الفصل السابع من رواية "وبالحب اهتديت" بقلم سلمى خالد.
وبالحب اهتديت الحلقة السابعة
وبالحُبِ اهتديت
«هُدايا وهُداكِ وبينهما العشق»
سلمى خالد إبراهيم
استغفر الله العظيم وأتوب إليه 3 مرات
حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 7مرات
( قولهم مش هياخدوا وقت يا سكاكر♥)
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل السابع
( صَدَمَاتٌ )
لأول مرة نعلم أن لأثر خذلان الغريب ألمًا يصيب القلب فيطفئ الروح ويضمر تلك اللمعة بأعينٍ بعيدًا، تكرر الخذلان مؤلم فما بالك أن يأتى خذلان القريب والبعيد معًا بلحظةٍ واحدة! ما الذي سيحدث لهذا القلب المسكين!
فاض الدمع من عينيها ليصبح نهرًا يجري على وجنتيها، تلتمع عينيها بألمٍ قاسٍ، تنظر نحو غفران الذي عاد للرشد بعد تلك النظرة، هبطت فاطمة بعينيها تنظر لأوراق في ألمٍ، ثم جثت على ركبتيها تمسكها بأيدٍ مرتعشة تتأمل ما حدث بهم، كانت تلك الأوراق الممزقة بين يديه ترفع بصرها نحوه بوجهٍ يشع بالحمرة، تردد بصوتٍ متألم:
_ أنتِ عملت ليه كده! كل دا عشان ايه اصلًا!
لم تجد جوابًا منه لترفع بصرها نحوه مرددة بنفورٍ ولكن يزداد فيض عينيها:
- أنا بقيت بكرهك يا غفران بكره وجودك وكرهت اكتر أن اسمى على اسمك! أنا مش عايزة وجودك في حياتي.
تأمل عينيها اللتان تخبران صدق حديثه، يتأمل وجهها بأعينٍ تائهة لا يعلم ما الذي حدث فهو لم يشعر بذاته عندما مزق كتابها!
نهضت فاطمة والأوراق تتساقط من يدها، تسترسل بنبرة مختنقة:
_قسوتك خلتني مش طايقة أعيش معاك تاني! مبقتش قادرة اشوف فيك حاجة حلوة زيك زي المسخ بس أنت مسخ مشوه من جوا.
لا تعلم بأن حديثها ليس سوى خناجر تقتله، كادت فاطمة أن تكمل حديثها باشمئزاز ولكن اوقفها غفران قائلًا باختناق:
_ بس كفاية!
احتدت نظراتها ولكن لا تزال تشع بحمرة من أثر البكاء، تتمتم في مواجهة لأفعاله:
_لا مش كفاية زي ما أنا مستحقش أنت كمان متستحقش الراحة ابدًا.
كانت تلك الجملة بمثابة أخر ما يمزق قلبه لأشلاء، ينظر إلى حدقتيها اللتان تلتمعان بالبغضاء منه، يردد بهمسٍ يحمل أنين الألم:
_ للأسف عمرك ما هتفهمي.. بس زيك زي غيرك بتحكمي من غير ما تعرفي أو تعيشي اللي عيشته.
تركها يعرج على قدمه يغادر الغرفة بل المنزل بأكمله بينما هي بقت تجلس مكانها تنحب بقوةٍ ولا تعلم ما الذي يجب فعله.
*********
ظل يوليها ظهره دون النظر إليها، بينما بقيت يقين تنتظر اجابة على سؤالها، تتأمل جسده المتجمد مكانه، إلى أن أزاحت الفراش عنها تهبط على قدميها تعرج بحركتها بشكلٍ بسيط، وقفت خلفه مباشرةً، فشعر بوجودها خلفه ليستدير يتأمل ملامحها المنهكة، شعرها المموج، جسدها المتوسط الحجم مقارنة بجسده وتلك المنامة المكونة من بنطال و تي-شيرت بلون الوردي، رفع جبران كفه يضع على جبينها، ثم قال بعدما أزاح يده ليضعها على وجنتيها:
_حرارتك مش عالية.
رمشت بأهدابها بصدمةٍ، بعدما انتظرت كل هذا الوقت، تزيح كفه عنها قائلة بضيق:
_ ابعد ايدك عني.
رفع جبران حاجبه يردد بمكرٍ:
_ يعني من شوية كانت حلوة ودلوقتي وحشة!
اشاحت وجهها بعيدًا بخجلٍ، تعقد ذراعيها أمام صدرها، بينما ابتسم جبران لها ثم تمتم بجدية تاركًا إياها:
_ روحي ريحي شوية وكملي أكلك يا يقين.
:_ برضو مقولتش ليه أنا الوحيدة اللي بدخل اوضتك ومبتزعقش؟
قالتها ممسكة بذراعه قبل أن يستدير، يملأ الفضول وجهها، بينما أغمض جبران حدقتيه، لا يعلم ما الذي يخبرها به؟ لكن لا يشعر بالغضب من اقترابها من أغراضه، أمسك كفها القابض على ذراعه منهيًا هذا النقاش، يجرها برفقٍ إلى الفراش وسط تعجبها، ثم أجلسها على الفراش يمسك بالطبق والملعقة ثم قال وهو يبدأ باطعامها:
_ لما تبقي تخفي نبقى نشوف الموضوع دا.. دلوقتي كلي يلا.
تعجبت من طريقتها، ولكنها استجابت لما يفعله، فهي تريد من يربت على قلبها بتلك الحنو ويعاملها كطفلته المدللة.
***********
وضع يده على ظهره بألمٍ، تنكمش ملامحه بألمٍ، يهمس بأنين:
_ آآآه الله يسامحك يا جبران يا ابن ام جبران.. كسرت ضهري وأنا لسه في رعونة شبابي.
سار منحنيًا من ألم ظهره، ثم قرر الذهاب إلى المطبخ باحثًا عن دواء لألم ظهره ولكن قبل أن يدلف للمطبخ استمع للحارس الخاص بالمنزل آل جبران، يردد بضيقٍ:
_ اديني خبيت حتة الحشيش دي فوق المطبخ.. على الله تطلع فوقيه وتفتكره بخور تاني وتحسرني على الحتة.
اتسعت عيني عامر بصدمةٍ، يتذكر تلك المرة التي أُصيبوا جميعًا بالسُكر وكانت سببًا لزواجهم، انتظر خروج شوقي ثم دلف إلى المطبخ يبحث عن تلك القطعة الصغيرة إلى أن وجدها موضوعة بعلبة سجائر، نظر لها عامر بتدقيق ثم قال ببسمة تشفي:
_ والله ووقعت يا شوقي ياللي كنت بتجريني بالخرزانة.
تحرك عامر إلى الخارج ثم نظر لعم شوقي الجالس بأريحية على المقعد أمام بوابة الكبير للمنزل، ليردد عامر بحزم مصطنع:
_ عم شوقي تعالى هنا.
نهض شوقي يتجه نحو عامر بدهشةٍ، فلأول مرة يحدثه بتلك الطريقة، يتمتم ببعض السخط:
_ في ايه يا عامر؟ داخل داخلة مش بتاعتك. نسيت الخرازنة ياض.
اغتاظ عامر من سخريته الواضحة، ليرفع علبة السجائر قائلًا ببسمة ماكرة:
_ والعلبة دي برضو مش بتاعتي هروح اوديها لجدي.
اتسعت عين شوقي بصدمةٍ، يتمتم سريعًا وهو يقبض على ذراع عامر:
_ استنى بس يا واد يا عامر.
رفع عامر حاجبه باستنكار، ثم قال وهو يزيح يده عنه باشمئزاز:
_ اسمي عامر بيه.. اسمي ايه يا شوقي.
اتسعت عين شوقي بصدمة قائلًا:
_ شوقي حاف كده!
:_ آه حاف ولا تحب جدي يلفك بعلبة السجاير واللي جوا علبة السجاير هاه.
قالها عامر بتشفي وهو يرى توتر شوقي منه، ليرفع عامر كفه يقرص احدى وجنتيه قائلًا باستفزاز:
_ طلعت خلبوص يا عم شوقي وبتلعب بديلك كتير.
ازداد تعرق شوقي أمامه وهو ينظر له بقلقٍ، قائلًا بخوفٍ دون أن يفهم مقصد عامر:
_ والله يا عامر بيه الست روحية هي اللي بتجيلي هنا وبتلبس وتحط الاحمر بتاعها دا وأنا راجل بقى وأنت سيد العارفين.
جحظت عين عامر من حديثه، بعدما افصح شوقي عن احدى أفعاله، ليردد بصدمةٍ:
_ روحية.. روحية مين بياعة الجبنة القديمة!
رفع شوقي يده يدلك صدره قائلًا بشوقٍ متذكرها:
_ وأحلى جبنة قديمة يا عامر!
اشمأزت ملامح عامر ليردف وهو يبعده عنه:
_ بس بس اسكت.. منك لله خيالي عفن بعد اللي قولته.
عبست ملامح شوقي من حديثه، بينما أكمل عامر ما أتى لأجله:
_ لو قولت عامر حاف كده هتزعل مني يا شوقي هاه! ولما اقولك على حاجة تنفذها فاهم يا شوقي ولا مش فاهم؟
ازدرد شوقي لعابه قائلًا بتوتر:
_ حاضر يا عامر بيه.
قرص عامر على وجنتيه قائلًا ببسمة سميجة:
_ شاطر يا شوشو.
********
وضعت حجابها بعناية فوق رأسها لتلفه بطريقةٍ خاصة تميز وجهها، تتطلع لشكلها بالمرآة برضاٍ، تتذكر خروج جبران إلى الاسطبل الخاص به ليرى أمر ذلك الثعبان، تحركت صوب الباب بهدوءٍ تفكر بوالدتها فقد ظنت أنها ستأتي لرؤيتها ولكنها لم تأتِ حتى غربت الشمس، تحركت نحو غرفتها تسير بهدوءٍ ولكنها تفاجأت بخالها خليل يجر حقيبة سفر خلفه، نظرت له بدهشةٍ قائلة:
_ حضرتك مسافر يا عمو؟
نظر لها خليل بتوترٍ، ثم قال:
_ أيوة يا بنتي رايح مصر في شغل هناك لينا جدك طلب نعمله.
أومأت يقين برأسها، ثم تمتمت ببسمة صغيرة:
_ ترجع بسلامة يا خالو.
ابتسم لها بتوترٍ، ولم يلاحظ قدمها الملفوفة بشاشٍ، طرقت على باب والدتها مجددًا ليضع خليل يده على كتف يقين متمتمًا بحزنٍ:
_ مش هتخرج يا بنتي.
استدارت له يقين بتعجبٍ، بينما أكمل خليل حديثه متأملًا وجهها النحيف:
_ أمك سافرت يا يقين امبارح بليل.
وقعت الصدمة عليها مثل صخور تتساقط من أعلى الجبال بقوة، تنظر لخالها بعد تصديق، تتمتم بصوتٍ هزيل:
_ سافرت إزاي؟ طب مسلمتش علينا ليه؟
تنهد خليل بضيقٍ من افعال شقيقته، يتذكر مكالمتها له بأنها وصلت إلى القاهرة ويأتي هو بالليل، أجاب بنوعٍ من القلق:
_ هي كلمتني امبارح وقالتلي انها سافرت لأنها مش بتحب لحظات الوداع.
بقيت لدقائق تحاول استيعاب ما تفوهت به، ثم زحفت بسمة حزينة منكسرة إلى شفتيها، ينكسر جزءًا أخر بقلبها، تتحرك من أمام خالها ولا تعلم من أين اتتها طاقة التحرك من أمامه، أغلقت باب غرفتها تنزع حجابها ببطءٍ، تنظر للمرآة تتأمل ملامحها القريبة من والدتها، تسيل دموعها بصمتٍ، تهتف ببعض السخرية:
_ لو مكنش في شبه بيني وبينك كنت قولت اني بنت يتيمة وبتعطفي عليها ولا يمكن الشبه دا صدفة وأنا يتيمة وبتعطفي عليا.
تقدمت من الفراش تجلس عليه، تضم ركبتيها لصدرها تستمر دموعها بالهطول ثم تحولت دموعها لشهقات عالية ولكن القاسي بالأمر تحاول ايقاف دموعها إلى أن نجحت وبقت تشهق من حين لأخر، تتأمل نقطة في الفراغ، حتى فُتح الباب بهدوءٍ يدلف من خلفه جبران، يردد وهو يتقدم من الخزانة ليبدل ملابسه سريعًا:
_ عاملة ايه دلوقتي؟
لم تجيبه أو بالأصح لم تستطع أن تجيبه، استدار جبران لها يتطلع نحوها بتعجب ولكن سرعان ما تحول لقلقٍ عندما رأى وجهها الباكي، تقدم نحوها تاركًا ما بيده يردد بحيرة:
_ مالك يا يقين أنا سايبك كويسة؟!
لم تجيبه أيضًا، ليرفع جبران كفه نحوها يدير وجهها نحوها قائلًا وهو يتطلع لحدقتيها بتمعن:
_ قوليلي مالك؟ احكيلي يا يقين وخلينا اصحاب على الأقل نساعد بعض.
امتلأت عينيها بالدموع، تنظر نحوه بعدم تصديق، هل يريدها صديقه، همست بصوتٍ مبحوح:
_ هـ..هو أنت عايز نبقى صحاب عادي! مش مضايق إني أقل منك!
صُدم من حديثها الغريب، وحرك رأسه بنفيٍ سريع، يجيبها بحنوٍ:
_ لا طبعًا اضايق من كلامك كده! بصي يمكن متعرفنيش أوي ويمكن حاجات كتير غريبة عليكي بس تعالي نكون صحاب على الأقل.
ابتسمت بشحوبٍ، تمتلأ حدقتيها بدموع الألم، تحاول قتل تلك الذكريات التي تهاجمها بكل مرةٍ يتحدث بها معها، ليسترسل جبران باستفهام:
_ قوليلي مالك؟ حد زعلك؟
تأملت القلق الموجود بحدقتيه، ثم قالت بألمٍ يتقطر من عينيها:
_ ماما سافرت من غير ما تقولنا وروحت اوضتها عشان استغربت إنها مجتش ليا تطمن عليا ولقيت خالو مسافر ليها مصر.
تفاجأ جبران من سفر والده، ليتمتم بدهشةٍ:
_ هو بابا مسافر!
اومأن برأسها في إيجابية، بينما نظر لها جبران بحنانٍ يردد بنبرة هادئة:
_ طب ما أنا اهوه الحاج خليل أبويا.. مسافر ومقليش ولسه عارف منك دلوقتي.. يبقى تعادل.
لا تزال بسمتها الشاحبة عالقة بثغرها، تنظر له بحزنٍ يملأ حدقتيها، تتمتم باختناق من دموع تحاول كبحها:
_ أنا كان نفسي أشوف لهفتها عليا وأنا تعبانة.. اوقات بحب اتعب عشان اشوف لهفة وحب اللي حوليا ليا.. يمكن أحس بوجودي وسطهم.
كلماتها تحمل أنين الألم، أيعقل أن يتمنى الإنسان مرضه ليتحقق من وجوده؟، أمسك جبران بكفها ليجعلها تنهض وبالفعل امتثلت لما يفعل دون دراية لما يريده، ثم فجأة سحبها جبران بقوةٍ لتقع داخل احضانه يضمها بحنوٍ، تجمد جسد يقين بصدمةٍ، بينما همس جبران بنبرة دافئة:
_ متجمديش جسمك وعيطي يا يقين.
كانت كلماته بمثابة الضوء الأخضر لنهمر دموعها بقوةٍ، تتشبث بملابسه بقوةٍ حتى كادت أن تقع ولكن ساندها ليجلسا سويًا على الفراش ولا تزال تبكي داخل احضانه، ظل يربت جبران بحنان عليها حتى بدأت تهدأ تدريجيًا، انتظر بعض الوقت ثم شعر بانتظام أنفاسها، ليساعدها على النوم في الفراش ولكن تلك المرة إلى جواره يتأمل ملامحها بهدوءٍ، ولا يعلم سر ذلك الشعور الذي يحثه دائمًا على تأملها ورسم بسمتها دائمًا.
*********
عاد للمنزل بجسدٍ هزيل للغاية، يشعر بتعبٍ يتملك من جسده وبالأخص من قدمه العرجاء، صعد إلى غرفته ليقف أمام الباب يتأمله بهدوءٍ يتخالف مع تلك العاصفة التي تحاربه، دلف للغرفة بخطواتٍ ثابتة هادئة، ليجد فاطمة تتكوم مثل الجنين على الأريكة، تأملها بحزنٍ ثم قرر أن يتحرك للشرفة ليرى أثر هذا الحادث، ليجد تلك الأوراق لا تزال متناثرة، هبط نحوها يمسك بتلك الأوراق ثم حملها بين يديه يضعها بحقيبة احضرها بهدوءٍ، يخفي تلك الأوراق سريعًا، ثم عاد للداخل وما كاد أن يبدل ملابسه حتى استمع لصوت هلاوس من فاطمة، ازاح باب الخزانة يتطلع نحوها بتعجبٍ، ثم تقدم نحوها حتى أصبح وجهها واضحًا، يشع بحمرة غريبة، وضع يده على جبينها ليجد حرارتها مرتفعة.
لا يعلم لِمَ توتر؟ ما هذا القلق؟ ترك عكازه، وأمسك بحجابها ووضعه فوق رأسها، يحمد الله إنها كانت ترتدي ملابس مناسبة للخروج، ثم حملها برفقٍ شديد، يهمس لها بصوتٍ حنون لأول مرةٍ يخرج منذ أربع سنوات:
_ استحملي عشان خاطري.
تحرك بقدمه العرجاء بصعوبةٍ بالغة، وشعر بألمٍ منتشر بها، ولكن تلك الهلاوس التي تصدرها فاطمة جعلته يشعر بالقلق، يتحرك بسرعة أكبر إلى أن وصل إلى السيارة ليضعها بها ثم أسرع لمقعد القيادة يجلس عليه منطلقًا نحو مشفى قريبة منهم.
وصل للمشفى أخيرًا وأشار لأحد بأن يأتي بترولي، وسرعان ما حُملت فاطمة ودلفوا بها إلى المشفى وبقي الطبيب معها ليبدأ بعلاج ما بها.
بقى غفران بالخارج يجلس على مقعده بتعبٍ، تلتمع عينيه بقلقٍ عليها، حتى خرج الطبيب من الغرفة، يتقدم نحو غفران قائلًا:
_ حضرتك جوزها؟
نظر له غفران ثم قال بهدوءٍ:
_ آه.
أسترسل الطبيب بهدوءٍ وهو يقيم ملامحه:
_ المدام بتعاني من حمى نفسية ودي بتيجي لما بتكون اتعرضت لأزمة نفسية أو صدمات.. أحنا اتعاملنا مع الحمى دي بس اتمنى تعرفوا سبب وتعالجوا لأن الحمى دي لو متعالجتش هتأثر عليها بشكل سلبي جدًا.. هي هتفضل معانا لبكرة نطمن إن حرارتها مش هترتفع تاني.
تركه الطبيب يغادر المكان، بينما بقى غفران مكانه يشعر باختناقٍ أشد من ذي قبل، يتأمل اختفاء الطبيب بصمتٍ، ثم ما دقائق وخرجت الممرضة من الغرفة، ليتقدم منها غفران قائلًا:
_عايز خدمة.
نظرت له الممرضة باستفهام، ليسترسل غفران بهدوءٍ:
_ خلي بالك عليها وتخليكي معها لحد ما تفوق او ترشحي حد يكون معها وليه أجره على الليلة دي بس مش عايز أي تقصير.
اومأت الممرضة بتوترٍ من نبرته الحازمة، تردد بموافقة:
_ حاضر يا فندم.. أنا هقعد معها بنفسي.
عادت الممرضة للغرفة بينما جلس غفران على مقعده دون حركة.
**********
استمعت لصوت الدقات على الباب، لتنهض تجفف دموعها سريعًا، تنطلق نحو الباب لتفتح سريعًا فما كان سوى شقيقها، تمتمت ببسمة حزينة:
_ حمدالله على سلامتك يا خليل.
نظر خليل لحزنها ثم قال لها بمغزى:
_ نفس نظرة يقين لما عرفت أنك مسافرة.
نظرت له بلهفة، قائلة:
_ هي عاملة ايه؟ كويسة من غيري؟
حرك خليل رأسه بيأسٍ منها، ثم ردد وهو يدلف للداخل:
_ أكيد يا ناهد.. بنتك بقت متجوزة وسبيني ادخل اريح من السفر.
تركها خليل يدلف لإحدى الغرف يفر هاربًا من اسئلة التي ستهطل مثل المطر، بينما بقت ناهد مكانها تسيل دموعها مجددًا بحزنٍ على بناتها.
*********
صباحًا..
:_ صباح الخير وحمدلله على سلامتك.
قالتها الممرضة ما أن رأت اهدابها المنكمشة بانزعاج من الضوء، تنظر نحو الممرضة بتعجبٍ، ثم حاولت الاعتدال ولكن هرولت الممرضة نحوها تساعدها سريعًا قائلة بقلق:
_ أنتِ كويسة؟
تعجبت من قلقها الغريب، لتردد بدهشة:
_ أنا كويسة بس حصل إيه؟
اجابتها الممرضة وهي تشعر بتوترٍ:
_ جتلك حمى بليل وجوزك جه شايلك ولما اطمن إنك كويسة وصاني أفضل معاكي طول الليل لحد ما تفوقي واطمن عليكي .
دُهشت فاطمة مما تتفوه به تلك الممرضة، تنظر باتجاه الباب بتأمل، وما هي إلا لحظات حتى دلف غفران إلى الغرفة تعلقت نظراتها به، لتجده يدلف بذلك الكبرياء المرسوم بوجهه، عينيه اللتان تنظران لها بغموض، وقف أمامها بهدوءٍ مهيب، ثم قال بصوتٍ هادئ:
_ عاملة إيه دلوقتي؟
نظرت له قليلًا، ثم قالت وهي تبعد عينيها عنه:
_ زي ما عملت في الكتاب بظبط.
تأمل غفران حديثها قليلًا، ثم نظر للمرضة التي تقف كالبلهاء، ثم حدثها بنفس تلك النبرة الهادئة:
_ تقدر تخرج صح؟
اومأت الممرضة بإيجابية، تجيبه بصوتٍ عملي:
_ آه الدكتور شافها وقال تمام تقدر تخرج.
أشار لها غفران بالمغادرة، وما أن اغلقت الممرضة الباب حتى قال غفران متطلعًا لفاطمة التي تتهرب من نظراته:
_ هتقدري تمشي ولا اجبلك كرسي!
:_ همشي.
اجابته وهي تنهض تضبط حجابها بعدما سحبته سريعًا لتضبطه عليها، ثم انتهت وما كادت أن تغادر حتى ردد غفران بجدية ممزوجة بحزم:
_ استني أمشي جنبك.
ابتسمت ساخرة على حديثه، تردد بنبرة ساخطة:
_ ليه؟ مش دي برضو متستحقش أي حاجة ولا إيه؟
رمقها غفران بنظرةٍ غريبة، ثم تحرك ليفتح الباب بصمتٍ ضايقها، لتستمر بالسير معه حتى وصل كلاهما للسيارة، ثم ركبت فاطمة وهي لا تزال تنظر من النافذة تتجنب النظر له في حين تحرك غفران بالسيارة يتأمل الطريق و لكن عقله شاردًا بالأحداث.
***********
وقف أمام جده يشعر بغرابة الموقف، فلأول مرة يريد جده الحديث معه بمفرده، ظل يتطلع نحو جده الذي يتحدث بالهاتف ولكن معالم وجهه لا تنم بالخير، انهى اتصاله ملقيًا هاتفه بعيدًا يمسح على وجهه بضيقٍ، ثم نظر إلى عامر الذي تراجع للخلف بتوترٍ، هتف جبران الأكبر بجدية واضحة:
_ أنا هسافر دمياط عشان في مشاكل في مصنع الخشب وأنت اللي هتاخد ملك وتقدملها في المدرسة اللي جنبك وتشيل مسؤوليتها.
اتسعت عين عامر بصدمةٍ، تحرك فكه ليفك عقدة لسانه يردد بتوتر:
_ لالا طب وعمتي فين!
نهض جبران الأكبر يسير نحوه ببطءٍ، يتمتم بنبرة حادة:
_ واضح من كلامي أن طلبت منك مش من عمتك.. فلما أقول كلمة تتنفذ.
وقف أمامه يتطلع لعينيه بحدةٍ، بينما حرك عامر رأسه بإيجابية سريعة لتفادى غضب جده، ثم قال بتلعثم:
_ حـ حاضر يا جدي عايز حاجة تانية؟
أشار بيده له بأن يغادر ولكن تراجع عامر إلى الخلف خوفًا من أن يصفعه، نظر له جبران الأكبر ثم تقدم نحو يضرب على كتفه قائلًا ببعض القوة:
_ ما تنشف ياض كده.. أنت حفيد جبران يعني ميهزكش الريح فاهم.
اومأ عامر ثم استدار سريعًا ليغادر، يهمس بنبرة ساخطة:
_ ميهزكش الريح.. دا أنت لوحدك مخلينا كلنا بنبقى عايزين ندخل الحمام عشرين مرة واحنا واقفين قصدك.
تحرك مغادرًا المكتب، يبحث عن الأوراق المطلوبة فقد حان موعد تقديم الدراسة لها وله.
***********
ترجلت من سيارتها سريعًا، تتحرك نحو الأعلى بصمتٍ في خطواتٍ منهكة، حتى وصلت لغرفتها تاركة ذلك الغفران يسير خلفها بتمهل، نزعت حجابها ثم انطلقت نحو الأريكة كي تنام عليها، بينما دلف غفران الغرفة وما أن رأى وضعيتها حتى قال بنبرة هادئة غريبة:
_ تعالي نامي على السرير.
استدارت توليه ظهرها، ترفض الحديث معه، لم تعد للكلمات نفعًا، تأمل غفران فعلتها ثم ابتسم ساخرًا فهي أصبحت متمردة صغيرة تكبر على يديه، تحرك صوب الخزانة يخرج منها تلك الأوراق التي مزقها ثم نظر لها بتدقيق وبدأ يمزقها مرة أخرى ولكن بتمهل.
استمعت لصوت أوراق تتمزق فأسرعت تستدير نحوه لتجد تلك الأوراق التي مزقها منذ البداية لقطع كبير بدأ يمزقها لقطع متوسطة فأصغر، اغرورقت عينيها بدموع تردد بصوتٍ يحمل نفورًا كريه:
_ أنت عمرك ما كنت بني آدم بجد.. أنت أبشع انسان شوفته في حياتي يا غفران.. وحقيقي بكرهك!
لا يعلم ما الذي حدث، كان يظن أن قلبه فقد الحياة ولكن اليوم سمع صوت انكساره، كلماتها كانت كسهمًا مسممة ينغرس بصدره إلى روحه المهترئة، رفع بصره يتطلع لعينيها اللتان تحملان البغضاء نحوه، ليزداد نزيف جرحه، كان يريد تدميرها ولكن ما دمره بها دمره به، لا يعلم أهو ينتقم منها أم كان ينتقم من ذاته الممزقة، ابتسم غفران لها بحزنٍ، ثم قال وهو يعلق عينيه بخاصتها:
_ لو كنت تقدري تشوفي الماضي اللي وصلني لكده مكنش دا وضعنا.
حركت رأسها برفضٍ، تجيبه باختناق من دموعها التي تفيض من عينيها:
_ لاء.. الماضي بيعلمنا إزاي منقعش في الغلطة مرتين بس أنت خليت الماضي حِجة عشان تأذي اللي حوليك.
ظل دقائق يتطلع لعينيها، ثم عاد بنظرة لتلك الأوراق يمزقها ببطءٍ، يردد بنبرةٍ غريبة ولكن تحمل أنين الألم:
_ الإنسان بيعيش بروحين.. روحه وكرمته وأنا خسرتهم.
انتهى من تمزيق أخر ورقة ثم رفع بصره نحوها ولا تزال بسمته عالقة بثغره ولكن متألمة، يسترسل بألمٍ:
_ فلو الماضي زي ما بتقولي بيعلمنا منقعش في الغلطة مرتين مكنش هيبقى في مرضى نفسيين.
تحرك من أمامها حاملًا حقيبته، واضعًا إياها داخل الخزانة، بينما بقيت فاطمة تتطلع نحوه بصمتٍ، تشعر بتضارب افكارها من حديثه الملغم بالغموض.
***********
_ يقين اصحي يلا ورانا مشوار مهم هنعمله.
قالها جبران وهو يدفع يقين بخفةٍ، بينما انزعجت يقين من ايقاظها لتردد بحنق:
_ سبني بقى يا عم الشاعر أنت.
جحظت عين جبران بصدمةٍ من حديثها، ليلكزه بقوةٍ جعلتها تتأوه بألمٍ، تنهض تنظر نحوه بغضبٍ قائلة وهي تدلك موقع الألم:
_ ايدك تقيل أوي.. ايه دا مرزبة.
ابتسم ببرودٍ ثم قال وهو يسحبها بقوة:
_ دا أقل حاجة.. أنتِ مشوفتيش اللي ممكن يحصل لو اتعصبت.
سقطت أرضًا من سحبه، تتمتم بغضبٍ متألم:
_ آآآه ايه الغبوة دي يا جبران!
نظر لها جبران بشدة بعدما قالت جملتها، بينما ارتبكت يقين من نظراته متعجبة منه، ثم قالت بارتباك:
_ في ايه؟!
اجابها مبتسمًا:
_ بعيدًا عن كلمة غبوة اللي هتتفخي عليها.. بس دي أول مرة تقولي جبران علطول.
رمشت بأهدابها بعدم تصديق لما يقولها، ليغمز جبران بمكرٍ متمتمًا:
_ اتصدقي مكنتش اعرف أن اسمي حلو كده إلا منك.
ضربت السخونة وجهها وشعرت بخجلٍ واضح، لتتحرك من أمامه هاربة، بينما ضحك جبران بخفة قائلًا:
_ طب اجهزي بقى عشان ورانا مشوار مهم.
********
:_ يا شوقي.. يا ولد يا شوقي.
قالها عامر بطريقةٍ أرستقراطية، بينما آتى شوقي سريعًا يهرول نحوه قائلًا:
_ ايوة يا عامر بيه!
لم يلاحظ عامر نزول جبران وإلى جواره يقين يتطلعان نحوه بتعجبٍ وبالأخص جبران الذي ردد بدهشة:
_ عم شوقي أنت بتقول لعامر يا بيه؟!!
نظر له شوقي متحسرًا ثم قال:
_ سبحان المعز المذل.
ابتسم عامر بتشفي قائلًا:
_ آه والله سبحانه يا شوقي.. بيذل المفتري على الأطفال.
رفع جبران حاجبه بدهشةٍ من طريقة عامر وخضوع شوقي، ثم قال وهو يحرك رأسه بعدم تصديق:
_ يلا يا يقين احسن لو قعدنا ممكن نتهبل زيه.
صفقت يقين بحماسٍ قائلة وهي تتحرك نحو عامر:
_ الله.. لا خلينا شوية عامر بيعرف يضحكني ويفرحني.
انهت جملتها واشتعلت عين جبران بغضبٍ جامح، يتطلع لهما بحدةٍ مخيفة، بينما تمتم عامر بفرحة:
_ إله يجبر بخاطرك يا عسلية.
عند ذلك الرد ونفض جبران يده من يقين وتركه مغادرًا الردهة، بينما دهشت يقين من طريقته لتردد بتعجب:
_ هو زعل ليه؟
اجابها شوقي بتعقل:
_ اصل ميصحش يا بنتي تقولي أو تظهر أن قاعدة اخو جوزك أحلى من قاعدتك معه عيب.
استمعت لجملته وبقيت دقائق تفكر، ثم غادرت خلفه، بينما نظر عامر بشرارٍ له قائلًا:
_ بتفتح بوقك يا شوقي وتتكلم.. شكلك عايز لساني يدلدق باللي يعرفه هاه.
اتسعت عين شوقي قائلًا باعتذار:
_ آسف يا عامر بيه.
أشار له عامر يردد بغرورٍ:
_ طب يلا روح اعملي شاي.
استدار شوقي بعدما منحه الموافقة، يهمس بداخله في حسرة:
_ دا إيه الوقعة السودا ومطينة بطين دي.
**********
اسرعت يقين خلف جبران لتلحقه حتى وقفت بمنتصف الطريق لا تعلم أين هو ظنت أنه موجود بهذا الطريق ولكنه اختفى، بقيت دقائق تبحث بعينيها إلى أن استمعت لأحد وهو يمسك بكتفها بطريقة مقززة:
_ هو الجميل بيدور على ايه وأنا اساعده؟
شهقت يقين برعبٍ وهي تنتفض بعيدًا، ثم قالت بصوتٍ مرتجف وهي تتراجع إلى الخلف لتبتعد عنه:
_ أنت إزاي تمسكني كده!
ازدرد لعابه برغبة واضحة، يتمتم وهو يفحصها بدقة:
_ هو حد يقدر ميمسكشس الوحش دا ويدوق!
:_ تعالى أوريك جوز الوحش هيدلعك ازاي يا******!
*********
تسارعت دقات قلبها بشدة، تشعر بأن غصة عالقة بصدرها، تضطرب انفاسها بقوةٍ، إلى أن شعرت برجفة تسير بجسدها، فلم تعد لديها القدرة على التحكم بتلك الرجفة، بدأت تشهق بخوفٍ تحاول ضبط أنفاسها المضطربة ولكنها لم تستطع، اغرورقت عينيها بدموع ثم رفعت يدها تحاول تحريكها لدفع القليل من الهواء لعله يعيد انفاسها الضائع.
كان يقف بالشرفة يفكر بكل ما يمر به يحاول اعادة تفكيره بما يحدث، ولكن صوت شهقاتها جعله يستدير بجزعه ليرى لماذا تشهق فاطمة بتلك الطريقة ليجدها تجثو على ركبتيها تحاول تهوية بيدها ويدها الأخرى تضع على صدرها لمنع تلك الغصة من زيادة الألم، أسرع نحوها سريعًا يعرج بقدمه إلى أن وصل لها يتمتم بقلقٍ من وجهها المتعرق بشدة:
_ مالك يا فاطمة بتنهجي ليه؟!
نظرت له تحرك رأسها بنفيٍ، تتساقط دموعها بألمٍ من زيادة الألم بصدرها!
(وميض)
بضع مواقف صغيرة تصبح وميض لحقائق لم نراها، بل وتجعل من بصيرتنا أكثر وضوحًا، تلك الموقف ما هي إلا رسائل صغيرة ليصبح ما بعد العدوة محبة.
(طب أهدي وأنا موجود معاكِ يا فاطمة)
اندفع بتلك الكلمات لعلها تهدأ قليلًا، يمسك بكفها الموضوع على صدرها ليصبح على كفه يمسكها بقوةٍ ليثبتها بعدما ازدادت رعشتها بقوة، ظلت بتلك الحالة لـ اربع دقائق ثم هدأت تدريجيًا، كان لا يزال غفران يحاوطها بذراعه يبث لجسدها الدفء لعله يهدأ من رجفتها ويده تمسك بكفها، ملت برأسها على كتفه لتريح رأسها تغفو سريعًا بعد تلك الحالة الغريبة التي أصابتها فجأة دون سابق إنذار.
شعر بارتخاء جسدها عليه، فهبط ببصره قليلًا ليراها فلم يرَ سوى تلك الدمعة التي تجري على وجنتها، زفر غفران ببطءٍ ثم أبعدها قليلًا يضع يده أسفل قدميها ثم حملها بخفةٍ ليضعها على الفراش، يتحرك بحذرٍ كي لا يسقط بقدمه العرجاء، وضعها على الفراش ببطءٍ ثم نظر لملامحها الحزينة فلم يرَ سوى ملامحه عندما قتلته أحزانه من خطيبته، ابتسم بحزنٍ على هذا الوضع القاسي...
فهو ينتقم من نفسه بها وينتقم من ابنة خاله بها فأصبحت هي الضحية الوحيدة له، ولكن هناك صوت بداخله يرفض انتقامه بها، زفر ببطءٍ مُتعب ثم مد سبابته لوجهها ليزيل تلك الدمعة المتساقطة من عينيها والذي لا يزال يتساقط الدمع من عينيها، لم تعد تتحمل ما بداخلها فأخرج جسدها تلك الدموع لعلها تبرد من هذا الحريق المصنوع من الألم، رفع سبابته لتصبح امام مرمى بصره يتأمل تلك الدمعة ثم قال:
_ فيكي ايه يا فاطمة يخليني كل ما انتقم اوقف انتقامي؟
تحرك ليدلف إلى الشرفة ولكن قبل أن يخطو داخلها شعر بالقلق عليها فتأتي تلك الحالة مجددًا استدار يدلف للغرفة يمسك بأحد المقاعد الخفيفة يتقدم نحو الفراش يضع المقعد الخاص به، ثم جلس عليه فأصبح المقعد بالقرب من الفراش إلى جواره، يفكر بما هم فيه وما سيكونون عليه، لا يعلم لِمَ تسرب القلق لقلبه عليها، نفض كل تلك الأفكار فلم يعد برأسه شيء سوى أن يراها سليمة... ما السبب؟ كان يجهله!
********
تراجعت بذعرٍ إلى الخلف حتى اصطدمت بالشجرة خلفها، ترى جبران بملامحٍ مخيفة، يضرب ذلك الرجل بعنفٍ، أنه كما يقال عنه وحشًا، تحركت خلف تلك الشجرة خائفة من جبران، بينما ركل جبران هذا الرجل بقوةٍ في بطنه جعله يتأوه بقوةٍ محاولًا التقاط أنفاسه التي غابت بعد ما تلقاه من ضرب، ارتفع صوت جبران كزئير أسد مخيف:
_ أقل من دقيق لو مختفتش هعتبرها دعوة لموتك.
زحف الرجل على يديه، يحاول رؤية الطريق من عين واحدة بينما العين الأخر أصبحت الزُرقة حولها مخيفة، في حين استدار جبران ليرى يقين، ولكنها كانت تختبئ خلف الشجرة مثل الفئران تنظر بعينيها بعيدًا، أشار بيده بأن تأتي قائلًا:
_ تعالي.
حركت رأسها بنفيٍ سريع قائلة برعبٍ:
_ والله ما يحصل.
زمجرها بحدةٍ:
_ يقــــــــين تعالي حالًا.
ارتجف جسدها أكثر ترفض الذهاب إليه، تتذكر ما فعله معلميها عندما يعاقبونها على خطأ ارتكبته فكانت مطيعة وتذهب لهم ليعاقبوها بشدةٍ إلى تأتي لهم الرغبة في تركها، فكانت بنسبة لهم أقل من حيوانٍ له حقوق كل هذا أسفل تهديد بأن لا تخبر أحد بما يحدث معها، تشبثت بالشجرة أكثر تردد برفضٍ أكثر:
_ لالالا مش رايحة مش هرجع لكل د تاني!
زفر جبران بصوتٍ مسموع تزداد حدة نظراته، يتجه نحوها بخطواتٍ سريعة، لم يستطع تفسير ما تفعله، بينما انتفض جسد يقين من رؤيته يأتي نحوها لتسرع وتدور حول الشجرة كلما اقترب منها، نفذ صبر جبران منها ليتوقف لدقيقتين ثم تحرك فجأة نحوها يمسك ذراعها، قائلًا:
_ وقعتي أهوه.
اتسعت مقلتيها ذعرًا، تحاول افلات يده، بينما اختفى غضب جبران عندما نظرت له يقين برعبٍ حقيقي تحاول نزع يده عنها بكامل قوتها، قطب جبينه فأسرع بالحديث قائلًا:
_ اهدي يا يقين.
حركت رأسها برفضٍ تتساقط دموعها بعدما أغرقت عينيها، تردد بكلماتٍ متقاطعة:
_ لالا هتعاقبني.
اتسعت عيني جبران بدهشةٍ، ليمد يده الأخرى يمسكها من ذراعها الثاني ليثبتها أمامه، يحدق بعينيها قائلًا بجدية محاولًا السيطرة على حالة الذعر التي تملكتها:
_ يقين بصيلي كده.
نظرت لحدقتيه بدموع لا تزال تفيض، بينما أكمل جبران بنبرة حنونة للغاية:
_ شايفة ايه في عيني؟
تأملتهما بألمٍ ظاهر بحدقتيها، لتلاحظ نظراته الحنونة، همست بضعفٍ:
_ أنا خايفة أوي... هو أنت هتعاقبني!
انفلتت يداه عنها بعدما استكنت حركتها، يرفع أحدها لوجنتيها ليزيل دموعها قائلًا بحبٍ:
_ عمر الوحش اللي جوايا ما يخرج ليكِ.
توقفت دموعها عن الهطول، ليتلون انفها وشفتيها بالحُمرة، ترفع بصرها نحوه متسائلة بشهقات مستمرة أحبها جبران:
_ ليه؟
ابتسم لها يمسك كفها ليسيران من هذا الطريق، يردف بحنو:
_ عشان بتعرفي تروضيه يا وجه الأرنب.
ضحكت بخفةٍ بعد هذا اللقب، تزداد دقات قلبها بشدةٍ، تشعر بشيءٍ ما يداعب قلبها كلما احتوى الموقف بكلماته الحنونة، أصبح هذا الشعور بالأمان يأتيها معه بعدما اختفى منذ لقائهم الأول، ولكن هل يمكن أن يعود هذا الشهور مجددًا؟، ازدادت من امساك كفه لا تريد لهذا الشعور بالابتعاد، بينما ابتسم جبران بعدما شعر بيدها التي تشدد عليه.
*********
ظل يطرق عدة طرقات على الباب دون استجابتها، فشعر بغرابة من عدم وجودها بالغرفة فهي دائمًا تحب جلوسها بالغرفة، تنهد بتعبٍ يردد بنبرة متذمرة:
_ الله يسامحك يا جدو... هو أنا قادر أشيل مسؤولية نفسي لما أروح اشيل مسؤولية غيري.
تحرك للأسفل يتطلع حوله يبحث عنها إلى أن وجدها تقف على اعتاب المطبخ، تحرك اتجاهها يردد بدهشة:
_ إيه اللي موقفك كده يا ملك؟
لم تنظر له، بل ظلت تتطلع نحو الداخل، ليزفر ببطءٍ يعلم أنها لن تستجيب له، فردد بعبوس:
_ طب تعالي معايا نجيب الورق بتاع التقديم خلينا نروح بكرة نقدملك و...
قاطعته بصوتٍ جامد تضع يدها على بطنها:
_ جعانة.
رمش عامر بأهدابه عدة مرات، يشعر بالشفقة عليها، ثم قال بحنو:
_ طب استني أشوف أم عبده فين اختفت من الصبح مش عارف ليه!
تحرك يبحث عنها فلم يجدها بأي مكان في المنزل، حك رأسه بتعجبٍ من اختفائها ثم عاد إلى ملك التي لا تزال مكانها ثم قال ببعض الحرج:
_ بصي أنا دورت عليها مش لقيها... فاحتمال أنا اللي اعملك الأكل.
أشارت برأسه بإصرار متمتمة:
_ أنا جعانة.. جعانة.
اتسعت عيني عامر بقلقٍ من انفعالها، ليسرع إلى المطبخ قائلًا:
_ لحظة... لحظة هعملك دلوقتي.
اتجه نحو البراد يخرج منه ما يمكن صنعه، يتأمل ما به فوجود بعض صدور الدجاج(بانية) وبيض، نظر لهما قليلًا ثم أخرجهما وبدأ بتقطيع الصدور ثم وضع عليها البيض مع الملح والفلفل الأسود ثم بدأ بخلطهم جميعًا ووضعهم ب ما يسمى بـ ( طاسة) ساخنة وبدأ بتقلبيهم سويًا حتى انتهى ثم وضع ما طهاه بطبق متوسط الحجم ووضعه على طاولة مع خبز صغير ثم ألقى نظرة فخر عليها قائلًا:
_ الله عليك يا شيف يا عالمي.
ثم ارتفع صوته قليلًا يتمتم بغرورٍ:
_ هقعدك في البيت يا شربيـــــني.
تحرك نحو ملك يقف أمامها بكامل فخره، يضبط قميصه قائلًا:
_ يلا يا ملك عشان تاكلي من عمايل ايدي.
انطلقت بخطواتٍ ثابتة منتظمة معه، تجلس على المقعد ثم نظرت للطعام الموضوع على الطاولة وبدأت بتناوله ليتسأل عامر ببعض الأمل قائلًا:
_ ها طعمها عامل ايه؟
:_ وحشة.
وقعت تلك الكلمة على رأسه ببعض الصدمة، يشعر بالحرج والحزن من ردة فعلها السريعة، نهض من مكانه مانحًا إياها نظرة حزينة رأتها ثم سار ليغادر المطبخ قائلًا:
_ هطلبلك أكل من برة وآسف على العك دا.
ما كاد أن يخرج من المطبخ حتى اوقفته ملك مرددة بصوت عالي:
_ عــــامر.
تعجب عامر من طريقة مناداتها، ثم استدار يتطلع نحوها بحيرةٍ، ليجدها تقف تنظر للأرض، تمسك بكفيها الأثنان قائلة:
_ آسفة.
دُهش عامر من الاعتذار، فهو ظن أنها لن تعطيه ردة فعل ككل مرة، تحرك نحوها قائلًا بسعادة بلهاء:
_ ايه دا يا ملوكة... ملك هانم بتعتذر ليا... أكيد مش زعلان يا ملك عشان أنتِ غالية عند عامر.
رفعت رأسه تنظر نحوه ثم قامت بتكرر جملته:
_ ملك غالية عند عامر.
أومأ بإيجابية مبتسمًا لها بحب، ثم قال بصوتٍ هادئ حنون:
_ تعالي نرسم شوية على ما اطلب أكل ويجي.
تحركت معه دون أن تعطيه أي إشارة، في حين شعر عامر بالسعادة غريبة، ولكنها كانت كفيلة بأن ترسم بسمة لا ارادية على شفتيه.
***********
بسمةٌ ماكرة علّت ثغره بعدما رأى اسمها على هاتفه، أمسكه سريعًا يجيب بهدوءٍ:
_ ألو يا أم عبده.
: _ ايوة يا حج جبران أنا عملت زي ما حضرتك طلبت فضيت التلاجة وسبت فيها بس حاجات صغيرة وخدت بعضي ومشيت من البيت.
ابتسم ببعض الراحة ثم ردد بصوتٍ جاد:
_ خلاص يا أم عبده كويس كده... اختفي خالص من البيت ومرتبك هيوصل زي ما هو كل شهر.
أغلق معها سريعًا ثم نهض من مكانه يتطلع من النافذة إلى غروب الشمس، يهمس متناهدًا:
_ على الله يا أحفاد جبران تعرفوا تشيلوا المسؤولية.
*********
شعرت بثُقل شيء على كفها، لتفتح عينيها بنعاسٍ واضح تنظر ما الذي قبض على كفها هكذا فما كانت سوى يد غفران التي تتشبث بها بقوةٍ، حركات جسده أصبحت لا إرادية، فانجذب نحوها لتصبح هي مأواه، تعجبت فاطمة من طريقة غفران وما يفعله، تتأمل ملامحه بهدوءٍ، ليأتي إلى مسمعها صوت أم عبده تردد
"غفران كان حنين أوي"
تنهدت فاطمة بضيقٍ لا تعلم من أين تأتي بالحقيقة ثم تذكرت صديقتها بالقاهرة التي دائمًا ما تلجأ إليها حينما تقع بمشكلة ما، حاولت سحب يدها من كفه ببطءٍ، ولكن فشلت بالأمر وانتفض غفران من مكانه يتطلع لها قليلًا ببعض القلق، نظرت بحدقتيه قليلًا لتلاحظ قلقه الواضح لتتأكد من أنها تحتاج لأحد أن يساعدها.
مسح غفران على وجهه قليلًا ثم نهض من مكانه بعدما رأها جيدة، يحاول تحريك جسده بعدما تيبس بالمقعد، يعرج بقدمه ولكنها كانت تؤلمه لتتشنج معالمه بألمٍ دون أن يصدر صوت، توقف على صوت فاطمة تردد بهمسٍ:
_ شكرًا أنك مسبتنيش لوحدي.
استدار يتطلع لها ببسمة ساخرة، ثم عاد يتحرك نحو خزانة ملابسه يسحب منها ملابس خاصة للخروج ثم انطلق نحو المرحاض ولكن قبل أن يدلفه رأى الدهشة بملامحها فارتفع صوته ببرودٍ قاتل:
_ مسبتكيش عشاني... عشان انتقامي يكمل للنهاية!
اختفى من أمامها داخل المرحاض، بينما نظرت له فاطمة وحركت رأسها برفضٍ لن تصدق كلماته، لغة جسده تخبرها بأنه غير مؤذي بل يدعي ذلك، رأته يغادر من المرحاض مرتديًا ملابسه الجديدة، ثم تحرك إلى خارج الغرفة دون أن يتفوه بكلمة، بينما نهضت فاطمة من مكانها تبحث عن هاتفها، وما أن رأته حتى انتشلته من الطاولة تشعل الشاشة ولكن قبل أن تذهب إلى جهات الاتصال رأت تاريخ اليوم فكان يوافق عام 2024 م بدأ يداهمها صداع حاد، تشعر بأن الأرض تدور حولها، لتعود جالسة مكانها لتعيد ثباتها.
كيف تقدم التاريخ لعامين؟ عادت تنظر للشاشة مجددًا فعاد هذا الصداع كلما رأت التاريخ، أسرعت بالدخول لجهات الاتصال للبحث عن اسم صديقتها تتجاهل هذا التاريخ لعل هذا الصداع يختفي، رأت اسم صديقتها فأسرعت باتصال بها، تنتظر أن تجيب ثم ارتفع صوتها المتلهف قائلة:
_ ايوة يا سُهى عاملة ايه؟
:_ ايوة يا فاطمة... كده كل دا متسأليش! أنا بدور عليكي بقال كتير؟
قالتها سُهى بقلقٍ ممزوج بعتاب، فأخرجت فاطمة زفيرًا قويًا ثم قالت بصوتٍ حزين:
_ هحكيلك كل حاجة بس ساعديني عشان مش عارفة اتصرف.
ازداد قلق سُهى أكثر فأسرعت بقول:
_ مالك يا فاطمة؟
بدأت فاطمة بسرد ما حدث منذ أن أتوا لتلك البلدة حتى هذا الموقف لتهتف سُهى بتعجب:
_ أنتِ متأكدة أنه وِحش؟
زفرت باختناق ثم قالت بحيرة:
_ مش عارفة يا سُهى أنا معرفهوش ومكناش بنختلط بيهم واحنا صغيرين أصلًا ولما قابلته أول مرة هنا كان زي الزفت ولحد بس موقف إمبارح كان بيعملني وحش أوي.
صمتت سُهى قليلًا بتفكير، ثم عادت تردد بعدما خطر بعقلها فكرة:
_ طب ما تكلمي دكتور مروة... هتساعدك تعرفي بيعمل كده ليه؟
انتبهت فاطمة لفكرتها وابتسمت بسعادة تردف بحماسٍ:
_ صح إزاي نسيتها! خلاص ماشي يا سُهى شكرًا بجد.
ابتسمت سُهى لها، تردد بنبرة بمكر:
_ طب يلا كلميها بقى وعرفيني الحب هيولع في الدرة ولا لسه!
ضحكت فاطمة على دعابتها ثم أغلقت معها، لتراسل فاطمة دكتور مروة عبر تطبيق ( الواتس أب) تخبرها في رسالة صوتية ما حدث معها ثم انتظرت أن تجيبها، تتجاهل هذا التاريخ العجيب الذي يظهر أمامها.
***********
ابتسمت بسعادةٍ وهي تطعم الحصان بكفها بعض الجزر، ترى وجهه الأبيض، ثم رفعت كفها الأخر تمسح على وجهه بحبٍ قائلة:
_ متخيلتش أنك حلو كده.
:_ لالالا يا جبران بخاف أقربلهم.
قالها جبران بسخرية ضاحكًا على قربها الشديد من إحدى أحصنته، بينما رمقته يقين نظرة غاضبة ثم عادت تنظر للحصان بحبٍ قائلة بنبرة مغتاظة:
_ شوفت يا سكر جبران بيقول عليا إيه!
رفع جبران حاجبه باستنكار، ثم قال بنبرة مغتاظة:
_ نعم ياختي سكر ودا من امتى إن شاء الله!
نظرت له تخرج لسانها ثم عادت تمسح على وجه الحصان حتى قربها نحوه برأسه كي تحتضنه فقالت بسعادة:
_ يا حبيبي يا سكر... خد حضن كبير كمان... هتفضل أحسن صديق وكمان المفضل ليا... وهحكيلك كل اسراري.
احتضنته يقين بسعادةٍ بالغة، بينما اشتعل جبران بغضبٍ من كلماتها، فهي تقابل الجميع بتلك الكلمات وعندما تقف أمامه تصمت ولا تخبره عن شيء، تحرك بعيدًا عنها ولكن اوقفته يقين مرددة:
_ تاني يا جبران تاني هتسبني وتمشي.
استدار نحوه يحدثها بانفعالٍ:
_ ما تبصي على افعالك المستفزة!
تركت الحصان ونظرت له بضيقٍ متمتمة:
_ أنا افعالي مش مستفزة أنت اللي عصبي وبتضايق من أي حاجة.
تهجمت ملامحه بغضبٍ، يردف بعصبية:
_ وأنتِ باردة ومبتحسش ابدًا.
وكأن الغضب وباء انتقل لها غضبه لتردف بغضبٍ مماثل:
_ بطل تشتم وتتعصب عليا... أنت المفروض تحترمني أكتر من كده.
:_ وأنتِ المفروض تحسي باللي حوليكي أكتر من كده وتبطلي برودك!
قالها بحدةٍ واضحة، صرخت به يقين بعصبية دون شعور منها افزع باقي الأحصنة:
_ متطلبش حاجة أنت مشوفتش عيشته ايه قبلها عشان اتخلى عنها وابقى باردة كده!
كان منغمس بواحة غضبه ولكن فاق منها على حديثها المليء بالألغاز، نظر لها بتدقيق يردد بهدوءٍ:
_ وإيه اللي أنتِ عيشتيه؟
فاقت هي الأخر على سؤاله لتستدير تواليه ظهرها قائلة ببرودٍ مزيف:
_ مش مهم... أنا عايزة اروح.
اوقفها بسؤالٍ اخر:
_ أنتِ مش عايزة تحكيلي ليه؟
ابتسمت بحزنٍ تتطلع نحوه بألمٍ، تجيبه بصوتٍ مبحوح من تلك الغصة القابضة على صدرها:
_ عشان محتاجة أمان وأنت ضيعته من أول مرة اتقابلنا فيها.
لم يعد لديه إجابة، بينما استرسلت يقين بصوتٍ متناهد:
_ ممكن نروح.
اومأ برأسه ثم تحرك معها إلى أن غادروا الاسطبل، يسيران بطريقٍ طويل أسفل غروب الشمس في ظل الصمت، لم يجد كلاهما كلمة أخرى ليتحدثوا بها، فكلما حاولوا اصلاح الأمر يعودان لنقطة الصفر، ظل الأثنان شاردان حتى وصلا المنزل دون شعور منهما ثم دلفوا للداخل، يصعدان سويًا إلى غرفتهما، لم يروا أحد بهذا المنزل الذي امتلأ بالفوضى والفراق.
شعرت يقين ببعض الندم من اندفاعها بالحديث فهي أخفت النصف الأخر من حديثها وأنه أعاد جزءًا من هذا الأمان، زفرت بضيقٍ ثم خطرت فكرة برأسها لتنطلق باحثة عن ورقة وقلم لتكتب بعض الكلمات وما أن وجدتهما فخطت بالقلم فوق الورقة تكتب بعض الكلمات حتى انتهت ثم امسكت بالورقة وقامت بطيها وتخبئها في جيب سرواله، ثم أعدّت الطقم خروج كامل ليتناسب مع السروال وقررت أن تعطيه إياه، تبتسم بسعادةٍ وهي تتخيل ملامحه عندما يقرأ الورقة وتخبره بهذا الجزء الصغير بقلبها نحوه.
خرج جبران من مرحاض يرتدي ملابس مريحة للجلوس بالمنزل، لتتحرك يقين من أمامه تتجه نحو المرحاض، ولكن اوقفها جبران متمتمًا:
_ يقين.
استدارت تنظر نحوه باهتمام، بينما استرسل جبران بهدوءٍ:
_ أنا فكرت في كلامك اللي قولتيه... فبما انك مش حاسه بالأمان معايا وتقريبا رافضة وجودي في حياتك فـ شايف إن احنا ممكن نطلق!
**********
عبست ملامحها بضيقٍ عندما ظهر إشعار بنفاذ البطارية، لتنهض من مكانها تبحث عن الشاحن الخاص بهاتفها قبل أن يفقد شاحنها كاملًا وتنقطع محادثتها مع طبيبتها، ضربت على جبينها بغيظٍ لعدم تذكرها أين وضعته، ظلت لوقتٍ طويل تبحث عنه في اغراضها فلم تجد، فقررت فتح خزانة غفران لعلها تجد الشاحن الخاص بهاتفها وبالفعل انطلقت لفتحه ثم العبث به حتى وقع أسفل يدها كتاب بعنوان" ماجدولين" للكاتب مصطفى لطفي المنفلوطي، تعجبت من وجود كتاب رومانسي مثل هذا بخزانته، ولكنها حركت كتفيها بلا مبالاة رفعت الكتاب بعيدًا ليقع منه ورقة مطوية وصورة ممزقة قطبت جبينها بتعجب منها ثم هبطت تجثو على ركبتيها على الأرض، تمسك بها لتفتحها بعدما فشلت في الكشف عن معالم تلك الصورة فتجد كلمات مميتة مزقت قلبها، تحرك بصرها وسط تلك الكلمات التي كانت...
"متخيلتش خالص يا غفران أن في واحدة هتقبل بواحد أعرج مش عارف يقف من غير عجزه... دا لو وقعت ولا تعبت مش هتعرف حتى تروح بيها مستشفى... اعذرني إني بقول الحقيقة في وشك بس بصراحة باباك صدمني لما قالي إنك اتجوزت... بجد بشفق على اللي اتجوزتها دي أوي إنها هتتحمل بني آدم مش كامل زيك سلام يا غفران الأعرج"
بدأت تذرف الدموع دون أن تشعر، تحاول السيطرة على شهقاتها المتتالية، ولكن انفلتت تلك الورقة بعد تلك اللفحة من الهواء التي أتت لتقع الورقة أسفل قدمه، استدارت تنظر خلفها ترفع بصرها لتراه يقف أمامها بكامل كبريائه المجروح، ترى لمعة الألم بحدقتيه، ولكن اخفاها عندما ردد بهسيسٍ مخيف:
_ مبقاش ليكِ مبرر عشان ارحمك!
"اشتركوا على قناتنا على تليجرام أو قناة واتساب ليصلكم أحدث الفصول والتنبيهات فور نشرها"
"اشتركوا على قناتنا على تليجرام أو قناة واتساب ليصلكم أحدث الفصول والتنبيهات فور نشرها"