رواية وبالحب اهتديت الفصل التاسع 9 و الفصل 10 بقلم سلمى خالد

  الفصل التاسع من رواية "وبالحب اهتديت" بقلم سلمى خالد.

رواية وبالحب اهتديت الفصل التاسع 9 و الفصل 10 بقلم سلمى خالد

وبالحب اهتديت الحلقة التاسعة

وبالحُبِ اهتديت

«هُدايا وهُداكِ وبينهما العشق»

سلمى خالد إبراهيم

استغفر الله العظيم وأتوب إليه 3 مرات

حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 7مرات

(قولهم مش هياخدوا وقت يا سكاكر♥)

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل التاسع

(مُحاولةٌ فاشلة)

لم تعد ليّ رغبة في أن أشعر بالاهتمام لأحد أو بأحد... انطفأت رغبتي بكل شيء... صنعت هذا الجدار المخيف لكي لا يقترب مني شخص... أحببت عزلتي وأحببت حياتي وحيدًا دون دخيل يؤرق راحتي بكلماتٍ مسمومة، أنا لن أسمح بدخيلٍ يحاول اخرجي من ثوبي الجديد الذي اختارته... فهيا عودي أدراجك وغادري من كهفي ولا تقتربي من شيء!

لم ترتجف كعادتها من حديثه المسموم، كلماته الحادة ونظراته المخيف، لأول مرة تشعر بأن لغة العيون لغة عميقة لا يمكن لأحد فهمها بسهولة... فمن ينظر لحدقتيه يظنها قاسية، ولكن بالواقع هي مجروحها تلتمع بالألم، نهضت من مكانها ولايزال الدمع يفيض من حدقتيها، تقف أمامه حتى أصبحت قبلته، تتطلع لعينيه بشدة، بينما تأمل غفران حركاتها ينتظر منها أي ردة فعل فلم يجد سوى جسدها الساكن مكانه، علّت شفتيه بسمة ساخرة ثم قال وهو يعدل عكازه:

_ القطة رجعت كلت لسانك!

ظلت على حالها تتأمل سخريته وطريقته، لا تريد الحديث... تتذكر أفعالها وافعاله هي أيضًا كانت تجني عليه بكلماتٍ قاسية وكأنها أحضرت الملح لتزيد من شدة آلام جرحه، ازدادت دموعها أكثر بينما تعجب غفران من صمتها الزائد ثم قال بصوتٍ لا يزال ساخر، ولكن به أنين ألم:

_ تؤتؤتؤ اوعي تقوليلي أنك زعلانة من الكلمتين دول لا دا عادي عند الناس اللي زيها وزيك... أغلبهم يرموا كلام وسط الضحك على اساس هزار ويولع قلبك اللي بيتكسر من الكلام ده... ولو عاتبتي بحرف هيتقالك دا هزار هو أنت مبتحبش الهزار ويطلعوكِ دمك تقيل وسم مع إن السم دا دخلنا من كلامهم ويبعدوا عنك فتضطري زي أي انسان مسلوب الارادة يستحمل كل دا عشان ايه عشان متبقيش وحيدة... بس أنا بقى اختارت الوحدة بس حتى دي استخسرتُها عليا...

صمت قليلًا يتطلع لشهقاتها النادمة بسخطٍ، ثم عاد يسترسل ببرودٍ:

_ فَـ فكك من الحبتين دول عشان أنتِ زيك زيهم بترمي كلام من غير ما تشوفي الكواليس كان فيها إيه!

لم تشعر بذاتها إلا وهي تندفع نحوه تلقي بذاتها داخل أحضانه تلف ذراعيها حول ظهره تشدد من ضمه، في حين تفاجأ غفران من حركتها، يتراجع للخلف بذهولٍ ولكن تشبثها به جعله يثبت مكانه، كانت حالة الذهول تتلبسه حتى هتفت بصوتٍ مبحوح نادم:

_ أنا آسفة... آسفة يا غفران.

لا يعلم ما الذي داهمه، لم يتوقع تلك الحركة منها أبدًا، ازدرد لعابه بصعوبةٍ ينظر لرأسها الموضوع فوق صدره بالقرب من قلبه وشعر بأنه إن بقي لوقتٍ أكثر سوف تشعر بتوتره ودقاتها، نعم لقد هزت كيانه بهذه الضمة الدافئة، ازاحها عنه بقوةٍ، يدفعها بعيدًا، ينظر لها بجروحٍ أصبحت في العلن يردد بصوتٍ حاد مختنق:

_ مش اعتذار يا فاطمة هانم اللي بيعالج ماضي كامل.

استدار ليغادر الغرفة فقد أصبح مكشوف بوضوح، بينما اوقفته فاطمة بكلماتٍ حزينة:

_ بس الحضن بيعالج يا غفران بدليل هروبك.

صمت غفران ولم يجيب، فهو بالفعل قد اهتز هذا الجمود الذي بداخله وتحركت مشاعره، وأصبح غير قادر على الحديث حتى لا يكشف ما به، تحرك سريعًا يغلق الباب خلفه، بينما نظرت له فاطمة ثم مسحت دموعها تبتسم ببعض السعادة عندما لم يجيبها، تشعر بالسعادة أن لوجودها معه تأثير، وعلمت أن حديث طبيبتها صحيح، لتهتف بصوتٍ يحمل تصميم:

_ هعالج جروحك عشان أشوف الشخص الحنين اللي سجنته جواك وخايف تطلعه.

********

هناك صرخات مكتومة تؤلم أكثر مما هي بِـ صوت، تقتلنا من الداخل وتزيد من ارهاقنا، عينيها اللتان تلتمع بالدموع ولكن لم تشاء أن تظهرها، كانت تريد الحب وكان يريد الطلاق، هكذا فطن عقلها بعد جملته الأخير، حاولت ابتلع لعابها ولكن لم تجد بل جف أثر كلماته القاسية، زحفت بسمة شاحبة لمحياها، تردد بصوتٍ يحمل ثباتًا زائفًا:

_ اللي أنتَ شايفة يا جبران اعمله أنا تعبت من كل حاجة فشلت فيها.

تحركت من أمامه تواليه ظهرها، تتسرب دموعها حتى بدأت تسيل على وجنتها تتقطر على ملابسها، أغلقت باب الحمام سريعًا، تضع يدها على فمها تكبح تلك الشهقة المتألمة من الخروج، تضجع بضهرها على الباب، تهبط على الأرض جالسة، بينما ابتسم جبران ساخرًا يتطلع نحو الملابس الموضوعة على الأريكة، وكأنها تعلم أنه سيغادر الليلة دون الجلوس معها، تنهد بحزنٍ يشعر بأنها لا تهتم لأمره، ليبدأ بارتداء ملابسه يغادر المنزل، أصبح لا يطيق الجلوس بهذا المنزل المحزن.

خرجت يقين من الحمام تنظر للفراغ الذي يملأ الغرفة ثم عادت تبكي بحرقةٍ للرفض الذي تتعرض له منذ طفولتها.

**********

سار بطريقٍ مظلم بعيدًا عن الأسطبل، قرر الذهاب إلى أرض غفران بالقرب من البركة، حتى وصل لها، ولكنه وجد غفران يجلس على صخرة وإلى جواره هذا العكاز المقيد لحياته، تحرك نحوه ببسمة ساخرة متمتمًا:

_ ايه طفشت زي أخوك!

استدار غفران بانتباهٍ خلفه، يرى وجه اخيه الساخر، ثم علق الأخر بسخطٍ:

_ تقريبًا دا كان المفروض اسمه شهر عسل... بس طلعت مفتأة علينا.

أصدر ضحكة خافتة، ثم علّت بسمة حزينة لشفتيه لاحظها غفران، عاد بنظره إلى ضوء القمر المنعكس على البركة الماء، ثم قال بهدوءٍ:

_مالك؟

تنهد جبران بضيقٍ، يسقط بصره نحو البركة، يجيب بصوتٍ يحمل حزنًا يعلمه غفران جيدًا:

_ قررت أطلق يقين... بتآمن للكل وتحكي مع الكل عادي ولما تيجي عندي لسانها بيتشل ويوقف... ولما واجهتها قالت أنها مش بتحس بأمان معايا فقررت اطلقها.

أدار غفران رأسه يتطلع نحو أخيه بنظرةٍ حادة قاسية، يغمغم محتدًا:

_ أنت متخلف صح! ولا دماغك دي معشش فيها حمير! هو عشان أنت فشلت تحسسها بالأمان تقوم تطلق؟

تهجمت معالم جبران بضيقٍ من سخريته، يردف بغضبٍ طفيف:

_ ايه يا عم مالك داخل حامي عليا ليه؟ ما حاولت وهي اللي رافضة اعملها إيه؟

نهض غفران من مكانه يقف بمواجهته، ثم قال بصوتٍ حاد:

_ عشان أنت فاشل... وبتعلق غلطك على شمعتها... الأمان دا مسؤولية الراجل وهو اللي يحسس مراته بيه...

صمت قليلًا مكملًا بسخط:

_ مش لما تبص في جوز عيونك هتحس بيه! بالمواقف يا سي جبران تحسسها بالأمان تحتويها مش مع أول مرة تفشل فيها مع السلامة يلا غوري أنا مش لسه هحاول معاكِ... المفروض تحاول بدل المرة ألف ما هو لو كل شاب فكر بطريقتك دي يبقى الأرض هتخرب ولا عمرنا هنعمر وهنخالف السُنة اللي عايشين عليها وأننا نعمر الأرض.

تفاجأ جبران من حديث غفران، هل يُعقل كاره النساء يقول هذا؟، زحفت بسمة طفيفة لشفتيه متمتمًا:

_ أنت يا غفران اللي بتقول كده! اظاهر إن فاطمة طلع ليها سحر عليك.

علقت بثغره بسمة ساخرة، فلو رأى حياته لعلم أنه نصحه بما لا يفعله، ولكن رأى بعينيه لمعة علم أنه أحب يقين، وسمع صوته الحزين... نعم يعلم ما هذا النوع من الحزن، فإن تركها سينكسر شيء بداخله، استدار يجلس على الصخرة مجددًا دون حديث عنه، سيبقي حياته غامضة كما هي، فلن يفهمه أحد وهو لن يفهم ذاته، أهو يريد الانتقام من النساء أم ماذا يريد؟

احترم جبران رغبة غفران بالصمت، يكفي أنه تحدث معه فمنذ أيام ولم يجلسا سويًا، وقف جواره ثم قال بصوتٍ يحمل بعض الحنين:

_ وحشتني قعدتنا سوا يا غفران وهزارنا ولعبنا للكرة سوا.

غصةٌ قضبت على صدره من تذكر كل هذه الذكريات، نعم كان متفائلًا يبتسم، ولكن ضاع كل هذا، نظر لقدمه العرجاء ثم قال بمرارةٍ واضحة:

_ وهتفضل وحشاك يا جبران... لأن أخوك أعرج وعمره ما هيمشي طبيعي زي الناس وبقى expired ( منتهي الصلاحية) مينفعش حد تاني.

تجمد جسد جبران بصدمةٍ عندما شعر بمرارة حديثه، ثم استدار نحو شقيقه يقترب منه حتى جثا على ركبتيه إلى جوار قدمه العرجاء متمتمًا بحبٍ أخوي:

_ عارف يا غفران طول عمري لحد اللحظة دي وأنا شايفك زي الشعاع اللي بيمشي ومبيوقفش... أنت اخويا وضهري وقت ما هقع أنا متأكد إنك هتشلني وترفعني ومش هتخلي حد يكسرني... ولو شايف رجلك مشكلة فكلنا شايفين رجلك عادية...

صمت قليلًا يضع يده على قدمه العرجاء، يمسك بها بحنوٍ، ثم قال وهو يتطلع نحو شقيقه بقوةٍ ممزوجة بحنانٍ:

_ ولو على لعب الكرة فأنا أشيلك على اكتافي ونلعب... لأن زي ما اتعودنا سند لبعض يا غفران وعمر اللي يتكسر فينا نسيبه لزما نصلحه.

زحفت بسمة لشفتي غفران، ولكنها منكسرة، ثم مد يده يربت على كتفه، ثم قال بهدوءٍ:

_ عارف يا جبران... بس لسه محتاج وقت.

اومأ جبران له، ثم نهض من مكانه ليترك له مساحته، يغادر من الأرض تاركًا إياه تضارب أفكاره معًا لما فعلته معه فاطمة.

***********

صباحًا...

وقف كلًا من عامر وملك أمام المدرسة التي سيقدم لها، ليشير لها بأن تدلف معه دون الحديث معها بسبب السماعة التي تضعها على أذنها، انطلق إلى غرفة الإدارة ووقف عامر لينهي الإجراءات مع موظفة المدرسة، ولكن وجد ملك تشده من قميصه استدار لها فوجدها تحرك قدميها بطريقةٍ غريبة بعدما بدأت تشعر بالألم بهما، ليهتف سريعًا بحنو:

_ طب روحي اقعدي يا ملك.

أشار لها بأن تذهب وبالفعل تأكد من جلوسها ثم عاد يكمل باقي الاجراءات لإتمام دخولها المدرسة، ولكن طلبت الموظفة رؤيتها مجددًا مرددة:

_ هاتها تاني لو سمحت.

عبست ملامحه بضيقٍ، ثم قال ببعض السخط:

_ماهي كانت قدامك طول الوقت لحد ما رجليها وجعتها.

تطلعت نحوه ببرودٍ ثم قالت:

_ والله دا شغلي وانت مش هتفهم في شغلي أكتر مني فهات البنت خليني أقفل الملف بتاعها.

استدار عامر من أمامها بغضبٍ من طريقتها، يردد بسخطٍ:

_ اتصدقي أنك لا بتفهمي ولا حاجة ومقعدينك وسطى على الكرسي دا... اهي تلاكيك حريم وخلاص... ابو اللي عينكم في شغل حكومة.

وصل للمكان الذي أشار لملك بالجلوس به فلم يجدها، ولكن حشد كبير من الطلاب يقفون بالبهو، شعر بالقلق عليها، وبدأ يبحث ببهو المدرسة بالكامل فلم يجدها، ازداد دقات قلبه رعبًا عليها، ووقف وسط المدرسة لا يعلم إلى أين ذهبت بكل هذا المكان الضخم، ولكن الآن لابد أن يسيطر على قلقه ويجد حلًا سريع.

********

رفعت كفها تضعه على جبينها من شدة ألمها، تشعر بصداعٍ يكاد يفتك برأسها، فتحت عينيها المتورمتان تحاول الاعتدال على الأريكة التي اتخذتها فراش لها بدلًا عن السرير، ثم نظرت باتجاه الفراش لتجد جبران نائم بعمقٍ، تأملته قليلًا قبل أن تنهض وتتجه نحوه تنظر له بأعينٍ يملئها الخذلان، ثم جلست إلى جواره لترى معالم وجهه بوضوحٍ أكثر ثم أخذت تهتف بألمٍ:

_ ليه تعمل فيا كده! ليه تخليني أخد عليك وتبعد فجأة عني! أنا عارفة إني مش بعرف اعمل حاجة صح ومعنديش ثقة في نفسي بس كنت بدأت أثق فيك... ربنا يسامحك يا جبران.

نهضت من مكانها تدلف إلى الحمام لتغتسل جيدًا قبل أن يراها، تزيل أثر بكاء ليلة أمس، ثم انطلقت إلى خارج المرحاض بعدما اردت ملابس تناسب الجلوس بالمنزل، فكان فستان رمادي ذو ورود بيضاء، تمسك بحجابها الأبيض لتلفه بهدوءٍ بعدما رأته يتململ على الفراش.

:_ رايحة فين؟

قالها بعدما اعتدل بمكانه، بينما اجابته يقين بهدوءٍ مريب:

_ بلبس عشان انزل اقعد تحت.

أومأ جبران برأسه، ثم شعر برغبته بالحديث معها بشأن طلاقهما، ليحمحم بخشونة لتسمعه، وبالفعل انتبهت له يقين تنظر لانعكاسه بالمرآة ولا تزال تواليه ظهرها، ليرتفع صوت جبران بهدوءٍ:

_ بخصوص موضوع امبارح...طلاقنا... كنت عايز افتحه معاكِ.

لم تعطه أي جواب ظلت صامتة، تحدق به في ألم مكتوم، ليكمل جبران وهو يقترب منها إلى أن أصبح خلفها مباشرةً متمتمًا:

_ ايه رأيك ناخد فرصة كمان وأجرب اديكِ الأمان وأنتِ تديني الثقة؟

اتسعت عينيها ترفق شهقة قوية صدرت منها، تعجب جبران لفعلتها العجيبة، في حين استدارت يقين له متمتمة بشكٍ:

_ أنت كنت صاحي قبل ما أصحى؟

قطب جبينه بدهشةٍ، يجيبها:

_ لسه صاحي قدامك أهوه.

عادت تسأل بشكٍ أكثر:

_ أنت قلبت في جيوب بنطلون الخروج إمبارح؟

رفع حاجبيه بتعجبٍ من اسئلتها الغريبة، يجيب مجددًا، ولكن يقترب من سرواله ليرى ما به:

_ لاء... هو في إيه في البنطلون؟

فزعت يقين تقفز فوق جبران تحاول أخذ السروال، بينما شعر جبران بأن ما به كبيرًا للغاية، لذا ازدادت قوته واستطاع سحبه منها سريعًا يمسك بجيوب الموجودة به ليجد ورقة مطوية، أمسكها بين يديه، لتصرخ يقين بفزعٍ تحاول الحصول عليها، ولكن كان أطول منها يرفع كفه بعيدًا، فتح الورقة ليرى ما بها فكنت تحتوي...

"أنا آسفة إني مقولتلكش على كده وإحنا بنتكلم بس أنا بدأت أحس معاك بالأمان يا جبران... أنت أول انسان في حياتي أحس معه الإحساس دا وأحب أحسه ومكونش عايز أخسره... فأرجوك متخذلنيش ومضيعهوش مني "

قرأ ما بالورقة وشعر بأن حديثه بالأمس كان بمثابة النصل الذي مزق كل شيء، أنزل الورق ليقع بصره عليها يتأمل وجهها الذي تلون بحُمرة البكاء، عينيها اللتان تلتمعان بخذلانٍ منه... الآن خسر المعركة!

ضرب على جبينه بغيظٍ من نفسه، ثم نظر نحو يقين قائلًا سريعًا بلهفةٍ:

_ يقين اسمعيني بس...

حركت رأسها برفضٍ، تدمع عينيها بحزنٍ قائلة بصوتٍ مبحوح:

_ أنسى الكلام اللي في الورقة دا... أنتِ خلاص ضيعته... عن إذنك.

تحركت كي تغادر الغرفة سريعًا حان وقت الهروب، ولكن اوقفها جبران ناطقًا لها وهي لا تزال تواليه ظهرها:

_ مضعش يا يقين ومش هسيبك أنا من قبل ما اقرأ أي حاجة كنت عايز أحاول معاكِ وميأسش... عايز نوصل لنقطة أنا وأنتِ نتقبل بعض بعيوب بعض... وبعدها تحبيني يا يقين... عايز قلبك يبقى معايا وقلبي يكون معاكِ.

تعلم أنه على حق، ولكنها شعرت بالألم من حديثه بالأمس، لتهتف بحزنٍ قبل أن تخطو إلى خارج الغرفة:

_ أنا موجوعة منك أوي يا جبران.

غادرت الغرفة سريعًا، بينما تأمل جبران اختفائها ثم قال وهو يعيد جملتها:

_ موجوعة منك يا جبران... يعني مش خايفة مني... زعلانة بس وعايزة أصالحها.

نظر نحو الباب ثم أمسك بتلك الورقة ويبتسم لها ثم وضعها بخزانته يفكر بطريقةٍ لمصالحتها.

*********

طرقت باب الغرفة بهدوءٍ، وما أن سمحت لها بالدلوف حتى حركت مقبض الباب تدلف الغرفة مبتسمة، تردد بهدوءٍ:

_ بتعملي ايه يا سهى؟

نظرت إلى والدتها مبتسمة تجيبها سريعًا قبل أن تعيد بصرها مجددًا على شاشة الهاتف:

_ بقرأ مقالات نفسية يا ماما.

اومأت برأسه ثم تقدمت إليها تجلس جوارها على الفراش تمد يدها لتنزل الهاتف، تعجبت سهى من فعلة والدتها، ليعلو صوتها بنبرة حنونة سعيدة:

_ في عريس متقدملك يا حبيبتي شاب محترم وكويس جدًا و...

قاطعتها سُهى بحدةٍ تتمتم بنبرة حادة:

_ قولتلك مش هتجوز... مش عايزة اتجوز... هو في ايه في كلامي صعب.

انتفضت والدتها بعصبيةٍ تدمع عينيها حسرة مردفة:

_ في ايه بقى يا بنتي... تعبتني ومش عارفة اعمل ايه... أنسي أحمد بقى مكنش شايفك مكنش شايف غير فاطمة أصلًا واهو مات دلوقتي.. فكري في مستقبلك.

أدمعت عين سُهى بألمٍ من تذكيرها دائمًا بحبها الخفي لأحمد، تطلعت نحو والدتها قائلة بصوتٍ شاحب:

_ بعد اذنك عايزة ابقى لوحدي!

نظرت لها والدتها بحسرةٍ ثم غادرت الغرفة، بينما جلست سُهى تبكي على الفراش بشدةٍ تهمس بألمٍ حاد يعتصر قلبها:

_ قلبي وجعني أوي يا أحمد في بُعدك... امتى أجيلك يا حبيبي.

***********

نظرة رضا ملأت عينيها بعدما رأت شكلها بالمرآة، تتأمل وجهها الذي به لامسات صغيرة لمساحيق التجميل وخصلات شعرها المرفوعة على هيئة كعكة ولكن هناك بعض الخصلات المتساقطة بشكل عشوائي تعطيها ملامح أكثر جمالًا، ترتدي منامة من تي شيرت قطني باللون الابيض يختلط به حروف انجليزيه عشوائية وسروال أسود، تحركت من أمام المرآة تجلس على الأريكة تتذكر حديث طبيبتها والذي علق بذهنها

" فاطمة جوزك مش وحش فعلا وطريقتك معاه غلط جدًا... أنتِ قبل ما تكوني مراته فأنتِ أخصائية نفسية يعني عارفة تفرقي بين الشخص العادي وقاصد يعمل كده وبين شخص اتعرض لأزمة ومحتاج يخرج منها وملقاش اللي يساعده وعشان كده بقى بالشكل دا"

تنهدت قليلًا تعيد شريط ذكرياته معه، هو بالفعل لا يكمل انتقامه للنهاية، انتبهت لصوت الباب وهو يغلق لترى غفران يغلقه بهدوءٍ، يتحرك بعكازه نحو الفراش، ولكن لمعة المرآة انعكست عليه جعلته يتطلع لها سريعًا وسرعان ما تهجمت ملامحه، يتطلع نحو فاطمة بحدةٍ شرسة، يزمجرها محتدًا:

_ مين سمحلك تغيري في أوضتي؟

ابتسمت له ببرودٍ تجيبه وهي تنهض تتجه نحوه:

_ والله وأوضتي أنا كمان... نسيت إني مراتك!

ألقى عكازه بعنفٍ على الأرض، يتحرك بعرجته اتجاهها، يغمغم بسخرية حادة:

_ دا على اساس أنك مراتي بجد مش صوري وهنطلق... أنتِ اللي زيك عمرها ما تنفع زوجة.

لا تعلم لما نبض قلبها بالألم، هي لا تحبه، ولكن أيضًا تألمت من اهانته، نظرت اتجاهه بألمٍ لم تستطع اخفاؤه تجيب:

_ ولما أنا منفعش زوجة بتجبرني عليك ليه؟ عايزني اتجوزك ليه وأنت عارف إني مش هتجوزك ولا كنت هوافق؟

لن يخبرها بأنه يريد أن يصبح مقبول بإعاقته، نعم يريد أن يكون طبيعيًا كالباقي ويمكن له بالزواج، احتدت نظراته أكثر يتجاهل اجابة سؤالها مرددًا:

_ عقلك لو فكر يغير حاجة تاني في الأوضة ومتخصكيش هتزعلي مني... وهتزعلي أوي!

ابتسمت بسخطٍ عليه، تشير على نفسها قائلة:

_ هو أنت ليه محسسني إني عايشة هاني مون ودايبين في بعض ومبسوطة بحياتي ... مش من أول يوم جواز واحنا بنقطع في بعض زي الأعداء وأكتر.

رمقها بنظرة تقييمية سريعة، يرى هيئتها الجديدة، نعم هي بالفعل جميلة... ملامحها تروق له كثيرًا، لم يشعر بذاته التي لا تزال تتأملها في حين خجلت فاطمة من نظراته لتهتف بحدةٍ تبتعد عن مرمى بصره:

_ ما تحترم نفسك بقى.

رفع حاجبه باستنكار، ثم قال ببعض المكر:

_ أوضتي وأنا حر فيها أبص في اللي يعجبني.

شهقت بخجلٍ من حديثه، لتمسك بوسادة التي على الأريكة تلقيه عليه قائلة بغضبٍ بعدما تلون وجهها بالإحراج:

_ أنت.. أنت عايز تـ.. تتعلم الأدب من أول وجديد يا ضئيل الأدب.

ظل دقيقة يعيد على مسمعه ما قالته، ثم ضحك عليها بشدةٍ يرتفع صوته الرجولي الضاحك بالغرفة، بينما صُدِمت فاطمة من ضحكه لأول مرة تراها، رفعت ذراعها تشير بسبابتها نحوه قائلة:

_ أنت عادي كده بتضحك!

حاول السيطرة على ضحكه قليلًا، ينظر لها ببسمةٍ، ولكن تحولت ساخرة عند وقعت جملتها على مسمعه هاتفًا:

_ واضح قدامك إني بني آدم من الأرض مش كائن خرافي... دا أولًا ثانيًا بقى مفيش حاجة اسمها ضئيل الأدب قوليها علطول متجملهاش... أنا فعلًا قليل الأدب.

صمتت دون رد لا تعلم بماذا تخبره، بينما تحرك غفران من أمامها بعدما لاحظ صمتها وعينيها اللتان تتحركان بعشوائية بعيدًا عنه لترسل له حرجها، ولكنه أردف بصوتٍ واضح يحمل التهديد:

_ الأوضة متتغيرش يا فاطمة عشان هتكرهيني أكتر من اللحظة اللي قطعتلك فيها الكتاب.

تركها تضطرب انفاسها بألمٍ، تتذكر فعلته القاسية عندما كانت تقرأ، أغمضت عينيها تحاول السيطرة على دموعها، ولكن كان القلب يبكي بألمٍ، ينزف ما تجرعه من سموم الأحزان، تحركت نحو المرآة تزيل ما كان بوجهها ثم حلت شعرها وبدأت بارتداء ملابس أخرى تناسب نزولها، وما أن انتهت حتى جلست على الأريكة تنتظر خروجه من المرحاض كي تخبره بمغادرتها للأسفل.

بدأ عقلها يفكر بحياتها معه، لا تريد الاستمرار معه، ولكن والدتها تجبرها على ذلك، علّت ثغرها بسمةٍ ساخرة حزينة، فلم تتصل بهم والدتها منذ أن غادرت، رفعت بصرها تنظر نحوه قطرات الماء التي تسيل من شعره بعدما أخذ حمامًا، نهضت تتحدث بهدوءٍ:

_ عايزة أنزل تحت أشوف أم عبده فين عشان الفطار!

كان يجفف شعره دون أن ينظر لها يجيبها ببرودٍ:

_ انزلي.

احتقن وجهها بغضبٍ تتحرك بعيدًا عنه، تفتح الباب بعنفٍ ثم ألقت نظرة خاطفة عليه لتجده يواليها ظهره فأغلقت الباب بقوةٍ تهمهم ببعض الكلمات المتعصبة، بينما زحفت بسمة لشفتي غفران ما أن استمع لصوت الباب، ثم تحرك نحو المرآة ليصفف شعره ولكن وقف يتأمل شكله، تراجع للخلف قليلًا ليرى شكل قدمه العرجاء، ثم ابتسم بحزنٍ لها اتجه بنظره إلى خزانته وقام بفتحها واحضار الأوراق التي دوّنت عليها كلمات بترت روحه، لتعود ظُلمة قلبه من جديد، نفى برأسه يرفض طريقة فاطمة، التي تروق له بشدة ولكن لا يريد العودة لما حدث معه من جديد، يهمس بنفسه:

_ لا هتخدع تاني ولا هحبها مش هسمحلها ومش هستحملها المرة دي.

*********

انطلق بخطواتٍ سريعة إلى خارج المدرسة يبحث بكل مكان عنها، وبالأخص الأماكن الهادئة الخالية من الناس، توقف بنهجٍ ينظر حوله حتى وجد شارع نائي هادئ إلى جوار المدرسة، أسرع نحوه يسير به يتطلع حوله جيدًا، إلى أن وجدها تجلس على درج بالعمارة ضخمة، أسرع نحوها سريعًا يردد بزفيرٍ:

_ كده يا ملك... تخضي قلبي عليكي!

رفعت بصرها تنظر إلى اللاشيء، تدمع عينيها بخوفٍ قائلة:

_ أنا خوفت... خوفت أوي.

رأى رجفة يديها ودموعها، ليسرع بالحديث معها، يردد بلهفةٍ:

_ حقك عليا... أنا كنت مع الموظفة بقدملك في المدرسة عشان ملك شاطرة وهتدرس زي عامر وتبقى أشطر بنت في الدنيا.

بدأت دموعها بالوقوف، تزحف بسمة صغيرة لشفتيها تجيبه ولا تزال حدقتيها مثبتتان بنقطة واحدة:

_ ملك شاطرة زي عامر... ملك غالية عند عامر.

ابتسم لها بحنوٍ ثم قال بإماءة:

_ صح يا ملوكة... يلا بينا بقى نخلص باقي الورق.

نهضت معه تفرك يديها ببعضهما، تردف ببعض الخوف:

_ مش هتسبني!

نفي برأسه يردد بحبورٍ:

_ عمري ما هسيبك يا ملك.

ابتسمت بسعادةٍ بالغة، تتحرك معه نحو المدرسة ليكملا باقي اجراءات وتصبح ملك طالبة بالصف الثاني الثانوي، يستطيع عامر السيطرة عليها فقد اصبح جزءًا من قلبها خاص له.

*********

خرجت من المطبخ يتشكل التعجب على معالمها، تتجه نحو الردهة والحيرة على معالمها، إلى أن وقع بصرها على شقيقتها تهبط من الدرج، تحركت نحوها قائلة بحبٍ:

_ وحشتني يا فاطمة.

ابتسمت فاطمة بحبٍ تتحرك نحوها لتضمها إليها قائلة بصوتٍ حنون:

_ وأنتِ كمان يا وجه الأرنب، قوليلي بقى صحتك عاملة ايه دلوقتي؟

اومأت برأسها ببسمةٍ صغيرة، ثم قالت بتهرب من اجابتها:

_ هي أم عبده فين مش لقياها والتلاجة فاضية؟

قطبت فاطمة جبينها بتعجبٍ، تردف بدهشة:

_ نعم! إزاي يعني؟

حركت رأسها بعدم معرفتها، تجيبها:

_ مش عارفة دي مختفية من امبارح ورنيت عليها مبتردش... وأنا جعانة أوي يا فاطمة وجدو مش موجود كمان وشكله كده كله ساب البيت وأنا وأنتِ اللي قاعدين.

زفرت فاطمة بضيقٍ، تفكر قليلًا ثم انطلقت نحو الهاتف تحاول الاتصال بأحد ولكن لم يُجيبُها، تغيّرت معالمها لضيقٍ فيبدو أنهم قرروا أن يبتعدوا عنهم، عادت لشقيقتها التي تضع يدها على بطنها بتعبٍ من شدة جوعها ثم قالت بسخطٍ:

_ اظاهر كده قرروا يسيبوا البيت ومش هيرجعوا يا يقين... فلزما نعتمد على نفسنا الأيام الجاية.

شعورها بالضياع تحكم بها، تتطلع نحو شقيقتها بعجزٍ عن التفكير، ثم قالت بصوتٍ أشبه بباكي:

_ طب هنعمل إيه أنا جعانة؟

زفرت فاطمة بتعبٍ، ثم قالت وهي تتجه نحو الأعلى وتشير لها بأن تأتي معها:

_ تعالي كل واحدة فينا هتنادي على جوزها ونروح السوق نشوف هنشتري إيه بظبط.

لطمت يقين على رأسها قائلة بصدمةٍ:

_ يا مُرّي... طب ما نشتري جاهز لحد ما يرجعوا

نفت فاطمة برأسها تخبرها وهي تسير بالممر:

_ مش هينفع يا يقين... شكلهم مطولين ومش هنفضل كل يوم نشتري جاهز لا فلوس هتكفي ولا حياتنا هتمشي كده.

تنهدت يقين بضيقٍ، ثم تحركت نحو غرفتها هاتفه بسرها:

_ يارب يا جبران تكون بتعرف تروح السوق.

دلفت للغرفة، تتحرك نحو جبران إلى أن وقفت أمامه ينتبه للهاتف ولكن تشتت عند وقوع ظلها، ليزيحه عن بصره يتطلع لها بدهشةٍ، مردفًا:

_ في إيه؟

فركت كفيها ببعضهما ببعض الحرج مردفة:

_ أصل أم عبده مش موجودة في البيت واظاهر كده كلهم قرروا يسيبوا البيت... والتلاجة فاضية ومفيش أكل خالص في البيت!

دُهش مما تفوهت به، يردد بصوتٍ متعجب:

_ إزاي يعني! من غير ما حد يقولنا؟

مطت شفتيها بعدم معرفتها، تجيبه بتأكيد:

_ مش عارفة بس فاطمة هتنادي غفران وهنروح كلنا السوق نشتري الالتزامات.. لأن شكلهم بيقول مش هيردوا خالص علينا.

زفر مختنقًا مما يفعله، ونهض من مكانه ليبدل ملابسه لينطبق على يقين فعله.

*********

:_ غفران... أصحى يا غفران!

قالتها فاطمة بضيقٍ من نومه الثقيل، همهم بثُقل:

_ في إيه!

اجابته سريعًا قبل أن يغفو مجددًا:

_ مفيش أكل في البيت ولا جدو ولا أم عبده موجودين ولزمًا نروح السوق نشتري أكل.

زفر غفران محتنقًا، يردد وهو يضع الوسادة على وجهه:

_ فاطمة خدي فلوس من درج الكوميدنو وسبيني نايم.

تطلعت له بذهولٍ، تعود لتسحب الوسادة مجددًا قائلة:

_ أنت مش هتيجي معايا؟

سحب منها الوسادة مجددًا يرمقه بنظرةٍ باردة متألمة هذا الألم الذي يشعر به من تلك الغصة التي تقبض على قلبه بقوةٍ أكبر، أيسير معها فيصبح أُضحوكة للجميع، ويشفق البعض عليها أنها هي في رعونة شبابها بينما هو عاجز عن الحركة بشكل طبيعي وتزوجت به:

_ لاء.

اختنقت الدموع بعينيها من طريقته، ثم تحركت بعيدًا بعدما غطى وجهه بالوسادة ليعود للنوم، أخذت بعض المال ثم تحركت إلى الخارج فملابسها مناسبة للخروج، تصفع الباب تلك المرة بهدوءٍ، ليرفع غفران الوسادة وتظهر ملامحه المتألمة، عينيه حمراوتان من حدة آلامه، يردف ببحةٍ هزت صوته:

_ مش هقدر اتحمل شفقة منك يا فاطمة... مش هقدر أشوفها في عينكِ وأنا مش قادر اخطي فوق بركة ماية أو حاجة عالية... كفاية وجودك معايا اللي بالغصب وأنتِ بتكرهيني.

********

وصل ثلاثتهم إلى السوق يتطلعون بتوترٍ إلى هذا الشارع الطويل المليء بالحشد من الناس، البائعين الذين يهاتفون بصوتٍ عالي باسم الخضار وسعرها، ازدردت يقين لعابها ثم ما كادت أن تتحرك خطوة إلى داخل ذلك الشارع حتى طارت فرخة بهياجٍ عليها، تقف بقدمها على وجهها ورأسها ليعلو صراخ يقين بشدة...

رواية وبالحب اهتديت الفصل العاشر

رواية وبالحب اهتديت الفصل العاشر


(تصحيح الرؤية)

سأقتحم ذلك الجدار المُخيف الذي تضعه حول قلبك المجروح، سأنزع عنك قناع قسوتك، سوف أحرر هذه الشخصية الحنونة التي قيدتها بأصفاد خوفك، سأعيد لك الثقة التي اهتزت بداخلك عبر الزمن....

انتفض من مكانه سريعًا عندما رأى تلك الدجاجة تقف على يقين التي أصابها الفزع، بينما ابتعدت فاطمة عنهما تنظر لما حدث بصدمةٍ ممزوجة بضحكٍ لم تستطع السيطرة عليه، أتى صبي يركض نحو يقين ليلتقط تلك الدجاجة مرددًا باعتذار:

_ لامؤاخذة يا مدام.

ألتقط الدجاجة سريعًا يسيطر على هيجانها، بينما بقيت يقين تبكي بشدة وشهقاتها تعلو كلما وضعت يدها على وجهها وشعرت بألم، لتسرع بالنظر إلى جبران الذي تماسك من الضحك قائلة:

_ وشي اتشوه.. عملت فيه حاجة الفرخة المتوحشة دي!

كبح ضحكته بصعوبةٍ يتطلع لوجهها الذي به بعض الخربشات الصغيرة لن تترك لها أثر، يحرك رأسه بنفيٍ قائلًا:

_ لالا متقلقيش مفيش الكلام ده.

عادت تشهق بألمٍ ولا تزال تبكي على ذلك الموقف المحرج، لتمر إحدى السيدات قائلة بسخطٍ:

_ ما تنشفي كده ياختي وبلاش مياصة... بنات اخر زمان صيصين على الأخر.

تركتها تعوج فمها يمينًا ويسارًا، بينما نظرت لها يقين بصدمةٍ مما قالته، ثم تحركت نحوه تردف بغيظٍ ممزوج ببكاء الحرج:

_ أنتِ ست غير متحضرة أبدًا... ما لو الفرخة كلت وشك بضوافيرها المخيفة دي مكنتش اتكلمتي!

أمسكها جبران سريعًا ولكن تلك المرة تعلو صوت ضحكته، حتى أدمعت عينيه، لتستدير نحوه يقين قائلة وهي تضرب على ذراعه:

_ بتضحك على إيه!

أشار لها بضحكٍ لم يستطع السيطرة عليه:

_ ما مش أنا بس اللي بضحك.

نظرت له بعدم فهم، ثم ادارت رأسها يقع بصرها على بعض الناس وإلى جوارهم شقيقتها يضحكون عليها، تلون وجهها بحُمرة الخجل لتتشبث بذراع جبران قائلة:

_ طب يلا نمشي من هنا.

عاد يسيطر على ضحكه، يتحرك إلى داخل السوق، بينما تحركت فاطمة ولا تزال تضحك ولكن بخفوتٍ كي لا تلفت الأنظار لها، يسيران نحو بائعين الخضراوات، انطلقت فاطمة لتشتري هي ما تحتاجه من خضروات ولكن اصطدم أحد المارة بجبران حاملًا كيس بلاستيكي أسود ولكن له رائحة كريهة، ليصبح سروال جبران متسخ من تلك الرائحة، اتسعت عينيه بصدمةٍ بعدما اشتم تلك الرائحة الكريهة التي تفوح من الكيس ومنه أيضًا، فـ تحولت تمامًا ليصبح كأنه وحشًا سينقض على عدوه، نظرت له يقين وعندما رأت معالم وجهه اسرعت نحوه تمسك بكفه سريعًا قائلة:

_ عشان خاطر أبوك بلاش فضايح الراجل اعمى وميقصدش امسحها فيا.

ازداد زفيره بشدةٍ يعلو صدره ويهبط بانفعالٍ واضح، بينما ربتت يقين على كفيه محاول تهدأته، تردد بتوتر:

_ أنت صدرك بيطلع وينزل ليه... اوعى تنفجر أنا مش ناقصة أخف منك أكتر.

حاول السيطرة على انفعاله بعد كلماتها الأخيرة، سيحاول أن يتوقف قليلًا، نظر للسروال باشمئزاز ثم ما كاد أن يقترب من زر سرواله حتى رفعت يقين حاجبه قائلة بحدة:

_ أنت هتعمل ايه!

نظر لها باختناقٍ يردف بصوتٍ يحمل الضيق:

_ مش طايق نفسي ولزما اشيله عني.

اتسعت عينيها بصدمةٍ، ثم قالت بعصبية وهي تشير بسبابتها:

_ شيل ايدك يالا قال عايز تشيل البنطلون قال... رجالة اخر زمن.

مسح جبران على وجهه بعصبيةٍ مفرطة يحاول السيطرة عليها، متمتمًا بتروي:

_ يقين أنا مريض وسوس قهري ولو مشلتش البنطلون دلوقتي مش هقدر اسيطر على نفسي.

ازدادت حدة ملامحها، تغمغم بصوتٍ متعصب:

_ ان شالله لو وسواس جن ازرق لو فكرت تعملها هتزعل أنا بقواك أهو.

شعر بحركة جسمه اللارادية للرفض هذا السروال، ينظر لها باختناقٍ شديد، يردف تاركًا المكان:

_ أنا لزمًا أمشي من هنا حالًا.

تحركت يقين خلفه، تردف بقلقٍ على شقيقتها:

_ طب وفاطمة هنسيبها لوحدها.

:_ خليكي معاها وأنا هروح واجي علطول.

قالها بخطواتٍ أشبه بركض قبل أن يفقد السيطرة على حركات جسده، في حين عادت يقين مرة أخرى لبائع الخضروات فوجدت فاطمة تحمل أكياس كثيرة بها ما يحتاجونه، تعجبت من عدم وجود جبران لتهتف بدهشة:

_ أمال جبران فين؟

مطت شفتيها بعبوسٍ:

_ راح يغيّر.

قطبت جبينها باستفهام، لتمسك يقين عنها بعض الحقائب تردد بزفيرٍ:

_ تعالي احكيلك ونشتري باقي الحاجة.

اومأت برأسها ثم تحركت معها تسرد لها يقين ما حدث وما أن انتهت حتى قالت فاطمة ببسمة تعلو ثغرها:

_ دا بيحبك يا يقين.. بيحبك أوي كمان.

دُهشت يقين من حديثها، تتسأل بدهشة:

_ بيحبني إزاي يعني!

اجابتها فاطمة بتعقل:

_ أنه يسيطر على انفعاله وهو مش بيسيطر عليه في العادة عشان خاطر حد يبقى بيحبه أوي... وجبران استحمل ومعملش اللي طلبتيه كله عشان متزعليش يبقى بيحبك أوي.

خجلت يقين بعض الشيء، ببنما ابتسمت لها فاطمة تتمتم بحبٍ:

_ ربنا يسعدكم يا حبيبتي ويهديكِ ومطلعيش عينه.

ضحكت يقين لحديث شقيقتها، ثم أكملا باقي شراء ما يحتاجونه، تثرثر كلتاهما بعدة أحاديث حتى توقفت عن حديث فاطمة تعلق على ما حدث معها قائلة:

_ صحيح هو ليه الفون ببجيب ليا أننا في سنة 2024 وأحنا في 2022 مستغربة أوي الموضوع دا.

ازدردت يقين لعابها بخوفٍ، تتمتم ببعض التوتر:

_ هو أنتِ سألتي حد قبلي؟

نفت فاطمة برأسها ببعض التعجب، لتزفر براحة قائلة:

_ عادي ممكن خرف... ماهو كل شوية يقدم الساعة ويأخرها لحد ما الفون بتاعي عطل ومبقاش بيجيب الساعة المظبوطة فاكرة.

اومأت فاطمة باقتناعٍ مردفة:

_ ممكن برضو هبقى اظبطه... المهم نسيت أقولك مش سُهى رنيت عليها وكلمتني.

اتسعت عيني يقين بخوفٍ تردد برجفة اصابة نبرتها:

_ و..وقولتوا ايه؟

تنهدت فاطمة بتعبٍ تجيبها:

_ كنت بكلمها عادي إنها وحشتني واننا نتقابل بس.

أومأت يقين بهدوءٍ، ولكن هناك عاصفة بداخلها تشتعل من الخوف لما سيحدث أن علمت الحقيقة، ثم أتى بعقلها غفران لتردف فجأة:

_ أنتِ علاقتك بغفران حلوة؟

تبدلت ملامح فاطمة سريعًا لحزنٍ، تجيبها بصوتٍ مبحوح:

_ الحمدلله يا يقين ادعيلي بس.

:_ مالك؟

قالتها بقلقٍ، لتجيب الأخرى ببسمة حزينة:

_ ممكن مجوبش وقت ما احتاج اتكلم هقولك.

زفرت يقين بيأسٍ من شقيقتها فهي أن قالت لا فهي تعنى لا بالمعنى الحرفي، أكمل كلتاهما الطريق ولكن عقل يقين يفكر بطريقة لحل مشكلة شقيقتها قبل أن تعود لها الذاكرة وتعلم بشأن أحمد حُبها الأول.

**********

وصل كلًا من ملك وعامر إلى المنزل بعدما انتهى من تقديم لها بالمدرسة، يصعد معها إلى الطابق العلوي حتى أوصلها إلى غرفتها دلفت بها ملك ثم أغلقت الباب، بينما تحرك عامر بالمنزل ينظر حولها بتعجبٍ من هدوء الذي يعم، تحرك بالمنزل بأكمله فلم يجد أحد، ليقف على اعتاب باب المنزل يولي ظهره للباب، يحك رأسه بتعجبٍ قائلًا:

_ هو مفيش حد ليه؟

لم تمر دقيقة وكان جبران يركض بسرعةٍ مخيفة نحو غرفته يدفع عامر بعيدًا عن طريقه، ليسقط عامر أرضًا يتأوه من شدة الدفع جبران، يصرخ قائلًا له بغضب:

_ آآه ايه التور الهايج دا.

لم ينتبه له جبران كل ما كان برأسه أن ينزع عنه تلك الملابس الملوثة، نهض من مكانه ببطءٍ بعدما تلقى أثر الدفعة على كتفه اليسرى، يمسكها برفقٍ ليرى ما بها، ولكن سرعان ما تحولت معالم وجهه إلى ألمٍ عندما ضغط بسبابته بمنتصف ذراعه، فمط شفتيه بعبوسٍ قائلًا:

_ شكلها كدمة محترمة... يارب هو أخويا آه بس فاضلي شوية وانسى المعلومة دي وانتقم منه على اللي بيعملوا فيا دا!

تحرك يجلس على الأريكة الموجودة بالردهة بينما هبط جبران بعدما بدل ملابسه بالكامل، تلين ملامحه بوضحٍ وكأنه كان بحربٍ وانتصر، رمقه عامر بنظرةٍ غاضبة ثم عاد يتحسس ذراعه مجددًا، نظر له جبران بدهشةٍ ثم قال:

_ كنت فين يلا دورنا عليك ملقنكش عشان نخرج؟

اجابه مقتضبًا:

_ خرجت اقدم لملك في مدرسة عشان الدراسة خلاص كلها اسبوع وتدخل.

أومأ جبران متفهمًا ثم كاد أن يغادر مجددًا ولكن اوقفه عامر متسائلًا:

_ هو أنت خارج تاني؟

أومأ برأسه سريعًا يجيبه واقفًا على اعتاب الباب:

_ آه هروح اجيب يقين وفاطمة من السوق.

قطب جبينه بدهشةٍ متمتمًا:

_ وهو غفران مش معاهم؟

نفى برأسه ناطقًا:

_ لاء مجاش... فاطمة قالتله وهو تقريبا رفض يخرج... أنت عارف موضوع الخروج حساس بنسبة لغفران.

رفع عامر حاجبيه مستنكرًا من فعلة أخيه، بينما غادر جبران من المنزل ليحلق بهما قبل أن تأتيا إلى هنا، زفر عامر بضيقٍ هامسًا:

_ ايه أصله دا... سايب مراته تخرج لأول مرة للسوق... أنا هخليك تجري وراها على السوق يا غفران أصبر عليا.

**********

وقفت كلتا الفتاتان بجوار الشارع السوق، ينتظران جبران أن يأتي، يحملان حقائب كثيرة، لتتذمر يقين قائلة:

_ هو جبران بيجي من المريخ... ايدي وجعتني!

نظرت لها فاطمة ببسمةٍ حزينة، تتذكر ترك غفران لها ورفضه للذهاب معها وهي لا تعلم أي شيء بهذا المكان، تنهدت بصوتٍ مسموع، ولكن انتبهت لسؤال يقين:

_ هو أنتِ ليه مش عايزة تتكلمي عن علاقتك بغفران؟

رمشت بأهدابها عدة مرات، تنظر لها بأعينٍ زائغة إلى أن ارتفع صوت جبران متمتمًا:

_ اتأخرت عليكم؟

استدارت له يقين تنظر له بضيقٍ قائلة وهي تلقي الحقائب له ليحملها:

_ خد بقالك3 ساعات عشان تيجي.

رفع جبران حاجبه مستنكرًا، يمسك بالحقائب عنها وعن فاطمة، ثم تحركوا سويًا يسيرون للمنزل على اقدامهم، تتحدث يقين عما رأته بالسوق إلى أن ردت فاطمة بسؤالٍ:

_ هو ممكن تقولي غفران بيحب ياكل ايه يا جبران؟

صمت جبران قليلًا، بينما نظرت له يقين بتعجب قائلة بقليلٍ من السخط:

_ أنت دماغك صدت يا جبران كل دا عشان سألتك اخوك بيطفح إيه!

اتسعت عين جبران بصدمةٍ، بينما كبحت فاطمة ضحكتها على طريقتهما، أسرع ناطقًا بغيظٍ:

_ دماغي أنا اللي صدت ماشي لينا اوضة تلمنا يا يقين...

ثم نظر إلى فاطمة يجيبها:

_اخويا بيحب يطفح كفتة وصدور الفراخ متشوحة مع خضار ومكرونة وعلى راسهم مكرونة بشاميل.

أومأت فاطمة برأسها تفكر بما ستصنعه لغفران، بينما حرك جبران رأسه بغيظٍ متطلعًا نحو يقين قائلًا:

_ ماشي.. ماشي يا يقين.

وصل ثلاثتهم إلى المنزل ليضع جبران ما اشتروه بالمطبخ، وترك يقين وفاطمة سويًا به، ثم انطلق إلى غرفته ليكمل باقي عمله الذي تركه لوقتٍ كبير.

وقفت فاطمة تضع الخضروات مكانها وكذلك اللحوم والدواجن، ثم بدأت بإعداد المكرونة بشاميل لغفران، بينما وقفت يقين تنظر لها ببعض الحيرة، لتهتف لها بحيرة:

_ هو أنا المفروض اعمل ايه؟

وضعت فاطمة معلقتين من الدقيق فوق مكعب صغير من الزبدة، تجيبها وهي منهمكة بتقليب:

_ روحي أسألي جبران بيحب ياكل ايه ليكون مبيحبش البشاميل عشان تعملي له أكل.

أومأت برأسها ولكن لا تزال تشعر ببعض الحرج من اعترافها أنها ليست بقدر الكافي من المهارة للطهي، فقط تصنع البعض من الطعام السريع، نظرت لها كي تخبرها بأن تساعدها ولكنها وجدتها تركز كامل حواسها على ما تفعله، زفرت بضيقٍ فلن تستطع اخبارها بما تريد، فقررت الصعود إلى الأعلى لتعلم ما يحبه جبران وستستعين بمقاطع الفيديو على الإنترنت.

تحركت إلى داخل الغرفة، تنظر نحوه وهو يركز عينيه على شاشة اللاب توب، لتهتف ببعض التوتر محاولة فتح مجرى للكلام:

_ بتعمل ايه يا جبران؟

اجابها سريعًا وهو يمسك بورقةٍ ليرى تطابق الأرقام معها ومع الشيت الموجود بالشاشة:

_ براجع حسابات المصنع اللي في دمياط... جدي بعت ليا الحسابات ابص عليها.

أومأت برأسها بتفهمٍ، لتتسأل مجددًا بتعجبٍ:

_ هو أنت أصلًا بتشتغل ايه بظبط؟

ابتسم بحبورٍ لسؤالها، يتلذذ عقله من فهم أنها تهتم لأمره، فأجابها بحبٍ:

_ من وأنا في كلية تجارة وجدي قرر يخليني اشتغل مع مدير الحسابات للمصنع الموبيلية اللي عندنا، وبقيت معاه وأخدتها من الألف للياء بقالي معاه 7 سنين بتعلم حسابات المصنع والشركة لحد ما بقيت أد ثقتهم فيا وأنا مكانه بعد ما توفى، وبقى جدي بيثق فيا لما يحس أن الحسابات فيها حاجة يبعتلي.

أومأت برأسها في ايجابية، تردد بفضولٍ:

_ طب وغفران؟

تنهد بحزنٍ عليه، يردد بصوتٍ مختنق:

_ بصي الأفضل منتكلمش عن غفران لأن حكايته تخصه وتخص فاطمة بس...

نظرت له يقين مردفة بسرعةٍ:

_ ما أنا عايزة أعرف لأن علاقته بفاطمة تقريبا بايظة.

صمت جبران قليلًا، ثم تنهد قائلًا بحزن:

_كل اللي هقوله أن هو دخل كلية زراعة لأنه بيحب الزرع جدًا وقرر يزرع الأرض اللي ورثها من أمي وكان بيعمل بحث على الأرض دي بسبب أن الزرع بيموت فجأة فيها، بس للأسف حصلتله حادثة يوم حفلة تخرجه وعملتله العرجة دي وخطيبته سابته بسببها ومن وقتها رفض يخرج أو يتعامل معانا.

شعرت يقين بالآسى على ما مر به غفران، في حين استرسل جبران بتحذير:

_ اوعى الكلام دا يطلع برة!

حركت رأسها بنفيٍ تضع يدها على فمها، ليبتسم لها جبران ثم عاد ليكمل ما يفعله ولكن حمحمت يقين ببعض الحرج، فنظر لها بتعجبٍ لتردف بحرجٍ:

_ هو أنت بتحب تاكل ايه؟

ازدادت ابتسامة جبران اتساعًا، يجيبها بسعادةٍ:

_ أي حاجة من ايدك حلوة.

شعرت يقين برغبتها بالبكاء وهي ترى سعادته بسؤالها، لتستدير كي تغادر الغرفة، تفكر بما ستفعله من طعام فإن أخذت طبق من فاطمة فسيعلم أنها لم تكلف نفسها بصنع طعام له، أغلقت الباب خلفها تزفر باختناق، ثم قررت الذهاب للمطبخ ورؤية ما يمكن صنعه.

***********

زفرت فاطمة بتوترٍ وهي تتأمل ما تحمله على تلك الصينية، تشعر بخجلٍ من أفعالها التي يظهر بها الاهتمام الزائد ولكنها تتذكر حديث طبيبتها بعدما اخبرتها بما هو مكتوب بالظرف...

" أيوة يا فاطمة اهتمي بيه جدًا وحسسيه بالثقة... جوزك فقد ثقته بنفسه بسبب عرجته وبالأخص الكلام اللي خده بعدها... وعايزة أفكرك بحاجة مهمة غفران لسه جواه حاجة مخبيها عن الكل ومش راضي يقول عليها "

تعجبت مما اسمعه عبر سماعة الأذن، ثم رددتُ عليها في هذه المكالمة:

_ حاجة إيه! ومش هيقول ليه؟

أجابتني بتوضيح:

_ غفران فقد ثقته بنفسه وباللي حوليه... ومحدش حاول يقرب منه..

قطعتُها بسخريةٍ عليه:

_ ومين هيقرب لواحد بيزعق وبيتحول لوحش لو بس اتنفس جنبه.

علقت على حديثي بهدوءٍ:

_ اديكِ قولتي اللي بيحصل... بصي يا فاطمة غفران في احتمال كبير من كلامك وطريقته إنه حط ثقته في حط وكسرها أوي وكسر معها مشاعره وكرمته وأهانه... وعلى الأرجح ست لأن عنده عدوة مع الستات... ولما فقد الثقة دي قرر يخلي أسلوبه زي ما بتقولي وحش مخيف اللي يقرب يهجم عليه علطول عشان ميرجعش يضعف ويتكلم ويثق تاني... أنتِ الشخص الوحيد اللي دخل كهفه بارادته يا فاطمة وهيجي وقت هيحاول يخرجك من حياته حاولي يا فاطمة بعد ما تواجيه... اخترعي أي حاجة بس متخرجيش لأن دي هتكون لحظة خروجه من الدايرة اللي حبس نفسه فيها وبيقوم يخرج منها.

لا أعلم لِمَ شعرت بتضخم الأمر معي، فأردفت بتوترٍ:

_ طب اساعده إزاي؟ ارجلع ثقته بنفسه إزاي؟

أجابتني بهدوءٍ:

_ زي أي زوجة بتكسب جوزها... بالمودة يا فاطمة... زعقلك متروحيش تنامي وتسبيه لاء حضرلي أكل حلو بيحبه وحطيه بشكل حلو... اهتمي بلبسه وخرجيه يلبسه... جوزك عنده عيب في رجله فالأكيد هيحتاج مساعدة لحاجات كتير لاحظيها وأعمليها... بس خلي بالك إن الحاجات الخاصة بالعرجة هيتعصب عليها عليكِ لأنها منطقة حساسه أوي عليه وعشان تكسبي ثقته هتاخدي وقت.

تنهدت بثُقل ثم حدثتُها بإماءة:

_ حاضر يا دكتور... في حاجة تاني اعملها؟

ردت بإيجابية عليّ:

_ أيوة... لما ياخد على اهتمامك غيري ديكور الأوضة أو دوري على حاجة بِعد عنها زمان كان بيحبها ورافض يرجعلها دلوقتي عشان الحاجة دي هترجعله شخصيته القديمة... بس دي آخر حاجة تعمليها عشان وقتها هيتحول تمامًا وممكن يتعصب لما تغيري الكهف اللي عايش فيه... قبل ما تغيريها قوليلي.

:_ حاضر يا دكتور.

عادت ذكراها لأرض الواقع تعود لتزفر مرة أخرى لعل توترها يختفي، تمد كفها لتفتح الباب ثم دلفت إلى الغرفة لتغلق الباب خلفها، فوجدته يقف بالشرفة، تقدمت له واضعة الطعام على طاولة صغيرة بها، انتبهى غفران لها واستدار ينظر لما تضعه، فصوت الأطباق أصدر ضجيج مزعج، وسرعان ما تفاجأ بالطعام المصنوع، ليهتف بدهشة واضحة:

_ مين عمل الأكل دا؟

ابتسمت فاطمة ببعض السعادة لاستجابته لها، تجيبه بحماسٍ:

_ أنا اللي عملته... مفيش حد في البيت وكده فقررت أشيل مسؤولية أكل والشرب بتوعنا.

نظر لها قليلًا، ثم تحرك نحوها دون عكازه بعرجة واضحة، حتى وقف أمامها لتخفض بصرها سريعًا تتجنب النظر له، فردد بهدوءٍ:

_ مين قالك على الأكل دا!

ازدردت لعابها بصعوبةٍ، يتخلل انفها عبقه، تجيبه ببعض الحرج:

_ سألت يعني إيه الأكل اللي بتحبه وعملته.

بقى مكانه لعدة دقائق يتطلع لها بصمتٍ فقط أنفاسه المنتظمة هي المسموعة، تعجبت فاطمة من صمته، فرفعت بصرها نحوه لتجده لايزال يسلطه عليها، وما كادت أن تتحرك حتى قال غفران:

_ ليه؟ بتعملي كده ليه معايا يا فاطمة؟

فركت كفيها بتوترٍ، ثم نظرت نحو الطعام قائلة ببسمة متوترة فهو بمنطقة محذورة قريب منها للغاية:

_ الأكل هيبرد وأنت...

:_ أنا سألت سؤال ليه بتعملي كده معايا!

قاطعها بنبرة حادة، لتنظر له ببعض الشجاعة تجيبه:

_ معتقدش لما أعملك أكل هيكون وراه سبب مريب للدرجة دي يا غفران باشا بطل تفخم الأمور في حق نفسك.

ابتسم بسخرية عليها، ثم تحرك ليدلف إلى الداخل، بينما اتسعت عين فاطمة وهي تراه يبتعد عن الشرفة بأكملها لتردف بعصبية:

_ أنت مش هتاكل؟

اجابها ببرودٍ:

_ لاء.

إلى تلك النقطة وانفجر بركان الغضب لدى فاطمة لتتحرك نحوه تمسكه من ذراعه بشدة كي يستدير لها، وبالفعل نجحت بذلك لتردف بعصبيةٍ مفرطة:

_ يعني ايه مش هتاكل! أنا روحت السوق لوحدي وجبت كل حاجة ووقفت عملتها بنفسي وطلع عيني عشان اجبلك الأكل لحد عندك وفي الأخر تقولي لاء! أنت مبتحسش؟

لا تعلم أن أخر ما قالته هو بمثابة مفتاح لإعادة جروحه مجددًا تُفتح، نظر لها بألمٍ لم يستطع اخفاؤه قائلًا:

_ بظبط مبحسش يا فاطمة وابعدي عن واحد مش بيحس... عشان اللي مش بيحس بيوجع اللي حوليه بسهولة.

نزع يدها عن ذراعه، ليكمل سيره نحو الفراش، بينما استمعت فاطمة لحديثه وشعرت بالضيق من نفسها واندفاعها بالحديث، لتسرع نحوه حتى وقفت أمامه قبل أن يجلس على الفراش قائلة باعتذار وهي تتطلع لحدقتيه:

_ أنا مقصدش المعنى اللي فهمته... بس عايزاك تاكل مش أكتر أنت بقالك يوم بحاله محطتش لقمة وكده غلط على صحتك.

ارتسمت السخط على ملامحه متمتمًا:

_ وأنتِ خايفة على صحتي فعلًا؟

ابتسمت بحبورٍ له، تجيبه بإماءة تمسك كفه ليتحرك معها نحو الشرفة:

_ أيوة طبعًا خايفة عليك... يمكن مش متفقين مع بعض بس عمري ما هتمنى ليكِ حاجة وحشة.

:_ طب ما أنا كده كده عندي العرجة مش محتاجة تشوفي فيا وحش وهو فيا من الأول.

قالها بسخرية عليه، ولكن قلبه كان ينبض بالخوف كي لا يرى جرحًا جديد، يكفي ما تجرعه بالماضي، ولكن لأول مرة سيفتح موضوع تلك العرجة، تجمد جسد فاطمة فجأة تتطلع نحوه بدهشةٍ، تترك ذراعه وهي تدير كامل جسدها لتصبح أمامه قائلة بدهشةٍ عالقة بها:

_ هو أنت شايفني إزاي يا غفران؟ أو شايفني بشوف عجرتك إزاي؟

***********

جلست على مقعد بالمطبخ لا تعلم ما الذي ستفعله، تشعر بالضياع من عدم معرفتها لصنع الطعام، أدمعت عينيها ببعض الخجل من نفسها لعدم قدرتها على صناع طعام سوى بيضة مسلوقة، وضعت وجهها بين راحتي يدها تجهش في البكاء بعدما نظرت للساعة لتجد أنها مر على خروجها من الغرفة أكثر من ساعة ونص، تشعر بالفشل الحقيقي من كونها لا تعلم حتى أبسط واجباتها وهي الطهي، ليأتي هذا الجرح ويزيد من شدة ألمه بداخلها، تتذكر والدتها والمعلمين عندما اجتمعوا سويًا في أنها فاشلة...

" يقين قومي... وهو أنتِ مفيش فايدة فيكِ أضربك مش نافع... أهزقك مش نافع معاكِ ودرجاتك زي الزفت كلها... هتفضلي فاشلة لحد أمتى"

نظرت لمعلمتي بأعينٍ باكية، ثم شعرتُ بتلك اللحظة بالحرج والانكسار وسط زملائي، تسيل دموعيّ على وجنتي لتحفر بداخليّ ألمًا لن انساه، استمعت لمعلمتها تكمل حديثها:

_ المرادي مش هعدي درجاتك اللي زي الزفت دي وهكلم والدتك يمكن تشوف صرفه معاكِ.

نفيتُ برأسي قرارها، ثم أسرعت بالحديث كي لا تفعل ما نوته:

_ لالا عشان خاطري يا ميس بلاش تقوليلها.

لم أرَ سوى بسمتها الشيطانية التي تعلو ثغرها، عندما علمت بخوفي من والدتي، فوجدتها تردف بشرٍ وكأنها تنتقم من فشلي الذي لا ذنب ليّ به:

_ يبقى هكلمها يا يقين... واتفضلي أطلعي قدام وارفعي أيدك الاتنين عشان تبقى عبرة لباقي زمايلك يا فاشلة.

وقفت كما طلبت مني معلمتي، تدفعني بكفها حتى اصطدمت بالحائط، تسيل دموعي من نظرات الشفقة وأخرى ساخرة الساقطة عليّ، ما ذنبي في فشلي!، أنا لم أكن فاشلة بيوم، ولكن عقلي لا يمكنه فهم ما تقوله؟ ما ذنب أنني احتاج لأن تُعيدوا الشرح مرتين حتى استطيع استيعاب ما تقوله.

مضى هذا الوقت بصعوبةٍ عليّ، استمع لسخرية الجميع عليّ وأنا أسير للداخل حتى أجلس بأخر مقعد بالفصل وحدي لأنني فاشلة كما يرون، أتى موعد عودتي وأتت معلمتي معي تتحدث مع والدتي وتخبرها بتفنن عن مدى فشلي الدراسي ولكن ما جعلني أفقد ثقتي بها وبحياتي كاملة أن والدتي استجابة لها تخبرها عن فشلي في إكمال أي مهمة منزلية بشكل سليم، ولكن سخرت معلمتي عليا ضاحكة وعلقت سخريتها بعقلي:

_ مش فاهمة ايه كمية الغباء اللي فيها دي... ياريت تعرضيها على دكتور يقيس ذكائها بدل ما تعدي صحابها بالغباء.

استمعت لانشطار قلبي بعدما وقع حديثها على مسمعي، تشد والدتي يدي لنغادر المدرسة ولكن أثناء الطريق لم أسلم من توبيخها القاسي ليّ، وحرمت من كل شيء حلو وقامت بحبسي في غرفتي دون أن تعلم ما سر فشلي، بقيت صامتة ولكن شقيقتي فاطمة كانت تساعدني بمنحي بعض الحلوى..

انتفضت من مكانها تستمع لصوت جبران الذي ينادي عليها وهو يقف على اعتاب الباب، رفعت بصرها بوجهٍ باكي، ليسرع نحوها بقلقٍ قائلًا:

_ مالك يا يقين ؟

نظرت له بخذلانٍ، ثم عادت تغرق الدموع عينيها دون هبوط، تجيبه بصوتٍ مبحوح:

_ أنا مش عارفة أعمل أكل خالص وقفت تايهة ومش عارفة أعمل حاجة!

قطب جبينه بتعجبٍ يردف بسؤالٍ:

_ طب ليه سألتني أكل إيه؟ افرضي قولت أكله صعبة!

هبطت دموعها بتلك اللحظة، تجيبه بصوتٍ مختنقة أثر دموع:

_ فاطمة قالتلي أطلع اسألك لحسن تكون مبتحبش تاكل البشاميل... وقولت لو هتقول أكل اجيب طريقتها من النت وأعملها بس معرفتش حتى أجيب حاجة... كلهم صح أنا فاشلة في كل حاجة وغبية.

مد يده يزيل دموعها سريعًا، يشعر بأنها تُعاني من شيء في تلك الكلمات، فليست المرة الأولى التي ترددها، أردف بحنوٍ:

_ طب اهدي خلاص متعيطيش يا يقين... تعالي نعمل أكل سوا ونثبت أن يقين شاطرة وعمرها ما كانت فاشلة زي ما بيقولوا.

ظلت تشهق بقوةٍ، تمسح دموعها بظهر يدها متسائلة:

_ إزاي! أنت بتعرف تعمل أكل؟

حرك رأسه بنفيٍ، يجيبها بحبورٍ ممسكًا كفها لتنهض معه يتجهان إلى الخارج:

_ لاء مليش فيه بس هنتفرج على فيديو لأكل سريع وناكل إيه رأيك!

منحته إماءة صغيرة تبتسم من بعض شهقاتها الخفيفة، تتحرك معه ليروا فيديو عن بعض الوجبات السريعة، فوجدوا فيديو لطريقة اعداد مكرومة مبقبقة، بدأوا بصنعها بعدما شاهدوا الفيديو ثم وضعوا ما قالته ولكن وجدت يقين بعض أصابع السجق لتأخذها وتقطعها واضعة إياها مع المعكرونة، وانتظروا حتى تطيب وتصبح كاملة الطهي، وبالفعل انتهوا ولكن كانت مليء بالنشا الزائد، وضع ما صنعوه بطبق واحد ثم احضروا معلقتان وجلسوا على الطاولة الموضوعة بالمطبخ، نظر جبران لها ثم إلى الطبق قائلًا:

_ ما تدوقي أنتِ الأول.

حركت رأسها بنفي، تمد له الطبق قائلة ببسمة متوترة:

_ لا كل أنت الأول أنت تعبت في التقليب.

حاول جبران الهروب من أن يتذوق ما فعله بقلقٍ مردفًا:

_ لا كده هنعد من 1 لـ 3 ونبدأ ناكل.

زفرت يقين بغيظٍ منه، كانت تريد أن ترى هل حلو المذاق لتأكل أم لا فتبتعد!، مدت معلقتها لتبدأ العد ثم تناول الأثنان سويًا الطعام، تحولت ملامحهما لرضا عما فعلاه، لتردف بسعادةٍ:

_ طلع طعمها حلو يا جبران طعمها حلو.

ابتسم للسعادة الظاهر بملامحها، تعود لتناول مجددًا بنهمٍ، ليردف جبران بحبٍ:

_ عارفة طلعت حلوة ليه؟

نظرت له لاهتمامٍ وهي تلوك المعكرونة بفمها، ليسترسل جبران بحنوٍ دافئ:

_ عشان أنتِ اللي عملتيه يا يقين.

ابتسمت بخجلٍ ممزوج بسعادةٍ، يكملان تناول طعامهما سويًا مع تبادل الحديث سويًا.

***********

نظر لها بسخطٍ، يتأمل ملامحها التي تنتظر الإجابة، ليردف بصوتٍ ساخر متألم:

_ هتكوني شيفاني إزاي! انسان أعرج... عاجز عن أنه يكون طبيعي... بالمعنى يعني ناقص وهتعبك في حياتك... خسارة فيا أي حاجة عشان عجزي مقرف وهيسبب احرج لأي حد هكون معاه.

مع كل كلمة تُقال كانت تتسع مقلتيها بصدمةٍ، تشعر بصفعة قوية، فهمت سر عدم مغادرته معها، تحركت حتى أصبحت أمامه مباشرة لا يفصلهما سوى إنش بسيط، تردف بقوةٍ:

_ أنت غبي أوي يا غفران عشان تفكر كده بجد.

تهجمت ملامحه بغضبٍ، في حين اسرعت فاطمة تسترسل حديثها ببسمةٍ حانية:

_ أنا عمري ما شوفتك كده يا غفران... لو كنت بقول خسارة فبقولها من عمايلك مش من عرجتك... مين قالك إني بصيت عليها!

تضاربت أفكاره كلها، يشعر تياه شديد، يجيبها بقوة زائفة:

_ كلكم تفكيركم كده.

عادت سؤالها مرة أخرى باصرار:

_ أنا بسألك عني أنا... أنا قولتلك كده ولا بصيت على عرجتك!

نظر لها باضطراب قوي، تعيد بصيرته للأمور مرة أخرى ليردف بدفاعٍ عن معتقداته، ولكن اهتزت نبراته:

_ أنتِ رفضتي الجواز واتكلمتي إني مستحقش شيء!

كان قد تراجع للخلف عدة خطوات مبتعدًا عنها، لتقترب منه فاطمة تمسك بوجهه بكلا كفيها حتى تقع عينيه على خاصتها، تجيبه بصوتٍ دافئ:

_ ودا ليه يا غفران؟ عملت كده ليه؟ رفضت جوازك أول مرة ليه؟ مش أنت خنقتني بالعكاز؟ مش أنت برضو اللي قطعت كتابي وقررت تحملني ذنب ناس أنا مليش علاقة بيهم... كل دا مفهوش عرجتك يا غفران...

ازاح يديها عنه، يتمتم بصوتٍ متعب:

_ أنتِ عايزة توصلي لإيه بظبط!

اجابته ببساطة:

_ عايزة تخرج من الدايرة دي يا غفران لا أنتَ كده ولا دي طريقتك.

نظر لها بألمٍ واضح، يبتعد عنها ليقترب من الشرفة، قائلًا بتجاهل لحديثها:

_ هاكل الأكل اللي عملتيه وتبعدي عني خالص.

ابتسمت بمكرٍ على نجاح خطتها، جلست على الأريكة لتترك له مساحته بالتفكير بينما بدأ بتناول الطعام الذي اعدته، تناول بنهمٍ من لذة طعمه ولكنه يفكر بحديثها، لتعيد رؤياه للموضوع مجددًا، انتهى من تناول الطعام حتى تحرك من مكانه ليقف بمنتصف الغرفة دون النظر لها قائلًا:

_ تسلم ايدك الأكل حلو.

تحرك من أمامها بعرجته سريعًا، في حين ابتسمت فاطمة بسعادةٍ من اطراقه لما صنعت، تحركت نحو الطاولة وحملت الصينية وقررت أن تهبط للأسفل لتصنع له مشروب يتناوله، فقد نجحت خطتها، وبالفعل وصلت للمطبخ لتجد جبران يحتسي الشاي مع يقين سويًا يضحكان على شيء ما، ابتسمت لهما تتقدم نحوهما برضا، قائلة بتسأل يحمل بعض الحرج:

_ معلش يا جبران متعرفش غفران بيحب يشرب إيه؟

ابتسم لها ببعض السعادة لاهتمامها بشقيقه، يجيبها سريعًا:

_بصي بيحب يشرب قهوة مظبوط بعد الغدا... ولما بيقعد لوحده بيحب يشرب عصير فريش... وكَـ حلويات عشان لو حبيتي تعملي له بيحب الحلويات الشرقي جدًا.

ردت شاكرة بامتنان واضح:

_ شكرًا بجد يا جبران.

بادلها الابتسامة قائلًا:

_ على ايه أنتِ اختي.

تحركت فاطمة لتعد القهوة، بينما تحرك كلًا من يقين وجبران إلى غرفتهما بعدما استقر الأمر بينهما قليلًا، ثم انتهت فاطمة من اعداد القهوة وصعدت بها إلى الأعلى تدلف إلى غرفة بخطواتٍ حذرة حتى استطاعت وضعها على الطاولة الشرفة، ثم دلفت للغرفة مجددًا تنظر إلى غفران القابع على الفراش لتردف ببسمة صغيرة:

_ القهوة بتاعتك جاهزة يا غفران... تعالى اشربها في البلكونة.

رفع حاجبه باستنكار، ينهض من مكانه يتحرك نحوها قائلًا ببعض المكر:

_ أنتِ فيكي إيه بظبط؟ من الصبح غدا حلو ودلوقتي قهوتي؟ ومتقوليش عايزة تخرجيني من الدايرة بتاعتي... أنا لو أذيتك أذى صغير هترجعي تقولي بكرهك ومبحبكش!

لاحظت المكر الدائر بحدقتيه، لتبادله المكر:

_ حتى لو أذتني يا غفران فأنا متأكدة أنك مش هتعمل كده...

توقفت عن الحديث ترفع كفها لتضعه على قلبه، مسترسلة بهمسٍ:

_ لأن قلبك دا عمره ما كان وحش يا غفران.

ازدادت دقاته اضطرابًا، يتحرك بعيدًا عنها، يبتسم بسخريةٍ قائلًا:

_ معاكِ حق هو عمره ما كان وحش... بس اتلوث من عالم الأذى وعشان كده ممكن أأذيكِ.

انقلبت الدفا وأصبحت هي من تشعر بالتوتر، ابتسم غفران بمكرٍ ما أن رأى اضطربها ثم تحرك نحو الشرفة يرتشف من قدح القهوة بتلذذ، وأخيرًا انتصر بمعركته معها بالحديث.

**********

أصبح الجوا هادئ بين الجميع، يرسل جبران فيديو للطعام الذي يريده وتبدأ يقين بصنعه تارة تنجح وتارة تفشل، بينما تقف فاطمة تعد الطعام لغفران الذي قرر تجنب الحديث معها منذ هذا اليوم فقد أصبح مكشوف للغاية وعلمت أن لحظة المواجهة القادمة سيحاول ابعادها عنه، في حين يجلس عامر مع ملك يذاكر دروسه بينما هي تكمل باقي لوحتها حتى تحين الدراسة.

********

قبضت على كف شقيقها بخوفٍ وهي تسير إلى جواره بالشركة، تتأمل المكان حولها والعاملين به، حتى همس خليل لها بحبٍ:

_ اهدي يا ناهد الموضوع بسيط بس أنتِ اهدي.

أومأت برأسها ولكن عينيها تقطر بالخوف، هي لم تتحمل مسؤولية كهذه مر يومين وهي تأتي لهنا ولكن لم تعتاد على الوضع، دلفت إلى مكتب الخاص بشقيقها، تجلس على الأريكة إلى جواره متمتمة بخوف:

_ بلاش يا خليل أنا مش هقدر خليني مع البنات.

نفى خليل رأسه، يجيبها بأسف:

_ أنتِ عارفة أن دي أوامر الحاج جبران ومينفعش نخالفها عشان خوفك... لو عرف أنك خايفة كده اصلا هيزيد اصراره أكتر انك تفضلي هنا.

أدمعت عينيها بحزنٍ تردف بنبرة مختنقة:

_ غضب عني يا خليل... نفسي اشوفهم ويكونوا جنبي... دا حتى مكالمة التلفون منع إني اعملها للبنات وأني اطمن عليهم.

اخرج تنهيدة مطولة، ثم قال بحنو:

_ معلش هيجي وقت وترجعي، يلا تعالي نشتغل وبصي على الملفات دي زي ما عودتك.

نهضت معه لتنظر إلى عملها ولكن قلبها منفطرًا على فراق بناتها.

**********

:_ تعرفي يا فاطمة إن غفران كان بيعمل بحث عشان يعالج أرض والدته لأنها كانت بتموت الزرع.

قالتها يقين بعفويةٍ دون شعور، بينما استدارت فاطمة بكامل جسدها تنظر بتعجبٍ لها قائلة بدهشة:

_ وعرفتي منين؟

ضربت يقين على جبينها فجأة تتذكر تحذير جبران لها، تنظر لشقيقتها بتوترٍ، في حين تقدمت منها فاطمة تردف بأملٍ:

_ لا متسكتيش يا يقين... دا أنتِ ممكن تساعديني عشان اخرج غفران من حالة الحزن اللي فيه.

شعرت يقين بالشفقة على شقيقتها، تتمتم بصوتٍ هامس:

_ هقولك بس متعرفيش حد... غفران خريج كلية زراعة وكان بيحضر بحث عشان يعالج أرض والدته لأنها بتموت الزرع، ولما اتخرج في الحفلة عمل حادثة وخطيبته بعدها سابته ومن وقتها هو ساب كل حاجة.

استمعت لحديث شقيقتها بتدقيق لكل كلمة، تتذكر امساكه للأوراق بكل مرة ووضعه لها بالخزانة بإهمال إذًا هي بحثه عن الأرض وذهابه الدائم لهناك ليس سوى حسر على ماضيه، أيقنت أن الأرض التي يذهب لها تحمل مكانة بقلبه كبيرة، ابتسمت بسعادةٍ فهي أن جعلته يعود لأبحاثه سوف يتغير به جزءًا كبير، عادت تعد الطعام مرة أخرى تنتهى منه سريعًا ثم صعدت إلى الغرفة لتجده يمسك ببعض الأوراق يضعها بحقيبة مهترئة قديمة، تحركت تضع له الطعام قائلة بفضولٍ مزيف كي تستطيع فتح الموضوع معه:

_ هو ورق إيه دا!

نظر للطعام متجاهلًا سؤالها، يردف ببرود:

_ تسلم ايدك.

رفعت فاطمة حاجبها بضيقٍ من طريقته، لتمسك كفه قبل أن يمسك الخبز قائلة:

_ رد على سؤالي!

:_ اعتقد دي حاجة تخصني!

قالها ببرودٍ قاتل، لتبتسم تبادله البرود قائلة:

_ وأنا مراتك فاللي يخصك يخصني.

نظر لها بتحدٍ قائلًا:

_ وأنا حالًا هخليكي مش مراتي!

"اشتركوا على قناتنا على تليجرام أو قناة واتساب ليصلكم أحدث الفصول والتنبيهات فور نشرها"

واتسابتليجرام
admin
admin
تعليقات