لتجيبه دون النظر له ببرود مزيف:

_ عادي.. بطمن على اختي.

سحب منها الكتاب بعنفٍ، تحتد نبرته لقسوة:

_ لما اكلمك تبصلي مش تبصي للكتاب.

انتفضت فاطمة بضيقٍ منه قائلة بغضب جامح:

_ ابعد عني أنا مش طايقك اصلا.. وسبلي الكتاب على الأقل بينفعني اكتر منك.

صُدم غفران من حديثها، سمع جملتها ولكن اختلف الصوت، لِمَ تكرر كلماتها، لِمَ تفعل كما تفعل خطيبته بالسابقة، وتلقي عليه كلماتها اللاذعة، لم يشعر بذاته مجددًا وفقد السيطرة على جزءًا من داخله، لتتوحش عينيه بقوةٍ ثم يمسك بالكتاب ممزقا إياه بقوةٍ قائلًا دون وعي:

_ تفضلي طول عمرك حقيرة ومبتحسيش وأنا بقرف من وجودك ..

اكمل حديثه وهو يزيد من تمزيق الكتاب:

_اللي بينفعك دا هدمره عشان تستحقي أن أي حاجة حلوة تدمر في حياتك.

دفع ما مزقه بوجهها، بينما بقت هي تتطلع للكتاب بصدمةٍ تذرف الدموع دون شعور منها، و كأنها مجرى نهري، تغمض عينيها بعدما اصطدم بها الورق الممزق، ثم فتحت عينيها تتأمل ما فعله بألمٍ مخيف، رفعت بصرها نحوه تنظر لحدقتيه بأعينٍ تنبثق منها الآلام، تحرك رأسها بعدم تصديق لما فعله، بينما عاد غفران إلى وعيه مجددًا يتأمل عينيها اللتان تلتمعان بخذلانٍ ممزوج بألمٍ ثم الكتاب الممزق بعنفٍ ولكن المخيف بالأمر أنه أخرج جزءًا صغير من وحشه المكنون بداخله!

   الفصل التالى   

"اشتركوا على قناتنا على تليجرام أو قناة واتساب ليصلكم أحدث الفصول والتنبيهات فور نشرها"

واتسابتليجرام
admin
admin
تعليقات